الجمعة , 29 مارس, 2024
إخبــارات
الرئيسية » نـدوات وملفـات » الوثائق الرقية: الصياغة والأدوار

الوثائق الرقية: الصياغة والأدوار

      لا تشتمل الوثائق الرقية على حجة واحدة فقط، بل إنها تتكون من عدة رسوم الاشهاد على الشراء والإيصاء والتوكيل والإراثة وغيرها. وكما هو معروف، يتم تحرير الرسم من قبل عدليْن، أي موثّقيْن. ونجد في الوثيقة الرقية مجموعة من النصوص التي تبدأ دائما بعبارة “الحمد لله” وتنتهي بالشكليْن، أي التوقيعيْن. وهذه هي الرسوم التي حررها العدلان ووضعا شكليهما عليها. عندما نتفحص محتويات هذه الرسوم، نلاحظ أنها مرتبطة ببعضها البعض. وكما قال الأستاذ ميورا نجد في ظهر الوثيقة عنوانا، وهو في غالب الأحيان يذكر بمكان أو عقار معين. مثلاً نجد في الوثيقة الرقية الأولى العنوان التالي “رسوم دار درب بن حيون،” يعني الدرب الموجود في وسط مدينة فاس، بالقرب من جامع القرويين. ونجد في الوثيقة الرقية الثامنة عنوان”جنان بني مسافر، الحبالات،”، يعني المنطقة الفلاحية الواقعة شمال شرق فاس، خارج باب بني مسافر المسمى حاليا باب سيدي بو جيدة. ويمكن أن نقول إن الوثيقة الرقية هي مجموعة من الرسوم العدلية المتعددة التي تتحدث عن عقار معين.

      وإذا ما اطلعنا على رسوم الوثيقة الرقية وحللنا العلاقات بينها، سنلاحظ أن هناك رسم رئيسي يبيّن ملكية العقار، مثل رسم الشراء والرسوم المتعلقة به، ومنها ما يبيّن ملكية البائع للعقار المبيع وأهلية الوكيل للبيع وغير ذلك. وعلى سبيل المثال، تتكون الوثيقة الرقية الثانية عشرة من أربعة رسوم، والرسم الثاني منها الذي يقع في طرة يمنتها يبيّن أن رجلا يسمى عبد السلام بن نغموش أخذ أرضا في وادي إيناون من غريمه حم بن دحو مقابل مقاصة الدين. هذا هو الرسم الرئيسي الذي يبين ملكية العقار. ونجد معه رسما متعلقا به في وسط الوثيقة الرقية وهو يشير إلى أن حم بن دحو كان يملك الأرض سابقا بفضل عدة شراءات. ولا شك أن هذا الرسم المتعلق كُتب على الوثيقة لكي يبيّن أن اقتناء الأرض كان من المالك السابق الذي كانت له الملكية الصحيحة. هكذا يتم تحضير الوثيقة الرقية في المرحلة الأولى بالرسم الرئيسي ومعه الرسوم المتعلقة به. وقد يضاف رسم آخر إلى الوثيقة بعد سنين من التحضير الأول إذا دعت الحاجة إلى ذلك. مثلا، في الوثيقة الثانية عشر دائما، هناك رسمان بالتأريخ بعد ثلاث عشرة سنة من الرسم الرئيسي يذكران بانتقال الأرض إلى مالك جديد.

هذه الرسوم المتعلقة والإضافية ليست كلها أصلية، بل كان بعضها في الأول مكتوبا على ورقة أخرى، ثم كُتب نصها أو مختصرها على الوثيقة الرقية بهدف الإحالة عليها كمرجع. ومن بين الرسوم المحال عليها هناك رسم فيه عبارة “ونقل” بين شكليْ العدليْن. غالبا ما يتم نقل الرسم الأصلي على يد عدل يضع بعد نقل النص شكله في نهايته كما كان في الرسم الأصلي. ونعتقد أن نفس الشكل مع الأصل هو الذي يعطي مصداقية للرسم المنقول إليه. ومن الضروري أن يكون النص المنقول كما في الأصل حرفيا. لذلك يبقى تأريخ الرسم كما كان في الأصل وليس هو التأريخ الذي تم خلاله النقل على الوثيقة الرقية. وإذا أردنا أن نعرف تاريخ عملية نقل الرسم، علينا أن نقوم بتحليل علاقته مع الرسوم الأخرى التي تأريخها معروف. إلا أن هناك بعض الاختلافات بين الرسم المنقول منه والمنقول إليه، مثل شكل القاضي. فمثلا، في الرسم الأول من الوثيقة الرقية الخامسة، هناك ذكر ثبوت القاضي لشهادة اللفيف، أي شهادة رجال غير العدول، وفيه اسم قاضي الجماعة بمدينة فاس، محمد العربي بن أحمد بردلة مكتوب بحرف عادٍ ومقروء. وذلك لأن العدل لم يتمكن من نقل شكل القاضي. وبطبيعة الحال، كان باستطاعته أن يحلّ شكله المعقّد، أي يتعرف على هوية واضعه، فكتب اسمه بدلا من شكله.

