أحمد المكاوي، نهضة اليابان في عهد الميجي من منظور عربي إسلامي، العرائش-مؤسسة مفاتيح العلوم، الطبعة الأولى، 2013، 186ص.
لايزال الدارسون، في العالم العربي الإسلامي، في مختلف الحقول المعرفية، يسبرون غور النهضة اليابانية في عهد الميجي (1868-1912) باعتبارها استثناء لزم التوقف عنده للتنقيب عن الأسباب العميقة التي تكمن خلف إقلاع بلد من عصوره الفيودالية، ليدخل العصر الحديث من أبوابه الواسعة. ولم يحض عهد الميجي باهتمام الدارسين المتخصصين فقط، بل تفاعل مع أحداثه وتداعياته الرحالة والسياسيون والمثقفون، خاصة ضمن سياق القرن التاسع عشر الذي اشترك فيه العالم الإسلامي مع اليابان في تبعات التنافس الإمبريالي، والانخراط في تجارب إصلاحية جعلت الذات الجماعية محورا لسؤال النهوض إزاء الآخر الغربي المتفوق عسكريا وعلميا وتقنيا.
ويعتبر هذا السؤال محصلة للاندهاش والانبهار أمام تجربة راكمت الإنجازات العسكرية والاقتصادية في فترة وجيزة قد تبدو كالطفرة الفجائية. وفيما يخص العالم الإسلامي، كانت محطة انتصار اليابان على روسيا سنة (1904-1905) بمثابة الشرارة التي أطلقت السؤال: لماذا نجحوا فيما أخفقنا فيه؟ في إشارة واضحة لضرورة الاقتداء باليابان عبر الإمساك بعوامل نهوضها.
وتأتي دراسة أحمد المكاوي “نهضة الميجي من منظور عربي إسلامي” لتسلط الضوء على التفاعل العربي الإسلامي شرقا وغربا مع التجربة اليابانية، من خلال مادة مصدرية متنوعة شملت الرحلات والأشعار والمقالات الصحفية والمذكرات والموسوعات ثم الدراسات الأكاديمية التي تنتمي لتخصصات غطت التاريخ والعلوم السياسة والسيسيولوجيا والاقتصاد.
وقسم الباحث دراسته إلى أربع مباحث، هي تفاعل مع نهضة الميجي قبل انتصار اليابان وبعده، ودعوة اليابان إلى اعتناق الإسلام أو وهم إسلام اليابان، ونهضة الميجي من منظور عربي أكاديمي، والمغرب ونهضة الميجي
وعبر هذه المباحث، قدم لنا أحمد المكاوي مادة دسمة كانت محصلة لقراءة متأنية لمتون عكست القضايا الأساسية التي استحوذت على اهتمام المتفاعلين مع التجربة اليابانية، سواء تعلق الأمر بالمجايلين لها، أو بالدراسات التي تناولتها بالتمحيص والبحث، باعتبارها تجربة تنتمي للشرق الذي يعد العالم الإسلامي جزءا كبيرا منه، خاصةوأن هذا الأخير عرف انطلاق تجارب نهضوية وإصلاحية أجهضت في مهدها.
مركزية الانتماء واستعلاء الشرق
توقف أحمد المكاوي في بداية دراسته عند كتابات المعاصرين لفترة الميجي، ليؤكد على طابعها الانبهاري الذي وصل إلى حد العجائبية (ص.11). وفي هذا السياق اعتبر أن محمد بيرم في كتابه “صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار”انطلق من خطاب قام على ثلاث أسس: “التعجب والانبهار، والطفرة والتقدم السريع، والتغيير من أعلى” (ص.11-12). ولن تخرج الكتابات التي أخذنا المؤلف عبرها عن هذه الثلاثية مع بعض التفاوتات من حيث الحدة، إذ رجحت عنصرا على آخر بشكل نحى نحو الانتقاء أحيانا.
لقد احتفت كل الكتابات بمحطة الانتصار الياباني على روسيا في حرب 1904-1905، مما جعلها نقطة انطلاق للاهتمام الكبير بالتجربة اليابانية. ويفسر أحمد المكاوي الصدى الكبير للهزيمة الروسية بكونها “أول هزيمة تلحقها أمة شرقية بأمة غربية” (ص.16) في سياق تاريخي منيت فيه الدولة العثمانية بسلسلة من الهزائم أمام روسيا منذ أواخر القرن السابع عشر. فهي نوع من رد الاعتبار للذات المهزومة،وتشف بروسيا،وخلفها الغرب الذي بدأ في وضع اليد على أجزاء متعددة من العالم الإسلامي.
