مدخل وإشكال
في سياق المساهمة في إرساء ثقافة الاطلاع والمناقشة البناءة للتقارير الدولية والوطنية الصادرة في شأن المسألة التربوية ورهانات التنمية، وفي إطار الانشغال الثقافي لمجلة رباط الكتب في تناول تقرير المعرفة العربي الثاني 2010/2011 (إعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة)، تندرج ورقتنا هذه لتقارب المضمون العام لهذا التقرير بما يثيره من قضايا وإشكالات بالتركيز على زاوية القراءة المقارنة والمتقاطعة بين نتائجه وخلاصاته من جهة، ونتائج وخلاصات تقرير البرنامج الوطني لتقويم التعلمات، علما أن التقرير الأول يركز على الأداء المعرفي للمنظومات التربوية في الوطن العربي بشكل عام من خلال ثلاثية المهارات والقيم وبيئات التمكين، في حين يركز التقرير الوطني على تقويم التعلمات التخصصية ارتباطا بالمناهج الدراسية المطبقة بالمدرسة المغربية.
وقد حاولنا في هذه الورقة الالتزام قدر الإمكان بالمطالب المنهجية التي وردت في الأرضية الموجهة للمائدة المستديرة ألا وهي مطلب الانطلاق من مضمون التقرير دون الوقوف عند حدوده، ومطلب الجمع بين التناول الموضوعي والنقد البناء مع اقتراحات التطويرومطلب التوقف عند الحالة المغربية في القراءة .
أما الأسئلة التي وجهتنا في هذه الورقة فهي:
- ماهو سياق التقريرين موضوع الدراسة وما أهدافهما؟ وما هي الهوية المفاهيمية والمنهجية التي تطبع كلا منهما؟ وما النموذج التحليلي المعتمد من طرفهما في التعاطي مع نتائج البحث الميداني رصدا وقراءة وتفسيرا؟
- ما هي نقط التقاطع والتباعد بين التقريرين موضوع الدراسة؟
- هل يمكن رسم بعض الحدود المنهجية في هذين التقريرين؟
- ما هي آفاق التطوير الممكنة؟
وستكون إجابتنا عن الأسئلة السالفة الذكر اعتمادا على مقاربة وصفية تحليلية للتقريرين موضوع المداخلة بغية استجلاء نقط التقاطع والتباعد من حيث السياق والهدف العام والمرجعية المفاهيمية والإطار المنهجي والنموذج التحليلي المستعمل في كل منهما والاستنتاجات المستخلصة والتوصيات والاقتراحات التطويرية المقدمة. وفي صلب هذه المقاربة الوصفية التحليلية ستكون لنا فرصة إبداء بعض الملاحظات وطرح بعض التساؤلات من باب التعامل النقدي مع التقريرين.
- 1.التعريف بالتقريرين موضوع المداخلة
يندرج تقرير البرنامج الوطني لتقويم مكتسبات التعلم (المغرب 2008) في إطار تعزيز ثقافة التقويم وتطوير أساليبه،وهو خيار استراتيجي لربح رهانات المدرسة المغربية الجديدة جسده المجلس الأعلى للتعليم من خلال تقريره الأول الصادر سنة 2008 بشأن حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها والذي أكد فيه على ضرورة التوفر على أداة موضوعية وموحدة وطنيا لتقويم مكتسبات المتعلمين. من هنا جاء البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي في تجربته الأولى سنة 2008 بدعم علمي من الهيئة الوطنية للتقويم وتعاون مع وزارة التربية الوطنية من خلال المركز الوطني للتقويم والامتحانات. وتكمن خصوصية هذا البرنامج التقويمي في كونه يزاوج بين منظورين “الأول قياسي” أي قياس مكتسبات التلاميذ في المواد الدراسية الأساسية وفي السنوات الحاسمة من مسارهم الدراسي، و”الثاني بحثي” يستجلي المتغيرات المدرسية والأسرية والسوسيواقتصادي المؤثرة في التحصيل الدراسي. كل ذلك في أفق وضع خطط ملائمة للتعديل والمعالجة والتصحيح. ( المجلس الأعلى للتعليم البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي، التقرير التركيبي، ص5)
نحن إذن أمام تقرير مؤطر بمقاربة تشخيصية استشرافية تعكس الحاجة المستمرة للمساءلة المنتظمة لمكتسبات التلاميذ الدراسية باعتبارها مؤشرا يستنطق المردودية الداخلية للمنظومة الوطنية للتربية والتكوين. وينتظم مضمون هذا التقرير في محاور أربعة. الأول مخصص للتوضيحات المتعلقة بمنهجية اشتغال البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي، والثاني يتضمن أهم الاستنتاجات المستخلصة من تحليل نتائج هذا البرنامج التقويمي، والثالث يتناول نتائج تحليل الاستمارات السياقية المتعلقة بمختلف المتغيرات ذات العلاقة بالتحصيل الدراسي للتلاميذ، والرابع نجد فيه تصورا لآليات وسبل الضبط والتعديل والمعالجة من خلال جملة من التوصيات والاقتراحات.
