الجمعة , 29 مارس, 2024
إخبــارات
الرئيسية » قـــراءات » التجارة والسياسة في مسار تاجر سوسي

التجارة والسياسة في مسار تاجر سوسي

جون واتربوري، الهجرة نحو الشمال، ترجمة عبد المجيد عزوزي، تقديم محمد أوبنعل، الرباط، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 2020.

John Waterbury, North for the Trade. The Life and Times of a Berber Merchant, 1972.

نقرأ في المقدمة التي وضعها الباحث الأنثروبولوجي محمد بنعل لهذه الترجمة أن الهدف منها هو “إتاحة الفرصة للجيليْن الثالث والرابع من حفدة ابُودْرَارْن[1] لمعرفة التحولات الاجتماعية التي انخرط فيها أجدادُهم، وتفسير الظاهرة السُّوسية لإخراجها من التمثلات العفوية والأفكار النمطية بهدف دراستها بشكل منهجي” (ص.8). وقد سبق للمؤلف أن استعمل عبارة “الظاهرة السُّوسية”، وهي أكثر ملاءمة للحديث عن المجموعة البشرية المعنية بالدراسة، أي السُّوسيون (أمازيغ الجنوب الغربي للمغرب)، لأن كلمة “الأمازيغ” تحيل على مجموع الناطقين باللغة الأمازيغية بمختلف تنويعاتها، والمنتشرين في شكل جماعات في مختلف بلدان شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، خاصة في المغرب والجزائر وبلاد الطوارق. وهذا التحديد ضروري من الناحية المنهجية لأن ظاهرة ممارسة التجارة، موضوع هذا الكتاب، لا تعني كل الأمازيغ بل السُّوسيين فقط، المعروفين أيضا بـ”ايشْلحِين”أو “الشلوح”[2]، حيث أصبحوا ملوك تجارة التقسيط، كما لاحظ ذلك باحثون آخرون أمثال رُوبير مونطاني وأندري أدَم[3]. وهناك مجموعات أمازيغية أخرى تشارك السُّوسيين في هذه الخاصية، مثل الجربيين (نسبة إلى جزيرة جربة) بتونس، والمزابيين بالجزائر. كتب مونطاني:”استطاع رجالنا (يقصد السُّوسيين) غزو سوق المواد الغدائية بكثير من الدقة، حيث لم يستطع حتى المزابيون مقاومة أمازيغ الأطلس الصغير في وهران فطردوهم منها. فمن وهران إلى طنجة، ومن طنجة إلى أﮔادير، أصبح شلوح الأطلس الصغير ملوك البقالة”[4]. ولم يفت محمد أوبنعل أن يحاول ربط الماضي بالحاضر، من خلال تساؤله عن العلاقة بين السُّوسيين الذين هاجروا للدار البيضاء منذ بداية القرن العشرين وأصبحوا فيها تجارا، وخروج الآلاف من السُّوسيين في نفس المدينة في 2019 في مسيرات ندَّدت بالرعي الجائر في سوس، وطالبت بالحق في أراضيهم، وندَّدت بسياسة الدولة في نزع هذه الأراضي باسم المِلك الغابَوي.

يُعتبر الأمريكيون جون واتربوري (المولود سنة 1939) ودفِيد هارْت (1927-2011) وكِينِيثْ براون (ولد سنة 1936)، إلى جانب الأنجليزي إرنيسْت ﮔِلنير(1925-1995)، من أوائل الأنثربولوجيين الأجانب الذين كسَّروا قاعدة هيمنة المدرسة الفرنسية في دراسة المغرب، وبذلك تكتسِي مساهماتهم أهمية بالغة نظرا لاختلاف مُنطلقاتِهم وخلفياتهم الأيديولوجية، وعلى الأخص لتحرُّرهم من ثقل الإرث التاريخي الاستعماري في نظرتهم للمغرب. ويُعتبر كتاب الهجرة إلى الشمال، سيرة تاجر أمازيغي ثاني دراسة للمؤلف حول المغرب بعد كتابه المعروف أمير المؤمنين والنخبة السياسية  المغربية الذي حلَّل فيه النظام السياسي المغربي وفرض نفسه كمرجع أساسي في مجال الأنثربولوجيا السياسية بالمغرب، دون إغفال صدور كتاب رِيمي لُوفُوالفلاح المغربي، حامي العرش في نفس المرحلة، مما أكسب واتربوري معرفة عميقة بالمغرب عند إعداده لهذا الكتاب، حيث جمع مادته ما بين 1967 و1970 في سياق مغربي تلخصه عبارة “سنوات الرَّصاص”، وقبل المحاولة الانقلابية على الملك الحسن الثاني سنة 1971. لقد حاول الباحث من خلال دراسة “الظاهرة السوسية” في مجال التجارة والسياسة حل معادلة “المخاطرة مقابل الربح، والقبول بالفشل كجزء طبيعي لا مفر منه في الحياة الاقتصادية”، والطريقة التي مارس بها السُّوسيون السياسة من أجل الحفاظ على مصالحهم التجارية.

