تقديم
تكتسي الكتابات التركيبية الشاملة لتاريخ البلدان والدول أهمية قصوى، بالنظر إلى كونها تتحول سريعا إلى مرجع أساسي لجمهور واسع من القراء. كما تعد مناسبة لإعادة النظر في المسلمات وتنويع المقاربات وتجديد الاستنتاجات، كلما تطور البحث وتراكمت الدراسات. وخلافا لبعض دول الجوار، لم يكتب للمغرب أن يعرف الكثير من هذا النوع من الكتابة التاريخية، وذلك باستثناء ما أنتجته المرحلة الكولونيالية بحمولتها النظرية وما أصدره الرعيل الأول من الباحثين المغاربة في ظروف بحثية صعبة وخاصة. وقد شكل الكتاب الجماعيHistoire du Marocالصادر سنة 1967 وكتاب عبد اللهالعرويHistoire du Maghrebالصادر سنة 1970 محطة مجددة وهامة وغير متقادمة في هذا المجال. غير أنهما لم يتبعا بكتابات من ذات القيمة العلمية.
ويمكن أن نفسر عدم الإقبال على هذا النوع من التأليف، بتركيز جسم الباحثين، المغاربة على وجه الخصوص، على دراساتهم القطاعية الخاصة، كما قد نفسره بتورعهم عن الخوض فرادى في هذه التجربة التي تتطلب معرفة دقيقة بمختلف حقب تاريخ المغرب من قديمه إلى راهنه، هذا فضلا عن افتقادهم لمؤسساتبحثية لها استعداد وقدرة على احتضان مشاريع جماعية ثقيلةمن قبيل إنجاز كتاب تركيبي ضخم حول تاريخ المغرب الشامل.هذا معالتنويه بعملين جماعيين لهما خصوصيتهما، الأول مذكرات من التراث المغربي الصادر سنة 1985 في ثمان أجزاء أشرف عليها العربي الصقلي، والثاني تاريخ الدولة المغربية، الذي نسق مواده أحمد سراج، وصدر عن دار عكاظ سنة 2009.
غير أن مطلع العقد الثاني من القرن الحاليسجل، بعد طول انتظار، اختراقا ملموسا لطوق هذا الإحجام، معصدور أعمال تركيبية هامة حول تاريخ المغرب الشامل. وقد تزامنت هذه العودة المحمودة والمطلوبة مع تأسيس المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الذي جعل من أولوياته انجاز مثل هذا المشروع. كما تزامنت مع عودة اهتمام المؤرخ الفرنسي بالبحث في تاريخ المغرب، في سياق حملة ما بعد الكلونيالية/ post-coloniale.
قد أثمرت هذه المحاولات صدور الكتاب الجماعي تاريخ المغرب: تحيين وتركيب، الصادر عن المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب سنة 2011، والذي أشرف عليه محمد القبلي وقدم له. ويعد من الأعمال الضخمة النادرة، بالنظر إلى عدد المشاركين في تحريره، وامتداد فصوله إلى الزمن الراهن، وتنوع مقارباته، وغنى مواضيعه. كما أثمرت في الجانب الفرنسي كتاب Histoire du Maroc: de Moulay Idrîs à Mohamed VIالذي أصدره Daniel Rivet باللغة الفرنسية سنة 2012. ويندرج ضمن الكتابات ما بعد- الكولونيالية/ post-coloniale، الهادفة إلى مراجعة خارجية للرصيد الأجنبي المكتوب عن تاريخ المغرب. كما يتميز بأسلوب لغوي رائق نجح في الالتفاف على لغة المؤرخين التقريرية والجافة. وأثمرت المحاولات أيضا كتاب Michel Abitbol، المعنون Histoire du Marocالصادر سنة 2009باللغة الفرنسية. ويتميز باختياره قراءة تاريخ المغرب الشامل بالتركيز على محطات بذاتها وعلى فاعلين معينين بالأساس.
وقد شدت هذه الإصدارات في وقتها انتباه هيئة تحرير مجلة رباط الكتب، التي فكرت في تنظيم يوم دراسي للتعريف بها ولتقديم قراءات متعمقة في مضامينها. وتم تنظيم هذا اليوم صبيحة السبت 17 دجنبر 2013، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
ونظرا لحجم الكتاب الجماعي الصادر عن المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب ولأهمته، تقاسم قراءته حسب التخصص عبد العزيز أكرير ورشيد السلامي ولطفي بوشنتوف وعبد الحميد احساين. في حين أنجز عبد الأحد السبتي قراءة في كتاب دانيال ليفي، ومحمد جادور قراءة في كتاب ميشال أبيطبول.
وغاية ما تسعى إليه مجلة رباط الكتب،بنشرها ملف أشغال هذا اليوم الدراسي، أن تساهم في التعريف بهذه الكتابات، وفي تشجيع القراء أكثر على اقتنائها والاطلاع عليها والتوسل بها كلما كانوا في حاجة إلى معرفة مجريات تاريخ هذه البلاد.