كان الخطاب، خلال تلك المرحلة، ملفوفا بالنزعة العاطفية المنساقة وراء الخلاص، وغارقا في الذات المتمركزة حول الانتماء لدار الإسلام وكل المفاهيم الدائرة في فلكه. فالأمة المسلمة هي خير أمة أخرجت للناس، والآخر لا يعدو أن يكون منتميا لدار الحرب التي هي بالضرورة دارا للكفر.والنازلة الجديدة هنا هي انتماء اليابان للشرق. والشرق وفقا لمركزية الانتماء للإسلام لا يمكن أن يكون إلا مسلما. لذلك فالخيط الناظم الذي جمع كتابات معاصري نهضة الميجي هو حضور معيار الأخلاق المنسجم مع الأطر المرجعية للمسلم في النظرة للمجتمع والحياة بشكل عام. مما يفسر الاهتمام بدعوة اليابانيين للإسلام على اعتبار “تشابه الأخلاق اليابانية مع الأخلاق الإسلامية” حسب التتاري عبد الرشيد رضا (ص.40)، الذي كان “مقتنعا بأن العقيدة الأنسب لليابانيين لا يمكن أن تكون إلا الإسلام” (ص.66)، لذلك انخرط بشكل مباشر في عملية نشر الإسلام في اليابان، حيث ترجم القرآن إلى اللغة اليابانية، وشيد مسجدا في طوكيو. وقد حركه في ذلك هاجس مواجهة الإرساليات التبشيرية إضافة إلى ضرورة تأسيس خط دفاعي في الشرق، يقوم على تعزيز النفوذ الياباني في الشرق الأقصى، وهو الأمر الذي يتطلب تحققه اعتناق اليابانيين للإسلام (ص.67).
يرى أحمد المكاوي أن التحام وهم إسلام اليابان مع وهم الانتماء المشترك للشرق، دفع البعض إلى درجة الاستعلاء. بهذا الصدد توقف عند رحلة أحمد الجرجاوي التي قادته إلى اليابان عقب الحرب اليابانية الروسية قصد حضور مؤتمر للأديان بطوكيو سنة 1906. لقد عكست هذه الرحلة غلو فكر صاحبها، فالغرض من المؤتمر، وفقا لروايته، هو بحث اليابانيين عن دين لهم، خاصة بعد الترقي الذي بلغوه على عهد الميجي، مما لم يعد منسجما وإيمانهم “بمعتقدات فاسدة” (ص.59). الشيء الذي يعكس نظرة استعلائية جعلت من الذات المنطلق والمنتهى، فسقط بذلك الجرجاوي في مبالغات جعلت منه الداعية الذي أسلم على يديه آلاف اليابانيين، “فأكثر من نصفهم أسلم على يدنا في مدة لاتتجاوز الثلاثين يوما. فمن هذه المقارنة يمكن أن يقال إن الدين الإسلامي سيكون دين اليابان الرسمي في المستقبل” (ص.60).
لقد احتلت مسألة إسلام اليابانيين حيزا كبيرا ضمن اهتمامات المجايلين لتلك المرحلة، فمجلة المنار تبنت الموضوع وتحمست له وجعلته على رأس اهتماماتها. كما أن محمد فريد وجدي في موسوعته تبنى الاقتراح الداعي لنشر الإسلام في اليابان. وبالرغم من أن مسألة إسلام اليابانيين لم تحض بحيز كبير ضمن رحلة الأمير محمد علي، فإنه اعتبر نشر الإسلام هناك أمرا واجبا (ص.63).
واللافت للانتباه، ضمن هذا السياق هو التعاطف والتأييد الذي حضي به التوسع الياباني على حساب جيرانه، واعتباره تعزيزا لقوة الشرق وتفوقه. وقد استثنى المكاوي من ذلك كلا من شكيب أرسلان ومحمد عبده. فيما يخص شكيب أرسلان فقد ركز في كتاباته على انتقاد حمى وهم إسلام اليابان، لأن هذا الأخير ليس في حاجة إلى دين جديد ليصل إلى ما وصل إليه من نهوض وازدهار. (ص.71). كما استغرب ابتهاج المسلمين “بانتصار اليابان، وهو بلد وثني، على روسيا البلد المسيحي” (ص.69). أما محمد عبده فقد أعرب عن حذره من دعوة اليابانيين للإسلام بمقولته الشهيرة “دعهم فإني أخشى إذا صاروا منا أن نفسدهم قبل أن يصلحونا” (ص.86).
