شهدت العلاقات بين اليابان والدول العربية في الآونة الأخيرة تطورًا ملحوظا في المجال الاقتصادي والعلمي، بحيث تزايدت وتيرة التواصل والاحتكاك المباشر على مستوى الأفراد والشعوب بين كلا الطرفين العربي والياباني، لكن في الوقت ذاته لا يمكننا إنكار أن عامل اختلاف اللغة والثقافة كان في بعض الأحيان بمثابة حاجز وعازل رئيسًي في عملية تحقيق التفاهم المشترك والإدراك الصحيح المتبادل تجاه الطبيعة السيكولوجية والفكرية لكلا المجتمعين. لذا كان الاهتمام بعوامل التواصل اللغوي والثقافي فيما يعرف بالدبلوماسية الثقافية أو الدبلوماسية العامة توجه يحظى بأهمية خاصة تزداد يومًا بعد يوم لاسيما في العلاقات الدولية والأحداث الاقتصادية الرابطة بين بلدان العالم.
وقبل أن نسترسل في حديثنا هذا دعونا نتعرف أولا على الدبلوماسية الثقافية أو الدبلوماسية العامة. يختلف هذا النوع من الدبلوماسية في طبيعته ومدى تأثيره المباشر على الشعوب عمَّا هو متعارف عليه من أنواع العلاقات الدبلوماسية المتبادلة بين حكومات الدول، حيث لا يقتصر الدور فيه على الحكومات وحدها بل يركز على مدى فاعلية التعاون المشترك بين الحكومات والمؤسسات المدنية والأفراد وغيرها من عناصر المجتمع المختلفة، مما يجعل عملهم جنبًا إلى جنب يخلق نوعًا من الحراك والأثر الإيجابي الكبير في التواصل بين الشعوب.
تتعدد أنشطة ومجالات الدبلوماسية الثقافية أو الدبلوماسية العامة، لكن نجد في الآونة الأخيرة أنه من أكثر المجالات الجاذبة للاهتمام هو مجال النقل اللغوي والمعرفي، وذلك عن طريق وسيلة الترجمة التي هي بمثابة جسر يعمل على إزالة الحواجز الثقافية وتحقيق الفهم والإدراك المباشر بين الدول والشعوب.
لكن السؤال هنا هو كيف يمكن تسخير هذه الوسيلة القديمة تاريخيا من أجل تعميق التواصل الثقافي بين العالم العربي واليابان؟
على الرغم من الاضطرابات السياسية التي تعرفها المنطقة العربية حاليا، فإننا نجد الإنسان العربي متطلعا ومتلهفا دائما لمزيد من المعرفة عن عالم اليابان أو ما يعرف بـ” كوكب اليابان”، وطرق تفكير شعبه، والقيم الموجودة بداخل مجتمعه. ولكن على الجانب الآخر نجد فقرا شديدا في منظومة النقل اللغوي والمعرفي التي ترتكز نتاج أعمال الترجمة ذات القدرة على إشباع هذه الرغبة في المعرفة والتطلع، ويرجع هذا الفقر أو القصور إلى عدم توافر شروط العمل المؤسسي لهذه المنظومة المعرفية، وذلك حتى يومنا هذا.
وبما أن لكل عمل أو نشاط عوامل نجاح، دعونا نرى ما هي العوامل اللازم توافرها من أجل نجاح هذا النوع من أنشطة الدبلوماسية الثقافية.
ثمة ثلاثة عوامل أساسية يجب توافرها من أجل نجاح أنشطة الترجمة، هي:
- اعتماد منهج منظم وعمل مؤسسي،
- تربية وإعداد الكوادر من المترجمين،
- إجراء الدراسات والأبحاث المتبادلة والمشتركة بين اللغتين.
