– فاتحة الطايب، محمد مساعدي، عبد الواحد المرابط، أسئلة القراءة وآليات التأويل بين النقد ونقد النقد،دار الأمان، الرباط، 2015.
استهلال
تسعى المعرفة بجهازها المفاهيمي والنظري إلى تأسيس سلطة معينة؛ سلطة تعيد بناء الواقع وفق مفاهيم جديدة، وتجذر لوعي جدلي ترتبط فيه الذات بالآخر ارتباطاً وثيقاً. هذا الارتباط يتجسد في التأويل المعقلن الذي يستدرج المتلقي للانجذاب لآليات التأويل المحققة لهوية منفتحة الآفاق. ونحن هنا لا نود تحديد مفهوم السلطة والمعرفة بقدر ما نسعى إلى إبراز تحققهما على مستوى الممارسة النظرية. فقد درجت العادة على إعطاء السلطة مفهوماً تدميرياً كموجه للأشخاص والجماعات، في حين أن السلطة تحقق بعداً إيجابياً تأسيسياً باعتبارها تحقق توازن الذات في علاقتها بالآخر وبالعالم ضمن منظور أنطولوجي. وتسعى السلطة لتحقيق غايات معينة(1)؛ إذ إن الوعي بالسلطة هو ما يحقق للهوية توازنها، فهي ترى فيها شرطها المحقق للوجود، لأنها تتلبّسها وتتماثل معها في إطار إيجابي. وفي هذا الإطار نسعى إلى الكشف عن الملابسات التي تكتنف العلاقة بين المعرفة والسلطة.
وما يثير انتباه القارئ أثناء قراءة الكتاب هو الكثافة النظرية التي تمتاز بها التأسيسات النظرية. فهي تدشن لرؤى متعددة الأبعاد؛ رؤى تتداخل فيها شبكات علائقية يمتزج فيها المعرفي المتعدد الأبعاد بالتاريخي. وتتحقق فيها كينونة الوجود في علاقتها بكينونة أخرى تسعى لتشكيل رؤية ثقافية متماسكة.
تنتظم الطروحات العامة للكتاب ضمن خط واحد واضح المعالم؛ فهي تسعى لتحقيق معرفة منهجية تستوعب المتون المدروسة. ولابد من تسجيل مسألة أساسية، وهي أنه رغم كون الطروحات تلتقي عند المقاربة الـتأويلية إلا أنها تختلف من باحث لآخر، وهذا هو ما سنسعى إلى الكشف عنه في إطار هذه المقاربة النظرية للكتاب. فالباحثة فاتحة الطايب لا يمكن فهم طرحها إلا إذا استحضرنا إلمامها بالنقد المقارن والذي تتداخل فيه مجموعة من الاختصاصات، بالإضافة إلى اشتغالها على النقد الترجمي الذي تسعى من خلاله إلى تحقيق مقاربة ثقافية متكاملة. أما الباحث محمد مساعدي فلابد من أن يستحضر القارئ معه نظرية التلقي كما تبلورت عند ياوسوإيزر، بالإضافة إلى إلمامه بالنظريات الفلسفية الحديثة. وقد اشتغل على تاريخ التلقي وخاصة في منجزه حول أبي نواس، وبذلك حقق رؤية متكاملة للتراث من خلال الالتحام به واعتماد آليات حديثة. في حين أن الباحث عبد الواحد لمرابط اعتمد مقاربة أخرى تتمايز عن المقاربات السابقة. فقد اشتغل على نقد النقد، ومن أجل فهمه فهماً دقيقاً لابد من الاطلاع على فلسفة العلوم؛ فهو يشتغل على النقد الإبستمولوجي ومن خلاله يمارس نقد النقد. كما أنه ملم بالنظريات الفلسفية الحديثة وباللسانيات، بالإضافة إلى اشتغاله على حقل السيميولوجيا للكشف عن علاقتها بالأدب.ولعل استحضار المعطيات السابقة هو الذي سيمكننا من قراءة الكتاب قراءة موضوعية. وسوف نحاول في مقاربتنا هذه تكثيف الرؤية حوله من أجل تحقيق غايتنا الأساسية، وهي الكشف عن العلاقة الجدلية التي تربط المعرفة بالسلطة.
1-التأسيسات النظرية للنقد الأدبي
1-1 أسئلة التراث والحداثة عند محمد مساعدي
سنحاول في القسم الأول من الكتاب مقاربة الإشكالية النظرية من خلال الممارسة النقدية التي تتجسد عند محمد مساعدي وفاتحة الطايب وذلك في إطار التجربة النقدية التي يمارسانها، وهي تختلف عند كل منهما؛ فمحمد مساعدي يشتغل ضمن إطار المقاربة التأويلية التي تستند إلى آليات متعددة: نظرية التلقي، الظاهراتية، الوجودية، والسيميائيات. في حين تشتغل فاتحة الطايب ضمن إطار النقد المقارن، وهي رغم اعتمادها المقاربة التأويلية فّإنها تستند إلى حقول معرفية متعددة، وهذا هو ما يحقق للنقد المقارن هويته المتميزة .
يقارب محمد مساعدي موضوعه انطلاقاً من الأسئلة التي يطرحها التراث باعتباره امتداداً للذات وكذلك سؤال الحداثة باعتبارها تحقيقاً للوجود في راهنيته، وهو بذلك يسعى إلى تحقيق وعي معين يؤسس لمعرفة موضوعية. لقد حاول محمد مساعدي في مقالته الأولى “السرقات الشعرية والتناص: أية علاقة؟” التأسيس لمعرفةتأويلية متشعبة تستند إلى الفلسفة والسيميولوجيا والتاريخ واللسانيات. وقد تم هذا في إطار العلاقة بين الذات والموضوع، بعيداً عن التماثل أو التماهي. وتستند كذلك إلى رؤية جدلية بين الأنا والآخر، انطلاقاً من فهم عميق للتراث وتحاور جدلي منفتح على الثقافات الإنسانية. فالتحديد المفاهيمي لمفهومي “السرقة “ و “التناص” يرتبط بسياق مرجعي وتاريخي خاص؛ فـ”السرقة” مفهوم معرفي مرتبط بثنائية: الناقص/التام، ورغم كونه يتخذ طابعاً لاتاريخياً، فإنه وجب النظر إليه في إطار سياقه التاريخي المشروط بعوامل متعددة تتداخل فيما بينها. فاللاحق يرتبط بالسابق في إطار التماهي معه. ولا يمكن ضبط هذه الإشكالية إلا في إطار الفهم العميق للصراع بين القديم والمحدث. وقد اتخذ مفهوم “السرقة” منحى إيجابياً، لأنه يستمد جذوره من العمق التراثي في إطار الانجذاب والتأثر، وقد ارتبط ببنية تاريخية معينة متمايزة عن البنية الحديثة التي أفرزت مفهوم “التناص”. فالمعرفة العربية – الإسلامية والمعرفة الغربية تتمايزان في بنائهما المرجعي. فالأولى جسدت التناقض الصارخ بين الحكمة والشريعة في صياغتها للمفهوم. أما الثانية فهي تعبر عن عقلانية متقدمة لها خصوصياتها. هذا التمايز هو ما جعل محمد مساعدي يعتمد منهجاً تأويلياً في مقاربته لسؤال التراث والحداثة وهو على وعي تام بأبعاد السؤال، لذا يسعى إلى أن ينظر إليه نظرة موضوعية. ومن هنا فإن منهجه التأويلي في أبعاده الفلسفية يحيل على مرجعيات متعددة تنطلق من التراث في بعده المعرفي المستنير من أجل تأسيس رؤية حوله، وتتجاوزه كذلك بالاستعانة والتحاور مع الثقافة الغربية في نظرياتها المتعددة، والتي تستند إلى رؤى فلسفية متشابكة تستمد جذورها من