اليابان من منظور أكاديمي عربي: نحو قراءة أكثر توازنا
اعتبر أحمد المكاوي أن أهم ما ميز المنظور الأكاديمي في مقاربته هو الفاصل الزمني الكافي الذي مكن من قراءة أقل انفعالا، خاصة مع التسلح بأدوات منهجية حديثة، مما جعله يتجاوز الطابع الانطباعي للكتابات المعاصرة لنهضة الميجي، وإن كانت هذه الأخيرة مؤسسة لما بعدها.
كان الهاجس الذي حرك هذه الدراسات هو الإجابة عن سؤال جوهري: “كيف ترقى اليابانيون فيما ظل العرب متعثرين؟” (ص. 129). مما يعني حضور نوع من المقارنة الضمنية أو الصريحة. بهذا الصدد أورد المؤلف دراسات لباحثين من خلفيات أكاديمية متعددة. منهم من أفرد رحلته البحثية لليابان ومنهم من كانت اليابان حاضرة ضمن قضايا أخرى استدعاها فيها سياق الدراسة وإشكالاتها. ويعتبر كل من رؤوف عباس ومسعود ظاهر من الدارسين الذين استحضرهم المؤلف على اعتبار خلفيتهما كمؤرخين كرسا أبحاثهما للتجربة اليابانية.
فيما يخص رؤوف عباس، فقد عكست دراساته مقاربة من زوايا متعددة. فمؤلفه “المجتمع الياباني في عهد مايجي (1868-1912)” ركز فيه على التحولات التي عرفتها الحياة السياسية. حيث تتبع التطور السياسي لليابان منذ ماقبل فترة الميجي إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. فخلص إلى أن النموذج السياسي الياباني، بعد تبني دستور 1880، لا يعكس تحقق الحياة النيابية الدستورية. فماتم إرساؤه لا يتجاوز أن يكون “نظام حكم أرستقراطي-أوتوقراطي” (ص.92) لكن هذا لم يمنع من توفر قاعدة اقتصاديه صلبة للنهوض، ساهمت في تحول المجتمع من الإقطاع نحو الرأسمالية من خلال نمو حركة للتصنيع وصلت إلى أقصى مراحل تطورها.
ومن زاوية ثقافية صرفة، خلص رؤوف عباس من خلال مؤلفه “التنوير بين مصر و اليابان: دراسة مقارنة بين فكر رفاعة الطهطاوي و فوكوزاوا يوكيتشي” إلى أنه رغم تشابه المقدمات، فإن فوكوزاوا كان “أكثر راديكالية و جرأة في نقده للمكون الأخلاقي في الثقافة التقليدية مقارنة بالطهطاوي” (ص.95). وفي هذا السياق فسر رؤوف عباس نجاح اليابان في تجربة التحديث بالانفتاح على الغرب وفقا لشروط صارمة تفاديا للسقوط في التبعية له، إضافة إلى موقعها الجغرافي الذي حماها من الغزو الاستعماري المبكر مقارنة بمصر(ص.96).
أما مسعود ظاهر فقد ساهم بدوره، إلى جانب رؤوف عباس، في إحداث التراكم الخاص بالدراسات العربية عن النهضة اليابانية. ركز في مقاربته على دراسة العلاقة بين الدين والدولة في اليابان، فتتبع تحولها من البوذية إلى الشنتوية و ما كان لذلك من دور في عودة تقديس الإمبراطور باعتباره سليل الآلهة. غير أن ذلك لم يعن جعل عقيدة الشنتو العقيدة الرسمية للبلاد، فدستور 1889 أكد على حرية المعتقد وعدم تدخل الدين في الشؤون السياسية، الشيء الذي تأكد بعد الحرب العالمية الثانية حيث فقدت العقيدة الشنتوية جميع امتيازات عهد الميجي، فتم حصر الدين في الروحانيات فقط (ص.117). لذلك فإن اليابان، حسب مسعود ظاهر، نموذج “للتعاون الوثيق بين الدين والدولة على قاعدة الانفتاح التام على جميع الثقافات والأديان” (ص.118).
إضافة إلى المؤرخين السالفي الذكر، استعرض المؤلف أعمال باحثين آخرين شكلت اليابان محورا لاهتمامهم ضمن سياق مساءلتهم للنهوض العربي. فربط أنور عبد الملك وهشام شرابي بين نظرية التحدي والاستجابة ونجاح النهضة اليابانية، فيما توقف عبد الغفار رشاد عند دور المحدد الجغرافي مع تبنيه لفكرة التغيير من أعلى. وهو الأمر الذي أيده فيه الفضل شلق حينما اعتبر أن القرار السياسي عامل مفصلي في التفوق الياباني. أما هشام جعيط فلم يتجاوز، حسب المؤلف، ماورد لدى دارسين آخرين بشأن تفسير النهضة اليابانية في عهد الميجي.
