أحمد بوحسن، العرب وتاريخ الأدب نموذج “كتاب الأغاني” دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2003.
صُدفة اللقاء مع الاصفهاني
ربما كان من الطريف أن أذكر في البداية كيف التقيت بالأديب أبي الفرج الأصفهاني، في سياق الاشتغال بالتاريخ. فعند إلقاء محاضرة حول أدب الأنساب في المغرب في معهد الدراسات العربية بمدريد في بداية تسعينيات القرن الماضي، بينت أن كتابة الأنساب تتضمن في كثير من الحالات فصولا من التاريخ السياسي، وتوقفت في حالة الشرفاء الأدارسة بالمغرب عند أهمية حضور مفهوم النكبة والمحنة في تاريخيات هذه السلالة.
وأثناء المناقشة نبهتني الباحثة ماريبال فييرُّو (Maribel Fierro) إلى أن الموضوع المذكور يذكِّر بملف إسطوغرافي أوسع يطلق عليه اسم “مقاتل الطالبيين”، وتبين لي فيما بعد أن هذه التسمية هي في آن واحد عنوان كتاب ألفه أبو الفرج الأصفهاني.
وفي مرحلة لاحقة، اكتشفت أن نفس المؤلف صنف عددا من الكتب التي تنتمي إلى جنس “الأخبار” المرادف للتاريخ كما هو معلوم، ومن بينها العناوين التالية:
كتاب الأخبار والنوادر،
كتاب أخبار الطفيليين،
كتاب مجموع الآثار والأخبار،
كتاب أخبار القبائل وأنسابها،
كتب أيام العرب.
أما كتاب الأغاني، فعلاوة على سابقة معرفتي به في إطار الثقافة الأدبية المدرسية، فقد أعدت اكتشافه بفضل معرفتي باشتغال أ. بوحسن بهذا المصنف الكلاسيكي، لاسيما وأن الباحث المذكور سبق له أن عبر عن اهتمامه الجاد بقضايا تاريخ الأدب والتحقيب كمسألة نظرية من خلال سلسلة الكتب الجماعية المنشورة التي أشرف على نشرها بمشاركة محمد مفتاح1 .
وبعد نشره لأطروحته حول الأصفهاني، تأكد لي أننا أمام عمل يحاور بشكل إيجابي بعض جوانب المنهج التاريخي.
أدوات نظرية
يتكون كتاب بوحسن من لحظتين أساسيتين، تسعى الأولى إلى إقامة بناء منهجي، وتركز الثانية على دراسة كتاب الأصفهاني. فقد تناول المؤلف في الشق النظري على التوالي القضايا التالية:
المفهوم، وهو “تمثل تصوري للظواهر وصياغة نظرية لها؛ بحيث تتم صناعة المفهوم من جماع المدركات التصورية التي تنتج عن الممارسة الفعلية والتاريخية والفكرية للموضوع. المفهوم، إذا، كل، ولكنه كل مجزأ، أو أنه ككل يجمع إليه أجزاءه” (ص.15-16). والمفهوم هو “عبارة عن تراكم ممارسات متنوعة ومختلفة، تاريخية واجتماعية وفنية ولغوية وغيرها، إنه في النهاية تراكم معان” (ص.18). ويتميز المفهوم بالدينامية والسيرورة والانفتاح. والمصطلح هو الذي يعطي المفهوم بعدا تداوليا في مجال التواصل اللغوي.
النموذج، وهو عبارة عن عملية ذهنية تقوم على “محاولة تقليد الواقع” عن طريق بناء صورة مصغرة له. “والغرض الأساسي من النموذج في الأدب هو التحكم في موضوع الأدب وحصر نسق اشتغاله، بشكل يسمح لنا بمعرفة دينامية النصوص الأدبية وما يرتبط بها، في إطار فرضيات تساعد النماذج على تأكيد صحتها أو دحضها” (ص.30).
النسق، وهو شبكة من العلاقات القائمة سواء بين النصوص داخل عالم الأدب، أو بين النصوص وممارسات أخرى تنتمي إلى عوالم خارج مجال الأدب.
التحقيب، وبصدده طرح بوحسن مجموعة من الأسئلة التي تتصل بالأدب والتاريخ. لماذا التحقيب؟ وما معنى الحقبة؟ وما هي وظيفة التحقيب؟ وما هي خلفيات التحقيب؟ وما هي أشكال التقطيع في تاريخ الأدب؟
تاريخ الأدب. “موضوع تاريخ موضوع يمتد خارج ذاته وواقعه. ولذلك كان يتحدد دائما بالنظر إلى ممارسات أدبية أو فكرية أخرى” (ص.61). وتاريخ الأدب “يستمد موضوعه من خارج موضوعه”، فقد يكون هو النقد، وقد يكون علم الاجتماع وقد يكون التاريخ أو تاريخ حيوات الأشخاص” (ص.61). ثم يتناول بوحسن موضوع التاريخ، والعلاقة الحوارية التي طبعت العلاقة بين التاريخ والأدب. وبعد ذلك يحدد ملامح التوجهات الجديدة في تاريخ الأدب. وهنا يعود بوحسن إلى نظرية الأنساق.
“ولكي يتسنى لتاريخ الأدب أن يستوعب المجهودات النظرية التي ركزت على النصوص الأدبية-علم الأدب أو علم النصوص- والدراسات البنيوية التي قالت بلا زمنية النصوص، والدراسات الاجتماعية للأدب التي قامت على العلاقة بين الأدب والتاريخ والمجتمع، فقد ظهرت نظرية الأنساق وتعدد الأنساق التي ستدمج تاريخ الأدب في إطار النسق الاجتماعي العام. ونظرية التلقي التي اعترفت بتاريخية التلقي والوقائع” (ص.77).
مفاتيح كتاب الأغاني