      ويوجد اختلاف آخر متعلق بطريقة الإشارة إلى رسم آخر. مثلاً، في الرسم الثالث من الوثيقة الرقية الخامسة، وهو رسم منقول من الرسم الأصلي حول إمضاء الصفقة، أي الموافقة على بيع العقار المشترك من قبل الشريك. فعندما يذكر الرسم بشريك العقار يقول “يحيى السراج المذكور مبيعا عليه بمُحوَّل الرسم المنقول”. هنا الكلمة “بمحول” تعني بظهر. في الحقيقة، يحيى السراج هذا مذكور في الرسم الثاني من نفس الوثيقة الرقية، حيث تم بيع واجبه من العقار المشترك، ولكن الرسم الثاني لا يقع بظهر الرسم الثالث بل أعلاه. هنا علينا أن نفهم هذه الإشارة في سياق الرسم الأصلي. إذا كان أصل الرسم الثالث مكتوبا بظهر أصل الرسم الثاني، كانت الإشارة معقولة. من المحتمل أن عبارة الإشارة هاته كانت في الأصل” بمحوله” فقط. وعندما تغيرت علاقة المكان بين الرسمين بعد النقل، أضيفت العبارة “الرسم المنقول”، أي المنقول منه، لكي يبين أن الإشارة تُفهم في سياق الرسم الأصلي. كما قلت سابقا، الرسوم على الوثيقة الرقية ترتبط بعضها ببعض، ولذلك تكتسي الإشارة إلى رسم آخر أهمية كبيرة جداً لصاحب الوثيقة ولمن يقرأها. وأعتقد أنه تم تغيير الكلمة من الأصل لكي تكون هذه الإشارة مفهومة حتى بعد النقل.

      قد يتم نقل الرسم وإن تعدل الرسم الأصلي أو غاب، ففي هذه الحالة، يشهد على خطه عدلان آخران. مثلا إذا كان واحد من عدلي الرسم الأول من الوثيقة الرقية الرابعة متوفيا عند نقله على الوثيقة الرقية، فوضع العدل الثاني شكله في ختام الرسم ثم كتب العبارة “ونقل”. وبعد ذلك، لا يمكن، طبعا، أن يُكتب شكل العدل المتوفي، إنما كُتبت عبارة تذكر بمقابلة الرسم بالأصل وشهادة العدلين الآخرين على خط العدل المتوفي وعدالته مع اسمه. ولا شك أن هذين العدلين حلا شكله وعرفا من هو. ويبدو أن هذا الرسم يكون صالحا لأجل هذه الشهادة بالرغم من افتقاره لشكل العدل الأصلي. وعلى حد علمنا، ليس هناك من بين الوثائق الرقية في المكتبة الشرقية، رسم نُقل بعد وفاة أو غياب العدلين معا. ولا ندري هل هذا يطبّق على جميع الوثائق المنقولة أم لا، لأن ما نتوفر عليه من وثائق جد محدود. وجدير بالذكر، أن التأريخ قد يأتي بعد الشهادة على خط العدل المتوفي أو الغائب. وذلك لأن هذه الشهادة تُعتبر شهادة مستقلة تحتاج إلى تأريخ وشكل عدلين. ويفيدنا هذا التأريخ في معرفة زمن نقل الرسم. بيد أننا في الغالب لا نعرف تأريخ النقل كما قلت.

