جوزيه ساراماغو، العمى، ترجمة: محمد حبيب، دار المدى، بغداد، الطبعة الثانية، 2015.
– تقديم:
ماذا لو أصيبت البشرية بجائحة تسمى العمى؟ ماذا قد يكون مصير الإنسان والحضارة في هذه الحالة؟ هل يمكن بناء حضارةٍ والخروج من حالة الطبيعة والبهيمية بدون بصر؟ وهل إنسان الطبيعة (البدائي) هو الإنسان الخيّر والعادل والرحيم والعاقل، أم هو الكائن العدواني والجائر والمستبد والمتهور؟ هذه بعض من الأسئلة الكبرى التي تطرحها رواية “العمى” للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو(*)، وتحاول الإجابة عنها من خلال قصة خيالية، تعرض كابوساً مزعجاً، هو العمى الشامل لدولة متخيلة، ستنحدر إلى ما دون البهيمية. الرواية تشريح لحالة العمى، ومحاولة لفهم طبيعة البشر، وعمق ظواهر العدوانية والتسلط والاستبداد في سلوك هذا الكائن.
2– حبكة الرواية:
تنتظم المادة الحكائية لهذه الرواية، وفق خطاطة سردية كلاسيكية، تنطلق كما هو دأب هذا الصنف من الحبكات، بنوع من الهدوء والاستقرار في الأحداث، فتتصاعد تدريجياً حتى تبلغ ذروة التوتر، ثم تنحدر صوب الحل. تبدأ الأحداث هنا عند إحدى إشارات المرور. الطريق مختنق كما هي عادة المدن الكبرى. المارة يعبرون بعد ظهور الإشارة الحمراء. عند ظهور الإشارة الخضراء، ستظل إحدى السيارات متوقفة في مكانها، وسائقها (المريض صفر) يصيح لقد عميت! سيتكفل متطوعٌ لإيصاله إلى منزله. وعند قدوم الزوجة، وعلمها بالخبر، سيقرر الزوجان التوجه إلى عيادة أحد أطباء العيون، وهنا ستكتشف الزوجة أن المتطوع لص، وقد سرق سيارة زوجها. سيبلغان العيادة بسيارة أجرة. لم يستوعب الطبيب حالة العمى التي أصابت الرجل ذا الثامنة والثلاثين سنة. عينان سليمتان لا تبصران! وحسب توصيف المريض فكل ما يراه هو البياض الكلي، أو “بحر حليبي” كما يصفه السارد. وهذا ما عقّد المسألة أكثر، لأن العمى عادة ما يكون أسوداً. وبينما كان الطبيب يبحث في مراجعه في المساء، خاصة تلك المتعلقة منها بعلم الأعصاب، عن هذا المرض الغامض، سيصاب هو أيضاً بالعمى. وفي صباح اليوم الموالي اتصل الطبيب بالمستشفى، وأخبر رئيسه بالأمر، فأُمر بالبقاء في المنزل. بعد ظهور حالات أخرى، حُمل الطبيب إلى محجر –مشفى مجانين مهجور حولته وزارة الصحة إلى محجر- وأصرّت زوجته على الذهاب معه، بعدما أخبرت الممرضين أنها عمياء أيضاً. سيلتحق بالمحجر بعد ذلك، المريض الأول، وسارق السيارة، والفتاة ذات النظارة السوداء، والطفل الأحول اللذان كانا في عيادة الطبيب لحظة قدوم المريض الأول. وبينما كانت المجموعة العمياء-باستثناء زوجة الطبيب- في طريقها للمراحيض، سيحاول سارق السيارة التحرش بالفتاة ذات النظارة السوداء، فركلته بكعب حذائها الحاد، ما تسبب له في جرح غائر سيتعفن مع مرور الوقت. وهو ما دفع السارق المحموم إلى الزحف صوب البوابة التي يحرسها الجيش لطلب الدواء، فلما لمحه جندي أصابه الهلع، وقتله بطلق ناري، فدفنه العميان في ساحة المحجر.