أما تقرير المعرفة العربي (2011) بعنوان إعداد الأجيال الناشئة لولوج مجتمع المعرفة، فيستند على النتائج الأساسية لتقرير المعرفة العربي لعام 2009 التي أبرزت الفجوة المعرفية وهامشية الأداء المعرفي العربي، ومن ثمة ينطلق نحو التعامل التفصيلي مع موضوع إعداد الأجيال العربية القادمة للانخراط في مجتمع المعرفة على قاعدة التلازم بين ثلاثية المهارات والقيم والبيئات التمكينية. وبالتالي فتقرير المعرفة العربي 2011 لا ينحصر في سياق تقويم التحصيل الدراسي بل يشتغل على سؤال ثقافي وحضاري كبير بؤرته الأساس هي كيف نحقق نموذجا تنشئويا جديدا باعتماد صيرورة بنائية متواصلة قوامها ثلاثي الأضلاع: المعرفة والحرية والتنمية؟؟
ويتناول تقرير المعرفة العربي عملية تشخيص حال بناء النشء العربي من خلال تحليل الأدبيات المتوافرة حول الموضوع أولا، وثانيا من خلال النزول إلى الميدان ودراسة حالة أربع بلدان عربية لاستقصاء مستوى جاهزية الشباب العربي لولوج مجتمع المعرفة واقتراح منظومة للتحرك في اتجاه الدفع بهذه الجاهزية نحو الأمام في الوطن العربي. ويتكون هذا التقرير في بنيته العامة من جزأين الأول هو التقرير العام الذي يضم تأطيرا مفاهيميا ونظريا لموضوع إعداد النشء لمجتمع المعرفة وعرضا تجميعيا لنتائج البحوث الميدانية التي أجريت في اربعة أقطار عربية هي الأردن والإمارات والمغرب واليمن، من أجل استكشاف المهارات التي يمتلكها التلاميذ والقيم المستدمجة في وجدانهم والبيئات التمكينية المحيطة بهم. أما الجزء الثاني من التقرير فيتضمن دراسة الحالات الأربع من خلال تقييم شامل ومعمق لوضعية بناء النشء العربي في ضوء متطلبات مجتمع المعرفة إضافة لعرض تفصيلي لنتائج ابحث الميداني في كل حالة على حده.
- 2.مناقشة المرجعية المفاهيمية للتقريرين
نشير بداية إلى أن هناك مداخلات في هذه المائدة المستديرة مدعوة لقراءة الأبعاد المفاهيمية لتقرير المعرفة العربي الذي ينطلق من مفهوم واسع لمجتمع المعرفة يعتمد على ثلاثية المهارات والقيم والبيئات التمكينية. لذلك لن نخوض في هذه الورقة غمار هذا النقاش الابستيمي، ولك نكتفي بالإشارة إلى ما يتعلق بالبعد التربوي في المرجعية المفاهيمية لهذا التقرير ومقابلته بمثيله في تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي.
إن تقرير المعرفة العربي في سياق حديثه عن “مفهوم المهارات” يطرح إشكالية الاختلافات النظرية أو الاستخدامات المتعددة لمصطلحات الكفايات والمهارات والقدرات. وهي إشكالية نلمسها أيضا في الخطاب التربوي الناظم لمختلف التقارير المواكبة لمسار إصلاح المنظومة الوطنية للتربية والتكوين بالمغرب بما فيها تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي. وإذا كان تقرير المعرفة العربي يستخدم في تحليلاته مصطلح المهارات بمفهوم واسع يغطي العديد من الأبعاد المعرفية والشخصية والاجتماعية،فإن تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي يستخدم مصطلح الكفايات باعتبار أنه برنامج موجه لتقويم التحصيل الناتج عن العمل بالمناهج الدراسية الرسمية المبنية على مدخل الكفايات. غير أن استعمال مصطلح الكفايات في تحليلات التقرير غالبا ما يختلط مع المصطلحات المجاورة له كالقدرات والمهارات وأحيانا حتى المعارف.
أما بخصوص “مفهوم القيم” فإن تقرير المعرفة العربي يحيله إلى منظومة من المبادئ والمعايير المطابقة للطموحات العربية في اللحاق بركب المجتمع المعرفي وولوج دروب التنمية المستدامة ( الفصل التمهيدي، ص5).ويتحدث التقرير في رؤيته القيمية عن العديد من القيم كالالتزام المجتمعي والمشاركة الحضارية وقيم الانفتاح والتواصل مع الآخر واحترامه وقيم أخرى تتعلق بمنهجية التعلم إضافة إلى القيم الإنسانية الكونية. هذا البعد القيمي الوازن في رؤية تقرير المعرفة العربي نجده باهتا في تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي الذي استهدف فقط قياس المعارف والكفايات الضرورية وكأن القيم ليست مادة قابلة للتقويم التحصيلي أو يصعب تقويمها بالأدوات الاختبارية التقليدية. نقول هذا دون إغفال الاستمارات السياقية التي وظفها البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي لضبط المتغيرات المدرسية والأسرية والسوسيو- اقتصادية المؤثرة في التحصيل الدراسي والتي قد نعتبرها فرصة لاستطلاع تمثلات وآراء شركاء العملية التعليمية في محددات النجاح المدرسي والتي قد تحيل في عمقها إلى بعض القيم.