الفكر الألسني والسيميائي والنفسي والتاريخي والاجتماعي. وهذا التأويل الذي اعتمده الناقد يؤسس لمعرفة تنبني على آليات متعددة فرضها “سؤال القراءة“. إنه ينبش في الذاكرة الشعرية القديمة ويحاول مقاربة مفهوم “سرقة” في إطار علاقته بمفهوم “تناص“؛ فالمفهومان تبلورا في حقول معرفية متمايزة، وهذا هو ما جعله يؤسس – في تحديده المنهجي – لرؤية معرفية تستوعب المتلقي لتحقيق سلطة معينة. وبعد هذا التحديد المنهجي ينتقل إلى المقالة الثانية “قراءة تأويلية لقصيدة نواسية“، والتي يحاول فيها ممارسة المقاربة التأويلية انطلاقاً من تاريخ التلقي. وما يمكن ملاحظته من خلال الممارسة النقدية للناقد هو الخطوات المنهجية الدقيقة التي يحاول أن يسلكها؛ فهناك اعتماد الذاكرة الشعرية في أبعادها النصية: النص القديم والنص الحديث، فهو يحدد المفاهيم لينتقل بعدها إلى البعد التجريبي الذي يحدد فيه كثافة النص. وعلى المستوى المنهجي يحدد رؤيته المستنيرة من التراث (في إطار التفاعل معه) والتي تجسدها قصيدة أبي نواس. وهو من هنا يحاول إعطاء الشعر المحدث بعده الإنساني العميق، في إطار تحقيقه لقيم إنسانية واجتماعية. ويعتمد في قراءته على الأفق الذي يُتيحه النص: أفق النص وأفق القارئ، وينطلق في قراءته التأويلية من الإدراك الجمالي ليفكك النص من أجل استجلاء المعنى الفلسفي العميق للنص. هذا المعنى هو الذي تتحدد من خلاله العلاقة بين النص والمتلقي في إطار التفاعل بينهما، ليقف في النهاية على المعطى التاريخي. هذه المستويات من القراءة هي التي تتيح إمكانية التفاعل مع التراث وتأسيس معرفة علمية حوله. وتستند هذه المعرفة إلى أساس فلسفي عميق يفهم الأساس الفلسفي الذي يشكل جوهر الثقافة العربية- الإسلامية والمتمثل في الصراع بين ثقافتين: ثقافة تقليدية وثقافة مستنيرة، أو لنقل بين وعيين: وعي إقطاعي (عبودي) ووعي بورجوازي جنيني مستنير. هذه المعرفة التي تشكلت داخل الثقافة العربية- الإسلامية هي ما يحاول الناقد الكشف عنها لملامسة سياقها وأنساقها. وفي مقاربته لتاريخ تلقي القصيدة النواسية استند إلى القراء القدامى فميز بين نوعين: قراء رفضوا القصيدة لأسباب معرفية ذات طابع أخلاقي ولأسباب لغوية باعتبارها لا تمثل جوهر القصيدة العربية (ابن الأعرابي – الأصمعي)، وآخرون استحسنوها لأنها تعبر عن وعي إنساني متمدن (ابن قتيبة – ابن عبد ربه). وانتقل بعد ذلك إلى المعاصرين الذي استحسنوا القصيدة واعتبروها تعبر عن واقع اجتماعي معين، وكذلك تعبر عن نفسية الشاعر (طه حسين – محمد النويهي – ابتسام أحمد حمدان). وهنا نجدهقد حاول أن يقارب النص من خلال تاريخ تلقيه، فارتبط بحقول معرفية متعددة تتمحور حول علاقة الذات بالآخر وعلاقة الذات بالموروث في إطار كينونة الوجود. وقد غلب الطرح الوجودي على المسألة التحليلية، لكن بالمعنى المستنير. ورغم حضور الفلسفة الوجودية: كيركغارد – سارتر، نجد حضور فلسفات أخرى تتمحور حول الوجود: الظاهراتية- الماركسية …وقد استعمل آليات تأويل متعددة: اللسانيات – السيميولوجيا – نظرية التلقي. وحاول أن يؤرخ لتاريخ التلقي من خلال منهج دقيق يؤسس لمعرفة موضوعية تحاول الإحاطة بمفاهيم قيمية تحاول ربط الشعر بالأخلاق وبالوجود. وقد استفاد كثيراً من تقنيات التأويل المتعدد الأبعاد. فحاول فهم القصيدة النواسية من خلال نسفها للقديم وارتباطها بعلم الكلام وبالفلسفة العربية – الإسلامية. وقد برز هذا في الرؤية الإشكالية التي بنى عليها أبو نواس قصيدته في إطار العقل والنقل. وبعد ذلك انتقل إلى الشعر الحديث ليبحث عن “شعرية التناص في قصيدة ” ليت للبراق عيناً”. “وقد حاول في هذه المقالة الثالثة أن يؤطر القصيدة للكشف عن علاقتها بالنصوص السابقة، وبالخصوص النص التراثي، فسعى إلى الكشف عن العلاقة التي تربط عنوان القصيدة ببيت لقصيدة ليلى بنت لكيز:
ليت للبراق عيناً فترى ما ألاقي من بلاء وعنا
وبذلك فإنه يحاول أن يربط بين الثقافة الشفوية والثقافة الكتابية (الأذن والعين). وذلك من أجل الكشف عن الرؤى التي تنتظم القصيدتين. وتتخذ اللغة في القصيدة طابعاً تمثيلياً، فهي تجسد واقعاً معيناً يفرز رؤية لصيقة به. والباحث يحاول أن يمنح قصيدة علال الحجام بعداً إبداعياً لأنها تتخذ بعداً تحويلياً. فهي تتجاوز القديم لتؤسس رؤية خاصة؛ فالإنتاج الأدبي هو نتاج علاقات اجتماعية أفرزتها ظروف اقتصادية وتاريخية متميزة، إذ إن كل إنتاج اجتماعي مرتبط بالأساس بعلاقات اجتماعية مبنينة”(2). وما تجدر الإشارة إليه هو أن كل مرحلة تاريخية يحكمها نسق تاريخي معين، هذا النسق التاريخي الفاعل بمفهوم آلان تورين(Alain Touraine) هو الذي يتحكم في السيرورة المجتمعية ويمكن من تطوير بنية اقتصادية مزدهرة(3). هذا التمايز المرحلي هو ما يفهمه الناقد ويحاول الإحاطة به للإلمام به وإنتاج معرفة موضوعية حوله. هذه المعرفة تتأسس عبر اللغة التي تمتلك سلطة رمزية. والمعروف أن السلطة الرمزية “هي شكل متحول لايمكن اكتشافه بسهولة” كما يذهب إلى ذلك بيير بورديو(4). ومن هنا فإن القراءة تهدف إلى تحقيق غايات معينة، إذ إنه:”…ليست هناك أية قراءة بريئة.”(5).وبما أن المعنى يتناسل داخل القصيدة فهذا يحتم قراءته من جميع جوانبه لاستخراج أبعاده المتعددة. ونجد أنفسنا في عملية التحليل أمام وعيين: وعي قديم أفرزته بنية تقليدية، ووعي حديث أفرزته بنية حديثة، ومن خلاله يتبلور المعنى؛ فالتناص هنا يتخذ بعداً إيجابياً، فهو يحقق غاية الوجود المثلى والمتمثلة في الكتابة، والتي تعبر عن المأزق الوجودي للذات، والذي يختلف جذرياً عما سبقه. إن المنهج الوجودي هنا يتخذ أبعاداً معرفية، فهو يستند إلى التاريخ باعتباره سيرورة تشكلت عبرها الذات الموجودة، والواقع باعتباره محفزاً للكتابة، والمعرفة المنهجية من هنا تسعى لتحقيق سلطة معينة تبرز في تجذير وعي الذات من أجل الانفتاح والتحاور.