سيبدأ بعد هذه المرحلة عدد العميان القادمين إلى المحجر في التزايد، حيث ثم تخصيص الجناح الأول من المحجر للعميان، والجناح الثاني للمشتبه فيهم. لكن بعد التحاق مائتي أعمى مرة واحدة، وبصحبتهم الكهل معصوب العين، ستتوتر الأحداث أكثر، بعدما هجم العميان على المشتبه فيهم في مشهد سوريالي، فعمي الجميع، ومن كان قوياً من العميان حصل على سرير، وبقي الضعفاء خارج قاعات الأجنحة. ظلت زوجة الطبيب تستغرب عدم إصابتها بالعمى كما البقية، وتنتظر أن تعمى في أي لحظة. كان الجيش يضع الأكل للعميان قرب البوابة، فيحمله بعضهم إلى القاعات ويُقتسم هناك بالتساوي، لكن بعد هجوم بعض العميان على الطعام، وقتْل الجنود لبعضهم، وبعد إصابة رقيب الجيش وبعض الجنود بالعمى قَلَّ الطعام، وأصبح يوضع في وسط ساحة المحجر، فاستولت عليه عصابة من العميان العدوانيين، وفرضت على البقية دفع المال من أجل الحصول على الطعام. بعد نفاذ أموال وحُلِيِّ العميان، أُمروا بحث النساء على تقديم خدمات جنسية لأفراد العصابة مقابل الطعام، فأصبح هؤلاء العميان الأنذال يتناوبون على اغتصاب نساء غرف المشفى. وهنا يصف السارد بدقة كبيرة بشاعة وقسوة ووحشية الاغتصاب الجماعي للنساء الذي كان من نتائجه موت إحدى نساء الغرفة الأولى. وفي الدورة الثانية من سلسلة دورات الاغتصاب، حملت زوجة الطبيب المبصرة الوحيدة في الفضاء الموبوء، مقصاً حاداً كانت جلبته معها لتحلق به لزوجها، وتسللت إلى غرفة العصابة، وغرزت المقص الحاد في حنجرة رئيس العصابة المسلح بمسدس، وهو في ذروة اللذة الجنسية. يشكل هذا الحدث ذروة توتر الموقف الدرامي، وبعدها سيبدأ توتر العملية السردية في الفتور تدريجياً، حيث سينحسر دور عصابة العميان الذين أغلقوا عليهم الغرفة بمجموعة من الأسرة مخافة أي هجوم مباغت على المجموعة. توقفت الحكومة التي فقدت السيطرة على الجائحة غير المسبوقة عن إرسال الطعام إلى العميان، وسادت الفوضى والخراب في الخارج، وعمي الجميع، وتوقفت حركة المواصلات والسير، بعد حوادث مفجعة لاصطدام الحافلات والطائرات نتيجة العمى المفاجئ لسائقيها، ثم انهيار النظام المصرفي بعد عمى البنكيين، وهجوم العامة على المؤسسات البنكية. بل حتى المؤتمر الدولي الذي عقدته الحكومة لأطباء العيون والأعصاب من أجل التباحث حول طبيعة الجائحة غير المسبوقة، ظهرت بداخله حالات عمى مفاجئة. لقد انهار كل شيء، وهام العميان في الشوارع بحثاً عن الطعام اعتماداً على حاستي الشم واللمس، وامتلأت الأزقة بالنفايات والقاذورات، وجثث الموتى التي أصبحت فرائس للكلاب الجائعة.
أغار داخل المحجر بعض العميان على غرفة العصابة، ولم يستطيعوا اقتحامها، وأصاب زعيم العصابة الجديد أعميين بمسدسه، فانتشرت في المحتجز روائح تحلل الجثث، والغائط والبول وكل أرجاس البشر التي تملأ المكان. لقد أصبح العميان كالحيوانات أو أدنى من ذلك. وبعد فشل الهجوم على العميان الأوغاد، قامت امرأة عمياء كانت تمتلك ولاعة سجائر، بإضرام النار في أَسِرَّة باب عصابة العميان، فانتشرت النار في الغرفة واحترقوا جميعاً، ثم نشبت النار في كامل المشفى، فمات عدد كبير من العميان حرقاً وآخرون دهساً. هنا سيكتشف من بقي حياً أن الجنود غادروا البوابة، وعميت المدينة كلها والدولة برمتها. خرج العميان الجائعون يهيمون على وجوههم في المدينة الخربة. في حين قادت زوجة الطبيب المبصرة الوحيدة في تلك الدولة الموبوءة زوجها طبيب العيون، والأعمى الأول وزوجته، والفتاة ذات النظارة السوداء، والطفل الأحول، والكهل معصوب العين، للبحث عن منازلهم. توجهوا أولاً صوب منزل الفتاة ذات النظارة السوداء. وفي الطريق، ذهبت زوجة الطبيب لتبحث للمجموعة عن أكل، فرأت كيف سطا العميان على محتويات كل حوانيت المدينة. ولما بلغت سوقاً ممتازاً، ووجدته كذلك فارغاً وغاصاً بالعميان الباحثين عما يقتاتون به. لمحت مخزن السوق الذي لم يقربه العميان، ففتحه وملأت أكياس الطعام وفرّت. وفي طريق العودة جلست تبكي من هول ما رأت، فأتى كلبٌ غريب ولحس دموعها ثم تبعها.