      وبالإضافة إلى النقل، هناك نوع آخر من وسائل الإحالة على الرسوم على الورقة الأخرى. إذ نجد في بداية بعض الرسوم من الوثائق الرقية كلمة “نسخة” بعد الحمدلة. وفي هذه النسخة نجد دائما في ختامها شكل القاضي أو نائبه، وشهادة على تأشيره عليها مثل الاستقلال والثبوت والقبول. وكثيرا ما تشتمل النسخة على عدة نصوص من الرسوم الأصلية. فيبدأ رسم النسخة بعد الحمدلة بعبارة “نسخة ثلاثة أو أربعة رسوم،” حسب عدد النصوص. وفي مقدمة كل النصوص يأتي العنوان مثل “النص الأول” أو “النص الثاني”. وتكتب هذه العناوين في الغالب بحروف كبيرة وخط غليظ. ثم يشار إلى مكان الرسم الأصلي على الورقة الأصلية. نأخذ مثالا من الرسم الأول من الوثيقة الرقية الخامسة. وهو نسخة عشرة رسوم. فبعد العنوان “النص الثاني”، نجد عبارة “وهو مقيد أسفل المنصوص”. ذلك أن الرسم الأصلي للنص الثاني كان مكتوبا تحت الرسم الأصلي من النص الأول. نرى مثلا هذه العبارة في كل النصوص من الثاني إلى السادس، فنتصور أن تلك الرسوم الستة كانت مكتوبة من الأعلى إلى الأسفل في الوثيقة الأصلية. ولكن بعد العنوان “النص السابع” هناك عبارة “وهو مقيد بالطرة يمنة الرسوم المنصوصة”، يعني أنه كان مكتوبا على الهامش الايمن من الوثيقة الأصلية. وبعد العنوان “النص التاسع” هناك عبارة “وهو مقيد بمحول الرسوم المنصوصة”، يعني أنه كان مكتوبا بظهر الوثيقة الأصلية. وبالإضافة إلى ذلك، قد تكون هناك إشارة إلى نوع الوثيقة الأصلية. مثلا، في بداية الرسم الثاني من الوثيقة الرقية الحادية عشرة، نقرأ “نسخة أربعة عشر رسما أخذت من قطعة رق وقطعة كاغيد”. وتعني أن أصول الرسوم تتكون من ورقة رق وورقة كاغد. وتفيدنا هذه الإحالات على الوثائق الأصلية في معرفة كيف كانت الوثيقة الأصلية غير الموجودة أمامنا، بحيث يمكن لنا أن نعيد تشكيلها على وجه التقريب.

      وتحافظ النصوص المنقولة على النص الأصل حرفيا، ويعوض شكل العدلين بكتابة اسميهما فقط. ولا يتغير خط النسخة بين النصوص حتى وإن تكونت من رسوم شهد فيها عدول متعددين. وهذا يعني أن النسخة تُكتب بيد عدل غير الذي كتب الأصل، فلو مات أو غاب عدلا الرسم الأصلي كلاهما كان يتمكن من النسخ. وبعد أن يتم نسخ كل النصوص تأتي العبارة عن مقابلة النصوص بأصلها وتأشير القاضي على النسخة مع شكله. وفي ختام النسخة يضع العدلان شكليهما. ويمكن أن نقول إن رسم النسخة هي شهادة العدلين على النسخ وتأشير القاضي عليه، وليست شهادة على متن النصوص بشكل مباشر.

      وبما أن النسخة تفتقر إلى أشكال العدول التي كانت في الرسوم الأصلية، فإنها لا تتوفر على نفس الفاعلية والصلاحية مثل الرسوم الأصول. ومن المحتمل أن تدخل القاضي هو الذي يعطيها هذه الفاعلية والصلاحية. إلا أنها، في الوقت نفسه، تحاول الاحتفاظ على صلاحية الأصل اعتمادا على بعض الوسائل. ففي بعض الأحيان تُضاف إلى النسخة شهادة على خط العدلين المتوفيين أو الغائبين. ونأخذ المثال على ذلك من الرسم الأول من الوثيقة الرقية الثانية عشرة. وهو نسخة تسعة رسوم والنص الأول من تلك التسعة كذلك نسخة من رسم واحد. وهي، بعد انتهاء النص باسميْ العدليْن الغائبيْن بدلا من شكليْهما، تُضاف إليها شهادة أخرى تشهد على خطهما من قبل عدل آخر مع اسم القاضي. ولدينا أصل هذه النسخة في الوثيقة الرقية الثالثة عشرة، الرسم الثاني منها يشابه نص تلك النسخة حرفيا إلا شكليْ العدليْن في الختام حيث كان اسماهما في النسخة، يعني أنه رسم أصلي. وتحت الشكليْن هناك شهادة على خط العدلين الغائبيْن، وهو نفس النص مع ما في النسخة. من ذلك نرجح أنه عندما وقعت الحاجة إلى نسخ الرسم والعدلان غائبان، تحقق عدل آخر من خطهما وقيد شهادته على ذلك في الأصل، ثم نسخ نص الرسم مع الشهادة على الخط إلى الوثيقة الجديدة. ذلك أن النسخ لا يكون نافذا بموجب تدخل القاضي فقط، بل من المفضّل أن يرجع إلى شكل العدلين ولو كان بواسطة الشهادة على خطه فقط.

