الإثنين , 20 يناير, 2025
إخبــارات
الرئيسية » نـدوات وملفـات » أشكال وطرز التوثيق العدلي: مقارنة بين فاس وتونس

أشكال وطرز التوثيق العدلي: مقارنة بين فاس وتونس

تتميز وثائق فاس ومكناس المكتوبة على لفافات رقية محفوظة بدار الكتب الشرقية في طوكيو/ Toyo Bunko على خصائص تجعلها مختلفة عن غيرها من الوثائق العدلية في باقي العالم الإسلامي والتي تمت دراستها في اليابان إلى غاية اليوم. ومن ذلك أنها مكتوبة على رَق/جلد وليس على ورق/كاغيد متداول، وأن الرق الواحد منها يتضمن عدة عقود مترابطة من حيث المضمون.  

     وقد بدأ فريق دار الكتب الشرقية في طوكيو الاشتغال على هذه العقود التوثيقية العدلية المكتوبة على الرَّق منذ سنة 2009، وحينها لم يكن يمتلك مفاتيح قراءة وفهم هذه الوثائق “النادرة”. وقد عمل الفريق على الكشف عن جزء من الدور الذي لعبته هذه الوثائق في مجتمعي فاس ومكناس في العصر الحديث. كما ركز على الخصائص الشكلية لهذه الوثائق. وقد أثمر اشتغال الفريق أوراقا بحثية تضمنها كتاب جماعي صدر سنة 2015.

      ولما كانت خاصية جمع العقود ذات الصلة في وثيقة واحدة أمرا شائعا في الإجراءات التوثيقية بالمغرب، كما يتضح ذلك من محتوى دليل العدول، فقد اتجه اهتمام مجموعة البحث، التي انطلقت من دراسة الوثائق الرقية المغربية في دار الكتب الشرقية في طوكيو، إلى البحث في الجوانب المشتركة في صياغة الوثائق العدلية في دول المغارب أي الجزائر وتونس. وفي إطار هذا التوجه، قام صاحب هذه الورقة البحثية بزيارة لتونس عام 2017، وأجرى أبحاثا في مدن تونس وسوسة والقيروان، حول جوانب التشابه والاختلاف بين عقود التوثيق المحفوظة فيها وبين مثيلاتها الرقية في المغرب.

1- العقود العدلية المكتوبة على الرق في تونس

     الملاحظ بداية وجود عقود توثيقية عدلية في تونس تماثل الوثائق الرقية في المغرب. ويوجد في المكتبة الوطنية التونسية كراريس رقية كتب عليها القرآن الكريم وتفاسيره، ولكن لا توجد بها عقود خاصة بالتوثيق العدلي. ويستنتج من لقاء مع سامي برغاوي، الباحث الخبير في الوثائق بجامعة منوبة، حول وجود هذه العقود الرقية في تونس، الخلاصات التالية:

– توجد في تونس العديد من العقود المكتوبة على الرق، شبيهة بتلك الموجودة بدار الكتب الشرقية في طوكيو. ومنها عقود الوقف المحفوظة في الأرشيف الوطني والمتحف الوطني للفن الإسلامي في رقادة، كما منها عقود شخصية خاصة محفوظة في الأرشيف الوطني. 

– يضاف في نهاية كثير من عقود الوقف نص تشريع الوقف. وذلك بعد توثيق الميراث كتابة أو البيع والشراء أو تحويل ملكية العقارات ذات الصلة. كما توجد وثائق مفردة لتشريع الوقف.

– يطلق على العقد التوثيقي الذي يقره القاضي بعد استنساخه من الوثيقة الأصلية “حيثيات الاقرار”

(انظر الصورة رقم 1).

– لا توجد أي معلومات موثوق بها عن مصير العقود الأصلية بعد استنساخها ومصادقة القاضي على العقود المستنسخة. ومن المرجح أنه يتم التخلص منها لكونها تصبح باطلة المفعول بعد نسخها، إذ لم يتم حتى الآن العثور على أي عقد أصلي بعد نسخه.

 – تعتبر طريقة تسجيل عدة عقود عدلية في لفافة واحدة طريقة متداولة في دول المغارب. ويرجع ذلك إلى كون المحاكم/ دور القضاء المشتغلة وفق المذهب المالكي في هذه البلدان لم تكن تتوفر على سجلات تحفظ فيها العقود الشرعية.

– كان القاضي في عهد الدولة العثمانية وخلال العمل بالمذهب الحنفي إلى غاية القرن التاسع عشر، لا يوقع عقود الوقف، وإنما كان يختمها بشكله بعد التنصيص على كلمة “ثبت عليّ”.

