الثلاثاء , 21 يناير, 2025
إخبــارات
الرئيسية » قـــراءات » الأزمنة الحديثة والنهضة: مجلتان جديدتان تعززان الحقل الفكري المغربي

الأزمنة الحديثة والنهضة: مجلتان جديدتان تعززان الحقل الفكري المغربي

dawriyat_13.1تعزز الحقل الثقافي والفكري المغربي في السنوات الأخيرة بمجلتين فكريتين جديدتين، الأولى تحمل اسم الأزمنة الحديثة (مجلة فلسفية تعنى بشؤون الفكر والثقافة، مديرها المسؤول هو إسماعيل العلوي ) والثانية النهضة (مجلة فكرية، مديرها المسؤول هو الاقتصادي نور الدين العوفي). كل واحدة منهما أعلنت عن مشروعها وطموحها. وهما يلتقيان معا – كل واحدة منهما حسب مقتضيات تشخيصها – في السعي الحثيث لمواجهة الأسئلة الصعبة التي تستلزمها مطالب الحداثة ومهام النهضة في معانيها العامة والشمولية.

صدر العدد الأول للمجلة الأولى الأزمنة الحديثة في شهر أبريل 2008، وهي اليوم في عددها الخامس. خصت عددها الأول بملفين الأول عن قضايا التنوع الثقافي والمواطنة المشتركة، والثاني عن اليوم العالمي للفلسفة الذي خصص موضوعه 2008 للنساء الفيلسوفات وأعمالهن؛ كما تضمن رجوعا عبر الترجمة إلى ما الأنوار؟ من خلال كانط مؤسس السؤال، وفوكو الذي رجع إليه، وتودوروف الذي ذكر به.

كانت هذه هي عناوين العدد الأول التي حاولت من خلالها المجلة أن تشتغل على ما اعتبرته في تشخيصها :”التوتر ” و”المفارقة” و “الانفصام” بين الممارسة والنظرية، وبين الوعي والفعل. لهذا شهدت المجلة على نفسها بالقول: “تهدف الأزمنة الحديثة إلى المساهمة في الانفتاح على مكتسبات الفكر الحديث والمعاصر والمزاوجة بين السؤال الفلسفي-النظري والسؤال التاريخي-الاجتماعي، على اعتبار أن ذلك السعي يتوخى الإحاطة براهننا الحاضر عبر الوقوف على محدداته الأساسية، وشروط تجاوز العوائق الثقافية والفكرية والاجتماعية التي تحول دون الانخراط الفعلي في الزمان الحاضر والإسهام في إغناء الحضارة الإنسانية، عبر تأصيل الإبداع وتنسيب التراث”(من كلمة التحرير، ص:6).

وهو الاختيار الذي كرسته في عددها الثاني(مارس 2010)، – أي بعد سنتين عن العدد الأول  ودون أي توضيح للقراء حول أسباب هذا التأخر- حين عالجت قضايا العقيدة (في الواقع الدين) والعنف، معتمدة السند الفلسفي والأنثربولوجي وتاريخ الأديان المقارن. كما أنها رجعت إلى سؤال الأنوار مرة ثانية في عددها الثاني لاستعجاليته واستمراريته.

لم يخرج الإصدار المزدوج (العددان: الثالث والرابع/غشت 2011) عن الخط التحريري الذي ازداد وضوحا وقوة بالوقوف المتأمل عند التراث وسؤال الحداثة عند كل من محمد عابد الجابري ومحمد أركون، كل من موقعه ورصيد مكتسباته على مستوى النظرية والمنهج. كما أن مادة العدد المزدوج ازدادت غنى بطرحها لقضايا فلسفة التربية والسياسات التربوية وعلاقة الأنوار بالحداثة. مع انفتاح على التحديات التي تطرحها “الثورات العربية” على الفلسفة من منظور حسن حنفي..

حمل العدد المزدوج جديدا على مستوى التصور (وإن كانت ملامحه بارزة منذ العدد الثاني من خلال نشر أرضية ملف “فلسفة التربية والسياسات التعليمية” باللغتين العربية والفرنسية) ألا وهو إضافة قسم باللغة الفرنسية. وهي مناسبة طيبة لتغذية الازدواجية وللحفاظ على نوع من التقابل والحوار بين الكتابة والتفكير باللغتين العربية والفرنسية؛ كما يسمح هذا الاختيار باستضافة أقلام لا تكتب بالعربية.

في عددها الأخير (الخامس/صيف2012) ركزت الأزمنة الحديثة على أسئلة الحرية ورهاناتها مقاربة إياها من منظورات متقاطعة ومتكاملة ولكن مختلفة (فلسفية، لسنية، سوسيولوجية، أدبية ودينية). ورجعت بشكل منتظم لسؤال الأنوار مرة أخرى لتعالجه في علاقة بالحداثة معتمدة مدخل علاقة الإنسان بالمقدس والدنيوي، والمدخل السياسي، ومدخل تتبع الإنتاج العربي حول التنوير. أما القسم الفرنسي فتضمن دراسات قيمة حول الحرية من منظور فلسفي، وكذا الحداثة والتراجيديا في فكر لوكاتش. كما تم تخصيص ملف لتكريم ذكرى عبد الكبير الخطيبي حمل عنوان “صورة الذات في رؤية الآخر ” تضمن مواد مهمة تعكس مكانة الفقيد في عالم الأدب والفن والفكر عموما.