      وهناك طريقة ثالثة للإحالة على رسم في ورقة أخرى بالرغم من أن ما فيها لا ينقل حرفيا النص الأصل، ونسمّيها الاختصار. تبدأ بعض الرسوم بعد الحمدلة بعبارة “بشهادة شهيديه حسب ما في غيره”، يعني حسبما شهد العدلان في رسم آخر. مثلا، الرسم الثالث من الوثيقة الرقية الثالثة عشرة يذكر بشراء الأرض في وادي إيناون مع هذه العبارة. ولكن نصه لا يطابق الصيغة الشرعية لعقد الشراء، فهو اختصار لرسم الشراء. ومن جهة أخرى، نجد رسم الشراء الشرعي بنفس التأريخ ونفس المشتري والبائع والعقار من بين الوثيقة الرقية الحادية عشرة، وهو الرسم الحادي عشر منها. فلا شك أنه هو الأصل لرسم الاختصار، ذلك أنه قد يكتب العدلان، في الوقت نفسه، الرسم على ورقة، واختصاره على ورقة أخرى.

      هكذا تتكون الوثيقة الرقية من عدة رسوم، بعضها يحيل على رسوم على ورقة أخرى. إذاً نتساءل الآن كيف ولماذا تُنظّم عدة رسوم إلى وثيقة رقية واحدة، ومن هو صاحبها، وما هو دورها عنده، وكيف هي مصائرها بعد التحضير الأول؟

      وكما تمت الملاحظة سابقا، كل الوثائق الرقية تتعلق بعقار معين. وحسب ما في كتاب الشروط في بداية القرن العشرين للمؤلف أبي الشتاء الصنهاجي، ينبغي أن يحرر رسم شراء العقار مع الرسوم المثبتة لملكية بائعه ويكتب أسفلها أو بمحولها. وقد تكون نسخة من تلك الرسوم مسجلة عند القاضي. وتتّبع الوثائق الرقية في المكتبة الشرقية كذلك هذه القاعدة. مثلا، الرسم الخامس من الوثيقة الخامسة هو رسم الشراء للعقارين الخربة والبقعة في باب الجيسة بمدينة فاس، وهو الرسم الرئيسي من هذه الوثيقة. ونجد أعلاه أربعة رسوم، وهي الرسوم المتعلقة بالشراء. والثلاثة منها تثبت ملكية البائع ومكتوبة على الوثيقة الرقية بواسطة النسخ والنقل. أي الرسم الأول منها هو نسخة العشرة رسوم حول واجب سبعة أثمان من الخربة، والرسم الثاني نقل من الرسم حول واجب الثمن الباقي، والرسم الرابع نقل من الرسم حول البقعة.

      وهناك نوع آخر من الرسوم المرتبطة بعضها ببعض. مثلا، من الوثيقة الخامسة دائما، الرسم الثالث من الرسوم الأربعة المذكورة هو نسخة من شهادة ثبوت القاضي حول تقويم ثمن العقار. وفي الوثائق الرقية الأخرى نعاين نوعا آخر مثل الشهادة بعيوب الدار والشهادة بالإيصاء أو الوكالة التي تثبت مؤهلات البائع كالوصي أو الوكيل. قد تكتب تلك الرسوم كذلك على الوثائق الرقية بواسطة النسخ أو النقل. وبعد أن يكتب رسم الشراء قد تُكتب رسوم متعلقة أخرى بمثل إمضاء الصفقة، أي الموافقة على بيع العقار المشترك، و”خلاص” الثمن الباقي وغير ذلك. وتلك الرسوم ضرورية لكي يكون الشراء كاملا.

      وعندما يحرر العدلان الرسم الرئيسي مثل رسم الشراء، يبدو أنهما في بعض الأحيان يتكلفان بتحضير الرسوم المتعلقة أيضا. على سبيل المثال، شكلا العدليْن اللذان حررا رسم الشراء في الوثيقة الرقية الخامسة، أي الرسم الخامس منها، يظهران على الرسوم المتعلقة أيضا. ذلك أنهما وضعا شكليْهما على الرسم الأول والثالث كشاهدين بقبول وثبوت النسخة من قبل القاضي، وكذلك وضعا شكليْهما على الرسم الرابع كشاهدين بخط العدلين المتوفيين في الأصل المنقول منه. وفي الرسم الثاني نجد شكل أحد منهما كعدل الرسم الأصلي المنقول منه ولكنه حرره مع عدل آخر.