وينتقل الباحث بعد ذلك إلى المتن النثري؛ ففي المقالة الرابعة والخامسة يحاول الاستناد إلى المعرفة الفلسفية لتحليل المتون؛ ففي “مقام الفناء في الكتابة القصصية قراءة في قصة “الظل” لأحمد بوزفور يحاول اعتماد الفلسفة الوجودية لتفكيك مجموعة من الثنائيات التي اقترحها: الحضور/الغياب ،النزول/الصمت… وهو يستند في ذلك إلى اللغة الصوفية باعتبارها ذلك الحضور الشخصي النابع من الذات، فالوجود مرتبط بالحب والألم، ومن خلاله تحاول الذات تأسيس رؤيتها. فالمنهج الفلسفي المعتمد هنا يعتمد القرائن العقلية ويتجاوز التصورات الميتافيزيقية القبلية؛ فـ”الظل” هو يقين يسعى العاشق من خلاله إبراز الرؤية التي تتمثلها الذات. ذلك أن المعرفة التي تبرز هنا تستند إلى أبعاد فلسفية تتجاوز كل ما هو تقليدي لتبني رؤية منفتحة تتجاوز الألم لتعميق معنى الوجود في بعده الإيجابي.
وفي المقالة الخامسة “الوجه والقناع في رواية ‘رحلة خارج الطريق السيار’“لحميد لحميداني، فهي الأخرى، تكرس لرؤية فلسفية، فقد استند فيها إلى التصوف واللسانيات وعلم النفس. إنها تسعى لتحقيق معرفة فلسفية تستند إلى حقول متعددة؛ فمن خلال هذه الرؤية يحاول الكشف عن ثنائية الوجه والقناع. وهنا يطرح السؤالالجوهري: ما هي الأشياء التي تحاول الذات إخفاءها في وضعها للقناع؟ إن التصور الفلسفي العميق هنا يكمن في إضفاء المعنى على الوجه من جهة، وعلى القناع من جهة أخرى. وهذا يمكن المتلقي من فهم المعاني المتعددة للنص. وفي المقالة السادسة “البناء السردي في رواية ‘عزوزة’” يحاول أن يقوم بقراءة نسقية. إن رواية “عزوزة” لزهرة رميج تحتوي على دلالات متعددة، ويحاول الناقد اعتماد آليات متعددة من أجل الكشف عن هذه المعاني. فهو يستند إلى المنهج الظاهراتي لتفسير الوجود. كما يعتمد تقنيات التحليل المعتمدة في اللسانيات لفهم البناء السردي، وخاصة المقاربة النسقية. وعلى المستوى الفلسفي نجده يسعى إلى تفكيك مجموعة من الثنائيات: الذكورة/الأنوثة، الثورة/التمرد، الحب/الكراهية…وهو يستند في ذلك إلى معارف متعددة هذا التعدد هو الذي يمنح هذه الممارسة النقدية عمقها وتميزها، لكونها تطرح – وبعمق – سؤال التراث والحداثة في إطار كينونة منفتحة تؤسس لوعي عميق ينبني على التفاعل والتجاوز، كما أنه يحاور الآخر بشكل جدلي يعبر عن وعي موضوعي للذات وللواقع .
انطلاقاً مما ذكرنا يمكن القول إن الممارسة النقدية لمحمد مساعدي قد اعتمدت على حقول معرفية متعددة، وقد أسست لمعرفة تسعى لتحقيق الهوية، هذه المعرفة تكمن في الحس المنهجي الذي يعتمد الدقة ويؤسس لمعرفة موضوعية متعددة: فلسفية، تاريخية، اجتماعية، نفسية، لسانية، سيميولوجية، وهي تسعى لتحقيق غاية معينة تكمن في ممارسة سلطتها على المتلقي. وهي بذلك تؤسس سلطة معينة، وتكمن هذه السلطة في توجيه المتلقي وإعادة بناء وعيه وفق أفق منفتح. والسلطة – في تجلياتها العامة – هي التي تمكن الذات من إعادة بناء الواقع وفهمه فهماً دقيقاً. وهذا هو ما سعت إليه هذه الممارسة النقدية شأنها في ذلك شأن الممارسات النقدية الأخرى داخل الكتاب. إن هذه الممارسة النقدية لمحمد مساعدي هي التي تجعلنا نقر بالتلازم الضروري والتاريخي بين المعرفة والسلطة في إطار العلاقة الجدلية بينهما؛ فالمعرفة لا تتحقق إلا بتأسيسها لسلطة معينة، والسلطة لا تتحقق إلا إذا انبنت على معرفة تحيط بالواقع وتعيد بناءه وفق تصور جدلي.