أكل العميان الجوعى باقتصاد، وارتدوا ملابس جديدة، وتوجهوا إلى شقة الفتاة، فوجودها فارغة. هنا أخبرته مجارةٌ عجوز تتغذى على الدجاج والأرانب النيّئة منذ فقدت بصرها، أن أبوي الفتاة عَمِيا وتم ترحيلهما إلى محتجز ما. قادت زوجة الطبيب المجموعة إلى شقتها حيث اغتسلوا بمياه الأمطار الغزيرة التي هطلت تلك الليلة. في الغد وجد الأعمى الأول شقته محتلة من طرف أحد الكتّاب وأسرته. وبعد نفاذ الأكل عادت الزوجة وزوجها الطبيب إلى السوق الممتاز، فوجدت المخزن مليئاً بجثث متفسخة لعميان دخلوا المخزن ولم يستطيعوا مغادرته حتى اختنقوا بداخله. في قمة التأثر بالموقف دخلا إحدى الكنائس، فلاحظت زوجة الطبيب أن كل أصنام القديسين والرسوم والصور فيها معصوبة الأعين! فلما سمع رواد الكنيسة العميان حديثها مع زوجها عن الأمر فرّوا خائفين بدوافع عقدية، فاستحوذت وزوجها على ما خلفوه من طعام متعفن. وبعد نفاذ الطعام، اقترحت زوجة الطبيب على جماعة العميان التوجه إلى الريف، لعلهم يجدون هناك ما يمكنهم الاقتيات به. وقبل أن يقرروا في الموضوع، سيرجع البصر للأعمى الأول، وستليه الفتاة ذات النظارة السوداء، والطبيب، ثم بلغت مسامعهم أصوات الصراخ في الشارع والشقق المجاورة، احتفاءً بعودة البصر لبعض الأشخاص، وهنا أدركوا أن الوباء قد بدأ في الانحسار والتراجع، لتستكمل العملية السردية دورتها الدائرية.
3- المقومات الفنية
ينبني هذا النص الروائي وفق حبكة كلاسيكية خطية، تُـختتم بنهاية سعيدة (عودة البصر للعميان). وقد أتت هذه الحبكة محكمة بمهارةٍ تشد الأنفاس من بداية النص إلى نهايته، وتترابط وقائعها بشكل سببي، حيث يفضي حدث سابق إلى آخر لاحق حتى نهاية النص، مثلاً (الأعمى الأول يتسبب في نقل العدوى لسارق السيارة. وسارق السيارة ينقل العدوى للشرطي الذي أوصله إلى المنزل. بعد العمى نقل السارق إلى المحجر. في المحجر يتحرش السارق بالفتاة ذات النظارة السوداء، فتغرز كعبها الحاد في فخذه، وهذا ما يتسبب له في التهاب الفخذ والحمى. يدفع المرض الشديد السارق للتوجه إلى البوابة، فيخاف الجندي من العدوى ثم يقتله…). تمتاز الرواية أيضاً، بسلاسة الانتقال بين الضمائر الثلاثة: الغائب المرتبط بالسارد، والمتكلم المرتبط بالشخصيات، والمخاطب المرتبط بالمتلقي، دون أن يؤثر ذلك على سيلان السرد. وما يميز العمل في طريقة الكتابة والتشييد، هو غياب التبويب والعناوين الداخلية، وطول الفقرات التي يصل بعضها إلى خمس صفحات.
يوظف المؤلف في هذه الرواية سارداً عالماً محيطاً بكل صغيرة وكبيرة في الكون السردي للعمل. فهو الذي ينقل الحوارات غير المباشرة للشخصيات، ويتدخل في أحيان كثيرة لإبداء آرائه وتعليقاته وتقييماته للأحداث ولسلوك الشخصيات، فيعرض عظاته أو تقريعاته للشخصيات، أو يبدي تعاطفه مع بعضها. وهذا ما يجعله يصدر في أحيان كثيرة جملة من أحكام القيمة في حق العميان، كأن يصفهم بالمنحوسين والبلهاء مثلاً، أو أن يرتاب في أقوال بعضهم (نموذج الكهل معصوب العين)، وفي مواضع أخرى يبدي تعاطفه أو إعجابه ببعضها كما هو الحال مع زوجة الطبيب المبصرة في قوله: “والكرب ساكن في وجهها الجميل.”(ص. 294)، فالعمى هنا معادل، حسب السارد، للقبح، والبصر معادل للجمال. بل ويلجأ السارد حتى إلى توجيه المتلقي في بعض الأحيان، فلا يترك له فرصة للفهم التلقائي للوقائع، ويحتال في مواضع أخرى لتبرير بعض الوقائع الغريبة التي يحكيها، مثل واقعة موت شخصيتي البنكي ومصلح المصعد الغريبة في المصعد المعطل. يقول محاولاً تبرير ذلك: “لم يكن هناك شهود، وإن وجدوا فليس هناك دليل على أنهم دُعوا بعد الحادثة لإبلاغنا بما قد جرى، فأن يسأل شخص ما كيف أمكن معرفة أن تلك الأشياء قد جرت بتلك الطريقة لا بغيرها، نقول إن هذا ما يمكن فهمه، والرد عليه أن كل القصص متشابهة للقصص عن خلق الكون، فلا أحد كان هناك، ولا أحد شاهد أي شيء، رغم ذلك فالجميع يعرف ما قد جرى.”(ص. 257) يوهمنا السارد أيضاً بأنه محتجز مع العميان في المحجر، فينتظر مع البقية من يطلعهم على ما يجري في الخارج، إلى أن يأتي الكهل معصوب العين ومذياعه ليطلع الشخصيات والسارد والمتلقي على مجريات الأحداث في المدينة والدولة برمتها. لكن رغم احتيال وتلوُّن السارد تظل الرؤية السردية المهيمنة في النص هي الرؤية من خلف.
