ليلى مبارك، القبيلة والدولة في بلاد فارس من العهد الصفوي الى العهد القاجري (نهاية القرن الخامس عشر ــ مطلع القرن العشرين)، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ، تحت إشراف الأستاذين عبد الرحمان المودن ولطفي بوشنتوف، نوقشت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس ـأكدال بالرباط في25 دجنبر 2019.
غيرت هجرة القبائل التركمانية إلى منطقة المشرق الإسلامي العديد من الملامح السياسية والدينية والاقتصادية فيها، فتكونت دول وامبراطوريات جديدة، وغربت شمس دول أخرى معلنة عن بداية مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة. وكانت بلاد فارس إحدى المناطق الأكثر تأثرا بتوافد هذه المجموعات البشرية، فأضحت القبيلة عنصرا فاعلا في الحياة السياسية الإيرانية سواء في مرحلة تشكل الدولة أو خلال مراحلها اللاحقة. وتهدف هذه الدراسة إلى بحث إشكالية القبيلة والدولة في إيران خلال المرحلة الممتدة من مستهل القرن 16 إلى مطلع 20، انطلاقا من تتبع أطوار العلاقة بين القبيلة الإيرانية والجهاز المركزي الحاكم، والوقوف على التغيرات التي عرفتها هذه العلاقة طوال الفترة المدروسة، وما آلت إليه في نهاية العهد القاجري. وقد تم تفريع إشكالية البحث إلى الأسئلة التالية: كيف ساهمت القبيلة في نشأة الدولة، وحالت دون مركزتها؟ وكيف عملت القبيلة على إسقاط الدولة القائمة؟
وخلصت الأطروحة إلى الإجابات الآتية:
1 – أثرت قبائل التركمان بشكل كبير على الحياة السياسية الإيرانية، إذ تمكنت من إقامة أول دولة مستقلة استطاعت توحيد بلاد فارس بعد الفتح الإسلامي لهذا البلد، ومنحت بلاد فارس قوة وهيبة بين الدول المجاورة. وغيرت هجرة هذه القبائل إلى بلاد فارس البنية العرقية للساكنة الإيرانية، وأعطت أهمية للنشاط الرعوي داخل الاقتصاد الفارسي المعتمد على النشاط الزراعي.
2 – قامت الدولة الصفوية على أكتاف قبائل التركمان. ويعد العهد الصفوي من المراحل الحاسمة في التاريخ الإيراني، لما حملته هذه الفترة من تغييرات مست مجالات عديدة، من فرض المذهب الشيعي في بلاد فارس، ونجاح الدولة الصفوية في توحيد البلاد على الرقعة الجغرافية الساسانية لأول مرة بعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس، وخوضها حروبا طويلة ضد العثمانيين دون الخضوع لهم، ومواجهتها للأوزبك السنة، وبسطها السيطرة على بلاد الأفغان.
3 – أثر فرض المذهب الشيعي في بلاد فارس على علاقات الدولة الإيرانية مع القوى المجاورة لها خصوصا الدولة العثمانية، وغيَّر البنية السياسية للبلاد، إذ تزايدت أهمية فئة رجال الدين والتجار في المجال السياسي الإيراني.
4 – ساهمت القبيلة في الحياة السياسية الإيرانية مساهمة فعالة خلال عملية تشكل الدولة بفضل القوة العسكرية للقبيلة، باعتبارها جيشا متحركا كبير العدد يتميز أفراده بمهارة قتالية عالية. وتمكنت القبيلة من إسقاط الدولة القائمة بإيران بين القرن 16 ومطلع القرن 20. ونستثني من ذلك دولة القاجر التي ضعفت بسبب تظافر عوامل متعددة أدت إلى إسقاطها بانقلاب عسكري سنة1924 ، ومثل ذلك تراجعا واضحا في دور القبيلة في الحياة السياسية الإيرانية، بعد تعرضها لإجراءات قاسية وعديدة من طرف الجهاز المركزي. وهكذا فتح الباب على مصراعيه لعناصر جديدة لتُسيِّر إيران.
5 – حدد العهد القاجري وخصوصا في السنوات الأخيرة منه المسار السياسي الذي سلكته إيران طوال القرن 20 عبر ربط علاقات اقتصادية وسياسية مع روسيا. ومنذئذ أضحت لروسيا وإيران مصالح مشتركة وأدوار كبيرة في منطقة المشرق العربي.
ونطمح من خلال هذه الدراسة إلى تعميق البحث في قضايا ترتبط بالتاريخ الإيراني في ما يتعلق بدور القبيلة في الحياة السياسية الإيرانية، ودراسة تطور العلاقة بين الديني والسياسي في إيران، ونود أيضا فتح نوافذ للمقارنة بين التاريخين المغربي والإيراني.