يظهر من خلال هذا التتبع الأولي أن مجلة الأزمنة الحديثة اختارت بعد تشخيصها للحقل الثقافي أن تنتصر للحداثة ولقيم التنوير، وأن تسعى للمساهمة بجانب المنابر التي لها نفس الاختيار في إرساء فضاء لإنتاج الأفكار ومناقشتها وتداولها.

أما مجلة النهضة، فصدر عددها الأول ربيع 2012، وتعرّف نفسها بأنها “مجلة فكرية سياسية تعنى بالتأصيل النظري، والتجديد الفكري والرؤيوي، لقضايا النهضة، والحداثة، والتقدم، والديمقراطية، والتنمية، والوحدة، والعدالة الاجتماعية، والمواطنة، والتحرر الاجتماعي، والثورة الثقافية وسواها من الأهداف النهضوية. وتلتزم خيارا نقديا بناء، في تناولها هذه المسائل، على قاعدة تمسكها بقيم الحوار، والمناظرة، والاجتهاد، من أجل بناء إدراك مشترك لتحديات العصر الجديدة”.

ويظهر من خلال العددين الصادرين لحدود الآن، أن المجلة اختارت التفكير في شروط النهضة والاستئناف الحضاري من موقع المحلل الناقد المشرِّح.

ركز عددها الأول في مكونه الأول (مدار النظر) على مفهوم النهضة، كما حاول تحديد مدى الحركة الإصلاحية الإسلامية وتخومها، وإبراز مفارقات الإسلام المبكر عبر مدخلي السلطة والنفوذ. انتهى المكون الأول بتناول المقدمات الضرورية لبناء الدولة المدنية. أما المكون الثاني (جوامع الكلم) فانتظم حول مكونات المشروع الحداثي، وقضايا التقدم والتأخر، منتهيا بالنخبة الصغيرة للمغرب الكبير.

توقف العدد الأول أيضا في باب (نوازل وفواصل) عند المخاض الديمقراطي العسير في الوطن العربي، وعند مفارقات وتحديات الثقافي في الثورات العربية؛ كما بحث علاقة الكتلة التاريخية بالربيع العربي. أما مدير المجلة فقدم هوامش على دفتر الثورة العربية؛ ليختتم  محمد العمري العدد بقراءة كتاب: وثائق جيش التحرير في جنوب المغرب.

في عددها الثاني (صيف 2012)، رجعت مجلة النهضة إلى مهام الاستدراك والاستئناف من باب إعادة فتح ملف اليسار تفكيرا وتحليلا ونقدا واقتراحا. فقدم (هلال القول) أسباب نزول اختيار الملف وحيثياته، منتهيا إلى الأفق: وحدة اليسار وبيانها.

في (جوامع الكلم) تمت مراجعة اليسار المغربي في ضوء تاريخ الوجود وتجربة العدم؛ كما حددت مواصفات مكتبة اليسار المطلوبة لتغذية المصادر الفكرية للعمل السياسي. وقورن المشروع الثقافي للحركة الوطنية واليسار، وفحصت المسالة الاجتماعية. وطرحت، مرة أخرى، أسس وحدة اليسار وأفقه، ومسألته التنظيمية، مع توقف عند مفهوم الكتلة التاريخية والأسئلة التي يطرحها…

تميز (مدار النظر) الخاص بالعدد الثاني بتقديم الصيغة العربية  لدراسة أصيلة حول: دور الاعتقاد في الاقتصاد، وما يمكن أن تلعبه المعتقدات في سيرورة التنمية الاقتصادية. وتمت معالجة مفهوم الحضارة في العالم العربي انطلاقا من مقارباته. لكن مدار النظر عرج على أصول القومية المغاربية..

استضاف باب (مقابسات ونقول) وثيقة تاريخية، هي عبارة عن “مقتطف من حديث مرتجل للمهدي بنبركة مع مسيري فرع حزب الاستقلال بتطوان بتاريخ 31 يوليوز 1958” يعرض فيها المهدي بنبركة شروط ومهام بناء مجتمع مغربي جديد…

ويختتم محمد العمري العدد الثاني بقراءة في الترجمة العربية لـأخبار أحمد المنصور سلطان المغرب، لتقدم بذلك النصوص التاريخية بأعين البلاغة …

فهنيئا للمجلتين بقرارهما المساهمة في البناء الفكري النقدى لممكنات المستقبل من باب تكريس أهمية الفكر والاعتبار في كل اختيار.

- محمد زرنين

جامعة محمد الخامس – كلية الآداب – الرباط

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.