“الأشجار تموت واقفة”[*]، عبارة رددتها عدة مرات على مسامع عزيزي، المرحوم الأستاذ عثمان بناني عندما كنت أزوره في المراحل الأولى من مرضه في دجنبر من السنة الماضية، وكان يستحسن استحضار هذه القولة الرائعة للشاعر الفلسطيني معين بسيسو، فيعبر عن قوة استعداده لمواجهة المرض باعتباره إحدى شدائد الحياة ويستمد صموده من ثباته أمام مختلف البلايا السابقة في حياته. وكنت أمني النفس أن قدرته على مواجهة المآسي السابقة سوف تساعده على التغلب على نائبة الدهر هذه مرة أخرى. وفي كل زيارة كنت أتمنى أن تحصل المعجزة. ولكن بعد لقاء أول وثان وثالث، أفصح لي عن شيء هام جدا، حينما قال :” فوق السبعين سنة، أعتبر أنني عشت ما يكفي، وقد حققت كل ما كنت أريد تحقيقه، والآن لا يهمني كيف ولا متى، وإنما أنا على أتم الاستعداد”. وعندما أجبته بنفس الكلمة وقلت له:” الأشجار تموت واقفة” قال لي “نعم” ولكنه قالها هذه المرة بنوع رهيب من السكينة وعيناه هادئتان أمام المصير الموقوت. هكذا كان السي عثمان شامخا في مقاومته لشدائد الزمن والمجتمع وساميا في تحمله وقبوله للمصير المحتوم.
أستحضر آخر مرة التقيت فيها بالسي عثمان قبل أن يُقعِده المرض. كان ذلك قبل سفره الأخير إلى فرنسا لحضور ذكرى التاسع والعشرين من أكتوبر، وهو موعد يستحيل أن يتأخر عن الحضور فيه مهما كانت الظروف، إذ يؤرخ لاختطاف الزعيم الوطني المهدي بن بركة، زوج أخته، لاسيما وأن الموعد هذه السنة كان يصادف الذكرى الخمسين لهذا الاختطاف المشؤوم.
كان السي عثمان قد جاء لزيارة مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الأستاذ محمد القبلي، وكنت وقتئذ موجودا بالمعهد، فتوقف بالغرفة التي كنت أشتغل فيها. وبعد برهة، أراد توديعي لكني ألححت على مرافقته إلى مكان وقوف سيارته. أذكر أننا تجاذبنا أطراف أحاديث شتى لمدة قاربت الساعة ونحن واقفان بجانب سيارته، فلا هو استعجل المغادرة ولا أنا حسبت أي حساب للزمن. ومن غريب ما يحصل في بعض الأحيان أن الإنسان يتلفظ بأقوال أو يقوم بحركات ذات طابع تنبئي، دون أن يدرك في حينه أنه يفعل. ولا تأخذ تلك الأمور كل عمقها إلا بعد مغيب الأحبة الذين جمعتنا بهم مثل هذه الأقوال أو الحركات. حصل لي وللسي عثمان شيئ من هذا القبيل في تلك الوقفة. أثناء الحديث المتعدد الوجوه، وبعد أن توادعنا للمرة الرابعة أو الخامسة دون أن نتحرك من مكانينا، خطر لي أن أحدثه عن التقليد الروسي الذي يقضي بأن يجلس الأحبة المقبلين على السفر مع أحبائهم عندما تكون كل الأمور قد رتبت للمغادرة. فيجلس الجميع قبالة بعضهم البعض في صمت وهدوء وينظرون مليا إلى بعضهم لمدة دقيقة أو تكاد كأنهم يريدون تثبيت صورة الأحبة إلى الأبد في أذهانهم في حالة ما إذا حدث مكروه واستحال اللقاء من جديد. أصغى الي السي عثمان باهتمام بالغ، وبنبرته المرحة وابتسامته المألوفة، قال “ولمَ لا، فلنمارس هذه العادة الروسية”. وذلك ما قمنا به بالفعل، دون أن يخطر ببالي أننا كنا نسابق القدر. كانت تلك آخر مرة أرى فيها صديقي السي عثمان بجاكطته الزرقاء الأنيقة الفاتحة اللون وحيويته الهادئة المعتادة.
