الخميس , 18 أبريل, 2024
إخبــارات
الرئيسية » قـــراءات » الشرق في التمثلات الحضارية الألمانية

الشرق في التمثلات الحضارية الألمانية

-Zouheir  Soukah, Der Orient imkulturellenGedächtnis der Deutschen: Vergleichende Analyse ausgewählterReiseberichte des 19. undbeginnenden 21. Jahrhunderts,  Peter Lang GmbH, InternationalerVerlag der Wissenschaften, 228 Seiten, 2019.

في البداية لا بد من التنبيه إلى ملاحظة مهمة، وهي أن المؤلف ركز في بحثه على نصوص من القرن التاسع عشر والقرن الواحد والعشرين، وأنعدم اختياره لنصوص تعود إلي القرن العشرين لم يكن إهمالاً علميا منه، بل هو مرتبط بالمنهجية المقارنة التي تركز على اختيار فترات زمنية أو أماكن محددة للتحليل المقارن، ويشير إلى ذلك بوضوح في مقدمة كتابه. وتجدر الإشارة إلى أن النصوص الثلاثة المختارة من القرن التاسع عشر قد عرفت تلقياً نقدياً كبيراً في ألمانيا وحتى في العالم العربي، إذ ترجمت إلى اللغة العربية1، وهي كتاب هاينريش فون(Heinrich Freiherr von Maltzan) ، رحلة حجّي إلى مكة، رحلة إلى المناطق الساحلية والداخلية لبلاد الحجاز(1873)، وكتاب الأمير بوكلرموسكاو(Fürst von Pükler-Muskau)، رحلات مشرقية (1838)، وكتاب جيرهالدرولفس (Gerhard Rohlfs)، إقامتي الأولى بالمغرب(1865)،في حين ما زالت النصوص الحديثة من القرن الواحد والعشرين تنتظر دورها في الترجمة إلى اللغة العربية2،وهي: كتاب غيتسيلا رامينغليوبولد(Gisela Ramming-Leupold) ، العربية السعودية-في بلاد الإسلام المقدسة (2001)، وكتاب أندرياس بروف(Andreas Pröve) ، رحلات في الشرق (2005)، وكتاب رودولف هوفنباخ(Rudolf Hufenbach)،رحلات في الشرق (2011).

 يتناول كتاب “الشرق في الرؤى الألمانية الثقافية في القرن التاسع عشر والقرن الواحد والعشرين”للباحث المغربي زهير سوكاح،مسار تطور الكتابة الاستشراقية في القرن التاسع عشر والقرن الواحد والعشرين، ويسلط الضوء على كيفية تعامل الرحالة الأوروبيين بشكل عام، والرحالة الألمان علي وجه الخصوص مع الشرق، كما يعرض حصيلة أعمالهم وآفاق تصوراتهم، وأشكال تفاعلهم مع الثقافة الشرقية، مركزاً على قضايا الاستشراق والرحلة باللغة الألمانية.ويرى الباحث أن الاستشراق الألماني للقرن التاسع عشرلم يكن خطاباً علمياًوأكاديمياًخالصاً، بل كان خطاباً استعمارياً كذلك عن الشرق، علاوة على أنه خطاب ذو خلفية مركزية أوروبيةككل الخطابات الأوروبية القائمة على روح الهيمنة. كماأكدت النصوص التي تعود إلى القرن الواحد والعشرين استمرارية هذا الخطاب من خلال التسويق للهيمنة على الشرق، من أجل تحقيق إثبات الهوية زمن ما بعد الاستعمار والعولمة والإرهاب.

لقد كان من الضروري البحث في العلاقة بين أدب الرحلة لأوروبا الغربية والاستشراق، حيث اعتبر إدوارد سعيد أدب الرحلة أهم مؤسس نصي ومنتوج استشراقي، وهو أداة ووسيط نصي للاستشراق.وتعتبر الرحلة -إلى جانب أدب الرحلات، والقصة والخرافة والمستنسخات-من بين الوسائل التي رآى بها الغربيون الشرق.ولهذا قام الأساس التحليلي والنقدي  لهذه الدراسة على البحث في الوظيفة الاستشراقية للنصوص الستة التي اختارها الباحث بعناية لهذا الغرض، وقام بمقارنتها وتتبع تطور وظيفة خطاباتها.