ويأتي الضلع المفاهيمي الثالث في مرجعية تقرير المعرفة العربي بعنوان “البيئات التمكينية” المؤهلة لولوج مجتمع المعرفة والمتمثلة في شروط الاحتضان والدعم بمختلف بنياته وأشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية. فالتمكين في رؤية التقرير هو المدخل المساعد على امتلاك المهارات التأهيلية وتمثل القيم الإيجابية. إن مفهوم التمكين هذا حاضر بشكل غير مباشر في تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي في المحور الثالث الذي يتناول بصفة مجملة المتغيرات المدرسية والاجتماعية والاقتصادية ذات العلاقة بمستوى التحصيل الدراسي للمتعلمين غير أن أفق هذا التناول يبقى محصورا في استجلاء مواطن القوة والضعف في الجوانب البيداغوجية للمنظومة التربوية على عكس المناولة المفاهيمية للبيئات التمكينية في تقرير المعرفة العربي التي تفتح أبوابا رحبة لمساءلة الشروط السياسية والحقوقية والثقافية والتنموية لاحتضان ودعم وتأهيل النشء العربي لولوج مجتمع المعرفة.
نستنتج في ضوء ما سبق أن التقريرين يتباعدان من حيث المرجعية المفاهيمية سواء من حيث المقاس أومن حيث العمق. فتقرير المعرفة العربي يتبنى رؤية ثقافية وحضارية متعددة الأبعاد بما فيها البعد التربوي. بينما ينحصر الفضاء المفاهيمي لتقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي في ما هو بيداغوجي مع الارتكاز على معجم التقويم التربوي، وحتى عندما يخرج عن هذا المعجم ليستقرئ محددات النجاح المدرسي في البيئة المدرسية والأسرية والاقتصادية، فهو يستثمرها في التقدير الإجمالي للمعارف والكفايات المكتسبة من قبل المتعلمين. لكن بالرغم من هذا الانحسار في نفق التقويم التحصيلي فإن فلسفة تقرير البرنامج الوطني لتقويم التعلمات تعكس الوعي بالحاجة المستمرة للمسائلة المنتظمة للمكتسبات الدراسية للتلاميذ ولإنجازاتهم ومدى ملاءمة المعارف والكفايات المحصلة لديهم لحاجات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمهنية ومستلزماتها ( مقدمة التقريري التركيبي 2008، ص 5).
- 3.مناقشة الإطار المنهجي والعدة المعتمدة في الدراسات موضوع التقريرين
في هذه المحطة من القراءة التحليلية الوصفية كان التركيز على القسم الأول من الفصل الخامس بالنسبة لتقرير المعرفة العربي وعلى المحور الأول من تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي. ويلاحظ أن التقريرين معا قدما التوضيحات المنهجية الخاصة ببناء الأدوات وتجريبها وتقنية انتقاء العينة ومعالجة البيانات إحصائيا. وأول ما يثير الانتباه في هذا المستوى من التحليل هو حضور جهاز أداتي يعكس منهجية الاشتغال لكل من الدراستين ذلك أن تقرير المعرفة العربي يتحدث عن بحث ميداني اعتمد خمس أدوات، ثلاث منها للطالب وواحدة للمدرس وأخرى لأصحاب الرأي المشاركين في ورش العمل. فيما يتحدث تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي عن مجموعة من الأطر المرجعية لتقويم التحصيل ومجموعة من الروائز خضعت لتجريب أولي قبل تمريرها بشكل نهائي بالإضافة إلى استمارات سياقية لرصد المتغيرات المؤثرة في التحصيل الدراسي، واحدة للتلميذ وثانية لولي الأمر والثالثة لمدير المؤسسة التعليمية. هذا دون إغفال بعض الدلائل المنهجية التي تم إعدادها والتي تخص عمليات التمرير والتصحيح ومراقبة الجودة. أما بالنسبة لعينات البحث، فكلا الدراستين اعتمدتا سحب عينة عشوائية طبقية ممثلة لمجتمع التلاميذ باستخدام طريقة التوزيع النسبي. أما بخصوص الاستبيانات الموجهة لباقي الفاعلين التربويين فتم انتقاء عينة من نفس المؤسسات التعليمية مع الحرص على الانتقاء العشوائي.