تخطَّف الموت السي عثمان من بين أيدي عائلته وأصدقائه وهم لا يصدقون. وافته المنية بعد بضعة شهور من مقاومة المرض يوم 29 يونيو المنصرم[1]، لينضاف هذا اليوم كذكرى أليمة إلى جانب ذكرى أليمة أخرى تصادف 29 أكتوبر 1965 عندما اختُطف زوج أخته المهدي بن بركة وتم اغتياله وتغييب جثمانه في ظروف غامضة لم تظهر حقيقتها إلى اليوم.
عاش عثمان ثلاث مراحل أساسية من حياته: طفولة ودراسة بالمغرب (1942-1958)، ثم دراسة ونضال وبحث بالقاهرة وبعدها بفرنسا (1958-1981) ثم تدريس وبحث وتأليف بعد العودة إلى المغرب (1981-2016). وخلال مختلف هذه المراحل برزت سمات شخصيته الأساسية، فهو المناضل الكبير والأستاذ الباحث الفذ وفوق هذا وذاك فهو الإنسان المتميز.
ازداد عثمان بناني سنة 1942 بمدينة الرباط ضمن عائلة مشبعة بالثقافة المتاحة حيث كان جده القاضي أحمد بناني فقيها وخطيبا يرحل ذوو الجاه والنفوذ إلى الزاوية التي يؤم الصلوات بها. وكان أبوه محمد بناني مؤسس أول مدرسة حرة بالرباط في الزاوية المباركية سنة 1920 (معلمة المغرب، ج. 5، ص 1483). أما عمه بوبكر بناني، فكان فقيها شاعرا ذا حس وطني يتتبع مجريات مقاومة الاستعمار الذي كان يزحف على مختلف مناطق المغرب في عشرينيات القرن الماضي. وقد اهتم عمه هذا بصفة خاصة بأحداث المقاومة الريفية، فوضع شعرا أصبح فيما بعد نشيدا للشباب الوطنيين يرددونه لإذكاء الحماس فيما بينهم (معلمة المغرب، ج. 5، ص 1477-1478).
عاش عثمان طفولته في المدينة العتيقة التي لم يفقد قط شغفه بها إلى نهاية حياته. وعلى غرار عدد من مجايليه من شباب نهاية المرحلة الاستعمارية، كان عثمان يهوى شتى أصناف الرياضات كالجمباز والغوص (plongeon) حيث حقق نتائج ارتقت به إلى مصاف المسابقات الوطنية.
وعندما أتيحت الفرصة – غداة الحصول على الاستقلال – لبعض الشباب المغربي للتوجه إلى المشرق لاستكمال الدراسة والتكوين، كان عثمان من بين من وقع عليهم الاختيار. هكذا توجه إلى مصر سنة 1958 لإتمام دراسته على أمل العودة بعد حين إلى المغرب. إلا أن الأحداث المتلاحقة التي عاشها المغرب بعد عام 1960 والتي اكتوت بنارها أسر بن بركة وبناني وبنونة، اضطرت عثمان إلى المكوث خارج أرض الوطن لما يقارب ربع القرن.
هنا تبدأ مرحلة المناضل. كان منزله بالقاهرة مفتوحا أمام كل المغاربة المتوجهين إلى/أو القاطنين بمصر أو سوريا. وكانت حركة الشباب المغاربة المنتمين إلى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بجميع أطيافه تجد في عثمان خير مستقبِل ومضيف بالقاهرة، خاصة وأنه كان هو المسؤول عن فرعي هذين التنظيمين بها. ومن ناحية ثانية، لم يكن سندا أساسيا للمهدي بن بركة فحسب، بل كان ينوب عنه في مهام كبرى، مثل تمثيله في بعض الملتقيات الدولية أو استقبال الوفود المنتمية إلى حركات التحرر الأسيوية والإفريقية، بالإضافة إلى السهر على ضبط المراسلات والاتصالات فضلا عن مرافقة المناضلين الوافدين من البلد.