تناول صاحب هذه الدراسة في القسم الأول من كتابه الأفكار الأساسية لإيديولوجية الاستشراق وتطورها التاريخي، واهتم بنوع الرحلة وعلاقتها بالإستشراق وبالسفر إلى الآخر الشرقي. واستند في ذلك على هذا التأطير النظري لكي يحلل في الجزء الثاني ستة نصوص رحلية من القرن التاسع عشر وبداية القرن الواحد والعشرين. ويعود اختيار الباحث لفترة القرن التاسع عشر لأنها تمثل العصر الذهبي للاستشراق،حيث ظهرت فيه الكثير من النصوص الرحلية عن الشرق خاصة في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، مما أدى إلى تكثيف اهتمام أوروبا الثقافي بهذه المنطقة. أما فيما يتعلق بفترة القرن الواحد والعشرين، فقد اختارها الباحث لأنها عصر مكافحة الإرهاب وتصاعد وتيرة العنف والصراع في الشرق الأوسط، مما جعل المشرق مرة أخرى قوة جذب للاستشراق الحديث.

قدم الباحث عرضاً مقارناً لصورة الشرق في نصوص رحلية شاملة خلال الفترة المشار إليها، محاولا سد ثغرة في الإلمام بالعلاقة بين الاستشراق والرحلة ما بعد الاستعمارية. ويهدف هذا العمل إلى الإحاطة بنوع الرحلة القديم والجديد من أجل التعامل مع الشرق المتخيل من خلال منهج الكاتب المتعددالتخصصات، مثل الأدب ودراسات ما بعدالإستعمار، والدراسات الثقافية،إلى جانب التاريخ؛ ذلك أن البحث يتناول فترة زمنية طويلة تشمل نصوصاًرحليةتعود للقرن التاسع عشر وبداية القرن الواحد والعشرين. وقد يصعب تصور وفهمالشرق بدون دراسة كتابات الرحلة؛ فالرحلة وسيلة توثيق نصي مهمة في تجربة الشرق باعتبارها من الخطابات التي تعكس صورة الشرق، ويكون بذلك هذا النوع من توثيق السفر والرحلات وسيلة لتوضيحمدى إدراك الأوروبي للشرق، لا كوجهة سياحية فقط،ولكن  أيضاًكصورة مضادة للهوية الأوروبية الخاصة المتمثلة في المركزية الأوروبية التي تعيد اكتشاف آليات استعمار دول تلك البقاع البعيدة.