وبذلك يمكن القول إن التقريرين معا أبرزا التحلي بالصرامة المنهجية والاحتكام للمعايير العلمية المطلوبة في مثل هذه الدراسات التقويمية. لكن مناقشتنا لهذا الجانب المنهجي تدفعنا لرصد الملاحظات الآتية:
- بالنسبة لاختبار مهارات التلميذ: يتبين أن هذه الأداة في الدراسة موضوع تقرير المعرفة العربي استهدفت تقييم مكتسبات التلاميذ وفق منطق المهارات دون الارتباط بالمناهج الدراسية والتركيز بدل ذلك على ما يرتبط بالحياة اليومية للمتعلمين الذين هم في المستوى النهائي من المرحلة الثانوية واستكملوا الصف الحادي عشر من مسارهم الدراسي. بينما كانت الروائز الموجهة للتلاميذ في تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي مبنية انطلاقا من ثمانية عشر إطار مرجعي تمت بلورتها على قاعدة المناهج والبرامج الوطنية المقررة بالنسبة للمواد الدراسية ( اللغة العربية واللغة الفرنسية والرياضيات والعلوم) والمستويات الدراسية المعنية بالتقويم (الرابعة والسادسة من العليم الابتدائي والثانية والثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي)، أي أن التركيز في الدراسة المغربية كان على المعارف والكفايات التي يفترض على المتعلم أن يتحكم فيها. وبالتالي إذا كان البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي في المغرب محكوم بالمرجعية المنهاجية الرسمية وبالكفايات والمضامين المسطرة في المناهج والبرامج المطبقة ، فإن البحث الميداني موضوع التقرير العربي يحيل إلى مرجعية اسمها “منطق المهارات المرتبطة بالحياة اليومية” وهي مرجعية فيها نقاش بالنظر إلى ضبابية مفهوم المهارات ومفهوم الوضعية المشكلة. من جهة أخرى. وفي سياق الحديث عن مضمون بنود الاختبار، يتكلم التقرير عن ” شرط الحياد” سواء تعلق الأمر بالتخصص أو بالانتماء القطري أو بالمعجم اللغوي المستعمل. لكن كيف يمكن حساب أثر هذا الشرط الحيادي في جمع البيانات ومعالجتها إحصائيا وقراءة النتائج وتفسيرها؟؟
وبالعودة إلى اختبار المهارات في الدراسة العربية، نجده اعتمد تصنيفا ثلاثيا يزعم التقرير أنها مفاتيح الدخول إلى مجتمع المعرفة وهي المهارات المعرفية والوجدانية والاجتماعية (الجداول 5-1 و5-2 و5-3 ص 73-74)، وهو تصنيف يطرح مشكل التداخل بين الأنواع الثلاثة، فمثلا مهارة التخطيط للمستقبل التي وضعها التصنيف المعتمد في خانة المهارات الوجدانية، هي مهارة تتطلب مستوى ذهني ونضج اجتماعي ورصيد معرفي أكثر من مجرد وعي ذاتي وسلوكي. لا شك أن التصنيف المعتمد يعبر عن اختيار منهجي لأصحاب الدراسة حاولوا البرهنة على مصداقيته العلمية والتربوية ولكن ما هي تبعاته المنهجية وانعكاساته على النتائج في هذه الدراسة؟
- بالنسبة لمقياس القيم: نجده حاضرا في الدراسة العربية وغائبا في الدراسة الوطنية الخاصة بالمغرب. ربما تبدو هذه الملاحظة بديهية بحكم أن البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي استهدف المعارف والكفايات الضرورية التي ينبغي التحكم فيها دون الخوض في نوعية القيم المصاحبة لذلك في مكتسبات المتعلمين. بينما تشكل القيم رهانا استراتيجيا في إعداد النشء لولوج مجتمع المعرفة، لذلك جاء مقياس القيم في الدراسة العربية استنادا إلى توزيع ثلاثي يشمل البعد المعرفي والبعد الوجداني والبعد الاجتماعي ( الجدول 5-4 ص 75) إضافة إلى بعد كوني عرضاني في هذا المقياس الذي بلغ عدد بنوده (74) مما يؤشر على الوزن الكبير الممنوح للقيم في هذه الدراسة. لكن ملاحظاتنا على هذا المقياس هي أولا قضية التداخل بين القيم وثانيا الصياغات المعتمدة في المقياس لعرض القيم على التلاميذ والتي جاءت في شكل تصريحات تعبر عن درجات الأهمية التي تولى للقيم أو درجات الموافقة على بعض الآراء ذات العلاقة بالقيم، وكلها في رأينا أمور نسبية جدا لا يمكن الاطمئنان فيها لاستجابات التلاميذ، بحيث يصعب الوقوف على ما يستدمجه المتعلم من قيم وما يحوله بالفعل إلى ممارسات وسلوكات في الحياة.