1-2جدلية الهوية والغيرية عند فاتحة الطايب
ستنصب مقاربتنا لطرح فاتحة الطايب على حقل النقد المقارن؛ فمن خلال هذا الحقل حاولت أن تبلور مشروعها النظري، وقد انكبت على المتون النثرية ونادراً ما اشتغلت على المتون الشعرية، وهذا ما نلمسه من خلال مقاربتها لنصيين شعريين في الكتاب. وفي مقاربتنا لابد من أن نستحضر مجموعة من المعطيات لتحقيق رؤية علمية، فالذات ترتبط بالموضوع ارتباطاً عضوياً لتحقيق كينونتها. وهي لا تتحقق إلا في علاقتها الجدلية بالآخر، مما يعني أنه لابد من الاستناد إلى الصورلوجيا لتحقيق معرفة موضوعية حول التحليل. إننا في الواقع نحمل في أعماقنا رؤية عن الآخر(6)، هذه الرؤية لاتكون ناضجة إلا إذا امتلكنا وعياً حوارياً. وتتحقق رؤية الناقدة داخل حقل الصورلوجيا والحقول الأخرى انطلاقاً من اعتمادها فلسفة تفكيكية تستند إلى عنف الخطاب وآليات امتداده، وهي بذلك تسعى إلى الكشف عن سلطة الخطاب، لذا يندرج خطابها النقدي ضمن إطار الخطاب المابعد حداثي. وهي تستند إلى مفاهيم جوهرية وتبني عليها طرحها النظري، ويتجلى في اعتمادها مفهومين أساسين: مفهوم “المقاومة” كما بلوره فرانز فانون، ومفهوم “الهيمنة” الذي يعد: “…مساهمة أساسية لغرامشي في الفكر الماركسي.”(7)
وتفاعل الناقدة مع أنماط الخطاب المتعددة مكنها من بلورة تصور يؤسس لسلطة معينة، تعيد إنتاج وعي جديد من أجل خلق كينونة تحقق للهوية امتدادها المتفاعل. هذه الرؤية هي رؤية مثقف فاعل؛ فالمثقف هو الذي يعبر عن رسالة تتضمن موقفا وفلسفة معينة(8). ويتجلى هذا بوضوح في عملياتها التحليلية. ففي المقالة الأولى “ظاهرة الحب الكورتوازي من زاوية التفاعل مع ظاهرة الحب العذري”،تسعى إلى أن تستحضر أبعاد العلاقة بين الأنا والآخر. فالمسكوت عنه في حقل الثقافة الغربية هو غياب النبش في العلاقة بالمعرفة الشرقية (العربية خصوصاً). فالتمفصلات التاريخية لتاريخ المعرفة لدى الغرب تتمحور حول حلقتين أساسيتين: النهضة الأولى (اليونان) والنهضة الثانية (الحديثة)، فالفجوات المتعددة بين النهضتين لا يتم سدها. ورغم الارتقاء النظري للمفكرين الغربيين لم يتم الاعتراف بالتأثيرات الخارجية. وتسعى الناقدة هنا إلى الكشف عن العلاقة بين الثقافتين: الغربية والعربية من خلال مقاربتها للحب الكورتوازي في علاقته بالحب العذري. وهي تستحضر السياقين: الغربي والعربي، حيث تقوم بدراسة مقارنة لاستجلاء العناصر المشتركة. وبذلك فإنها تكشف عن العلاقة بين شعراء التروبادور (جنوب فرنسا) والموشحات الأندلسية. لا تقف المقارنة هنا عند فهم أسس الشعر الغنائي وإنما تتجاوزه للتأسيس لمقاربة ثقافية. فهي تحاول أن تلامس الأنساق المؤسسة للشعر. وتقارب موضوع المرأة من خلال سياق تاريخي معين أفرز رؤية وموقفاً حولها. فالشعر الفيودالي كان ينظر إلى المرأة نظرة تحقيرية، لأن العلاقة في المجتمع الإقطاعي تنبني على العبودية (الإقطاعي/القن). ومن هنا فهي علاقة تنبني على الإذلال، وهذا ينعكس بالفعل على علاقة الرجل بالمرأة. إن هذه الأنساق الفكرية مرتبطة باللحظة الظلامية في الفكر الغربي. وإذا كانت العلاقة بين الإقطاعي والقن قد انبنت على الإذلال فإن العلاقة بالآخر قد اتسمت بالعدوانية. وقد مكنت الحروب الصليبية الغرب من الاطلاع على الثقافة العربية رغم عدم بوحه بذلك ولا يعترف بأفضلية الحضارات السابقة عليه؛ إذ إن التحولات المجتمعية التي فرضتها الحروب الصليبية فرضت إعادة النظر في ثقافة الأنا، فحاولت الاستفادة من الآخر، فالأمير غيوم استفاد في شعره من الموشحات، بحيث اتسمت رؤيته بالتماسك، فعبر عن رؤية مستنيرة للمرأة، فسما بها. هذا التأثير مس شعراء التروبادور الذين تأثروا بالموشحات، نظماً ومعنى. وقد عقدت الناقدة مقارنة بين ابن اللبانة في”شاهدي في الحب من حرقي”وبرناردوفانتادور في “قلبي يتنهد” mon cœur soupire“، فالاختلاف الفلسفي لم يمنع من أن يتفاعل برناردو فانتادور مع ابن اللبانة. هذا الارتباط هو في العمق ارتباط أيضاً بشعر بني عذرة. ومن هنا أصبح الحديث عن ألم الشاعر والسمو بالحبيبة، وبذلك سعى الحب الكورتوازي إلى تغيير الرؤية حول المرأة والارتقاء بذهنية الرجل من أجل تأسيس رؤية فلسفية تنبني على علاقة إنسانية بين الرجل والمرأة.إن العملية التحليلية هنا لاتسعى إلى إعلاء شأن الذات بقدر ما تسعى إلى بناء علاقة موضوعية بين الذات والآخر. وفي المقالة الثانية: “‘مهمل تستظلون عليه بظل’ وشعرية الاختلاف“، تحاول الكشف بتقنيات متعددة: اللسانيات، الفلسفة، السيميولوجيا عن شعرية الاختلاف عند علاء عبد الهادي. وتدرج محاولته الشعرية ضمن ما تسميه “الكتابة الشعرية الإشكالية”، وهنا نجد أنفسنا أمام إشكالات مفاهيمية لابد من إدراك عمقها: “الكتابة” و”الشعرية” و”الإشكالية”. هذا التكثيف النظري يستدعي الإلمام بعدة حقول معرفية. فعندما نطرح مفهوم “كتابة فإننا نستحضر مرحلة معينة من التاريخ ارتبطت بارتقاء العقل، فمع “الكتابة” تأسس مفهوم التاريخ وتأسست الحضارة بشكلها الأرقى، وهذا يحيل بدوره على مفهوم “الشفاهية”. ومن هنا نصبح أمام ثنائية: كتابة/شفهية، والمفهومان يعبران عن نمطي وعي مختلفين:ما قبل الحضارة وبداية الحضارة، أو لنقل: الوعي العفوي والوعي المنظم. وبالتالي فإن أدوات التحليل تختلف من خطاب “الكتابة” إلى الخطاب “الشفهي”. والكتابة هي محاولة لإعادة إنتاج الوعي وإعادة بناء الواقع وفق تصور متماسك. وعلى المستوى الإبداعي فالكتابة محاولة لتحقيق وعي الهوية في بعده الخفي. وننتقل بعد ذلك إلى مفهوم “الشعرية”، والمقصود هنا هو جنس الكتابة، أي: الشعر. صحيح أن هذا الجنس ابتدأ مع بداية الإنسان إلا أنه في هذا السياق يتخذ بعداً آخر، فهو الكثافة في تجلياتها المطلقة. وتربط الشعرية بـ”الإشكالية”، وهذا المفهوم متعدد الأبعاد يفترض حلولاً متعددة. هذا الطابع النظري المكثف هو ما يجعلنا نقول بأن الكتابة الشعرية عند علاء عبد الهادي تتسم بطابع إشكالي. وهو الطابع الذي تحاول الناقدة تلمسه من خلال الديوان، وتعتمد تقنيات التفكيك للكشف عن الأجناس التي يخترقها (السرد، السينما…) والشاعر يعتمد مرجعيات متعددة يحقق من خلالها رؤيته للآخر:نيتشه، غارسيا ماركيز، لوكاتش، دانتي، صمويل هينتنغتون، كامي، عبد الرحمان منيف، فانون. هذه المرجعيات تتقاطع فيها مجموعة من التصورات الفلسفية والتاريخية والسياسية تتفاعل فيها الذات مع الآخر بشكل إيجابي، وعندما وسمت الناقدة الديوان بـ”الكتابة الشعرية الإشكالية” كانت ترمي إلى التلميح بأنه على القارئ التسلح بمعرفة موسوعية من أجل فهم هذا النوع من الكتابة. وهذا يفترض الاطلاع على فلسفة الاختلاف عند نيتشه وعلى الثقافات الإنسانية المتعددة. فالشاعر يؤسس للاختلاف،إذ العلاقة بين الذات والآخر ينبغي أن تنبني على الحوار والمثاقفة.