وخلال هذه المرحلة، تقرب من الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي ومن بعض أعضاء أسرته، وتعرف على زعماء عرب مقيمين بالقاهرة التي كانت وقتها أهم قِبلات الشباب العربي المناضل من أجل الوحدة العربية ومجابهة الاستعمار الجديد. وقد جاء اختطاف المهدي بن بركة كفاجعة كبرى حولت مسارات عدة، حيث أصبح الشغل الشاغل لعثمان هو السهر على شؤون العائلة في القاهرة وتربية الأولاد[2] والحرص على أن ينالوا أحسن تكوين مع العمل على كشف الحقيقة في اختطاف المهدي واغتياله ومصير جثمانه.
إلا أنه في نفس الفترة، وعلى الرغم من شدة الظروف، اشتغل بمثابرة إلى جانب عبد الرحمان اليوسفي في الإعداد للندوة الدولية حول “ابن عبد الكريم والجمهورية الريفية”، المنعقدة بباريس ما بين 18 و 20 يناير 1973[3]، حيث إنه اضطلع بكل الأعمال المضنية المتعلقة بالمراسلات والإعداد المادي للندوة ثم متابعة تسلم النصوص واستفراغ التسجيلات وغيرها.
وفي سنة 1978، قرر عثمان أن ينتقل هو وعائلته إلى فرنسا حيث برزت مشاكل جديدة تفرضها الغربة في البلد الأوروبي. هذا نضال مغمور لا يدرك مدى الاكتواء به إلا من عاناه بصفة من الصفات. لكن السي عثمان كان قد مر بما يكفي من المحن هو وعائلته لكي يقابل كل محنة بما تحتاج إليه من صبر وتجلد إلى أن ينفرج الحال. هكذا، وبعد أن استقرت الأمور، انخرط في البحث التاريخي بكل قواه وسجل أطروحة حول “الاستعمار الإسباني والمقاومة الوطنية في شمال الممغرب (1912-1926)”، وهي أطروحة ما زالت غير منشورة.
وعند عودته إلى المغرب في بداية الثمانينيات، التحق بشعبة التاريخ بكلية الآداب بالرباط. وهنا تبدأ مرحلة جديدة من حياته هي مرحلة الأستاذ الباحث وتبدأ معها معرفتي المباشرة به. بعد مرور سنين عديدة على عودته، كان يحكي لي بكثير من المرارة عن تجربة العودة وما اكتنفها من خيبات وصدمات لم تكن دائما من فعل السلطة، حيث إن عددا من “المناضلين” من سابقي رفاق الدرب – الذين كانوا قد التحقوا بكوكبة المستفيدين من الأوضاع السائدة -، عاملوه بالمسافة والتنكر عندما عاد إلى المغرب بعد طول غياب.
أما داخل الشعبة، فنظرا لالتحاقه المتأخر بها نسبيا، تم تكليفه ببعض الدروس التي كان الآخرون يستنكفون من تحملها – ومنها الدروس خارج الشعبة في شعب الجغرافيا أو اللغة العربية والدراسات الإسلامية-، إما لكثرة طلبتها أو لعدم اهتمام أولائك الطلبة بمواد التاريخ. هنا أيضا، لم يكن عثمان ليهون أمام المصاعب، فلم يتأفف من المسؤوليات الموكولة إليه، بل تقبلها بصبر وتصميم، حتى إنه حينما طُلب منه أن يتكلف بتدريس مادة كان يقوم بأدائها أحد الزملاء بوجدة، اضطلع بالمسؤولية وتحمل مشاق السفر ذهابا وإيابا بين الرباط ووجدة لمدة من الزمن. ومما ميز طريقته في التدريس الحرصُ الشديد على حث الطلبة على الاهتمام بالمعرفة الدقيقة للمواضيع المدروسة عبر إدراك مضبوط للخريطة المطابقة لكل موضوع. ولعل اهتمامه القوي بالخريطة كان نابعا من عمق حبه لأرض وطنه، حيث إنه نادرا ما اعتذر عن المشاركة في رحلة دراسية أو سياحية دُعي إليها حتى لقبه الجغرافيون بــ”مؤرخ الجغرافيين” لكثرة ما شارك في جل الرحلات التي كانت جمعيتهم تنظمها سنويا في مختلف أرجاء المغرب. وقد تأتى لي أن ألمس شغفه بتضاريس الوطن عندما شاركت إلى جانبه في رحلة من هذا النوع من تنطيم الجمعية المغربية للجغرافيا، قطعنا خلالها جبال الأطلس الكبير مشيا على الأقدام ما بين وادي أيت بوگماز شمالا وقلعة مگونة جنوبا وذلك في مايو سنة 1999، ثم في رحلة أخرى أشرفت على تنظيمها تحت عنوان “على خطى محمد بن عبد الكريم الخطابي”، عندما كنت كاتبا عاما للجمعية المغربية للبحث التاريخي، وتوقفنا خلالها بمحطتي الحسيمة والناظور، وذلك بتاريخ 12-15 مايو سنة 2011. هكذا، لم يكن يضاهي حب السي عثمان لوطنه سوى حبه لأهل بلده.