يخضع تنظيم الشخصية في هذه الرواية إلى تقابل كلاسيكي هو ثنائية الخير والشر، فيقسم المؤلف عالم العميان -وحتى المبصرين (الجيش)- إلى أشرار وأخيار سيجمعهم الوباء في مكان واحد، وسيفتك بعضهم ببعض. عصابة العميان وسارق السيارة يمثلون معاني الشر، وتنضاف إليهم عناصر الجيش التي رأت أن أفضل وسيلة للتخلص من العميان هي تركهم يقتلون بعضهم البعض، فزاد حيادها السلبي وصرامتها طين العميان بلة. أما شخصيات الغرف الأخرى –باستثناء غرفة عصابة العميان- وفي مقدمتهم شخصيات الغرفة الأولى (الطبيب وزوجته- الأعمى الأول وزوجته- الفتاة ذات النظارة السوداء- الكهل معصوب العين- الطفل الأحول…) فيمثلون قيمة الخير التي ستنتصر في النهاية على عصابة العميان المستبدة، وعلى جائحة العمى باعتبارها عدواً وتجلياً من تجليات الشر. قد يُطرح السؤال: لماذا تستمر زوجة الطبيب في الإبصار وسط عمى الكل؟ من زاوية بنيوية يمكن اعتبار زوجة الطبيب وسيلة من وسائل الكاتب ليطلعنا على عوالم العميان، ولتسويغ عدم إصابة السارد بالعمى، والذي يوهمنا وكأنه محتجز مع العميان في المحجر. كما أن الإبقاء أيضاً على هذه الشخصية مبصرةً يرجع إلى كونها العنصر السردي الرئيس المساهم في استمرار وتقدم الوقائع في عالم مطلق العمى، غير قادر على الحركة بدون حاسة البصر المحصورة الآن في شخصية واحدة.
تدور أحداث الحكاية في الزمن الحاضر، ولا يُـخرق المنطق الزمني للحكاية إلا ببعض الاستباقات التي يقوم بها السارد العالم رغبة في تشويق المتلقي، باستخدام عبارات من قبيل: (كما سيظهر قريبا) أو (سيأتي لاحقاً). أما الأمكنة فيمكن تقسيمها إلى أمكنة مألوفة حميمية مثل عيادة الطبيب، وشقق العميان (شقة الفتاة ذات النظارة السوداء، وشقة الطبيب وزوجته، وشقة المريض الأول وزوجته)، فضاءات تستشعر فيها الشخصيات الأمان والطمأنينة، وتستعيد فيها أزمنة الرفاه والإنسانية والحضارة التي تتكثف جميعها في عملية الإبصار. وأمكنة عدائية ضاغطة، سالبة للحرية والكرامة الإنسانية (المحجر بغرفه وأجنحته، الشوارع والأزقة، الحوانيت والأسواق الممتازة)، حيث تشعر فيها الشخصيات بالتهديد والعداء الدائمين، لأنها فضاءات الفوضى، والعبودية، والتجويع، والقهر، والسلب، والاغتصاب، والقتل. كما تخضع هذه الأمكنة لتقاطب الداخل والخارج؛ فالداخل معلومةٌ تفاصيله وقواعده لدى الشخصيات (المحجر والشقق)، أما الخارج فمجهول التفاصيل وغير محدد القواعد، وخاضع لعناصر المباغتة والمصادفة.
يلجأ الكاتب في هذا العمل إلى العديد من القوى السردية الفاعلة التي تقوم بأدوار مركزية في تصعيد الموقف الدرامي، وفي احْتِدَام العملية السردية وسيولتها إلى نهاية القصة، إذ لا يمكن أن تكون لهذه الرواية قيمة دون توظيف فكرة العمى كجائحة شاملة وسريعة الانتشار في تصعيد القصة وبناء وقائعها الغريبة. العمى هو الذي هدَم الحضارة (المدينة) ومُواضعاتها، وأحال الشخصيات إلى كائنات بدائية متوحشة، ستكافح على مدار القصة للعودة إلى نقطة الانطلاق (الإبصار من جديد). ينضاف إلى ذلك مسدس زعيم عصابة العميان ودوره في تأزيم الموقف الدرامي، وتحويل مسار السرد. ثم مقص زوجة الطبيب الذي قتلت به زعيم عصابة العميان. وولّاعة سجائر المرأة العمياء التي أضرمت النار في غرفة عصابة العميان، ثم نشبت في المشفى بكامله. للقوتين دور أساسي في تحويل مسار السرد، وتهدئة الموقف الدرامي، ثم توجيهه صوب الوضعية النهائية في سيرورات تحول القصة. ونذكر علاوة على ذلك، مذياع الكهل ذي العين المعصوبة الذي ربط العميان بالعالم الخارجي. وساعة زوجة الطبيب التي مكنت الشخصيات الرئيسية العمياء من الاندراج ضمن البعد الزمني، على اعتبار أن ليل الأعمى كنهاره. ومخزن السوق الممتاز الذي أنقذ الشخصيات الفاعلة من الموت جوعاً، ودفعها إلى مواصلة أدوارها السردية. والطعام كان بدوره فاعلاً أساسياً في تأجيج العملية السردية، لأن الحاجة الملحة إليه هي الدافع الرئيس الذي سمح لعصابة العميان بالسطو على أموال بقية نزلاء المحجر، وهو السبب في تعرض النساء للاغتصاب، وسبب الثورة على العميان وإحراق المحجر، وأنه سبب التحرر من الاحتجاز.