– تذيل العقود في تونس بتوقيع مميز الشكل لعدلين اثنين، يطلق عليه “خنفوسة العقد”، ومرادفها في المغرب كلمة “بَخُّوش”. وليس بالإمكان تخمين اسم الموقعين من خلال هذه العلامات. لكن ابتداء من القرن التاسع عشر أصبحت الاسماء تكتب بوضوح تحت التوقيع، ومن ذلك مثلا “بيانه محمد ابن الحاج فلان…” (انظر الصورة رقم 2).

      وتلخص الوثيقة (C2-10-4 رقم 10) عمليات تحويل حق خاص بدار القنطرة القريب من باب السويقة بتونس، والذي تم تشريعه كوقف لمسجد تونس الكبير الزيتونة، وشُرِّع نهائيا كوقف في سنة 1204هـ /1790م. ونجد في الوثيقة رقم 10 خاصية تختلف بها عن الوثائق الرقية في دار الكتب الشرقية في طوكيو. وهي أنها لا تشكل صفحة رقية واحدة، بل هي مشكلة من عدة صفحات رقية ملصقة مع بعضها البعض. وقد تم تشكل الوثيقة رقم 10 بإلصاق خمس صفحات رقية، ليصل طولها إلى أكثر من مترين. ويظهر فيها 22 رسما في الوجه و12 رسما في الظهر. وزيادة على ذلك، نجد في الوثيقة رسما يتجاوز تدوينه حدود الصفحات الرقية (انظر الصورتين رقم 4 و5).

الصورة رقم 1: الوجه من c2-10-4، رقم13 ، الأرشيف الوطني التونسي

صورة رقم 2: الوجه من c2-10-4، رقم13 ، الأرشيف الوطني التونسي



2- مقارنة عقود الوقف الرقية المحفوظة بالأرشيف الوطني التونسي بمجموع دار الكتب الشرقية

     من بين وثائق حجج الوقف الكثيرة التي اطلعنا عليها في الأرشيف الوطني التونسي يوجد الملفان رقم c2-10-4 وc2-10-80.

      ويحمل الملف c2-10-4 عنوان “رسوم ديار راجع لوقف جامع زيتونة”. ويحتوي على ثلاثة وسبعين وثيقة حررت في الفترة الواقعة بين سنتي 1606 و1929. ويتميز الملف بوجود ستة وثائق مكتوبة على الرَّق (رقم 1، 2، 10، 12، 13، 14)، منها أربعة لها نفس خصائص الوثائق الرقية، مثل تسجيل عدة نصوص على ورقة واحدة (رقم 10، 12، 13، 14)، ومثل كتابة سبع وثائق على الورق/الكاغيد، تكون مجموعا لعدة وثائق (رقم 24، 25، 26، 27، 28، 29، 35).

     ويحمل الملف رقمc2-10-80 عنوان “رسوم أراضي راجعة لوقف جامع سبحان الله”. ويحتوي على خمسة وخمسين وثيقة حررت في الفترة الممتدة بين سنتي 1656 و1948. ومن بينها وثيقتان (رقم 1، 11) مكتوبتان على الرَّق. وقد عثرنا في الملف على وثائق ورقية مكتوبة بنفس شكل الوثائق الرقية (رقم 2، 3، 8)، وأكثرها وثائق حجج أوقاف فردية.

      والوثائق الرقية في الملفين، وباستثناء الملف (C2-10-8، رقم11)، وثائق قديمة نسبيا، حررت في الفترة الممتدة بين القرنين الهجريين الحادي عشر والثالث عشر، أي بين القرنين الميلادين السادس عشر والتاسع عشر. (الصورة رقم 3: الوجه من c2-10-80، ورقم 11، الأرشيف الوطني التونسي).

الصورة رقم 3: الوجه من c2-10-80، ورقم 11، الأرشيف الوطني التونسي

      وتلخص الوثيقة (C2-10-4 رقم 10) عمليات تحويل حق خاص بدار القنطرة القريب من باب السويقة بتونس، والذي تم تشريعه كوقف لمسجد تونس الكبير الزيتونة، وشُرِّع نهائيا كوقف في سنة 1204هـ /1790م. ونجد في الوثيقة رقم 10 خاصية تختلف بها عن الوثائق الرقية في دار الكتب الشرقية في طوكيو. وهي أنها لا تشكل صفحة رقية واحدة، بل هي مشكلة من عدة صفحات رقية ملصقة مع بعضها البعض. وقد تم تشكل الوثيقة رقم 10 بإلصاق خمس صفحات رقية، ليصل طولها إلى أكثر من مترين. ويظهر فيها 22 رسما في الوجه و12 رسما في الظهر. وزيادة على ذلك، نجد في الوثيقة رسما يتجاوز تدوينه حدود الصفحات الرقية (انظر الصورتين رقم 4 و5).