المغرب ونهضة الميجي: مساءلة سياق البعثات الطلابية نحو أوربا
أقر أحمد المكاوي “بمحدودية الإسهام المغربي في التراكم العربي الإسلامي حول النهضة اليابانية في عهد ميجي، قياسا بما راكمه باحثون من أقطار عربية أخرى” (ص.165). وعلى غرار مصر وباقي البلدان، كان الدافع نحو هذا الاهتمام بمثابة رد فعل على الأوضاع الداخلية المرتهنة بالضغوط الاستعمارية التي تعاظمت غداة مؤتمر الخزيرات سنة 1906. لذلك فإن بدايات الاهتمام بالتجربة اليابانية في المغرب تعود إلى ماقبل عهد الحماية، أي مع انطلاق المشاريع الإصلاحية والخطابات المواكبة لها. وفي هذا الصدد استحضر المؤلف مشروع كل من علي زنيبر السلاوي وعبد الكريم مراد الطرابلسي.
لقد اهتمت هذه المشاريع بالتجربة اليابانية في محاولة منها لإقناع المخزن بجدوى الاقتداء بها لتجاوز النكوص الداخلي ومواجهة احتداد التنافس الاستعماري حول المغرب. فبعد مؤتمر الخزيرات مباشرة قدم علي زنيبر السلاوي مذكرة إصلاحية للسلطان المولى عبد العزيز، التي كرسها لمقومات النصر الياباني على الصين أولا ثم روسيا، داعيا إلى الأخذ بنفس الأسباب.
أما الشيخ عبد الكريم الطرابلسي فقد استحضر اليابان ضمن مشروعه الإصلاحي، في دعوة منهلتدارك الوضع في المغرب قبل الوصول إلى ما آل إليه حال نظيرتها مصر. فاعتبر أن الانفتاح على الغرب والاستفادة من تطور علومه وصناعته هو المفتاح للنهوض السريع أسوة باليابان. ولعل الجديد الذي حمله مشروع الطرابلسي هو تأكيده على الدستور وأهمية إرساء الحياة النيابية. وإمعانا في إقناع السلطان، استشهد بتجربة إيران الدستورية باعتبارها بلدا إسلاميا احتذى باليابان. بالموازاة مع ذلك، ركزت صحيفة لسان المغرب على التجربة الدستورية اليابانية، لتكون أول صحيفة تعرض على صفحاتها مشروعا دستوريا في تاريخ المغرب.
توقف أحمد المكاوي عند البعثات الطلابية المغربية نحو أوربا، باعتبارها مسألة شكلت محورا لاهتمام المؤرخين والباحثين، حيث انشغلوا بتفسير الإخفاق المغربي في جني ثمارها مقارنة بنظيرتها اليابانية. فكان أبو عبد الله محمد السليماني من بين أول من اهتم بتفسير النجاح الياباني ليحصره في الاهتمام بالتعليم، خاصة ما تعلق بتعلم اللغات الأوربية والترجمة كآلية لنقل علوم الغرب. أما المؤرخ ابن زيدان فقد ركز على دور حاشية السلطان في عدم الاستفادة من البعثات التعليمية نحو أوربا بحكم عدائها وتحفظها الشديد. بينما حصر المؤرخ عبد الهادي بوطالب الإخفاق في رد الفعل السلبي الذي أحدثه اللباس الأوروبي الذي عاد به طلاب تلك البعثات. إلا أنه استدرك محدودية هذا التفسير حينما انتقل إلى “تفسير أرحب وأدق هم إشكالية انفتاح المجتمع وانغلاقه ومدى قابليته لتقبل التغيير” (ص.148)، فيحين ركز الباحث المهدي المنجرة على دور العلم والمعرفة في نجاح بعثات اليابان نحو أوربا.
ومثل الدارسين العرب، انشغل الوسط الأكاديمي المغربي بتفسير نجاح تجربة النهوض الياباني عامة وبعثاتها الطلابية خاصة. ويعتبر جرمان عياش ومحمد عابد الجابري وعبد السلام المودن من بين أهم الباحثين الذين أدلوا بإسهامات نوعية في الموضوع.