للمطر أيضاً دور واضح في انفراج السرد، فبسببه تخلصت الشخصيات الفاعلة من القاذورات والعفن الذي علق بها بعد العمى، بل إن النسوة الثلاث اللواتي تعرضّن له في شرفة شقة الطبيب، اعتبرنه تطهيراً لأجسادهن وأرواحهن من العار الذي لحقهن في المحجر. وأخيراً كلب الدموع الذي يلعب دور العامل المساعد على مقاومة شدائد العمى بلَحْسِ دموع من يبكي من الشخصيات الرئيسة، والدفاع عنها في وجه المعتدين، سواء كانوا حيوانات أخرى أو عمياناً عدوانيين. وانسجام الكلب مع العميان دليل على انحدار هؤلاء إلى مرتبة البهيمة، ودليل أيضاً على وحدة الوجود، وأن كل الكائنات تنحدر من أصل واحد. والنتيجة أن حضور كل هذه العناصر أساسي في الرواية، وما كان ليكون للعملية السردية معنى بدونها.
يحضر الوصف بقوة في الرواية، وبشتى أشكاله، فيتقاطع فيه الخارجي (كوصف مشفى المجانين من الناحية الهندسية، والشوارع الملآى بالنفايات، والقاذورات، والغائط، وركام السيارات والحافلات…) مع الداخلي (وصف المشاعر والانفعالات المتعددة والمتناقضة لشخصيات الرواية، من غضب، وسخط، وإحباط، وكراهية، وأنانية، وحب، وفرح، وانتشاء، وبهجة…). والذاتي (أحكام السارد وصوره النمطية وهي عديدة في الرواية)، والموضوعي (كالوصف المحايد للأشكال والأحجام والمظاهر… سواء تعلق الأمر بالشخصيات أو الفضاءات أو غيرها).
النقطة الأخيرة التي نرغب في التطرق إليها داخل هذا المحور، تتعلق بمصادر النص. هل يمكن الحديث هنا عن أعمال فنية سابقة أو متزامنة مع كتابة العمل، تفاعل معها المؤلف؟ ما هو أكيد أن النص يتفاعل مع التشكيل، وتحديداً مع لوحة “العميان” أو “الأعمى يقود الأعمى” (The blind leading the blind)للرسام الهولندي بيتر بروغل الأكبر (1525- 1569)، التي يظهر فيها ستة عميان يمسك كل واحد منهم بالآخر، ويتساقطون تباعاً في حفرة، في غفلة تامة من القرية الهادئة والوديعة التي يتواجدون بها، بينما ينظر أحدهم إلى المتلقي وكأنه يطلب النجدة. فمأساة عميان اللوحة الذين يتساقطون في الحفرة تباعاً في غفلة من سكان القرية غير العابئين بالمأساة التي تحدث بجوارهم، تعادل إلى حد ما مأساة عميان الرواية الذين يعيشون الويلات في محجر مغلق، دون أن يدرك أحد ممن يوجد بالخارج، سواء الحكومة أو بقية المبصرين، قبل أن يداهم العمى الجميع، المأساة والفظاعات التي عايشوها في جحيم المحجر. وقد وردت إشارة إلى اللوحة المذكورة في قول السارد متحدثاً عن ضياع وتيه العميان: “كان واضحاً أن هؤلاء العميان، مهما يكن الأب، الأم، أو الابن حريصين فلن يستطيع أحدهم العناية بالآخرين، وإلا فسوف يلقى مصير العميان في لوحة العميان الشهيرة، يمشون معاً، يسقطون معاً ويموتون معاً.”(ص. 122)
4– العمى مرآةٌ لطبيعة البشر:
“ربما ستتدبر الإنسانية أمر العيش من دون أعين، بيد أنها ستكف عن إنسانيتها عندئذ، والنتيجة واضحة، فمن يفكر بأننا كائنات بشرية كما كنا نعتقد أنفسنا من قبل...”. (ص. 247) بهذه الكلمات تلخص زوجة الطبيب حالة العمى. أن يفقد البشر البصرَ معناه أن يعودوا إلى البهيمية والظلام الكلي، وهو دليل على أن حاسة البصر عنصر مركزي لدى الكائن البشري الذي ما كان بإمكانه أن يخرج من حالة الطبيعة ويلج مرحلة الثقافة بدون بصر. وحالة البهيمية التي أرتد إليها عميان الرواية ليست هي حالة الطبيعة البريئة والمهادنة، بل هي حالة العدوانية والتوحش والشراسة. “نحن الآن في مملكة العميان القاسية، الوحشية، الحقود.”