الصورة رقم 4: الوجه من c2-10-4، رقم10 ، الأرشيف الوطني التونسي

الصورة رقم 5: الظهر من c2-10-4، رقم10 ، الأرشيف الوطني التونسي

      ودونت في الوثيقة رقم 13، خمسة رسوم على الجانب الأمامي من الصحيفة الرقية وأربعة رسوم على الظهر. وتتمثل الخاصية الخارجية التي تفرق بينها وبين الوثائق الرقية في دار الكتب الشرقية في طوكيو في اتجاه الصحيفة الرقية. ففي الوثائق الرقية في دار الكتب الشرقية في طوكيو، في الجزء الشبيه بالمثلث الضيق والذي يمكن أن يكون جزءا من رقبة الحيوان الذي استخلص منه الجلد، نجد الكتابة متجهة نحو الأسفل (انظر: The Vellum Contract Documents in Morocco in the 16th to 19th Centuries: Part I, pp. 194, 238.  )، سوى في الجزء المثلث الذي تتجه فيه نحو الأعلى (الصورة رقم 6).

الصورة رقم 6: الوجه من c2-10-4، رقم13 ، الأرشيف الوطني التونسي

3: وثيقة دار بعزيز

     لم نتمكن من البحث في المتحف الوطني للفن الإسلامي برقادة (المجاورة للقيروان). لكننا صادفنا وثيقة خاصة تأخذ شكل الوثائق الرقية في مدينة سوسة. والوثيقة معلقة في غرفة الجلوس برياض دار بعزيز (الصورة رقم 7: وثيقة دار بعزيز، الوجه)

الصورة رقم 7: الوجه من وثيقة دار بعزيز

     هذه الوثيقة مكتوبة على ورق عادي وليست على صحيفة رقية. تم التأكد من وجود خمسة رسوم في الوجه وأربعة رسوم في الخلف. والمحتوي عبارة عن بيع وشراء وإرث خاص بدار بعزيز بين سنتي 1188-1263هـ /1774-1847م.

     ويتبين حسب المالك الحالي للوثيقة، سامي بعزيز الطبيب والمدير للرياض، أن جده الأكبر السيد عامر الذي عاش بين سنتي 1871-1969 (الصورة رقم 8: السيد عامر بعزيز) قام بشراء حق دار بعزيز بأكملها. كما يتبين أن والده البشير الذي عاش بين سنتي 1912-1998 ولد بنفس دار بعزيز، لكنه انتقل إلى مكان آخر في سن العاشرة. وقُسِّمت الدار باعتبارها إرثا مشتركا لعائلة بعزيز. لكن السيد سامي قام بشراء جميع حقوق الملكية منذ 4 سنوات، ويدير حاليا الدار كرياض.

الصورة رقم 8: السيد عامر بعزيز

     ونتتبع في الوثيقة عمليات تحويل حق ملكية الدار بين أفراد عائلة بعزيز قبل عهد الجد عامر الأكبر، حيث نجد مدونا عقد شراء الدار سنة 1774م من قبل يوسف بعزيز جد عامر الأكبر، كما نجد مدُوِّنا في نهاية ظهر الوثيقة تقسيم الملكية بين أولاد خليفة بعزيز المتوفي سنة 1840م، وهو جد عامر وخلف من الأولاد ه محمد وخليفة. وهذا الأخير المتوفى سنة 1906 هو والد عامر وحَدُّوجَة. ويُعْتَقَد أن عامر توارث هذه الوثيقة فيما بعد، عندما أراد شراء حق ملكية الدار بأكملها، غير أنه لم يدون تكملة هذه الوثيقة في حينه.

     ولا نعرف كَم من مثل هذه الوثائق الخاصة مازال موجودا. وحسب سامي برغاوي، من المرجح بقاء مثل هذه الوثائق. وفيما يخص وثيقة عائلة بعزيز، يرجع الفضل في المحافظة عليها للوالد البشير الذي كان مهتما بتاريخ سوسة وتاريخ عائلته التي رتب شجرة نسبها (الصورة رقم 9: شجرة العائلة لعائلة بعزيز).

صورة 9: شجرة العائلة لعائلة بعزيز

صورة 10: المالك الحالي سامي بعزيز مع صاحب هذه الدراسة


مراجع:

Bargaoui, Sami, “Les titres fonciers dans la régence de Tunis à l’époque moderne. Interrogations autour d’une mutation documentaire”, Revue Ibla (Tunis), 2011/2, pp.165-185.

Johansen, Baber, “Formes de langage et fonctions publiques : Stéréotypes, témoins et offices dans la preuve par l’écrit en droit musulman”, Arabica, T. 44, Fasc. 3, Voix et Calame en Islam Médiéval (Jul., 1997), pp. 333-376.

Toru, MIURA and Kentaro SATO eds., The Vellum Contract Documents in Morocco in the 16th to 19th Centuries: Part I, Tokyo: The Toyo Bunko, 2015.

- يوشيمورا تاكينوري

جامعة دايتوبونكا

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.