الإثنين , 9 ديسمبر, 2024
إخبــارات
الرئيسية » قـــراءات » جماليات التوظيف الاستعاري في ديوان “أبعد ما يكون”

جماليات التوظيف الاستعاري في ديوان “أبعد ما يكون”

ثريا ماجدولين، أبعد ما يكون، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، 2015.

تعدّ ثريا ماجدولين من الشواعر المغربيات اللواتي رسمن ملامح القصيدة المغربية الحديثة منذ تسعينيات القرن العشرين. أصدرت ديوانها الأول “أوراق الرماد” سنة 1993، تلته دواوين أخرى تباعًا وهي: “المتعبون” سنة 2000، “سماء تشبهني قليلا” سنة 2005، و”أي ذاكرة تكفيك؟” سنة 2008، ثم “أبعد ما يكون” سنة 2015، وما تزال الساحة الثقافية المغربية تنتظر منها الكثير وهي أهل لذلك.
إن المتتبع لتجربة الشاعرة ثريا ماجدولين الإبداعية يلاحظ أنها تتوخى الحذر في التعامل مع النشر، فقد انتظرت سبع سنوات بعد إصدارها الأول قبل أن تصدر الثاني، ونفس المدة ما بين الديوانين الرابع والخامس، ثم مدة خمس سنوات بين الديوانين الثاني والثالث، وثلاث سنوات بين الثالث والرابع. وكما هو معروف فإن للأرقام دلالتها في مواقف كثيرة، فالشاعرة هنا لا تتهافت كما يفعل البعض بل تسعى إلى إضافة الجديد إلى الساحة الأدبية عبر نحت العبارة تلو العبارة، والحفر عميقاً في اللغة وتشييد المعاني والصور البكر، فتخرج النصوص من بين حناياها مثل قطعة فنية تثير الذهن والنفس والوجدان. وهنا أمنح نفسي الحق في استعارة كلمات من تقديم محمد بودويك لديوان “أبعد ما يكون” إذ يقول: “إن تجربة ثريا ماجدولين الشعرية تجربة معتبرة من حيث جمالها وعذوبتها، وقد تشربتها اللغة، وسما بها الخيال، وترحلت بذكاء واستبصار من عين الجارحة إلى عين الروح، فالنص الشعري عندها يخترق النص الواقعي ويحفر أخدودا عميقا ينملئ في أثناء التحبير، بأعشاب المجاز، ويغطى بمتواليات النسيان.”
مناسبة هذا التقديم البسيط هو قراءتي لديوانها “أبعد ما يكون” الذي حاولت مقاربته من خلال تسليط الضوء على قضية توظيف الاستعارة في القصائد، ذلك لأن الاستعارة هي الأداة والوسيلة التي تعبر من خلالها الشاعرة عن رؤيتها للعالم والوجود والكون، وهي الآلية التي توظفها للانزياح عن الواقعي والخوض في عوالم الخيال الواسعة، فتخلق الشاعرة دلالات وأبعادًا جديدة تسعى إلى تقريب معانيها من المتلقي عبر الاستعارة التي تقوم بوظيفة التوصيل والتبليغ. وقد رأى القدماء أن الشاعر الجيد هو الذي يحسن استعمال الاستعارة ويوظفها توظيفا سليمًا للتعبير المجازي عن الثيمات التي يتناولها.
تهدف هذه المقاربة إلى الوقوف عند نقطتين:
1- توظيف الاستعارة المكنية والتعدّد الدلالي
2- التوظيف الاستعاري وبلاغة التشخيص
منحتنا الشاعرة في هذا الديوان تجربتها ووعيها بمضامين وأبعاد قصائدها بدءًا من العنوان الذي اختارت، والذي يوحي للقارئ بأنه على موعد مع سفر أو رحيل أو هروب إلى أبعد ما يكون، على مستويات متعدّدة، حيث تحلّق الشاعرة بعيدًا عن أوراق الرماد، عن المتعبين، عن تلك السماء التي تشبهها قليلا، وعن ذاكرة النسيان. بهذا يكون العنوان عتبة أو مدخلاً إلى تنامي وتناسل الصور والمواقف والأحداث داخل معمار القصيدة، إذ تبتكر الشاعرة الهروب إلى صباحات جديدة وتشق طريقها إلى المعنى بحثا عن فضاءات مضمخة بالفرح. وقد وظفت الشاعرة الاستعارة المكنية التي يتم فيها حذف المستعار منه، بوصفها أبلغ في التعبير من الاستعارة التصريحية، فعمدت إلى تطويعها لخدمة المعاني الجديدة، ووظفتها توظيفا يسمح بتنويع الدلالات من خلال الوقوف على ثيمات متعددة ترددت في قصائد الديوان، نذكر منها: ثيمة الغياب، ثيمة الحلم، وثيمة الحنين.