وبالنظر إلى الوضع الحالي لأنشطة الترجمة بين اللغتين العربية واليابانية، نجد أن هنالك نقصا في كل تلك العوامل الثلاثة الأساسية السالف ذكرها. فعلى الرغم من التبادل الثقافي بين اليابان والبلدان العربية منذ قديم الأزل، لا توجد مؤسسة واحدة متخصصة مسئولة عن أنشطة الترجمة بين اللغة اليابانية واللغة العربية لا في اليابان ولا في العالم العربي، ناهيك عن عدم وجود دورات تدريبية متخصصة لإعداد الكوادر المتخصصة من المترجمين، ونجد عددا متواضعا جدا من الأنشطة البحثية التي تسلط الضوء على المشاكل الفنية واللغوية للترجمة بين اللغتين العربية واليابانية. ولا توجد قاعدة بيانات واضحة ترصد وتسجل كافة الأعمال المترجمة بين اللغتين اليابانية والعربية.
ومن خلال ما قمت به من بحث محدود لرصد طبيعة الأعمال المترجمة بين العربية واليابانية، اتضح لي أن معظم النصوص والأعمال التي تمت ترجمتها إلى وقتنا هذا من / وإلى اللغتين تنحصر معظمها في مجال ترجمة الأعمال الأدبية والثقافية أو أعمال خاصة مع عدد قليل من الأعمال الخاصة بنقل المعرفة التقنية والعلمية ذات الطبيعة التخصصية في مجالات معينة. وهنا نجد الفجوة الواقعة بين ما هو متوفر وما يرغب القارئ العربي في التعرف عليه من جوانب مختلفة عن واقع المجتمع الياباني الحالي وطبيعة الحياة فيه.
تدريب المترجمين:
لا أعتقدُ أنَّ أحدًا قد يخالفني الرأي في أنَّ البحث والتنقيب عن المتميزين من المترجمين وتدريبهم التدريب اللازم هو أمر في غاية الأهمية من أجل خلق تربة خصبة نستطيع من خلالها دفع عجلة نقل المعرفة والثقافة والتقنية والعلوم الخاصة بشعب أو بلد ما إلى باقي دول العالم. وبالطبع هذا المبدأ ينطبق على العلاقات الثقافية بين العالم العربي واليابان، ولكن وللأسف فالوضع الحالي من تدريب المترجمين المتخصصين والمحترفين بين اللغتين العربية واليابانية يكاد يكون معدومًا. حتى إنَّ غالبية المترجمين الموجودين حاليًا من الجانب الياباني للغة العربية هم ممن عملوا في مجال السلك الدبلوماسي أو من كانوا أساتذة بالجامعات اليابانية. أي أنَّ ما يربطهم بالترجمة هي طبيعة عملهم بالعالم العربي لا أكثر، وأعنى أنه لا توجد خطة أو رؤية لتدريب أو إعداد الكوادر من المترجمين للغة العربية أو للغة اليابانية بشكل عام.
لا يخفى على أحد ما يمر به عالمنا العربي الإسلامي من مرحلة حرجة وخطيرة، وذلك في ظل المتغيرات الحادثة بالمنطقة والتي تزداد حدتها بفعل اتساع دائرة التحامل والإجحاف تجاه الإسلام والعالم العربي، والتحول في رؤية الشعوب العربية تجاه نهج السياسية اليابانية. لذا نستطيع أن نقول إن القرن الذي نعيشه الآن لا يمكن أن نعتبره مجرد امتداد زمني للقرن الماضي، فالقرن الذي نعيشه الآن بطبيعته المركبة والمعقدة يملي علينا أن نعيشه بماضيه وحاضره وأيضا بمستقبله. فلم يعد الأمر مقتصرا على الحديث عن ماضي ذهب أو مستقبل قد يأتي، بل أصبح الأمر أكثر تعقيدا، وأصبح علينا أن نتناول الماضي بعين المستقبل والمستقبل بعين الماضي، وأن نتعلم مما تركه لنا التاريخ من دروس، وأيضا أن نرصد المستقبل الظاهر في الأفق البعيد والذي قد يجمع أو يفرق الطرفين العربي والياباني، وذلك من أجل بناء عهد جديد من العلاقات الثقافية قادر على اجتياز الفوارق والحواجز اللغوية والفكريّة، ولكي تقوم الترجمة بدورها الفعّال على طريق صناعة مئوية جديدة من العلاقات العربية اليابانية.