. (ص. 132) كما تقول شخصية الطبيب. العمى كما تعرضه الرواية يُـخرِج أسوء ما في الإنسان، فتتلاشى المقولات الزائفة عن الضمير الأخلاقي، والكرامة الإنسانية، والشهامة، والتلاحم. ففي حالة العمى يصبح الأعمى ذئباً لأخيه الأعمى،(1) وهنا يظهر الإنسان على حقيقته، فتطفو إلى السطح نوازع الأنانية، والحقد، والاحتيال، والجبن، والخيانة، والتسلط، والاستبداد، والسلب، والاغتصاب، والظلم، والاستعباد، والخسة. ولكي تبرهن الرواية فعلياً على هذا التصور فهي تدفع بشخصية الطبيب النموذج الذي يجسد الثقافة والتحضر والإنسانية، إلى ارتكاب جنحة الخيانة الزوجية بمضاجعة الفتاة ذات النظارة السوداء على مرأى من زوجته التي قامت بكل التضحيات والمخاطرات الممكنة لدعمه في محنة العمى. يستنتج من ذلك أن الرواية تجعل البصر معادلاً لمعاني التحضر والثقافة والنظام والإنسانية وتمثلها في الرواية زوجة الطبيب التي لم تفقد البصر ولا البصيرة. والعمى يعادل دلالات البهيمية والتوحش والقسوة والحقد والفوضى والارتهان إلى الخرافة والقدرية في أسوء معانيها وتجلياتها.
ومن ثم يبدو أن النص يحاور بشكل ضمني بعض المرجعيات الفكرية عما يسمى بـ”حالة الطبيعة”، حيث يتبنى المؤلف هنا فكرة عدوانية الطبيعة البشرية وقسوتها وميلها إلى الاستبداد والقهر، خلافاً لما هو شائع عن الطبع الخير والبريء للبشر. ويحاول في الآن نفسه اختبار بعض المواقف الفلسفية الأخرى من مسألة الحواس، خصوصاً سؤال: هل فعلاً الحواس ثانوية وخادعة في عملية إدراك الإنسان لذاته وعالمه؟ لقد كانت العقلانية الكلاسيكية مجسدة في ديكارت، ترى أن العقل المحض هو الأساس في إدراك المعرفة وحقيقة الذات والآخر، وترتاب في أمر الحواس وتعتبرها خادعة ومضللة، لكن الرواية تحسم في هذا الموضوع مؤكدة أن علميات العقل بدون حواس لن تكون سوى سباحة في بحر مظلم، والدليل هو أن المدنية والحضارة انهارت بالمطلق، وانحدر البشر إلى ما دون مرتبة الحيوان، بمجرد ما فُقدت حاسة البصر. وهو ما يجعل الإنسان وحدة متكاملة لا يمكن فصل عناصره عن بعضها البعض، ومنح الامتياز لعنصرٍ على حساب العناصر الأخرى. وما تعبر عنه الرواية بشكل ضمني بهذا الخصوص، يؤكده الأنثروبولوجي الفرنسي دافيد لوبروطون(David Le Breton) بشكل علني، حين يعلن أن تجلي العالم وتحققه يتم عبر الحواس أولاً لأسبقيتها على التفكير، فما يوجد في الذهن لا بد أن يمر عبر الحواس أولاً والبصر في مقدمتها. لذلك يدعو لوبروطون إلى وجوب قلب الكوجيطو الديكارتي من صيغته المعروفة إلى الصيغة التالية: “أنا أحس، إذن أنا موجود «، كتأكيد منه على أن الشرط البشري جسديٌّ أولاً، وليس عقلياً بالمطلق.(2)وبهذا الشكل لا يمكننا الحديث عن الإنسان بما هو كائن عاقل ومتحضر دون استحضار الحواس والبصر في المقدمة. بدون بصر –وهو الحاسة المركزية في أكثر الثقافات- يصبح البشر مجرد حيوانات(**)–وربما أدنى من ذلك- تائهة في بحار العماء والفوضى، لا تستطيع حتى إدراك موضع برازها، فبالأحرى أن تلتزم نظاماً ما، وتشيّد حضارة.
