الثلاثاء , 21 يناير, 2025
إخبــارات
الرئيسية » أطروحات » السياسة الفرنسية تجاه العالم الإسلامي خلال القرنين 18 و19م الدولة العثمانية والمغرب نموذجا

السياسة الفرنسية تجاه العالم الإسلامي خلال القرنين 18 و19م الدولة العثمانية والمغرب نموذجا

لم تكن السياسات الأجنبية ذات منحى واحد تجاه العالم الإسلامي سواء في جزئه الشرقي أو الغربي، بل تميزت ببعض الخصوصيات وهو الأمر الذي كانت عليه السياسة الفرنسية تجاه الدولة العثمانية والمغرب، والتي ميزتها إما التطورات التي عرفتها فرنسا داخل أوربا، وإما طبيعة علاقتها مع العالم الإسلامي.

وقد نهجت فرنسا سياسة “سلمية ” تجاه كل من الدولة العثمانية والمغرب، تمثلت على الخصوص في سياسة الامتيازات الأجنبية، وذلك زمن قوة البلدين. وفي مرحلة أخرى اتبعت فرنسا سياسة المعاهدات والمؤتمرات الدولية، وذلك لتحقيق أهدافها وتفعيل سياستها. كما وظف الساسة الفرنسيون سياسة الإصلاحات تجاه كل من الدولة العثمانية والمغرب، إذ عملت فرنسا على فرض إصلاحات على البلدين أو إفشال المحاولات الإصلاحية التي حاول البلدان إدخالها للحد من خطورة التدخل الأجنبي. ولم تبق فرنسا حبيسة سياسة الإصلاحات، بل لجأت إلى سياسة أكثر قوة وهي الحملات والحروب، وذلك لتهديد أطراف العالم الإسلامي بل ولاحتلال أجزاء مهمة من مجالاته.

واختلفت السياسة الفرنسية عن مرتكزاتها الأولى تجاه الباب العالي لتتحول إلى معول هدم يفكك أوصال الدولة العثمانية، وذلك بعدما قامت فرنسا بشن حملة على مصر سنة 1798 بقيادة نابليون بونابارت. وبذلك باشرت سياستها تجاه المشرق، واتخذت لذلك آليات منها بعث الرحالة والدبلوماسيين خاصة خلال القرنين 17 و18م. وقد قدم هؤلاء خدمات جليلة للتجارة الفرنسية بالشرق، وتعد رحلاتهم بمثابة موسوعة جغرافية وسياسية واقتصادية.  كما سعت فرنسا إلى نشر مفاهيم جديدة لتوليد دول قومية جديدة على قاعدة الحرية والمساواة والاستقلال، فأسهمت بهذه المفاهيم في نشر هزة فكرية بالمنطقة. احتلال مصر رهن قرار الدولة العثمانية السياسي بعد كل معركة فاشلة، لصالح إحدى الدول الأجنبية.

وأحدثت سياسة الثورة الفرنسية تجاه الدولة العثمانية قطيعة واضحة في خطها الدبلوماسي التقليدي. وهكذا انخرطت فرنسا في سياسة فتح الشرق متبعة في ذلك نموذج النمسا وروسيا. فكان ذلك علامة على أن الحكومات الفرنسية قد بدأت في بلورة الصيغة المستقبليلة للإمبريالية الاستعمارية. ولم تعد لفرنسا أية مصلحة في حماية الدولة العثمانية التي تسير نحو الزوال، وكشفت بالملموس عن سياستها الجديدة تجاه الباب العالي، واتخذت عدة إجراءات في سبيل تسريع وفاة “رجل أوربا المريض الذي لا أمل في شفائه”.

ولم يسلم غرب المتوسط بما في ذلك المغرب من مخططات السياسات الأجنبية والسياسة الفرنسية خاصة، الأمر الذي خلق “مسألة مغربية” لاتقل أهمية وتعقيدا عن المسألة الشرقية وبخاصة بعد دخول ألمانيا اللعبة المغربية، حيث وجهت الحروب النابليونية الاهتمام الأوربي نحو المغرب.

ارتبطت المصالح الفرنسية في المتوسط بشكل كبير بالسيطرة التي مارستها على المغرب. وهكذا كان الساسة الفرنسيون، بعد الفشل الذي لحق بهم في الشرق، مايزالون يفكرون في الاستئناف والسير على التقليد البونابارتي الذي حمله إلى مصر، لذلك كانوا يحضرون لتأسيس إمبراطورية جديدة بشمال إفريقيا رأت النور بعد احتلال الجزائر.

وباتت فرنسا عازمة على منافسة الهيمنة البريطانية بالمغرب، واضطرت بعد مؤتمر برلين ومؤتمر مدريد 1880 إلى تغير سياستها تجاه المغرب، إذ اعتمدت على سياسة التقرب من أصحاب القرار، واختارت لذلك وزراءها المفوضين، والذين عملوا على الدمج بين التغلغل السياسي والاقتصادي. وبذلك شقت فرنسا طريقها نحو تحقيق  مشروعها الاستعماري في المغرب، لتشرع في استغلال امتيازاته مثلما كانت تفعل ابريطانيا.

وبالفعل أبلغ أحد الوزراء الفرنسيين في طنجة “دراموندهاي” بأن نفوذ السلطان المغربي بدأ يتضعضع، وبأن فرنسا لن تصبر على الفوضى التي تشهدها البلاد، وأكد له بأنه يجب أن تقوم بريطانيا أو أي حكومة أخرى بفرض سيطرتها على المغرب، وإن لم يحدث هذا فلن تتردد فرنسا في بسط سيطرتها على ممتلكات السلطان.

لم تكن سياسة فرنسا في المغرب بالمختلفة كثيرا عن سياستها في الدولة العثمانية، حيث انتهى بها الأمر إلى الإنفراد به بعدما عقدت في سبيل ذلك عدة معاهدات سواء مع المغرب أو مع القوى المنافسة لها. بل وقامت بتوظيف نظام الامتيازات الأجنبية داخل المغرب، وبسط حمايتها على الشخصيات ذات الوزن السياسي المهم، لتحضر بذلك لفرض الحماية الشاملة على المغرب سنة 1912.

يساعد البحث على معرفة الجذور التاريخية للسياسة الاستعمارية الفرنسية ومظاهرها وآليات عملها، في إطار منهج مقارن، ويفيد في إعادة قراءة المصادر التاريخية، ويكشف النقاب عن جوانب من السياسات الامبريالية تجاه العالم الإسلامي.

- محمد العواد

كلية الآداب، جامعة بن زهر، أكادير

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.