      هكذا تم التحضير الأول للوثيقة الرقية بمناسبة اقتناء العقار. ولكن في بعض الأحيان قد تُضاف إليها رسوم جديدة بعد عدة سنين، كما قلت سابقا، عندما ينتقل العقار إلى مالك آخر أو يصدر حكم القاضي على المنازعة حول العقار لأجل إثبات هذه الحالة الجديدة. مثلاً في الوثيقة الثانية، بعد ثماني سنوات من تحضير الرسم الرئيسي، الرسم الحادي عشرة وهو رسم الشراء لثلث الجنان في اللمطة، أي المنطقة الواقعة وراء جبل زلاغ في شمال مدينة فاس، زاد واجب المالك في الجنان بالشراء، فكُتب رسم الشراء في أسفل الوثيقة الرقية. لا تنتهي مصائر الوثيقة هنا، فبعد حاولي ثلاثين سنة باع المالك واجبه، فأضيف في ظهر الوثيقة رسم الشراء الجديد مع الرسم المتعلق به. وعلى نقس الطريقة تستمر كتابة الرسوم الإضافية على الوثيقة الرقية مع عدة انتقالات لملكية الجنان على مدى أكثر من مائة سنة. وعندما تُكتب تلك الرسوم الإضافية، رسوم الشراءات السابقة التي كانت مكتوبة على الوثيقة تكون بينة على ملكية البائع التي هي ضرورية عند تحرير رسم الشراء حسبما قال كتاب الشروط.

      وليس في الوثيقة الرقية أية معلومات مباشرة عن صاحبها. ولكن لما كانت الوثيقة تثبت ملكية العقار، فمن المفترض أن مالكه مثل المشتري هو الذي جعل العدلين يحضّران الوثيقة ويحتفظ بها عنده لكي تكون بينة على ملكيته. وفي حالة بيع العقار وتغيّر مالكه يُحضّر رسم الشراء الجديد ويُضاف إلى الوثيقة الرقية. ونعتقد أنه في هذه المرحلة تنتقل الوثيقة نقسها مع العقار إلى مالكه الجديد لتكون بينة لصالح صاحبه الجديد. هكذا هي مصائر الوثيقة.

      ولكن من الصعب أن تشتمل الوثيقة الرقية الواحدة على كل الرسوم حول ما حدث بالعقار لمدة طويلة. وفي هذا الصدد، تفيدنا الوثيقة الرقية الرابعة، وقد تم تحضيرها الأول كبينة على ملكية الجنان في الحبالات في ضواحي مدينة فاس في سنة ألف وثلاثة وستين للهجرة، واستمرت كتابة الرسوم عليها مع انتقال ملكية العقار بالشراء إلى سنة ألف ومائتين وأربعة وخمسين للهجرة أي مدة قرنين تقريبا. إلا أن الرسوم التي كتبت بعد تأريخ التحضير الأول ليست رسوم الشراء الموافقة على الصيغة الشرعية، بل إنها اختصارات بالعبارة مثل “بشهادة شهيديه حسبما في غيره”. يعني أن رسم الشراء الشرعي حُرّر وكُتب على وثيقة أخرى ولكن لم يكتب على الوثيقة الرقية الرابعة. واكتفى صاحب الوثيقة، أي مالك الجنان الجديد، بكتابة الاختصار فقط. بطبيعة الحال، ليس رسم الاختصار كافيا كبينة على ملكية العقار. وبالرغم من ذلك، من المحتمل أن المالك يحتفظ بالوثيقة الرقية كوثيقة تسجل صيرورة الملكية السابقة ولجعل العدلين يكتبان الاختصار لأجل إلغاء الملكية القديمة.

      لم تكشف الوثائق الرقية بالمكتبة الشرقية في طوكيو عن كل ألغازها، فما يزال لدينا غموض في صيغة كتابتها ودوره عند أصحابها. والأكيد أن تبادل المعلومات والنظر بين الباحثين بصفة عامة وزملائنا المغاربة الحاضرين معنا في هذه الجلسة بصفة خاصة، سيكون مفيدا لتعميق البحث في الرسوم العدلية المكتوبة على الرق. وأتمنى فعلا أن يكون هذا اللقاء فرصة مناسبة لمثل هذه المقاربة المتعددة والمتقاطعة.

- ساطو كنتارو

جامعة هوكايدو

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.