فقد المغرب والعالم العربي أحد أساتذته ومفكريه الكبار الذين طبعوا مسار تدريس الفلسفة والإبستيمولوجيا بطابعهم الأصيل. إنه الباحث الأكاديمي ومربي الأجيال، سالم يافوت الذي رأى النور سنة1947 وغادرنا هذه السنة 2013 عن عمر يناهز 66 سنة، استغرقها تدريسا وبحثا وكتابة وترجمة.
عمل في بداية مشواره بالثانوي التأهيلي مدرسا للفلسفة، وكان من بين المدرسين الذين واجهوا إرادة تدجين عقول المغاربة بتنويرها وبناء مناعتها الفكرية ضد الوصاية والاستصغار، وكل ذلك باللغة العربية وفي المؤسسات التعليمية الثانوية. انتمي إلى الرواد، لكن بأسلوبه الخاص وبمسافة مميزة له.
انتقل بعد ذلك إلى التدريس بالتعليم العالي حيث كان الأستاذ المتمكن من تخصصه، الباحث فيه، والمشارك في الندوات العلمية. طبع التدريس بطابع خاص جسد قيم الاجتهاد الأصيل، والجود في العطاء، والصبر في العمل، وانسجام القول مع الفعل.
كان مثالا للجدية واحترام الوقت الذي كان يحرص حرصا تاما على أن يستنفذه تمام الاستنفاذ. كانت دروسه ككتبه تشهد على الإعداد الجيد كما على اشتغال الفكر نقديا.
شارك مع مفكرين ومثقفين مغاربة آخرين في البناء الجماعي لمجال الثقافة والفكر المغربيين عبر دراساته وأبحاثه وترجماته، دفاعا عن قيم التنوير والحداثة، فجمع بين العلم وفن التربية، وبين الإنتاج الرصين والترجمة المدققة والتدريس الراقي.
اهتم بالدرس الإبستيمولوجي وحرره من طابع التلخيص والعرض دون فحص. فاجتهد في إبراز إشكالاته وتبعاتها على مستوى بنيات إنتاج الخطاب. وفحص بشكل أكاديمي بناء المفاهيم في النظريات العلمية سواء في العلوم الحقة أو الإنسانية. كما أنه عبر بعدته الإبستيمولوجية إلى قارة الدراسات التراثية ليساهم في تجديد هذه الدراسات ويوسع من مساحات الوعي بالبنيات ومجالات تداول الخطاب حين يحضر النص المؤسس كمرجع – معيار، مغنيا بذلك المساهمة المغربية والمغاربية في نقد التراث وتفكيكه.
شارك في جبهة الترجمة وإنبات الفكر العلمي في تربة يحرسها حراس لا يريدون للمنطق العلمي أن ينبت ويمد جذوره إلى الأعماق حتى يعطي شيء من العقلانية. ولم يكن لمسار الرجل إلا أن يمر على الترجمة، ليترك بركته التي هي من سخائه. فكانت مساهمته في أن يُنطق نصوصا عجمية العربية، ويغني بذلك المكتبة المغربية والعربية بمترجمات لفلاسفة كبار.
الانتاج الفكري والعلمي
مظاهر النزعة الإخبارية في بنيوية ليفي – ستروس، الرباط، منشورات أقلام، 1976 .
مفهوم الواقع في التفكير العلمي المعاصر، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1980.
الفلسفة، العلم والعقلانية المعاصرة، بيروت، دار الطليعة، 1982.
العقلانية المعاصرة بين النقد والحقيقة، بيروت، دار الطليعة، 1989.
فلسفة العلم المعاصر ومفهومها للواقع، بيروت، دار الطليعة، 1985.
ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب والأندلس، بيروت / الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1986.
–درس الإبستمولوجيا / سالم يفوت وعبد السلام بنعبد العالي، الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، 1986.
–حفريات المعرفة العربية الاسلامية، بيروت، دار الطليعة، 1986.
حفريات الاستشراق: في نقد العقل الاستشراقي، بيروت / الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1989.
الفلسفة والعلم في العصر الكلاسيكي، الدار البيضاء المركز الثقافي العربي، بيروت، دار الطليعة، 1990.
الزمان التاريخي، بيروت، دار الطليعة, 1991.
بعض من ترجماته:
بنية الانقلابات العلمية، تومس كون، الدار البيضاء، دار الثقافة، 1992؛
حفريات المعرفة، ميشال فوكو، بيروت / الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1986؛
المعرفة والسلطة، مدخل لقراءة فوكو، جيل دولوز، بيروت / الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1987.