لقد تعرف القراء الأوروبيون على “الشرق” بشكل مكثف، وتمّ نشر الكتب والصحف والمجلات، وكان “الشرق” مقصداً للمسافرين، كما كان للرحلة انتشار وقبول كبيربين أوساط القراء. وقد عمل المستشرقون الذين سافروا إلى “الشرق” المُستَعْمَرعلى وضعه في ميزان الوعي الجماعي للمتلقي الأوروبي أثناء وبعد القرن التاسع عشرفي قالب ثابت للمشرق. وكان المسافر (الرحّالة) في الغالب عضواً في المؤسسات أو الجمعياتالاستعمارية مساهماًبالأساس في تكوين الأساطير حول العالم الشرقي، وداعماً رئيسياً في تشكيل الرأيالعام في الغرب في اتجاه معين كما يتصوره السياسيون، فبقي “المشرق” – وحتى بعد مرحلة الاستعمار – راسخاً في الذاكرة الأوروبية أو الألمانية كمقابل لهوية أوروبا الثقافية.وللكشف عن تلك التصورات الاستشراقية الألمانية حاول المؤلف طرح إشكالية مركزية حاولت العديد من الدراسات ما بعد الاستعمار الإحاطة بها، وهي كالتالي: كيف يمكن اعتبار أكثر من مليار شخص يعيشون في مناطق مختلفة ومتباعدة من العالم، من بيئات اجتماعية وثقافية غير متجانسة، من الذين يمارسونالعنف ويكنون العداء للمرأة ومتخلفين وخطيرين؟”ويبدو أنه حتى في عصر الرقمنة، ما يزالهذا النوع من التوثيق النصّي الاستشراقي (أي تقارير الرحلة) الحامل والمنتج لانشغال المستشرقين بــ”الآخر” غير الغربي. من هنا يأتي طرح الباحث لفرضيتين عالجهما في هذا الكتاب؛ الأولى تقول بأن الاستشراق الألماني في القرن التاسع عشر لم يكن أقل هيمنة وأمبريالية من الاستشراق الإنجليزي أو الفرنسي. والثانية تؤكد على أن هناك استمرارية معاصرة لهذه المواجهة مع الشرق في الذاكرة الثقافية للألمان، ذلك أن ظاهرة الاستشراق تجسد ذلك الاهتمام المستمر لأوروبا بالشرق الذي ما يزال يستعمل حتى اليوم آلية من آليات المواجهة الاستشراقية مع الآخر غير الأوروبي. وقد يفهم هذا الجزء باعتباره مكملاً ومتمماً لأطروحة إدوارد سعيد في مجال أدب الاستشراق الألماني في علاقته بالهيمنة المستمرة في الاستشراق المعاصر.

خصّص الباحث القسم الثاني من كتابه لدراسة تقارير الرحلات الألمانية الست المختارة من القرنالتاسع عشر وبداية القرن الحادي والعشرين ومقارنتها من أجل تحديد طبيعة خطاب الاستشراق وتطورهووظائفه. ففي الجزء الأول من القسم الثاني لهذا الكتاب، استطاع المؤلف أن يستخلص الاختلافات الميثولوجية بين أوروبا المتفوقة حضارياً والمشرق المهزوم والمتخلف من منظور الاستشراق الاستعماري في القرن التاسع عشر. فقد اتفق كل من الرحالة الثلاثة: هاينريش فون مالتسان (رحلة حجّي إلى مكة رحلة إلى المناطق الساحلية والداخلية لبلاد الحجاز- 1873)، والأمير بوكلرموسكاو (رحلات شرقية-1838)،وجيرهالدرولفس (إقامتي الأولى بالمغرب- 1865) ،بشكل كبير  على تمثلات ثقافية معينة للمشرق ووظيفتها،وكان هاينريش فون مالتسان قد وصف في رحلته إلى السعودية متنكرا في زي مسلم. وكان يعتبرأحسن “من يعرف الشرق دون منازع” في عصره. كما عبر الأمير بوكلر في رحلته إلى الجزائر عن حلمه بشرق رومانسي حالم، وعن انبهاره بالطبيعة في الشرق باعتباره عالم الأنقاض والبدو. أما رولفس فقد دوّن أول رحلة إلى المغرب، وشيد صورة الشرق في وصف رحلته إلى المغرب، فعبر عن انبهاره بالطبيعة الخام والمهملة، وعن خيبة أمله في المشهد الثقافي الشرقي المتهالك في المغرب، وصورة المدينة المغربية الخادعة. واعتبر هؤلاء الرحّالة الثلاثة المشرق فضاء بدائياً ومتخلفاً عن زمنه، وواجهوا شرقاً لم يتغير، ولم يتطور منذ أزمنة غابرة، ولم يتأثر بالتحديث الذي عرفته أوروبا في القرن التاسع عشر، كما أنه لا يتماشى مع منزلة المسافر الأوروبي؛فمدنه متسخة وحدائقه مهملة، ويعرف أدنى مستوى في مجالي التقنية والاقتصاد مقارنة مع وطنهم الحديث. ورغم ذلك انبهر بوكلرورولفسبصورة الشرق الحالم المفقودة وبالطبيعة الرومانسية للشرق.