ولن يفوتني أن أسجل هنا أن السي عثمان قد أفلح في ميدان التدريس في تحقيق السهل الممتنع، ألا وهو التقرب من الطلبة حتى يشعروا أن المدرِّس بمثابة الأخ الأكبر بالنسبة إليهم، وفي نفس الوقت، الاحتفاظ بما يكفي من المسافة التي تضمن للمدرِّس هيبته واحترامه.
كان أول لقاء لي به خارج الاجتماعات العامة، أواخر 1984 بمناسبة حراسة أحد الامتحانات الكتابية حيث اجتمعنا بنفس القاعة عن طريق الصدفة. وبسرعة تبادلنا أحاديث متنوعة جعلت مذاكرتنا ترتقي إلى درجة من الصدق والعمق كأننا كنا نتعارف منذ مدة طويلة. إلا أن عثمان لم يكن من الناس الذين يتبجحون بسرعة بما راكموه من تجارب أو عايشوه من مآسٍ سابقة. فلن يتحدث مثلا عن بن بركة وما عاشه من تجارب إلى جانبه إلا بعد سنوات عديدة. ومع هذا، فخلال هذا اللقاء الأول، وجدنا نفسينا نتحدث لغة مشتركة بخصوص ما يجري بالكلية والشعبة والمغرب عموما.
هكذا انطلقت رفقة عمر لم يمسَسْها الفتور على مدى أزيد من ثلاثة عقود. ولم تتأثر صلابة علاقتنا – كما يحدث غالبا – عندما تغيبت لمدتين مطولتين، الأولى بين سنتي 1986 و1991 حينما كنت أحضر شهادة الدكتوراه بالولايات المتحدة الأمريكية، والثانية بين سنتي 1995 و1997 لما التحقت بجامعة الأخوين بإفران. كانت علاقتنا قوية راسخة بما يكفي لكي تتم لقاءاتنا المتباعدة كلما عدت إلى المغرب أو جئت إلى الرباط بنفس العمق والتجاوب. يتلقاك السي عثمان بنفس البشاشة والمودة ونفس العناية والاهتمام وعينِ الصدق والإخلاص وذات التسامي إزاء مبتذلات الحياة المهنية اليومية. لمست هذا مثلا عندما قدمت استقالتي – ضمن مجموعة من الزملاء – لجامعة الأخوين وعدت إلى التدريس بكلية الآداب بالرباط. فلم يكن السي عثمان ممن عاملوني كابن عاق عائد أو كمطرود من جنة محسود عليها، بل قابلني بنفس الاستعداد للتجاوب المثمر. وكان هذا هو الإطار الذي برزت فيه فكرة تنظيم وحدة للبحث والتكوين يكون موضوعها الأساس الشرق العربي والدولة العثمانية بالإضافة إلى مداخل إلى التاريخ الإفريقي وتاريخ إيران. وعندما اقترحت عليه الفكرة كانت استجابته مباشرة دون تردد. هكذا تأسست وحدة “المغرب والعالم العربي الإسلامي” التي اشتغلت قرابة العقد من الزمن وكان السي عثمان – إلى جانب ثلة من الزملاء المرموقين – من أول المؤسسين لها والفاعلين المؤثرين في تأطير طلبتها وتنشيط مختلف فعالياتها. وقد تكلف السي عثمان بتدريس مادة “المشرق العربي في الحقبة المعاصرة”، وهنا أيضا كان يلح على الطلبة غاية الإلحاح للتمكن من فهم خرائطي لموضوعات دراستهم ولمواضيع أبحاثهم. فلم يكن يقبل التعاطي مع أي بحث يقوم به الطلبة إلا إذا كان مؤطرا بفهم دقيق للخريطة المرتبطة به.