  • ثيمة الغياب:
    كان الغياب مذ أدركه الإنسان عائقاً في وجه الاكتمال، وليس باستطاعة الفرد أن يغير حقيقته التي تعطل سعيه إلى النضوج والخصب والجمال، وبذلك يشعر الإنسان بالخوف والقلق والضياع، وتضيق عوالمه، كلما داهمته فكرة الغياب، كأنه في منفى بلا قرار. ونحسب أن الشاعرة أكثر تأملا لهذه الظاهرة التي تنقلها من الاكتمال إلى النقصان، ذلك لأنها تملك إحساسًا مرهفا بالأشخاص والأشياء، وتسعى إلى بلوغ سدرة منتهى السمو والجمال والنبل، وعندما يقف الغياب شامخا في وجه الذات الشاعرة فإنها تتشظى وتنشطر على نفسها، فيكون الشعر هو الملاذ، هو بلسم الجراح، ونبراس الطريق حين تشتد الظلمات، ينهل من ذاكرة النسيان ليروي ما تبقى من الحياة.
    تقول الشاعرة في قصيدة “أفتح نافدة في الحجر”:
    ما تبقى
    غير وقع حوافر القصيدة
    في الحلم الهارب
    غير إحساس الهشاشة
    في الحجر
    غير رغبة موهومة
    وخيال لا يهدأ. (ص 18)
    وتقول في قصيدة “وردة الليل”
    سأكمل هذا الليل
    بنصف قمر
    وبما تبقى من غيم الخيال
    ولن أطفئ شمعة غيابك
    هي وحدها تمنحني
    وردة الليل. (ص 51)
    تحضر الاستعارة المكنية بكثافة في هاذين المقطعين، وتتجسد في عبارات: حوافر القصيدة، إحساس الهشاشة، غيم الخيال، شمعة الغياب، وردة الليل. وتسهم الاستعارة هنا في التعبير عن معاناة الشاعرة من خلال صور شعرية معبرة عن هشاشتها وضعفها في وجه الليل والغياب. هذا الأخير ترسم أدق تفاصيل وقعه على الذات الشاعرة وما يترتب عن ذلك من حزن وألم وحسرة وانكسار. كل هذه المعاني نجد رموزها في مضامين القصائد. إذ تقول:
    كيف تغيب وأنت الراسخ في العين؟
    هذا دمي
    أسود من ليل الغريب
    هذا صوتي
    يشبه الريح المبللة
    احترقت عيناي ولم أزل
    في عتمة الروح
    أحدق في الألم. (ص 15)
    تحضر الاستعارة في هذا المقطع أيضا كما نلحظ في عبارات ليل الغريب، الريح المبللة، عتمة الروح وتسهم الاستعارة هنا في التعبير عن بوح أنثوي عميق مفعم بالألم والمعاناة نتيجة غياب تتساءل كيف يمكن أن يحدث ويترتب عنه كل هذا الاحتراق الداخلي الذي يؤذي إلى الذهول والضياع في عتمة الروح ، نتيجة تفاعل الذات الواعي واللاواعي، والمعرفي والتجريبي مع الواقع والحياة. والشاعرة هنا وإن كانت تستعمل ضمير المتكلم الدالة على الأنا، إلا أنها تعتبر الصوت المعبّر عن أصوات شخصيات مختلفة الأحاسيس والأفكار والهموم، فالتجربة الشعرية عندها تمزج بين الأنا والآخر وتفتح الممرّات والمنافذ ليمرّ عبرها كل من يغني نشيد الوجع ويرقص على صهيل الجرح… (ص 35).
    تسترسل الشاعرة في بحثها الدؤوب عن غائب مفقود تناشده ألا يتقمّص دور الحجر، وألا يتركها فريسة الوحدة ما بين ضجيج الذكرى وضجر النسيان. وحين لا يستجيب تتحداه لأنها تثوق إلى التحرّر من براثن جلدها والانطلاق نحو سماء الحرية حيث تقتنص إمكانية وجودها ومتعة الحضور حيثما يتراءى لها ضوء تطمئن إليه. تسافر في قوارب اللغة، تتحدّى هذا الغائب الحاضر الذي أحبته بكل اللغات، فكتبت كي تبقيه في الحلم، ولكنها بين ثنايا القصيدة طلبت منه أن يأخذ كل ذكرياته وصوره ويرحل.
    خذ بقايا صور
    من ذاكرة النسيان
    خذ موتك البطيء
    من سقف الروح
    وارحل
    أنا هنا باقية. (ص 35)