وتنتقل الناقدة بعد ذلك إلى المتون النثرية في المقالة الثالثة:”حكايات شهرزاد الزرادشتية/المسلمة؟ بين الكتابية والشفهية“، حيث تحاول تحقيق معرفة موضوعية حول هذه الحكايات، فهي تؤطرها ضمن إطارها التاريخي وتعترف لها بأصولها، إلا أنها تؤكد أنه تم تذويبها داخل الثقافة العربية-الإسلامية، بحيث يصعب ربطها من جديد بأصولها الأولى؛ فـ”شهرزاد الزرادشتية” تحولت بفعل الحكي إلى مسلمة، وتشير إلى مسألة جوهرية لم يتم الانتباه إليها فيما قبل، وهي أن هذه الحكايات التي يبدو أنها تعبر عن مرحلة شفوية هي في الواقع نتاج كتب تحولت بفعل الحكي إلى ماهي عليه، هذه الحكايات تم تحويرها عن طريق الرواة وتم الاحتفاظ بالحكاية الإطار. وبذلك فإنها انتقلت من بنية زرادشتية إلى بنية إسلامية منحتها إشعاعاً كونياً. وتطرح الحكايات مسألة التلقي في أبعادها، فالحكايات هي للإثارة والموعظة. وهي من هنا محاولة لتحقيق وعي معين. فالبنية التي أنتجت هذه الحكايات –في محصلتها النهائية- هي بنية تعبر عن وعي مرتبط بمرحلة تاريخية معينة وبمرتكزات عقدية خاصة. لهذا فقدت الحكايات جذورها وارتبطت بمنتجيها الجدد، فالأنا تلبس الآخر لبوسها وتذوبه داخلها، وهذه الحكايات تنبني على رؤى عديدة تفتح آفاق التأويل.وما تحاول الناقدة اثباته هو أن حكايات شهرزاد تتأطر ضمن مرحلة كتابية حولها الحكي إلى شفهية، وهنا نجد الارتباط العضوي بين الشفهي والكتابي. ويتم الاستناد إلى الرؤى الفلسفية للكشف عن الأصول التأسيسية للحكايات وعن خلفياتها النظرية والمعرفية. وأما المقالة الرابعة:”إنتاجية الصمت في السرد الروائي العربي”سيرك عمار”لسعيد علوش“،فإننا نجد المقاربة التأويلية واضحة المعالم، بالإضافة إلى استعانتها بالنظريات الفلسفية (الفلسفات التي تنظر إلى الوجود في أبعاده الذاتية)، وهي بذلك تسعى إلى تحديد نوعين من الصمت: صمت إرادي وصمت لا إرادي. وهذا يحيلنا مباشرة على الثقافة العربية الإسلامية التي أسست لنوعين من الخطاب: خطاب الصمت وخطاب الكلام؛ خطاب الصمت جسده الفقهاء وخطاب الكلام جسده علماء الكلام، فالصمت يقابله الكلام والصمت يتخذ طابعاً وجودياً، فهناك ما تود الذات البوح عنه ولا ترغب في قوله، وهناك ما لاتستطيع قوله، هذا الصمت تحاول كشفه من خلال الشبكة العلائقية للنص والتي تمتاز بالتشابك والكثافة المعرفية. وترى أن الرواية تنبني على تصورات معرفية متشابكة، مما يعني أن الناقدة تركز على المتون التي تتسم بالطابع الإشكالي. إن التشابكات العلائقية داخل النصوص ذات الطابع الإشكالي تعبر عن علاقة معينة بين الذات والآخر، وهي علاقة تنبني في الواقع على الحوارية. وهو ما اتسمت به الرؤية عند سعيد علوش. وفي المقالتين الأخيرتين (الخامسة والسادسة): “مركزية الهامش- الهوية الثقافية في روايات إبراهيم الكوني”و”آلية الميتانص بين النقد والتبرير في رواية “العلامة” لبنسالم حميش“، فإن مفهوم الهوية يبرز بوضوح. حيث تسعى في”مركزية الهامش” إلى تحديد المفهوم. وهنا نجد أنفسنا أمام مفهومين: “مركزية”و”الهامش”، فـ”مركزية”تعني بالأساس”تمركزاً”، أما “الهامش”فهو التابع ولابد له من مركز، ولكن المثير هنا هو ربط الهامش بالمركزية، مما يعني أننا أصبحنا أمام هامش/ مركز، وهي هنا تبني أطروحتها على مفاهيم نظرية: الهيمنة والمقاومة، بالإضافة إلى مفاهيم نظرية متعلقة بفلسفة الاختلاف وبالخصوص المفاهيم المتعلقة بالوجود. وهنا نتأكد بأن الوعي المنتج هو الذي يحقق للذات وجودها. وما تجدر الإشارة إليه هو أن روايات إبراهيم الكوني تطرح سؤال الهوية بإلحاح؛ ففي نبشه عن حضارة الطوارق يؤكد أن هناك هوية مختلفة وجب الاعتراف بها. والناقدة ترى أن الروائي إبراهيم الكوني في كتابته يدافع عن هويته وذلك من خلال إبراز التقاطعات الثقافية التي تمثلها الحضارات الإنسانية. وترى أن الهوية في رفضها للتذويب تقاوم من أجل إعلاء ذاتها. وهي بذلك تحاول الكشف عن عناصر التفكير المكونة لروايات الكوني؛ إذ ترى أنها تركز على الهوية المرتبطة بالصحراء (ليبيا)، وتمثل ذلك التداخل بين الثقافة العربية والثقافة الأمازيغية، وتبحث في الاشتغال الفني للأسطورة وفي التعدد اللغوي داخل الروايات. ومن هنا ترى أن هذه الروايات تعيد إنتاج مفهوم الهوية وفق وعي موضوعي.فالهوية المهمشة تصبح هنا مركزاً يتفاعل مع جميع الثقافات الإنسانية. ونستنتج أن الوعي بالذات هي ما يحقق للوجود ماهيته في إطار التفاعل الإنساني، فالعلاقة الجدلية بين الذات والآخر هي ما يمكن العقل من الارتقاء، ويساهم في بناء ثقافة منفتحة.