وعندما غادر الكلية وغادرتها بدوري بعده ببضع سنين، تعمقت علاقتنا لاسيما بعد أن التحقت بالمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، حيث كنا نعقد جلسات مطولة للحديث عن مشاريع البحث بهذا المعهد والاهتمام المتزايد بتاريخ المغرب في الزمن الراهن، خاصة وأنه كان يتابع أعمال فرق البحث المشتغلة بنفس المعهد عبر القراءة الاحترافية لمخطوطات الإصدارات المبرمجة ويكتب تقارير مدققة حولها. وتجدر الإشارة هنا إلى كون تقاريره كانت ذات أهمية كبرى أثْرت المنتوج النهائي لعدد من إصدارات المعهد المذكور.
ولا يفوتني هنا أن أذكر أن جملة من لقاءاتنا كانت تتم بالنادي الذي كان يشترك فيه، لكن بعضها كان يختار له أن يتم في منزله بالمدينة القديمة بالرباط، (الدّار دْ المدينة) كما كان يحلو له أن يسميها. وكان له حب خاص للمدينة ولتلك الدار بصفة خاصة، حيث سهر على ترميمها بكثير من العناية، فكانت تلك فرصة تعرف فيها على “المعلّْمين” المختصين في ترميم الدور القديمة، وعلى علاقتهم العاطفية بالمعمار التقليدي. وكنت أشعر بمدى حبه للمدينة العتيقة – وهو حب يلامس الافتتان – عبر حديثه المطول عن طرق الترميم ونوعية الأعمال المطلوبة لإنجاحه. وعندما يضرب لك موعدا على مسافة من تلك الدار لاستقبالك وتوفير مشقة البحث عن العنوان عليك، فإنه يقدم لك نتفا هامة من تاريخ الدور المحيطة بها والعائلات التي سكنتها والمآل الذي صارت إليه مع تطور الزمان وتغير الأحوال. ومن خلال إشاراته السريعة، كنت أشعر بعبق الثقافة والتاريخ يذيع عبر الأزقة والأسوار والأبواب.
وخلال هذه المرحلة الثالثة من عمره، أي بعد عودته إلى المغرب، شرع السي عثمان في المشاركة في عدد من الندوات واللقاءات، مما أسفر عن مجموعة من الأبحاث والمساهمات. وتتميز طريقة عثمان في الكتابة التاريخية بدقة متناهية في التأريخ ورصد لا يكَلُّ لأدق التفاصيل وربطها بالقضايا الكبرى، مع إقامة المسافة اللازمة في الكتابة الأكاديمية دون إهمال لــ”تعاطف” المؤرخ مع موضوعه، وهو موقف يتعمق هنا بتعاطف المناضل مع قضايا ربما كان له نصيب في تبلور مسارها. ولذلك جاءت كتابته قوية بدقتها وحرارة المشاعر المعبر عنها ولو بكثير من التحفظ والحذر. وقد تركزت مقالاته الأساسية حول تجربة محمد بن عبد الكريم الخطابي والحركة الوطنية ثم فكر وتجربة المهدي بن بركة بالإضافة إلى تسجيل ذاكرة عدد من الشخصيات البارزة ضمن البيوتات الرباطية. وقد مال في آخر كتاباته نحو نوع من التركيز على التجربة الشخصية، فاتخذت كتابته طابع الشهادة الموثقة بالعديد من المستندات، كأنه اقتنع أخيرا بما كان الجميع يلح عليه لفعله وهو إخراج ما لديه من وثائق وتدوين ما عاشه من تجارب. إلا أن الموت تخطفه قبل أن يتمكن من إنجاز آخر مشاريعه، أي التفرغ للكتابة والتدوين.