    الاستعارة واضحة داخل لغة انشطار الشاعرة الداخلي إذ تجعل للنسيان ذاكرة وللروح سقفا، وتؤشر على تغييرات أخرى محتملة في الواقع، تربط بين الماضي والحاضر وتعطي إشارات إلى المستقبل، عبر استلهام واستشراف أبعاد الممكنات من الأمور في الواقع الحي، لهذا تقدم الشاعرة قصيدتها للمتلقي ضمن إدراكها لعقليته ولتراكمات همومه وأحزانه ورغباته الظاهرة والخفية، فتكون القصيدة مشبعة بتأثيرها النفسي على نفسية المتلقي، لأنها قريبة من الوجدان حتى في حزنها العميق، بهذا يمتزج وعي المتلقي بوعي الشاعرة ، فيخيل إليك وأنت تقرأ نصوصها أنها تقف في مواجهتك، حاضرة تنظر إليك، وتقول بالشعر ما لا يستطيع أيّ كلام قوله على حدّ تعبير جون كوهن، فالشعر يوجد بالقدر الذي تفكر به الشاعرة في اللغة وإعادة خلقها في كلّ خطوة.
  • ثيمة الحلم
    وحين تطفئ الشاعرة شمعة الروح وتتأهب للرقص في الفراغ، تتجلى لها إرهاصات كينونة جديدة عبر الحلم والتحوّل إلى كائن مختلف يسعى إلى تخليد الممكن الغائب في الوجود الكائن، وفي ذلك تقول:
    أحلم بنصف الخيال
    وأترك النصف الآخر لاحتمال جديد. (ص 10)
    وحده الخيال لا يعرف الحدود ولا الثبات، تستعمله الشاعرة لتزيل عتمة الغياب، لكنها تبلغ أقصى الجرح حين تصبح بلا أحلام، تقول:
    لا حلم لي أغني نشيد الوجع (ص 35)،
    أتكئ على الليل لأكمل حلمي
    فتنهار النجوم
    وأسقط في العتمة
    سأبقيك في الحلم وأخرج منه… (ص 61)
    ذلك لأنها كانت تحلم أن تضيء الليل بما تبقى من الحلم وتملأ عتمته بدفء الخيال، لكن اللغة لم تطاوعها فلم تتمكن الذات الشاعرة من التماهي في الحلم كما لم يتمكن الحلم من التماهي في الذات فقررت أن تتركه وترحل، لم يعد الحلم يسعهما معا، لم يعد للحلم وجود، وهنا يبرز الموت الرمزي الذي ينخر أحشاءها بعيدًا عنه، يتجلّى في أوجه متعدّدة؛ فليس الموت وحده ما يفتك بالحياة، بل أحيانًا تكون له ملامح مختلفة أشدّ قسوة من الموت نفسه.
    تقول الشاعرة:
    مت كثيرًا
    وأنا أنقل وجعي
    وصهيل جراحي العارية
    من رحيل إلى رحيل
    ولم يعد في الليل مكان للحلم. (ص 68)
    ومن قصيدة إلى قصيدة نكتشف أن الشاعرة تحسّت أوجاع الحلم المصلوب في داخلها ثم أقرت أنه لم يعد يعنيها، فلديها من الشوق ما يكفي لتصنع وهج القصيدة، وتنادي الغيم ليكون لها مطرا يغسل أحزان الغياب، ويخصب سهوب الفقدان.
  • ثيمة الحنين
    تلجأ الشاعرة إلى الحنين كي تملأ فراغاتها، حنين وجع نازف يمكن حصر بعض دواعيه في الحنين إلى الماضي والحاجة إلى البكاء عليه للتخلص من رواسبه كي تريح وتستريح بين ثنايا الخيال. تقول:
    لنا دائما هذا الحنين الوليد الطريد
    لنذرف دمعًا حبيسًا
    ونخرج من جلدنا قليلا
    كي نستريح… ونريح. (ص 24)
    وتقول أيضا:
    مكتظة بالعبارة،
    مكتظة بالإشارة
    يؤرجحني الحنين
    بين أمس وأمس
    لا أحيد عن الخيال
    لا أنام. (ص 57)
    بهذه الرؤيا تكشف لنا هذه المقاطع عن قلق كتابة متسق مع قلق لحظة وجود عند ذات يسكنها التوتر فترغب في التحرّر من ضغوطاتها الظاهرة والدفينة وتكتب أسطورتها الشخصية كأنثى حرّة ترفض الإقامة في الحنين وتكره الانتظار فتفتح أبوابا جديدة للحياة تعبر من خلالها عما يختلج في دواخلها ما دامت تملك ناصية الحرف والقدرة على البوح وحرية التعاطي مع هذه الممارسة الثقافية، التي تحرّر أغلالها الداخلية، تقول:
    لي أن أحضن شمسي
    لي أن أرفع الليل الممتد حولي
    وأرسم سماء جديدة
    تشبهني
    أنا المسكونة بذاكرتي
    وقصيدي نخيل يعبر الروح
    ويملؤني. (ص 81)
    هكذا هو الشعر إرضاء رمزي للذات في أحلك حالاتها وعنفوان تمرّدها، إنه الحفر باللغة في أعماق الوجود، والقوة التي تمدّ الذات بالقدرة على تخطي كل العقبات التي تقف في طريقها، وفك كلّ الأغلال التي تقيّد خطواتها. وبهذا تنتقل الشاعرة من القلق والخوف والحنين والانتظار إلى السمو والشموخ والانفتاح على سماء جديدة تشبهها.