وتجدر الإشارة إلى أن المسافرين الثلاثة يستخدمونفي النصوص الثلاثة مصطلح “شرق” لكل ما هو غير أوروبي، وغير متحضّر. كما أنّ مصطلح “المشرق” غامض ولا يحتوي سوى على كلام عام عن مجتمع “شرقي” واحد. ويشير مالتسانورولفس إلى أن الشرقيين لا يمكن أن يكونوا عقلانيين مثل الأوروبيين بسبب دينهم. ويتبنى هؤلاء الباحثون مع ثقافتهم الأوروبية الحديثة والحضارية، على الرغم من أنهم يصفون الشرق بأنه مضياف. كما تتفق أحكام االرحالة الثلاثة على وضع النساء اللواتي يتعرضن للقمع الإسلامي، فيحاولون التأكيد على وحشية “الشرقيين”وعدم القدرة المفترضة على التطور. وحلّ الإسلام في الاستشراق الجديد محلّ الشرق، وقُسّم العالم إلى ثقافات يحتل فيها الشرق الأوسط الدرجة الأدنى، والأكثر تهديداً وخطراً، لذلك وجبت السيطرة عليه.3كل ذلك يعزز التفوق الأوروبي في جميع مجالات الحياة عند المسافرين الثلاثة،ويتحول عندهم إلى النقد السلبي للشرق، لأنه مجال غير أوروبي وغير متحضر، وأنمصطلح الشرق مرادف للانحطاط الثقافي.ويرى مالتسان أن أوروبا تجسد الثقافة المثالية بطابعها المسيحي، وعلى الشرق أن يعتمد على أوروبا.بينماأكد كل من بوكلرورولفس شرعية استعمار المشرق،معبرين بذلك عنرغبة دفينة في كتابات المستشرقين والرحالة الألمان، لأنها هي التييمكن أن تنقذ ما يعبرون عنه بالبؤس “الشرقي”. ويرى كذلكبوكلرأن موطنه الأوروبي مرادف للحضارة والحداثة. ولذلك فإن أوربة”الشرق” هي خطوة ملموسة نحو التحديث والحضارة الإيجابية،ويمثل هذا التصور للشرق أساس التفكير الاستعماري والعنصري الذي مارسه الاستعمار على شعوب الشرق وإفريقيا.

أمّا في الجزء الثاني من الشق التحليلي فيطرح فيه الباحث العديد من الأسئلة ساعدته في معالجة فرضيته الثانية التي أعلن عنها في مقدمة كتابهخلال دراسته لثلاثة نصوص تعود إلى القرن الواحد والعشرين،وهي:(العربية السعودية- في بلاد الإسلام المقدسة- 2001) لغيتسيلارامينغليوبولد، ونص (رحلات في الشرق-2005) لأندرياس بروف، ونص (رحلات في الشرق-2011) لرودولف هوفنباخ،وهذه الأسئلة هي: هل الرؤى الحالية للشرق والإسلام في القرن الحادي والعشرين هي استمرار “معاصر” لصورة الشرق والإسلام في القرن التاسع عشر، بشكل عام  في عصر ما بعد الاستعمار ؟هل ما يزال هناك حديث عن الاستشراق الثقافي باعتباره استمراراً تاريخياً وفكرياً للاستشراق “الاستعماري”؟

يحاول الكاتب الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال دراسةنصوص سفر حديثة مختارة يدَّعي مؤلفوها أنها واجهت تجارب الآخر وحقيقية في “المشرق” في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. وقد عرف تصور “التفوق الغربي على “الشرق” استمرارية مركزية في عصر ما بعد الحداثة، وأعطى المؤلفون الثلاثة في نصوصهم وجهات نظر شخصية مختلفة عن الآخرين “الشرقيين” الذين زاروهم، وقدموا دون وعي صورة نموذجية ومتطابقة تقريباً عن “المشرق” التي تتميزأولاً: بطابعها “الاستشراقي”،وثانياً: بصفاتهاالنمطية،متأثرين بمن سبقهم من الرحالة في القرن التاسع عشر، مما يدل بوضوح على التأثير الهائل للاستشراق.