وتجسيدا لرغبة المرحوم، وباتفاق مع أسرته، يتم حاليا جمع المقالات التي سبق له أن نشرها بمختلف المجلات والمؤلفات الجماعية وكذا بموسوعة معلمة المغرب، وسوف تنشر في كتاب جامع، وذلك حفظا لذاكرته الطيبة وتعميما للفائدة العلمية القيمة لمقالاته على كافة الطلبة وعموم جمهور المثقفين والمهتمين (انظر المسرد البيبليوغرافي الملحق بهذا النص).
الرباط، 11 غشت 2016
————————————————
[*] معين بسيسو، الأشجار تموت واقفة / شعر، دار الآداب، بيروت، 1964. وأود أن أتقدم هنا بالشكر الخالص إلى أسرة الفقيد لما قدمته لي من إفادات وتدقيقات أغنت محتوى هذا النص.[1] الأوراق الرسمية تحمل تاريخ 30 يونيو، لكون الوفاة حصلت مساء اليوم السابق.
[2] بالإضافة إلى أبناء المهدي بن بركة وغيثة بناني الأربعة، حرص عثمان على تربية ولدَي أخته الأخرى حبيبة زوجة عبد القادر بن بركة، وكانت غيثة قد احتضنتهما على إثر وفاة والدتهما.
[3] نشرت تحت عنوان: .Abde-el-Krim et la république du Rif, Paris, Maspero, 1976
(ملحق)
بيبلوغرافيا المرحوم الأستاذ عثمان بناني
- مقالات باللغة العربية
- بناني، عثمان، “النشاط السياسي للوطنيين المغاربة بالقاهرة في عام 1947″، ضمن في النهضة والتراكم دراسات في تاريخ المغرب والنهضة العربية، دار توبقال، الدار البيضاء، 1986. (ص. 151-181).
- بناني، عثمان، “إسهامات مصر في كفاح المغرب”، ضمن العلاقات التاريخية المصرية المغربية رصيد وآفاق، أعمال الندوة المنعقدة أيام 18، 19، 20 1988 بسلا، جمعية أبي رقراق، سلا، 1989. (ص. 202-210).
- بناني، عثمان، “حول المقاومة المغربية للإستعمار الإسباني، 1912-1926″، أبعاد فكرية : مجلة للثقافة العامة، العدد 1، 1989. (ص. 51-55).
- بناني، عثمان، “رد الاعتبار لتحفة النظار أو رحلة ابن بطوطة المغربي للسودان الغربي”، ضمن العلاقات بين المغرب وإفريقيا الغربية، أعمال الندوة المنعدة في الرباط سنة 1987، منشورات عكاظ، 1992. (ص. 41-48).
- بناني، عثمان، “ملاحظات حول المقاومة المسلحة المغربية للاستعمار الإسباني في شمال المغرب”، ضمن ندوة المقاومة المسلحة المغربية، 1900-1934، أعمال الندوة التي أقيمت أيام 28-30 نونبر 1990 بمراكش، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الرباط، 1993. (ص. 137-148).
- بناني، عثمان، “قراءة في مذكرات محمد بن عبد الكريم الخطابي انطلاقا من كتاب “جذور حرب الريف” للأستاذ جرمان عياش”، ضمن دراسات تاريخية مهداة للفقيد جرمان عياش، أعمال ندوة علمية عقدت ما بين 16 و17 يناير 1992، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1994. (ص. 265-273).
- بناني، عثمان، “محمد زنيبر، رائدا من رواد البحث في تاريخ الثورة الريفية”، آفاق : مجلة دورية، اتحاد كتاب المغرب، الرباط، 1995. (ص. 30-37).
- بناني، عثمان، “محمد بن عبد الكريم الخطابي ومسألة استقلال المغرب”، أمل : التاريخ، الثقافة، المجتمع، العدد 08، 1996. (ص. 145-154).
- بناني، عثمان، “عبد المالك الجزائري من خلال محفوظات فانسين”، ضمن وثائق عهد الحماية رصد أولي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1996. (ص. 77-88).
- بناني، عثمان، “عالمان في خدمة الثقافة المغربية”، ضمن موسوعة أعلام المغرب، أعمال يوم دراسي أقيم بالدار البيضاء في 22 ماي 1997، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998. (ص. 87-111).