ركز جرمان عياش في تفسيره للتفوق الياباني على أهمية البعد الجغرافي وكثرة الساكنة، إضافة إلى تحالف طبقة التجار مع طبقة الملاكين العقاريين الكبار، مما يعني أن المغرب لو تتوفر له قاعدة اجتماعية واقتصادية للتغيير. وفي مداخلته ضمن ندوة خاصة ب “الحوار العربي الياباني” أكد المفكر محمد عابد الجابري على أهمية الإرادة الفوقية، لذلك فإنه لم يحمل المسؤولية لا للعلماء ولا للحاشية على اعتبار تبعيتهم للسلطان عبر التاريخ الإسلامي. أما عبد السلام المودن فقد اعتبر أن قابلية المجتمع الياباني للتكيف مع الجديد شرط أساسي لنجاح نهضة الميجي، مما مكنها من ولوج “عصر الرأسمالية بسرعة كبيرة قياسا بأوربا التي قطعت لأجل الوصول إلى ذلك مدة طويلة” (ص.160). كما أن ما ميزها عن أوربا كذلك هو الطابع الوطني لثورة الميجي، إذ لم تكن ثورة برجوازية، يضاف إلى ذلك أهمية دور الدولة في إلغاء النظام الإقطاعي.
نوه المكاوي بدراسة عبد السلام المودن باعتبارها مساهمة نوعية حادت عن التوجه السائد في الدراسات العربية نحو تعليق الأمل على استنساخ التجربة اليابانية. فالتأكيد “على الطابع الاستثنائي للتجربة اليابانية […] لا يتيح الفرصة إطلاقا للاقتناع بأنه يمكن الانتفاع من التجربة اليابانية ولو في حدود ضيقة” (ص.164).
على سبيل الختم
إن الخيط الناظم للخطاب العربي الإسلامي حول نهضة الميجي هو انتقاله من الحماس الشديد المتسم بالانبهار والعجائبية إلى مقاربة أكثر توازنا وإن لم يستطع، في جوانب كثيرة، تجاوز وضع النموذج الياباني ضمن تيمة الطفرة والظاهرة الاستثنائية، خاصة مع تكرار الصعود السريع والقوي لهذا البلد بعد الدمار الذي تعرض له نهاية الحرب العالمية الثانية. كما أن معظم الدراسات، حتى تلك المخصصة لليابان، انشغلت بتفسير إخفاقات الذات في مرآة اليابان. وهي تقوم بذلك سقطت في ازدواجية المعيار: اليابان كنموذج للنهوض وخلفه يقبع الغرب كإطار مرجعي وجب الانفتاح علية أسوة بنهضة الميجي.
لفت أحمد المكاوي، في معرض دراسته لتعاطي المتفاعلين المغاربة مع موضوع الدراسة، الانتباه إلى محدودية مساهمتهم بالنظر لقلة ما راكموه كما ونوعا. لكننا مع ذلك نتساءل حول تجاهل دراسة قيمة لمحمد أعفيف[1] باستثناء إشارة عابرة لها ضمن الدراسات الأكاديمية العربية (ص.89).وربما يعود ذلك لكونها غطت حقبة زمنية تعود لما قبل عهد الميجي، غير أن صاحب الدراسة أكد على أن الغرض من اختياره ذاك هو توضيح التحولات العميقة التي عرفتها اليابان منذ القرن السادس عشر، لذلك فإن “عصر الميجي وإصلاحاته نتيجة ولم يكن لا سببا ولا مقدمة، نتيجة لمسيرة طويلة ومعقدة، لكنها منطقية”[2]، مما دفع أعفيف للمساءلة العميقة لتشابه المقدمات واختلاف النتائج ليخلص إلى أنه ليس هناك تشابه البتة[3].
لقد قدم لنا أحمد المكاوي في مؤلفه هذا دراسة قيمة تضمنت قاعدة بيبلوغرافية
مهمة، وعصارة للدراسات العربية الإسلامية التي جعلت من نهضة الميجي محورا
لاهتمامها، مما يدفعنا لتتبع مسارها ونتائجها والالتفات لمحدوديتها مقارنة بما
راكمته أوساط أكاديمية أخرى، الأنجلو-ساكسونية منها خاصة، فمن شأن ذلك أن يفتح
شهية الباحثين المغربة للانفتاح على مجال بحثي سيغني البحث الأكاديمي بالمغرب.
محمد أعفيف، أصول التحديث في اليابان (1568-1868)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2010.[1]
[2] نفسه، ص.51.
[3] اهتمت دراسات متعددة بتمحيص جذور النهضة اليابانية في المرحلة السابقة لعهد الميجي. بهذا الصدد أنظر:
– John Whitney Hall and Others, The Cambridge History of Japan: Early Modern Japan, V4, Cambridge University Press, 812p.
– Asao Maruyama, Studies in The Intellectual History of Tokugawa Japan, Princeton University Press, University of Tokyo Press, 1974, 383p.