يلاحظ الباحث في سياق هذا العمل مدى تطابق آراء رامينغليوبولد مع مالتسان حول المملكة العربية السعودية من خلال أوجه التشابهالعديدة في المحتوى والأيديولوجية؛ فهي تكاد لاتميز بين الإسلام السياسي والإسلام كدين وثقافة- كما هو الحال في العديد من الكتابات الألمانية الحديثة عن الاسلام. وتصف رامينغليوبولد الإسلام بأنه اختراع خالص لمحمد،وتزعم أن المسلمين لا يعترفون بالأديان الأخرى، ولا سيما الديانة المسيحية، كما تُظهر القليل من التسامح في حوارها – ليس فقط تجاه الإسلام،ولكن أيضاً تجاه الأديان الأخرى. أما هوفنباخ فيرى في التدين لدى الشرقي أنه عالممضاد لأوروبا الحديثة.وتجدر الإشارة إلى أنه في كثير من الحالات، يوفرمالتسانورامينغليوبولد، على الرغم من اختلاف عصورهما، تصوراً وتقييماً متطابقين تقريباً للبلد المستهدف. إنهما يستخدمان نفس الاستراتيجيات تقريباً: التعميم والسخرية والمبالغة والإنذار والتحذير من خطر الشرق. وهكذا، فإن القيم والأعراف والتقاليد التي عرفها الناس منذ أكثر من 1400 عام تقاس بالمبادئ الأخلاقية الحالية للثقافة الأوروبية والألمانية. وفي هذا الإطار صور الرحالة بروفه الريفيين في الريف الإيراني باعتبارهم أشخاصاً غرباء وأجانب، فحرص على اختيار وإظهار الأشخاص الذين يرتدون ملابس تقليدية أو فقيرة، ولا سيما البدو العرب أو البدو الرحل الذين يعيشونفي إيران بحياتهم البسيطة المتواضعة في خيام مع مواشيهم في البرية. ويقدم المرأة “الشرقية” من وجهة نظر مركزية أوروبية، ذلك أن معظم صوربروفهتظهر المرأة الشرقية ضحية عالمها “الشرقي”. ويظهر الرحالة الألماني كيف يعيش المرء هنا في عالم تقليدي يمارس فيه أنشطة بسيطة تماشياً مع عالمه، مما يجعل “المشرق” الحالي مستبعداً من قبل الرحالة بشكل أساسي عن الحداثة ومحصناً ضد التحديث والدمقرطة.ويقول الباحث إن أدب الرحلة الأوروبية يعد وسيطاًسردياً من وسائط الظاهرة الاستشراقية، وفي الوقت ذاته فإن هذا الجنس الأدبي يشكّل في حد ذاته، وإلى يومنا هذا، منتوجاً للتعاطي الاستشراقي مع الآخر غير الغربي.4

يحاول الرحالةأن ينقل للقارئ الألماني تفوق ثقافته من أجل إقناعه بموقف أكثر تشدداً تجاه الإسلام. ويؤكد على مركزية أوروبا في الثقافة أو الدين الأوروبي، وأن شغل المؤلف الرئيس هو تبخيس قيمة الثقافة الإسلامية الأجنبية. ولهذا لا يمكن فهم خطاب هؤلاء الرحالة بوصفه حلقة وصل بين “الشرق” في القرن التاسع عشر والقرن الحادي والعشرين. وكان توماس باور قد أوضح أن صورة مجتمع إسلامي يتغلغل فيه الدين هي صورة يمكن استغلالها حالياً لأهداف سياسية بطرق مختلفة، وأن الشرق هو التجسيد الخالص لجوهر الإسلام. وقد وجد الكلام الأوروبي عن الشرقالجامدوالمتخلف والمنحط، صداه في الغرب وفي الشرق الأدنى.5