- بناني، عثمان، “الوعي الوطني في فترة الحماية، 1912-1956″، ضمن متنوعات محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998. (ص. 407-431).
- بناني، عثمان، “الحالات الأربع لشخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي”، ضمن من إيناون إلى إستانبول : أعمال مهداة إلى عبد الرحمن المودن، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 2012. (ص. 101-128).
- بناني، عثمان، “مسألة استسلام الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي : الأسباب والنتائج”، البحث التاريخي : مجلة الجمعية المغربية للبحث التاريخي، العدد 09، 2012. (ص. 49-68).
- بناني، عثمان، “المجاهد الكبير والبطل الشهير محمد بن عبد الكريم الخطابي”، ضمن محمد عبد الكريم الخطابي وقضايا مغرب اليوم، أعمال يوم دراسي احتفائي، 5 فبراير 2005، من تنظيم بيت آل محمد عزيز الحبابي، منشورات بيت آل محمد عزيز الحبابي، تمارة، 2013. (ص. 207-222).
- بناني، عثمان، “دور المهدي بن بركة في حركة التحرر الوطني العالمية، 1960-1965″، أمل : التاريخ، الثقافة، المجتمع، العدد 45، 2015. (ص. 33-57).
- “كلمة الأستاذ عثمان بناني”، ضمن مؤلف السفر في العالم العربي الإسلامي، التواصل والحداثة، تنسيق عبد الرحمن المودن وعبد الرحيم بنحادة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 2003، ص 9.
- “جرمان عياش والندوة الدولية عن ندوة عبد الكريم وجمهورية الريف” ضمن مؤلف جرمان عياش المؤرخ والمناضل، تنسيق عبد الرحمان المودن وعبد العزيز بل الفايدة، منشورات الجمعية المغربية للبحث التاريخي، مطابع الرباط نت، 2015، ص 19-30.
- “محمد بن عبد الكريم الخطابي، من القبيلة إلى الوطن”، ضمن مؤلف محمد العربي المساري في رحاب التاريخ، تنسيق عثمان المنصوري، منشورات الجمعية المغربية للبحث التاريخي، مطابع الرباط نت، 2015، ص 15-33.
- “السودان الغربي عند ابن بطوطة وابن خلدون”، دعوة الحق، العدد 269، ماي-أبريل 1988.
- مواد بمعلمة المغرب
- الجزء الخامس:
“أحمد بن محمد بن الحسن بناني الرباطي”، ص 1474-1476؛
“أبو بكر بن أحمد بن محمد بناني الرباطي”، ص 1477-1478؛
“مجموعة وفيات من آل بناني”، ص 1479-1481؛ 1483.
- الجزء التاسع:
“عبد المالك بن محيي الدين بن الأمير عبد القادر الجزائري”، ص 2985-2987.
- الجزء الحادي عشر:
“آل الخطابي” (عبد الكريم، محمد، امحمد.. إلخ) ص 3754-3769.
- الجزء الثالث عشر:
“محمد بن العباس الرفاعي الرباطي”، ص 4382.
“عبد الله بن محمد الركراكي الرباطي”، ص 4418-4419.
- الجزء السادس عشر:
“آل الشرقاوي”، ص 5347-5350.
- الجزء الواحد والعشرون:
“محمد المدور” ص 7054-7055.
- الجزء الثاني والعشرون:
“أحمد اليزيدي”، ص 7660-7661.
- مقالان باللغة الفرنسية
- « De la solidarité afro-asiatique à la solidarité des peuples d’Afrique, d’Asie et d’Amérique latine : le rôle de Mahdi Ben Barka», (Fondation Al Saoud), in Mehdi Ben Barka en héritage [Texte imprimé] : de la Tricontinentale à l’altermondialisme, Bachir Ben Barka, Dir., 2007.
- « L’homme clé de la Tricontinentale», Mariane, Octobre 2015, pp. 67-68.
اذا لم تجونني الذاكرة فان ،،الاشجار تموت واقفة،،هي عنوان لمسرحية لكاتب اسباني وليس للشاعر الفلسطيني
اما الذكري الاخيرة لاختطاف المهدي بنبركة ،رحمة الله عليه،فهي الذكري الخمسون
تحياتي