- بالنسبة للاستمارة الموجهة للتلميذ: كل من التقريرين يتحدث عن استمارة /استبيان موجهة للتلميذ بغرض استقراء تصوراته تجاه البيئات التمكينية التي يعيش فيها، وذلك بالتركيز على العوامل التي لها علاقة مباشرة بالمهارات والقيم المراد تنميتها من منظور التأهيل لمجتمع المعرفة. هذا بالنسبة لتقرير التنمية العربي، أما بالنسبة لتقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي ،فالاستمارة الموجهة للتلميذ كانت بغرض استقراء المتغيرات الشخصية والأسرية والسوسيو- اقتصادية التي تؤثر في مستوى التحصيل الدراسي لديه. ومرة أخرى نجد الدراسة موضوع التقرير العربي تعتمد في هذه الأداة تصنيفا ثلاثيا للبيئات التمكينية ( تمكين معرفي ووجداني واجتماعي ،الجداول 5-6 و5-7و5-8 ص76-77) . وهنا أيضا يطرح مشكل التداخل بين أنواع البيئات التمكينية وأثره على نتائج الدراسة من خلال استجابات التلاميذ لبنود الاستمارة. كما يطرح كذلك مشكل نسبية الارتباط بالواقع العربي عند صياغة مضمون بنود الاستمارة مثلا في محاور الاهتمام في التمكين المجتمعي التي تحيل إلى بيئة سياسية وحقوقية تبدو لنا “طوباوية” بالنسبة للواقع العربي الراهن.
- بالنسبة للاستمارة الموجهة للمدرس: في تقرير المعرفة العربي هناك حديث عن استبيان المدرس الذي استهدف جمع معلومات حول تصوراته وآرائه في شأن المهارات والقيم والظروف التمكينية المتوفرة لدى المتعلمين إضافة إلى استقصاء مواقف المدرس من بعض المفاهيم اتربوية والممارسات التعليمية. كل ذلك في علاقة بمفهوم مجتمع المعرفة. ورغم شمولية الاستبيان لبنود تتعلق بشخصية المدرس وهويته الأكاديمية والمهنية والقضايا المرتبطة بالتدريس، فإن النقطة المتعلقة بالممارسات التعليمية داخل الفصول لا يمكن رصدها من خلال الاستبيان، فقد يصرح المدرس بأشياء تبدو مهمة في تأهيل النشء لمجتمع المعرفة ولكن ممارساته الفعلية في القسم قد تكون بعيدة كل البعد عن مستلزمات مجتمع المعرفة. فالنوايا شيء والممارسات شيء آخر. لذلك فإن الأداة البحثية الملائمة لرصد الممارسات الفعلية داخل الفصول الدراسية تبقى في رأينا هي الملاحظة الميدانية.
أما في تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي فإن الحديث عن استمارة المدرس جاء في سياق حاجة هذه الدراسة التقويمية إلى بعض المعطيات عن عمل المدرسين وأدائهم قصد استثمارها في تحليل علاقة ذلك بمستوى التحصيل الدراسي للمتعلمين. وهنا أيضا تبدو لنا محدودية الاستمارة في الكشف عن حقيقة الممارسات التعليمية وتأثيرها على التحصيل الدراسي.
- بالنسبة لاستمارة كل من مدير المؤسسة التعليمية وولي أمر التلميذ: في تقرير المعرفة العربي ليس هناك حديث مباشر عن استمارة المدير وولي أمر التلميذ ولكن حضور هذين الفاعلين التربويين كان بطريقة غير مباشرة في الاستبيان الموجه للتلاميذ وللمدرسين من أجل رصد آرائهم ومواقفهم من البيئات التمكينية المحيطة بهم والتي يمكن أن تؤهل أولا تؤهل لولوج مجتمع المعرفة. وذلك سواء تعلق الأمر بالتمكين المعرفي أو التمكين الوجداني أو التمكين الاجتماعي. أما في تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي فهناك استمارة مستقلة موجهة لمدير المؤسسات التعليمية وأخرى لولي أمر التلميذ لتجميع بعض المعطيات التي تساعد على فهم وتفسير العلاقة بين عمل المدير التربوي وبين الواقع الأسري من جهة ومستوى التحصيل الدراسي لدى المتعلم من جهة ثانية.