أما في”آلية الميتانص بين النقد والتبرير في رواية”العلامة” لبنسالم حميش”، فإننا نرى اعتمادها على مقاربة متعددة الأبعاد تتمثل في النبش عن التراث ومحاورته، إذ تحاول تأسيس رؤية معينة للتراث وللحاضر مستندة إلى التاريخ. فهي ترى أن بنسالم حميش يعتمد التاريخ كمكون أساسي للحكي، فهو من خلال “العلامة” يحاول أن يمرر مجموعة من الرؤى، بحيث يتجاوز السيرة الذاتية لـ”العلامة” ليتخيل وقائع أخرى من منظور حداثي.وفي هذه العملية التحليلية تحاول الناقدة أن تقارن بين السيرة الذاتية العربية والسيرة الغربية. وتشير إلى اختلافهما الجذري؛ فالسيرة العربية تستبعد الأمور الشخصية عكس السيرة الغربية. وتنتهي إلى أن بنسالم حميش لايقدس ابن خلدون وإنما يحاول من خلاله أن يمرر رؤى معينة، بل ويبررها خاصة في العلاقة التي جمعت تيمورلنك بابن خلدون. وترى أن المحاولات التبريرية لبنسالم حميش أفقدت الرواية جوهرها، فهي سعت إلى التبرير من أجل الدفاع عن ابن خلدون. وما يمكن أن نسجله هنا هو أن المقاربة التحليلية سعت إلى الكشف عن العلاقة بين الذات والتراث وبين الذات والآخر.إن علاقة الذات بالتراث هي علاقة ملتبسة رغم انفتاحها على الآخر. وتسعى الناقدة إلى أن تؤكد على أن العلاقة بالتراث وجب أن تستند إلى وعي نقدي مثلها في ذلك مثل العلاقة بالآخر، فرغم كونها جدلية فلا بد أن تتسم بالنقد.
إن البناء النظري لفاتحة الطايب يسعى إلى التأسيس لوعي جدلي، تنبني فيه العلاقة مع الآخر على أساس الانفتاح والوعي النقدي. وهي في مقاربتها تستند إلى النقد المقارن معتمدة على طروحات متعددة تعبر عن وعي واقعي يسعى إلى تسييج موضوعه وإلى إعادة بناء الوعي وفق منظور جدلي. هذا التأسيس المعرفي يسعى إلى تحقيق سلطة معينة. وتكمن هذه السلطة في إعادة بناء وعي المتلقي من أجل ترسيخ رؤية موضوعية للذات وللآخر وللتاريخ. هذا الوعي التأسيسي هو الذي يؤكد العلاقة الجدلية بين المعرفة والسلطة والتي سعت دراسات المتون إلى تحقيقها؛ فالمثقف هو الذي يسعى دوما إلى إعادة تشكيل الوعي من أجل فهم حقيقي للواقع.
2- نقد النقد بين الاقتراح المنهجي وأسئلة القراءة والتأويل
2-1 منهجية نقد النقد الأدبي عند عبد الواحد المرابط
سعى الناقد عبد الواحد المرابط من خلال دراستين قدمهما في هذا الكتاب تعنيان بالنقدين البنيوي والتفكيكي إلى تقديم اقتراح منهجي في إطار نقد النقد الأدبي، فكما يمارس الناقد سلطة معرفية ومنهجية على النص الأدبي، فإن ناقد النقد الأدبي، هو الآخر، يملك سلطة مماثلة تضمن له إمكانية التحقق من الخطوات المنهجية التي يتبعها الناقد الأدبي أثناء مقاربته للنص الأدبي. هكذا فإن عمل الناقد عبد الواحد المرابط قد انصب على دراسة الأبعاد العلمية في الخطاب النقدي العربي، وفحص مستوياته المختلفة باعتماد مقاييس إبستمولوجية وضوابط منهجية واضحة، مسترشداً في ذلك “بالكشافة العلمية” (l’heuristique) التي اقترحها الفيلسوف الأمريكي إيمريلاكاطوس ( ImerLakatos) والتي تقدم استراتيجية إبستيمولوجية تفحص منطلقات العمل ومراحله ونتائجه قصد إبراز نقط قوته أو ضعفه.
وقد اعتمد الناقد على مجموعة من المقاييس الإبستمولوجية والمستويات التحليلية للتحقق من علمية النصوص النقدية التي اشتغل عليها، ومن تلك المقاييس التي اعتمدها ما يرتبط “باختبار الصلاحية” و”اختبار الصحة” و”اختبار الانسجام” ومبادئ “التطابق” و”النسقية” و”الشفافية”، وفيما يتعلق بالمستويات التحليلية فقد استقاها من المجهودات التي قدمها بعض نقاد النقد والإبستمولوجيين العرب والغربيين.
لقد اختار عبد الواحد المرابط أن يكون أول كتاب يخضعه لاقتراحه المنهجي هو كتاب “الرؤى المقنعة” للناقد كمال أبوديب، ولايمكننا إخفاء الدقة التي امتلكها الناقد عبد الواحد المرابط في فحصه لهذا الكتاب؛ حيث تتبع كل فصوله ليكشف مدى ارتباطها ببعضها البعض، واستجابة تصميم الدراسة التي قدمها أبو ديب حول الشعر الجاهلي للأهداف المسطرة وللمنهج البنيوي المعتمد.
هكذا نجده يقف على مجموعة من الثغرات التي ترتبط بتصميم الدراسة منها عدم الإشارة إلى فصل من الفصول في الفهرس، واختلاف محاور فصل ما عن العناوين المقدمة في الفهرس…وهو ما اعتبره الناقد إخلالاً بالبناء العلمي للعمل النقدي. كما اعتبر أن هاجس تطوير المنهج البنيوي قد سيطر على هذا العمل مما جعل الناقد أبو ديب لا يولي أهمية لتبرير اختياره للقصائد التي اشتغل عليها، بل واختياره للشعر الجاهلي موضوعاً للاشتغال. ثم إن الخلفيات المعرفية التي أسس عليها تحليله للشعر الجاهلي، كالتحليل البنيوي للأسطورة كما اقترحه كلود ليفي ستروس، وتحليل مورفولوجيا الحكاية الشعبية الروسية لفلادمير بروب، ومناهج التحليل السيميائي للأدب عند رومان ياكبسون والبنيويين الفرنسيين، والبنيوية التكوينية عند لوسيان غولدمان، وتحليل عملية التأليف الشفهي كما طوره ملمان باري وألبرت لورد، قد جعلت الناقد أبو ديب يسير في اتجاهات عديدة، فما كان يهمه هو الكشف عن بنية الشعر الجاهلي ولا يهم إن تعددت تصورات هذه البنية أو تضاربت، حتى إن إعجابه بنموذجي بروب وستروس جعله يضحي بنتائج هامة من أجل المقارنة بين الشعر الجاهلي والأسطورة والحكاية الشعبية. وقد تتبع الناقد عبد الواحد المرابط تطبيق أبوديب لمجموعة من المفاهيم التي استقاها من المرجعيات السالفة الذكر، حيث اكتشف أن الناقد قد أفرغها من محتوياتها بدل استعماله لمفاهيم عربية أيسر وأدق. ولعل تتبع المرابط للخطوات المنهجية التي اتبعها أبو ديب جعله يكتشف غياب تنظيم مضبوط يسير عليه الناقد. غير أن أخطر خلل علمي، على حد تعبير عبد الواحد المرابط، هو تشكيك أبوديب في مصداقية مصادر الشعر الجاهلي وهي المصادر نفسها التي اختار منها متنه المشتغل عليه في عمله النقدي.