التوظيف الاستعاري وبلاغة التشخيص
تمكنت الشاعرة من بناء استعاراتها على أنساق متعددة تتولد من المعاني التي تريدها. وفي هذا الإطار كان التوظيف الاستعاري متعدّدًا بتعدّد الثيمات التي تجعل الإنسان أبرز اهتماماتها، مما ترتب عنه توظيف التشخيص في بعض قصائد الديوان، وتوظيف معجم تهيمن عليه مفردات الذات والطبيعة مما يفضي بالمتلقي إلى الاعتقاد أنه أمام ديوان يوازي بين حالات الذات المحبطة وتمظهرات الطبيعة الكئيبة. مثل قولها على سبيل المثال: نبضي يقف على حواف اسمك، المتسكع في دمي، مثل ريح كسلى (ص 13)، هذا صوتي، يشبه الريح المبللة (ص 15) سألبس قميص الريح، أيتها الريح، من الآن وحتى الرحيل الأخير، كوني سريري المشتهى…(ص 26)، جسدي المكتظ بالكنايات، يطير الآن حرًّا خفيفا، مثل وشاح الريح، يتكلم لغة الورد (ص 40)، نلمع مثل أي قمر منسي، في جفون السهر (ص 49)، أصعد قمة الليل (ص 50)، أخرس الرياح الضاجة في فناء الروح (ص 60)، كغيمة تهوى جهة النسيان، أمد يدي، لأطفئ شمعة الروح (ص 65)، قصيدي نخيل يعبر الروح (ص 81)… نلاحظ من خلال هذه التشبيهات المتعدّدة أن الشاعرة ترتبط بالطبيعة من خلال أشكال فنية تتجاوز القوالب المعتادة، ذلك أن الشعر عندها كما يقول أراغون، يبدأ “عندما نفهم، بطرق ليست بالضرورة طرق الفهم العادية، أن الشعر، يوصلنا إلى الواقع بطريقة مباشرة، والانفعال الشعري علامة المعرفة التي تم الوصول إليها ، لا العكس”
. ويأتي التشخيص حين تستعير الشاعرة صفات إنسانية أو جسد الإنسان لتشكيل المعاني المجردة أو الكائنات الجامدة. من ذلك ما تقوله في قصيدة “أفتح نافدة في الحجر”، تخاطب الوطن:
أيها الوطن المنفى،
اجلس قبالتي،
ودعني أسوي خلافي معك،
أنزع من شفتيك،
شوك الكلام،
أشذب حروف جسدك.
تستعير الشاعرة صفات إنسانية تضفيها على الوطن، فتجعل له رجلين وشفتين وحروف جسد، وتدعوه للجلوس كي يسويان خلافهما ويتبادلان أطراف المحبة.
وتستمر الشاعرة في استعارة الصفات الإنسانية وإعطائها للأفكار المجرّدة، فتجعل للظلام معطفا، وللذكرى ضجيجا، وللنسيان ضجرا، وللموت ظلا، وللنهار دمعا، وللنسيان ذاكرة، وللطرقات غناء، وللسهر جفونا، ولليالي جرحا، وللمكان ذاكرة، ولليل أزرارا، واستعارات أخرى كثيرة من هذا القبيل. ويتبلور التشخيص بشكل واضح في قصيدة “أكتب لأراك”، تقول فيها الشاعرة:
هذا دم الليل الذي سقط،
من شظايا الذاكرة،
تهاوى على درج الخيال،
وبكى،
شاهدا وشهيدا،
وتلك يد،
تحفظ موعدها مع الرحيل،
هنا نار تتسع في ذاكرة الرماد،
وهناك بحر يعبد أزقته لأنين الفقد،
هل يسقط ما كتبناه معا،
في خراب العمر؟
نستنتج من هذا المقطع أن لليل دماً ومشاعر وأحاسيس وانفعالات تؤدي به إلى البكاء، فيسقط شهيدا مثل إنسان، كما أن للرماد ذاكرة وللبحر أزقة يعبدها لأنين الفقد. يقوم التشخيص هنا بوظيفة التوصيل من خلال المبالغة الدلالية في التعبير عن الأشياء.
هكذا يبرز دور الاستعارة في الحفر في اللغة لاستنباط معان جديدة وفي قدرتها على إضفاء الحياة على كل الأشياء والأفكار الجامدة. وتظهر أيضا قدرة الشاعرة على استنطاق الاستعارة كأسلوب بلاغي تقليدي قديم. وقد أحسنت الشاعرة توظيفها في التعبير عن مختلف المواضيع التي تناولتها وتمكنت من تقريب معانيها للمتلقي. فجمعت الاستعارة عندها بين الوظيفتين الجمالية والدلالية.
نخلص إلى أن توغلنا في أعماق هذا المتن الشعري وإمساكنا بمحارات معجمه الشعري على جميع المستويات، أفقيًا وعموديًا، يجعلنا نستشف أنه بكل تجلّياته المعجمية والتركيبية والدلالية يحيلنا على تلك العلاقة التي تجمع الأنا بالآخر وبالواقع المعيش. استطاعت الشاعرة أن تصوغ هذه العلاقة في لوحة فنية مرصّعة بالصوّر الشعرية والمعاني العميقة والدلالات القوية، مستعملة لغة راقية شفافة تجعل القارئ يتقاسم معها نفس الإحساس بالألم والغبن والانكسار المغلفين بعباءتي المكابرة والأمل رغبة في الثورة على الأوضاع، فيسافر معها على أجنحة اللغة ليكتشف ما وراء الكلمات الجميلة من مآس وأوجاع واغتراب.
إن الشاعرة ثريا ماجدولين تختار ألفاظها بعناية، وتنتقي معجمها الشعري بذكاء لتقدم للقارئ طبقًا شهيًا من الدهشة الممزوجة بالإحساس العالي بالأشخاص والأشياء، وهذا يدلّ على اطلاعها الواسع على تجارب شعرية متنوّعة أغنت تجربتها وأسهمت بشكل فعّال في إغناء رصيدها اللغوي وتحديثه. ومن ثم تمكّنت الشاعرة من إشباع نهم القارئ بجمال شعرها وفنيته الراقية.


الهامش
1- فوزي البشتي، ضفاف الذاكرة، مقالات في الأدب، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، ليبيا، 1985، ص. 19

- مليكة معطاوي

كلية الآداب والعلوم الإنسانية/الرباط

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.