تُـخْضِع الرواية من ناحية أخرى، فكرة العمى لثنائية المركز والهامش، حيث يحتل البصر والمبصرون المركز، والعمى والعميان الهامش، فيُقَدَّمُ الأعمى في الرواية كآخر وعدو في الآن نفسه، وهو ما يتضح بالخصوص في علاقة العميان بالجنود (المبصرين). فالأعمى في نظر هؤلاء يجب أن يعامل كحيوان مُعْدٍ، حقُّهُ أن يتعفن في برازه وقذاراته، أو أن يقتل أو يترك ليموت جوعاً، فيهلك الوحش وسُـمُّه معه، كما تقول شخصية رقيب الجيش الذي يحرس المحجر (ص. 75).ويُنْظَرُ في السياق نفسه إلى الأعمى ككائن خارج الزمن بما أنهلا يستطيع التمييز بين الليل والنهار، لذلك كانت شخصية زوجة الطبيب، وساعتها، هي من بمقدورها إقحام العميان في البعد الزمني، خصوصاً بعدما عميت المدينة بكاملها، بل إن الأعمى هنا ليس في حاجة حتى للتسمية، فالعميان مثل أي سلالة من الكلاب يكفيها التواصل بالشم والسمع، كما توضح زوجة الطبيب في حوار داخلي: «من الآن فصاعداً، سوف لن نعرف من نكون، حتى إننا لن نتذكر أسماءنا، ثم ما نفع الأسماء لنا، إذ إن الكلب لا يميز كلبا آخر، أو يعرف الكلاب الأخرى من الأسماء التي تطلق عليها، فالكلب يُعرف برائحته وبالطريقة نفسها يعرف الكلاب الأخرى، ونحن هنا مثل سلالة أخرى من الكلاب، يعرف أحدنا الآخر من نباحه أو كلامه، أما بالنسبة للصفات الأخرى، الملامح، لون الأعين أو الشعر فلا أهمية لها، وكأنها غير موجودة.”(ص. 60)ومسألة الأحكام هذه ليست حكراً على المبصرين وحسب، بل حتى العميان يحاكمون أنفسهم بالانطلاق من ماضيهم كمبصرين، فيستبطنون بذلك المركز والهامش، ودليل ذلك أن الكهل ذا العين المعصوبة يرى أن الموت والعمى أمر واحد، وهو ما يعني أن الأعمى لا يمكن عَدُّه حتى من الأحياء.
علاوة على ذلك تكشف تجربة العمى الكلي للمجتمع كما هي مُسرّدة في الرواية، حقيقة الكيان الذكوري الذي لخّص ويلخّص كل القيم والخصال الايجابية في تاريخ العلاقة بين الذكورة والأنوثة، في مقابل تنميط الكيان الأنثوي الذي كثّف ويكثف كل معاني الخضوع والاستسلام والجبن وغياب العقل وسطوة المشاعر. في الرواية هناك قَلْبٌ للمعاني؛ ففي عالم العميان يُكثِّف عالم الذكور كل الدلالات السلبية، مثل: (الجبن، والأنانية، والخسة، والوضاعة، والتسلط، والذل، والهوان، والخيانة…)، بينما يلخص المكون الأنثوي كل الدلالات الايجابية مثل: (الشجاعة، والمخاطرة، والتضحية، والإيثار، والأمانة، والإخلاص…)، بل إن انتصار الرواية للأنثى بلغ إلى حد أن جعلها هي الكيان الذي ظل يربط العميان بعالم الإنسان والتحضر من خلال نموذج زوجة الطبيب، كما هو جلي في قول الكاهن ذي العين المعصوبة، وهو في سياق الإنصات لقراءة زوجة الطبيب: ” أردت أن أقول إن هذه هي فائدتنا، أن نستمع إلى شخص يقرأ لنا قصة البشر الذين كانوا قبلنا. لنبتهج بحظنا الجيد، بأننا ما زلنا نمتلك بيننا زوج أعين، آخر زوج أعين، إن انطفأتا ذات يوم، ولا أريد مجرّد التفكير في ذلك، فسوف ينقطع عندئذ ذلك الخيط الذي يربطنا بالنوع البشري.”(ص. 296)
5– خاتمة:
تأسيساً على ما سبق يظهر أن القضية المركزية التي يحاول النص إبرازها وتأكيدها هي أن الأمراض والأوبئة والجوائح قادرة بالفعل على خلخلة أحجار هذا الصرح الحضاري الإنساني الذي يزعم الثبات والتماسك، وباستطاعتها إبراز مدى هشاشة الوجود البشري، وإمكانية تداعيه في كل حين. فمهما حاول الإنسان الزعم بأن البناء المتواصل للحضارة البشرية كان وسيظل مُـحكماً ومتراصاً مادام مُوَجِّهُهُ الأساس هو العقل والمنطق، إلا أن الأمر يظل مرتهنا رغم ذلك بالصدفة والعماء (Le chaos)(***)كما يتضح في هذا النص. إن ما تطرحه الرواية لا يمكن إدراجه ببساطة ضمن النوع العجائبي أو الخيال المجنح وانتهى الأمر، بل هو شبيه بما يُقدم في أعمال الخيال العلمي التي تقدم فرضيات واردة الحدوث. فالرواية تفحمنا حين تدفعنا للتساؤل: ما المانع من حدوث جائحةِ عمى في المستقبل تأتي على الأخضر واليابس؟ وإن عميت هذه “القرية الصغيرة “ألن تصبح مدننا وحواضرنا مجرد حظائر بهائم؟ ألا يمكن أن يفقد الإنسان حينها تميزه وتمركزه الذي فرضه على الطبيعة وبقية الكائنات؟ رواية خوسي ساراماغو باختصار شديد، هي تذكير وتحذير في الآن نفسه من أن انهيار البناء يظل قائماً ومحتملاً بما أنه ينطوي على جرثومة خرابه، وأن الرجوع إلى الغابة وحالة الهشاشة الأولى، وربما النهاية هي إمكانيات حقيقية مطروحة أمام الإنسان بشكل مستمر. وحينها قد تصبح أتفه الكائنات التي تسيّد عليها البشر لقرون طويلة قادرة على الفتك به.