إن قارئ هذه الدراسة لا يمكنه إلا أن ينبهر بالصرامة المعرفية التي امتلكها الناقد عبد الواحد المرابط، والتي سمحت بتشكيل وعي جديد للقارئ؛ إذ لن تكون قراءتنا لكتاب “الرؤى المقنعة” مماثلة لقراءات سابقة قمنا بها قبل اطلاعنا على هذه الدراسة.
ويتبع المرابط نفس المقاييس الإبستمولوجية والخطوات المنهجية في دراسته لكتاب “الخطيئة والتكفير” لعبد الله محمد الغذامي، حيث وجد أن الهاجس التجريبي قد سيطر على هذا العمل، والمقصود بذلك هو تجريب تصورات نظرية ومنهجية مقتبسة من النظريات والمناهج الغربية على متن أدبي عربي من أجل تطوير النقد العربي. وبذلك فإن التصور المنهجي الذي درس به الغذامي كتابات حمزة شحاته هو المنهج التشريحي، بتعبير الغذامي، أو المنهج التفكيكي كما قدمه رولان بارط في كتبه المتأخرة (s/z) و”لذة النص”…، ويقف المرابط على أول تناقض في اختيار الغذامي لنموذج بارط التحليلي حيث يختلف الاثنان في نظرتهما للأدب والإبداع عموماً، ذلك أن الغذامي يعتبر أن أدب حمزة شحاته يعكس نموذجاً دلالياً قائماً في العالم، في حين أن بارط ينفلت من النظرة الانعكاسية ولا يعتبر النص موضوعاً تعبيرياً ينقل إلينا حقيقة ما. والتناقض الثاني الذي يكشف اختلاف رؤية الغذامي عن بارط هي اختزال الأول لنصوص شحاته في بنية دلالية واحدة تفسرها في مجموعها، في حين أن الثاني في كتابه s/z ، المعتمد من قبل الغذامي، ينتقد التحليلات التي تختزل النص في بنيات ناظمة. ولعل رغبة الغذامي في تفسير أدب حمزة شحاته جعلته يستحضر تصوراً آخر لم يعلن عنه في بداية حديثه عن الخلفيات النظرية المؤسسة للدراسة، وهو تصور كارل يونغ عن اللاشعور الجمعي، ولذلك فإن الناقد عبد الواحد المرابط يعتبر بأن الغذامي تناسى منطلقاته النظرية ليقدم تحليلات موضوعاتية- نفسية على الطريقة الباشلارية. ثم إن انطلاق الغذامي من مصادرة تأويلية تفيد أن كتابات حمزة شحاته وحياته تجسدان فلسفة “الخطيئة والتكفير” يتنافى مع الطرح المنهجي البارطي الذي لاينطلق من مصادرة تأويلية قبلية ونهائية وإنما يعتمد التقطيع الأفقي الكامل للنص قبل الوصول إلى مرحلة التأويل. ومن خلال تتبع المرابط لجل العمليات النقدية داخل الكتاب استنتج أن الغذامي بنى خطواته المنهجية على الاجتهاد الشخصي ظاناً بأنه يتكئ على منهج بارط، مما أحدث انقساماً على مستوى التحليل الذي تداخل فيه المنحنى الموضوعاتي- النفسي والمنحنى اللساني.
وانطلاقاً من الدراستين السابقتين يخلص عبد الواحد المرابط إلى مجموعة من النتائج التركيبية والفرضيات العامة حول النقد العربي المعاصر، منها ما يتعلق بالأهداف المنهجية التي ترمي تطبيق خطوات منهجية مستمدة من نظريات غربية قصد تطوير مناهج دراسة الأدب العربي، وأخرى تتعلق بالأهداف المعرفية المتمثلة في فهم الموضوع المدروس وإبراز دلالته؛ الشيء الذي جعل المرابط يلاحظ غياب الترابط المنهجي والمعرفي بين الأهداف المنهجية والأهداف المعرفية على مستوى الدراستين معاً. وهي السمة التي يعممها الدارس على مجمل النقد العربي المعاصر، لأن الناقد العربي يسعى إلى التوفيق بين أسئلة النص العربي الخاصة، وبين مستلزمات الكونية التي تقتضيها المناهج والنظريات المستوردة.
ثم يضيف الناقد ملمحاً آخر من ملامح النقد العربي المعاصر استنبطه من خلال النموذجين المدروسين، والذي يمكن جعله فرضية ومنطلقاً لدراسة أعمال أخرى، وهو البناء المزدوج للعمل النقدي؛ والمقصود هنا هو انشطار العمل النقدي على صعيد الأهداف والموضوع، كما على صعيد الخلفيات النظرية والمفاهيم والمنطلقات، وصولا إلى العمليات النقدية والنتائج.
على أن فحص عبد الواحد المرابط الدقيق للدراستين ووقوفه على بعض ثغراتهما، لم يقلل، في نظره، من قيمة العملين والمجهود الذي بذله كل من أبوديب والغذامي في تطوير النقد العربي. على أن ملاحظاته تشكل مرجعاً يعود إليه الناقد الأدبي لكي تمتاز أعماله بالدقة والعلمية.
2-2 النص الشعري القديم وأسئلة القراءة عند محمد مساعدي:
يستثمر الناقد محمد مساعدي معطيات جمالية التلقي لرصد الأسئلة التي تشكلت عند القراء المتعاقبين على الشعر العربي القديم سواء تعلق الأمر بالنقد العربي القديم أو بالنقد الحديث والمعاصر، وهي أسئلة تختلف حسب تخصص القراء ومجالات عملهم؛ فاللغويون الأوائل جعلوا من الشعر مادة أولية لاستخلاص النسق المهيمن، وللاحتجاج على أصالة عربية القرآن، وبذلك فإن هاجس توحيد الرؤية النقدية ظل حاضراً لديهم حتى فيما يتعلق بالنقاد اللاحقين الذين يتحتم عليهم احترام المتن المرجعي الذي اتفق العلماء السابقون على أصالته.
أما أسئلة المبدعين فقد تنوعت حسب قرب أو ابتعاد الشاعر من النموذج الذي فرضه علماء اللغة، على اعتبار أن المجددين من أمثال بشار بن برد وأبي نواس وأبي تمام قد طرحوا أسئلة مغايرة عن تلك التي طرحها علماء اللغة على النص الشعري مما يبرز تبلور أفق توقع جديد أرحب يستوعب أسرار الصناعة الشعرية. وينتقل الناقد بعد ذلك إلى البحث عن أسئلة البلاغيين التي يرى أنها لا تخرج عن مذهب اللغويين في تمجيد الماضي والحرص على استمراريته. وينتهي إلى أن أسئلة هؤلاء حول شعر الأوائل قد أطرها: الوضوح والصدق (الشرف، الصحة، الجزالة، الاستقامة، الإصابة ، المقاربة)، في حين أن تجربة المحدثين قد ووجهت بأسئلة جديدة من قبيل: الغموض والبديع، والسرقات الشعرية…، وقد أدى تصلب المواقف بخصوص التيارين الشعريين إلى غياب الحوار وإحداث خصومات بين مناصري كل تيار.