 في ختام هذا العرض يمكن القول إنّ المؤلف أبرز في مقدمة كتابه، وفي العرض التحليلي للنصوص،خاصية التأكيد المستمر التي تميز صورة الشرق الثقافية في المؤلفات الألمانية المدروسة في هذا الكتاب، رغم تعدد رهانات الحاضر وتجدد الأسئلة حول موضوعات اشتغال الرحّالة الألمان على الشرق. كما أوضح الإسهام الكبير لوسائل الإعلام ودور النشر في نشر وتثبيت استمرارية هذه المعرفة التاريخية للألمان بالشرق. فمن خلال صورة المشرق في نصوص السفر الثلاثة في أوائل القرن الحادي والعشرين، التي تم بحثها وتقديمهافي هذا الكتاب يظل السؤال الرئيس مطروحاً، وهو: إلى أي مدى يكرس الرحّالة المعاصرون نظرتهم الاستشراقية في سياق علاقتهم بالاستشراق، ومدى راهنية المواضيع المركزية، مثل الإسلام والمرأة والثقافة في تقليد الرحلة والاستشراق،وتكرار التصور التاريخي الألماني عن الذات الأجنبية؟والذي يبدو في الأخير هو أن الاستشراق الألماني قد حافظ علىخطاب المركزية الأوروبية الألمانيةحتىفي المرحلة التي أعقبت الاستعمار.ومن هذا المنطلق فإنه لايختلف كثيراً عن الاستشراق الفرنسي والبريطاني والأمريكي المعاصر، على الرغم من طابعه الأكاديمي الظاهري.

————-

الهوامش

1- الكتب التي ترجمت إلى اللغة العربية:

إقامتي الأولى في المغرب السفر جنوب الأطلس”، رحلة الرحالة الألماني غيرهارد رولفس التي قام بها سنة 1861، نقلها إلى العربية: إدريس الجاي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، مختبر السرديات، 2018.

Rohlfs, Gerhard, meinersterAufenthalt in MarokkoundReisesüdlichvom Atlas durch die Oasen Draa undTafilet, Bremen, 1873.

– رحلة حجيِّ إلى مكة،هاينرشفرايهِر فون مالتسان، ترجمة: د. ريهام نبيل سالم، مراجعة: د. عبدالله أبو هشة، الناشر: دار الحكمة، لندن، 2018.

Heinrich Freiherr von Maltzan, MeineWallfahrtnachMekka. Reise in der KüstengegendundimInneren von Hedschas, 2 Bde, Leipzig 1865

– رحلة إلى الشرق، للنبيل هيرمان فون بوكلرموسكاو

HermannLuwiig Heinrich von Fürst-Pückler-Muskau,  FürstPücklersorientalischeReise , Aus den abendeuerlichenBerichten der  weltkundigenFürsten, hg. von Helmut Wiemken,Humburg 1963.

2- الكتب التي لم تترجم بعد إلى اللغة العربية:

Ramming-Leupold, Gisela : Saudi-Arabien. Im heiligen Land des Islams. Eine « Pionierreise », Berlin, 2002..

Pröve, Andreas : MeineorientalischeReise. Auf den Spuren der Beduinendurch Syrien, Jordanien undPersien, München2005.

Hufenbach, Rudolf : Reisen in den Orient. Erinnerungen, Halle 2011.

3-سمر الديوب، نقد الغيرية في العقل الاستشراقي: نقد خطاب الغرب حيال العرب والمسلمين، مجلة الاستغراب، ملف الذاتيّة- الغيرية إشكال الإنسان على الإنسان، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، بيروت،العدد 10، شتاء 2018.،ص 85.

4- عبد الغني بلوط، أدب الرحلة الأوروبية والوساطة الاستشراقية.. الشرق في عيون السرد الألماني، الجزيرة نت، بتاريخ 5 يناير 2020.

5- رضوان ضاوي، ثقافة التعدد الحضاري أفقاً للتسامح عند المستشرق توماس باور، كتاب مغارب، مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني، العدد المزدوج 4-5، ماي/أكتوبر 2019، ص 203.

- رضوان ضاوي

أستاذ باحث / الرباط

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.