- بالنسبة لورش عمل أصحاب الرأي والمفكرين: هذه التقنية غاب توظيفها تماما في تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي، بينما وردت في تقرير المعرفة العربي في إطار توفير رؤية أوسع للبحث الميداني، وقد شملت مجموعات من المفكرين وأصحاب الرأي المعنيين بموضوع التنشئة الاجتماعية والمدرسية في البلدان العربية الأربع التي شملها البحث. ويتعلق الأمر هنا بمرجعية سياقية في شكل آراء متمخضة عن ورش العمل تتضمن توصيفا للواقع التربوي وما يحيط به من ظروف اقتصادية واجتماعية قد تفيد في تفسير نتائج البحث، لكن هذه المرجعية لم تأت مستقلة في بنية البحث بل جاءت متفرقة في مواقع مختلفة من التحليل على سبيل المقارنة بين وجهات النظر. لكن السؤال المطروح يبقى هو من هم هؤلاء المفكرين وما هي مواصفاتهم العلمية والمهنية ؟ وما درجة فهمهم لإشكالية البحث؟ وبأي أدوات تم إشراكهم في الدراسة؟ وكيف كان تكميم المعطيات المتمخضة عن مشاركتهم؟ وما هي التبعات المنهجية لهذه المشاركة في تفسير النتائج؟
- 4.مناقشة التقريرين من حيث طريقة عرض النتائج وتفسيرها
جاء عرض النتائج وتفسيرها في القسم الثاني من الفصل الخامس من تقرير المعرفة العربي، وفي المحورين الثاني والثالث من تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي. وفي مناقشتنا للتقريرين من حيث أسلوب عرض النتائج وتفسيرها نبدي الملاحظات الآتية:
- يلاحظ أن التقريرين معا سلكا منهجية مشتركة في عرض النتائج وتفسيرها بحيث كان الانطلاق من عرض إجمالي للنتائج والتعليق عليها بشكل عام ثم الانتقال إلى العرض التفصيلي وإبراز الفروقات وشرح دلالاتها ارتباطا بالمتغيرات والمحددات المؤثرة في النتائج. وبالطبع هناك دور في هذا العرض لنمط المعالجة الإحصائية المعتمد في الدراستين وهو نمط زاوج بين مقاييس النزعة المركزية للتعبير عن التوجه العام لمجموعة الدراسة ومقاييس التشتت للتعبير عن مدى تنافر أو تجانس المجموعة. ونشير هنا إلى ملاحظة ميزت المقاربة الإحصائية في دراسة نتائج التقرير العربي وتتعلق بقياس دلالة الفروق بين الإناث والذكور في سلم الجاهزية لولوج مجتمع المعرفة باعتماد اختبار “ت”. وكذلك بالنسبة لدلالة الفروق بين درجات المهارات فيما بينها والقيم فيما بينها باستخدام تحليل التباين ” أنوفا” وأيضا عند تحليل تأثير العوامل البيئية على اكتساب المهارات والقيم تم اعتماد تحليل الانحدار لانتقاء المتغيرات ذات التأثير الدال.
- يتحدث تقرير المعرفة العربي عن اعتماد مرجعية ثلاثية في تحليل النتائج وتفسيرها. الأولى نظرية ممثلة في الأدبيات والدراسات الاستشرافية المهتمة بالتربية في إطار مجتمع المعرفة. والثانية بحثية ممثلة في الدراسات الدولية التي تشارك فيها البلدان العربية مع اتخاذ الاحتياطات والمحاذير المنهجية الضرورية لتجنب التأويلات والمقارنات الخاطئة. والثالثة سياقية ممثلة في الآراء والتوصيفات المقدمة بمناسبة ورش العمل مع ذوي الرأي والاستشارة التربوية في البلدان العربية المشاركة في الدراسة. أما تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي فيتحدث عن نموذج تحليلي متعدد المستويات من منطلق أن هذا البرنامج التقويمي لم يهدف فقط إلى الإخبار بوضعية المعارف والمكتسبات الدراسية لدى التلاميذ المغاربة ولكن كذلك إلى تحديد العوامل الأساسية المفسرة لمستوى تحصيلهم على مستوى التلميذ نفسه وعلى مستوى المؤسسة التعليمية والأسرة والبيئة السوسيوثقافية إقليميا وجهويا. من جهة أخرى نجد هذا التقرير الوطني يطرح في مقدمته مجموعة من الاعتبارات يراها أساسية عند قراءة النتائج. أولاها أن تقويم التحصيل الدراسي يشكل جزءا من العملية التربوية ومن مجهود التحسين المستمر لجودة التعليم. وثانيها أن هذا النوع من التقويم أراد قياس مستويات التحصيل الدراسي بالنظر إلى الأهداف المتوخاة من تدريس المواد الدراسية وليس باعتبار ما تم تدريسه فعليا من البرامج المقررة وذلك دون الذهاب إلى حد إنجاز ترتيب لدرجات الإنجاز سواء على مستوى المؤسسات التعليمية أو الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
- 5.مناقشة التقريرين من حيث الاستنتاجات والتوصيات
كل من التقريرين خلص إلى استنتاجات وتوصيات ارتباطا بالتوجه العام للدراسة التقويميتين اللتين تم انجازهما. ولدينا بعض الملاحظات في هذا الشأن:
- فتقرير المعرفة العربي أقر بوجود فجوة عميقة بين الجاهزية الحالية للنشء العربي من حيث المهارات المعرفية والمتطلبات المعرفية لمجتمع المعرفة. عكس مستوى الجاهزية من حيث المهارات الاجتماعية والوجدانية حيث أن الأمر لا يدعو للقلق ما عدا بالنسبة لمهارة التخطيط للمستقبل التي جاء فيها مستوى الجاهزية ضعيفا لدى النشء العربي في هذه الدراسة. أما بالنسبة إلى القيم فمستوى الجاهزية لولوج مجتمع المعرفة جاء مرتفعا. وهذا الاستخلاص في حد ذاته ينطوي على مفارقة إذ كيف تكون الجاهزية القيمية والاجتماعية والوجدانية في مستوى مرتفع. وتكون الجاهزية المعرفية منخفضة لدى نفس الفئة المستهدفة من الدراسة؟ والحال أن تقييم جودة الأداء في أي نظام تعليمي يتم من خلال الجمع بين مؤشرين مترابطين هما مدى امتلاك المتعلم لمنظومة معرفية ومهارية من جهة ولمنظومة قيمية من جهة ثانية. وبالتالي فإن مستوى الأداء في المنظومتين ينبغي أن يكون منسجما وليس متباعدا. فكيف يعقل أن يتعايش الضعف المعرفي والمنهجي مع التميز القيمي في ولوج مجتمع المعرفة؟؟؟
- من جهة أخرى جاء الحديث في تقرير المعرفة العربي عن ضعف مستوى النشء العربي في مهارة التخطيط للمستقبل، وكان ذلك بناء على تحليل استجابات أفراد العينة على بنود الرائز الموجه لقياس المهارات حيث استهدفت مهارة التخطيط للمستقبل بواسطة أسئلة مفتوحة تتطلب من التلميذ التعبير كتابيا. والحال أن القدرة على التعبير والتواصل الكتابي كمهارة معرفية جاءت نتيجتها ضعيفة في أداء التلاميذ. فكيف نحكم على أداء التلميذ في مهارة التخطيط للمستقبل من خلال سؤال مفتوح يتطلب الكتابة من تلميذ لا يملك القدرة على التعبير الكتابي؟؟؟
- أما بالنسبة لتقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي الخاص بحالة المغرب، فإن خلاصته الأساسية كانت هي أن ضعف الأداء لدى التلاميذ في المعارف والكفايات الأساسية في اللغات والعلوم والرياضيات يرتبط بمتغيرات كثيرة منها السن المتقدم والتكرار لدى التلميذ، وما يصاحب ذلك من مشاكل نفسية واجتماعية، ومدى قرب المؤسسة التعليمية من مقر السكن والمستوى التعليمي للآباء ودور المدرسين وممارساتهم التدريسية. لكن إذا كان التقرير قد بين العلاقة بين مختلف تلك المتغيرات والمستوى المتدني للتحصيل الدراسي لدى التلاميذ، فإنه لم يقدم تفسيرا موضوعيا لأثر ممارسات المدرسين بل اكتفى ببعض الفرضيات التفسيرية التي تحتاج إلى أدوات أخرى لتأكيدها أو نفيها من خلال إجراء تقويمات معيارية وتشخيصية في بداية السنة الدراسية وفي نهايتها للتمكن من رصد أثر المدرس وممارسته في التحصيل الدراسي. ويلتقي التقريران في الأهمية المعطاة لتأثير المؤسسة التعليمية بما توفره أو لا توفره من بيئات تمكينية على التحصيل الدراسي بالنسبة لتقرير البرنامج الوطني لتقويم التعلمات، وعلى الجاهزية لولوج مجتمع المعرفة بالنسبة لتقرير المعرفة لعربي.
- من جهة أخرى ينفرد تقرير البرنامج الوطني في تفسيره لضعف التحصيل الدراسي بالإشارة إلى بعض العوامل الحاسمة والخاصة بالمنظومة المغربية للتربية والتكوين، وتتمثل في الافتقار إلى إطار مرجعي للكفايات وثقل البرامج الدراسية والنقص في أدوات التقويم واستمرار بعض مظاهر لا تكافؤ الفرص. وهي بالتالي عوامل ذات علاقة بالتدريس والتقويم، بينما في تقرير المعرفة العربي نجد أن تفسير النتائج يمتد إلى العوامل المرتبطة بالبيئات التمكينية بمقاييسها المختلفة (التربوية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية). وبالتالي يمكن القول بأن المرجعية التفسيرية في التقرير المغربي منحصرة في المحددات المؤثرة في التحصيل الدراسي بينما المرجعية التفسيرية ممتدة في التقرير العربي إلى نطاق البيئات التمكينية المؤثرة في جاهزية ولوج مجتمع المعرفة.
- وأخيرا بالنسبة للتوصيات المقدمة في التقريرين، نجد أن تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي أكد على توطيد هذا البرنامج وتطويره من حيث العدة وشروط الإنجاز وعلى الرفع من جودة المكتسبات الدراسية والتحسين النوعي للبرامج الدراسية ودعم الكفايات المهنية للمدرسين وتطوير الممارسات التقويمية وبلورة مشروع المؤسسة وتفعيله. ونرى بأن هذه التوصيات تصب في عمق المنظومة التربوية وفي دينامية الإصلاح البيداغوجي وهاجس الرفع من جودة المنتوج التربوي والتعليمي. أما تقرير المعرفة العربي فقد ذهب في توصياته إلى أبعد من ذلك حيث أكد على ضرورة تمكين الأسرة العربية معرفيا لتقوم بدورها الايجابي في عملية التنشئة وخلق شراكة حقيقية بينها وبين المدرسة. بالإضافة إلى تجاوز الرسالة التقليدية للمنظومة التعليمية المتمثلة في تقديم المعرفة إلى رسالة جديدة مبنية على إنتاج المعرفة وقيادة التحولات من منظور استباقي مما يتطلب ترسيخ مفهوم جديد للمدرس وللممارسات التدريسية، وفوق كل ذلك لابد -حسب التقرير دائما- من إرساء تصور جديد للبحث والدراسة على المستوى العربي من أجل التشخيص الكمي والنوعي لواقع الحال واتخاذ القرارات التعديلية المناسبة. وبذلك فإن تقرير المعرفة العربي تكلم في الخطاب الناظم لتوصياته عن منظومة للتحرك العربي واسعة النطاق لتوفير البيئات التمكينية المؤهلة لولوج مجتمع المعرفة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية.