وينفتح مساعدي على أسئلة النقد الحديث والمعاصر، حيث يرى أن الانفتاح على مناهج النقد الحديث، ويضرب مثالاً بالمنهج التاريخي، قد أنتج أسئلة جديدة على مستوى قراءة النص الشعري القديم، ومن تلك الأسئلة ما يتعلق بصلة الأدب بالبيئة، والبحث عن المؤثرات التي طبعت أعمال المبدع، والتأكد من صحة نسبة النصوص إلى مؤلفيها، وصدق المبدع في التعبير عن أحاسيسه… بينما يرى أن البنيوية قد قدمت أسئلة جديدة حول أدبية النص والعلاقات المشكلة لبنية النص…، غير أن الناقد يخلص إلى نتيجة مفادها أن الدراسة الأدبية قد عرفت منعطفاً هاماً في مسارها فرضته أسئلة لا تتسع لها الدراسات المحايثة، لذلك سيتم الاهتمام بالتلقي والتأويل على اعتبار أن الظاهرة الأدبية تتشكل من خلال تفاعل النص والقارئ.
2-3 فاتحة الطايب وسلطة القراءة والتأويل عند عبد الفتاح كيليطو
يتجلى إسهام الناقدة فاتحة الطايب، في القسم المخصص لنقد النقد الأدبي من هذا الكتاب، في تقديم قراءة في نماذج من مشروع الناقد عبد الفتاح كيليطو النقدي، وهي قراءة عنونتها بـ”دينامية تأويل الخطاب التراثي العربي”، حيث سعت من خلال هذه القراءة إلى إبراز التميز الذي تحظى به أعمال كيليطو على مستوى دراسة الخطاب التراثي، وهو تميز مردّه، حسب الناقدة، إلى تأويلاته التي تصدر عن تيار فكري حي يضع السؤال في قلب الثقافة، وإلى اندماج أفقه كقارئ حديث مع أفق النص التراثي مستحضراً المسافة التي تفصلهما.
إن تأويلات كيليطو تخلق، حسب الناقدة، دينامية مزدوجة ولانهائية لأنها تحث القارئ على طرح أسئلة حول علاقة ذاته الحاضرة بالماضي، وبالتأويل الذي هو بصدد قراءته. ومن هنا فإن الناقدة، باعتبارها قارئة وذاتاً مؤولة، ستقارب نماذج من أعمال الناقد مستندة إلى المنهجية التأويلية لتبحث، بدورها، عن الأسئلة التي كانت تلك الدراسات جواباً عنها. ومن أهم تلك الأسئلة سؤال العلاقة بالأموات الذي تعتبره الناقدة سؤالاً مركزياً يتأسس عليه مشروع عبد الفتاح كيليطو النقدي؛ إذ يسعى الناقد، دائماً، من خلال دراسته للتراث إلى فهم الماضي بتطلعات الحاضر، ويعمل على طرح أسئلة حقيقية على النصوص الكلاسيكية استناداً إلى واقعه الراهن.
وقد حاولت الناقدة التأكيد على أن موضوع “العلاقة مع الأموات” كان يؤرق بال كيليطو من خلال استحضارها لبعض دراساته للنصوص الكلاسيكية العربية كحكايات “ألف ليلة وليلة” و”مقامات الحريري” و” بخلاء الجاحظ”. وتخلص من خلال قراءتها إلى أن الموت لا يعيق التواصل، وأن القراءة حوار بين قارئ حي ومؤلف ميت على أن تكون العلاقة بينهما علاقة عن بعد.
ومن بين الأسئلة المترتبة عن سؤال العلاقة بالأموات، نجد سؤال الوساطة الذي يحولنا من خلاله عبد الفتاح كيليطو إلى سنادبة (نسبة إلى سندباد)، خاصة فيما يتعلق بعلاقتنا بالآخر في ظل الوضع الثقافي العربي الراهن، الذي كما يجب أن نتجنب فيه تقديس الأموات، علينا أن نتجنب فيه تقديس الغرب أيضاً. وبذلك فإنه يركز على المنظور الحواري الذي يجب أن يطبع علاقتنا بالتراث وبالغرب، والذي يجعلهما معاً عرضة للمساءلة الدائمة و”للتفاوض” بتعبير هومي بابا.(9)
إن تغير موازين القوة بين ماض متقدم وحاضر متقهقر، جعل الناقدة تدرس سؤال الازدواجية اللغوية من منظور منفتح تستحضر فيه السلف الذي لم يكن منشغل البال بهذه المسألة كون الثقافة العربية كانت في أزهى مراحلها، وهنا تقدم مثال الجاحظ الذي درسه الناقد، والخلف المتمثل في الناقد عبد الفتاح كيليطو، نفسه، الذي يرى أن آخر الحصون المتبقية للمثقف العربي ليحتمي بها ضد الهيمنة الثقافية الغربية هو حصن اللغة.
وبذلك فإن هاته القراءة بالرغم من اندراجها ضمن حقل نقد النقد الأدبي، فإنها لا تقل امتاعاً عن القراءات التي يقدمها عبد الفتاح كيليطو للنصوص الأدبية التراثية، نظراً لاندماج أفق الناقدة فاتحة الطايب مع أفق الناقد عبد الفتاح كيليطو، المنشغلان بنفس الهموم الثقافية وبنفس الأسئلة التي تطبع علاقتهما بالماضي وبالحاضر، وبالذات وبالآخر.
تركيب
انطلاقاً مما ذكرنا يمكن القول إن الطرح النظري لمحمد مساعدي انبنى على محور أساسي هو مساءلة التراث والحداثة. وقد أسس لوعي عملي برزت فيه جدلية المعرفة والسلطة. في حين أن الطرح النظري لفاتحة الطايب سعى إلى تحقيق هوية متكاملة في إطار علاقة جدلية بين الأنا والآخر، تمكن الذات من تجذير وجودها والتأسيس لوعي اجتماعي ناضج تبلورت فيه، وبشكل ناضج، جدلية المعرفة والسلطة. أما طرح عبد الواحد المرابط فقد تأسس على خلفيات ابستمولوجية ومعرفة بمقومات الخطاب العلمي جعلته يمارس سلطة معرفية ومنهجية على النقد الأدبي العربي.
الهوامش
1- ميشيل فوكو، جنيالوجيا المعرفة، ترجمة أحمد السطاتي- عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال، الدار البيضاء، الطبعة الاولى 1988، ص80.
2-Louis Althusser- Etienne Balibar, Lire le capital 2, éd. François Maspero, Paris, 1980, p. 178.
3-Alain Touraine, Production de la société, éd. du Seuil, Paris, 1973, p. 89.
4-Pierre Bourdieu, Langage et pouvoir symbolique, éd. Fayard, éd. Point, Paris, 2014, p. 210.
5- Louis Althusser- Etienne Balibar, Lire le capital 1, éd. François Maspero, Paris, 1980, p. 10.
6- Tzvetan Todorov, La vie commune, essai d’anthropologie générale, éd. Seuil, Paris, mars 1995, p. 34.
7- Maria- Antonietta- Maccrochi, Pour Gramsci, éd. Seuil, Paris, 1974, p. 159.
8- E.W.Said, Des intellectuels et du pouvoir, Tarik édition, Paris, 2014, p.32.
9- هومي. ك. بابا، موقع الثقافة، ترجمة ثائر ديب، المركز الثقافي العربي، بيروت- الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2006، ص 38.