هوامش:
*)جوزيه ساراماغو (1922- 2010)، روائي وشاعر ومسرحي وصحافي برتغالي، حائز على جائزة نوبل للآداب عام1998. يعتبره كثير من النقاد أحد أهم كتاب البرتغال، بفضل رواياته المتعددة الأصوات والتي تستعيد التاريخ البرتغالي بتهكم دقيق. تعرّض للكثير من التضييق في بلده من طرف السلطات السياسية والدينية، بسبب تأييده للشيوعية اللاسلطوية، وبسبب بعض أعماله التي نُظر إليها كتجديف في المعتقدات الدينية، كما حصل مع رواية “الإنجيل كما يرويه المسيح” التي سُحِبت من القائمة القصيرة لجائزة بسبب نفس الدافع. قرر ساراماغو بسبب التضييق والرقابة التي لاقاها في بلده، أن يعيش في المنفى بجزر الكناري حتى وفاته عام 2010. من أبرز أعماله الروائية علاوة على رواية “العمى”، نذكر: أرض الخطيئة (1947)، سنة وفاة ريكاردو ريس (1984)، الإنجيل كما يرويه المسيح (1991)، الطوافة الحجرية (1994)، الرجل المكرّر (2002)، قابيل (2009).
1) يرتاب أوليفي روبول في أمر مقولة هوبز الشائعة “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”، على اعتبار أن استعارة الذئب لا ترتبط بالقسوة وحدها، فهي تعني أيضاً الوحدة والعيش في قطيع، وفي هذه الحالة فإن الذئاب لا يأكل بعضها بعضاً، وهذا ما يجعل المثال مفخخاً. أ. روبول: هل يمكن أن يوجد حجاج غير بلاغي؟، ضمن: محمد العمري، البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول، افريقيا الشرق، البيضاء، 2005، ص. 222.
2)- https://www.cairn.info/revue-vie-sociale-et-traitements-2007-4-page-45.htm.
**)- يستبعد التمييز هنا النظرة الديكارتية المزدرية للطبيعة والحيوان باعتباره آلة –من صنع إلهي- في مقابل مركزة الإنسان، وهي الفكرة التي كانت من مسوغات الحداثة الغربية لتدمير الطبيعة واستنزاف مواردها. الأمر الذي سيتدارك لدى تيارات فلسفية لاحقة كـ”النفعية” التي دعت إلى وضع حقوق لكل الكائنات الخاضعة لمبدأي اللذة والألم. وستتعمق الفكرة أكثر مع تيار الإيكولوجيا العميقة (Deep ecology) التي دعت إلى “عقد طبيعي” على غرار “العقد الاجتماعي”، ودعت في الآن نفسه إلى إزالة الهالة المقدسة التي أسبغتها الحداثة الغربية على الإنسان. ورأت أن ما يحتاج إلى التقديس أولاً وأخيراً هو الحياة، لذلك دعت إلى ضرورة حماية المحيط الايكولوجي بقوة القانون، وإقرار حقوق الحيوان والأشجار والغابات وحتى الصخور. ينظر:
– Penser comme une montagne : Le grand dessein de «l’écologie profonde », in : Luc Ferry, Le nouvel ordre écologique : l’arbre, l’animal et l’homme, Editions Grasset et Fasquelle, 1992, p. 107-147.
***) يتضمن المصطلح كل يمكن ما تصنيفه فوضوياً، أو صدفوياً، أو مفاجئاً، أو متشظياً، أو متقلباً ومتحولاً، أو منفلتاً، أو معقداً، أو مشوشاً، أو غير متسقٍ، أو غير مبرر…أو كل ما يدخل ضمن مسمى اللانظام بشكل عام. وجميعها مستمدة من “نظرية العماء” (Théorie du chaos) التي تشتغل على الظواهر الطبيعية والإنسانية المستثناة من الدرس والمقاربة في العلوم الكلاسيكية المؤسسة على التقاليد الأرسطية. ظهرت النظرية بدايةً في الرياضيات مع بُنوا ماندلبروت (Benoît Mandelbrot)، ثم تـَمّ تطويع المفهوم على يد جيمس كليك (James Gleick) في كتابه (Chaos: Making A New Science: 1987.)، وانتقل بعد ذلك إلى الدراسات الأدبية على يد مجموعة من المختصين من أمثال: هيوكينر(Hugh kenner) وجيرار كورديس (Gérard Cordesse) وغيرهم. ينظر: سعيد علوش، نظرية العماء وعولمة الأدب: تشظيات الإبداع وعولمة الأدب، فيدبرانت، 2000.