- 6.مناقشة الحدودالمنهجية في التقريرين
كل من التقريرين موضوع هذه القراءة المتقاطعة خصص وقفة لقضية الحدود في الدراسة التي ينطوي عليها كل واحد منهما. وهي تقليد محمود في البحث العلمي. ويلتقي التقريران في النقط موضوع الحدود من حيث انتقاء العينة ووسائل القياس المستعملة وخصائص القياس التربوي. ومن خلال قراءة ما ورد في فقرة الحدود بالتقريرين معا نستخلص تقاطعا كبيرا بينهما تبرزه الملاحظات الآتية:
- من حيث انتقاء العينة: نجد الدراسة موضوع التقرير العربي قد اعتمدت على عينات منتقاة من خمس مدن كبرى في أربع دول عربية ومن المدارس التي تقدم مناهج تعليمية وطنية وبالتالي لا يمكن تعميم النتائج المتوصل إليها في الدراسة على مجموع الدول العربية ولا على الدول الأربع نفسها. ونفس الملاحظة تنطبق على تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي حيث أن هذه الدراسة التقويمية لم تشمل الفرعيات الابتدائية بالوسط القروي واقتصرت على عدد محدود من مؤسسات التعليم الخصوصي وعلى فصل دراسي واحد من المستويات المستهدفة في كل مؤسسة تعليمية. ويضيف التقرير المغربي حدا آخر يتمثل في التوقيت الذي أجريت فيه التقويمات والذي تزامن مع مشارف نهاية السنة الدراسية واقتراب العطلة الصيفية. وهذه النقطة لا تنطبق على تقرير المعرفة العربي الذي أجريت دراسته الميدانية في خضم انطلاق وسير الحياة الدراسية بالمؤسسات المنتقاة كعينة للدراسة.
وكاستنتاج عام لهذه القراءة:
- يمكن القول بأن الدراسة موضوع تقرير المعرفة العربي كان لها سياق أوسع (جاهزية الولوج إلى مجتمع المعرفة) أكثر من الدراسة موضوع تقرير البرنامج الوطني لتقويم التعلمات ( درجة تحصيل المعارف والكفايات الأساسية في التعلم المدرسي).
- أيضا يمكن القول بأن الدراسة موضوع تقرير المعرفة العربي لم تستند على إطار مرجعي رسمي مرتبط بالمناهج التعليمية المطبقة قي الوطن العربي على عكس الدراسة الأخرى التي ارتبطت بأطر مرجعية مستمدة من المناهج والبرامج الدراسية الرسمية بالمغرب.
- من جهة ثالثة يمكن القول بأن الدراستين معا حرصتا على نوع من الصرامة المنهجية في التعاطي مع جمع البيانات ومعالجتها وتفسيرها مع فرق في المقياس ودرجة التعمق في قراءة النتائج وتأويلها.
- من جهة أخرى إذا كانت الدراسة موضوع تقرير المعرفة العربي قد اعتمدت نسقا ثلاثيا مكونا من المهارات والقيم والبيئات التمكينية المؤهلة لولوج مجتمع المعرفة فإن الدراسة الأخرى بقيت محصورة في ثنائية التحصيل المعرفي والكفاياتي والمحددات المؤثرة في التحصيل الدراسي دون الخروج كثيرا عن هذا الإطار ( التعلمات المدرسية).
- يمكن أن نضيف استخلاصا آخر من هذه القراءة المتقاطعة وهو أن الدراسة موضوع تقرير المعرفة العربي خرج بتوصيات واقتراحات متكاملة في إطار منظومة رباعية للتحرك من أجل الدفع بعجلة الجاهزية لولوج مجتمع المعرفة من طرف النشء العربي منظومة تستحضر المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمادية وكذا الحوافز النفسية وأساليب بناء القدرات وزرع القيم … بينما نجد الدراسة موضوع تقرير البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي تتقدم باقتراحات تطويرية للمنظومة التقويمية في الحق التربوي ككل بشكل يرفع جودة التعلمات، وذلك في ارتباط بالإشكالات التربوية الكبرى كالمناهج والبرامج وتكوين المدرسين والمسائل التعليمية وغيرها.
- وأخير نجد التقريرين على بينة من مسألة الحدود المنهجية والتقنية للدراستين معا مما يجعل نتائجهما وخلاصاتهما غير قابلة للتعميم.