         وإذا كانت المجموعة البشرية المدروسة تهم أساسا السُّوسيين، فهي تهم بالتحديد التجار المنحدرين من قبائل أمْلْنْ (تافراوت-الأطلس الصغير)، ويمثلهم شخص واحد أثار انتباه المؤلف. إنه التاجر الحاج ابراهيم (المولود سنة 1914) الذي وصفه المؤلف بكونه “استثناء ضمن مجموعته، فهو قادر على اتخاذ مسافة بينه وبين تجربته الشخصية، وتحليل دينامية المجموعة التي ينتمي إليها”، كما أن مسار هذا التاجر يجسد من منظور واتربوري ” عينة هامة من سيرورات السلوك والتغيير في المجتمع المغربي (…) ، ويختزن مجموعة من تجارب الحياة المتميزة والنموذجية التي تسمح لنا بالوقوف على ما حدث في المغرب في القرن العشرين (…). كما أن حياته تسمح بفهم توجهات التغيير المجهولة في المغرب” (ص.25-27). ومن هذا المنطلق، يندرج بحث واتربوري ضمن الدراسات البيوغرافية التي توجد في ملتقى العلوم الإنسانية والاجتماعية، وخاصة السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا، وكذا الدراسات التاريخية، ويتم اختيارها كمنهج لأن دراسة مسارات الأشخاص وخاصة المؤثرين في مستوى معيَّن، تسمح بإيجاد مداخل لفهم جزء من تاريخ المجموعات البشرية أو الشعوب بل وحتى الدول، وتُظهر ما للفرد من دور في التأثير على مجريات الأحداث. فالبيوغرافيا ليست فقط سردا للأحداث، بل محاولة لإعطاء القيمة للفرد، ووضع مساره في سياق عام يفرض إكراهاته ويتحكم في اختياراته، لكن لا يمنع الشخص من الفعل للتأثير في هذا المسار وتوجيه أحداثه، وهو ما يجعل التجارب و”المغامرات” الفردية توصَف علميا بـ”الاستراتيجيات الفردية والجماعية”. وبعبارة أوضح، حين تتحقق الأهداف، تبدو وكأنها نتاج خطة مسبَّقة أكثر مما هي نتاج تضافر عوامل عدة قد تتجاوز في غالب الأحيان إرادة الفرد نفسه، وفي الواقع لا يذكُر التاريخ إلا الناجحين.

يعتبر سياق إصدار واتربوري لكتابه هذا بمثابة فترة عودة الروح للدراسات البيوغرافية أو ما سمته مجلة أمل في تقديمها للملف الذي خصصته لهذا الموضوع “الصحوة البيوغرافية[5]، بعدما أُزيحت البيوغرافيا من مجال اهتمامات المؤرخين بدعوى تمجيدها للأشخاص، وتحت تأثير صعود نجم مدرسة الحوليات في البحث التاريخي. ومن هذا المنطلق، يفرض مسار الحاج ابراهيم نفسه كأنموذج لمثل هذه الدراسات، وقد عمل جون واتربوري من خلاله على استقراء خمس ظواهر وهي:

-التناقض الذي يتخلل الروابط الفردية والجماعية في المجتمع المغربي،

– التوازن المتلازم بين التنافس الشديد والمكتوم من جهة، والضغوطات للحفاظ على تضامن المجموعة من جهة ثانية،

-طبيعة هوية المجموعة، وكيف ينظر الأفراد من داخل المجموعة إلى من هم خارجها،

-كيفية تأقلم الأفراد والمجموعات مع الضغوطات الاقتصادية للمغرب المعاصر،

-مدى إمكانية الربط بين تجربة السُّوسيين في مجال المقاولة، والنمو الاقتصادي، والتغير الاجتماعي (ص.34).

ينقسم الكتاب إلى سبعة فصول تمت عنونتها حسب الترتيب التالي:وادي أمْلْنْ ، قبليون أصبحوا تجارا، مظاهر أخلاقيات مهنة التجارة لدى السوسيين، “البُولِيتِيك”، الإسلام وعالم الحاج إبراهيم، ثم الفصل الأخير بعنوانى “تَشْيِيء الحاج ابراهيم والسُّوسيين”. وقد اختتم الكتاب بمُلحق موضوعُه توزيع التجار السُّوسيين في الشمال، ومسرد، وبيبليوغرافيا، ولائحة الصور التي تتخلل الكتاب. 

يحضر سياق الحماية الفرنسية (1912-1956) والتحولات الناتجة عنها بشكل قوي لفهم مسار تطور السُّوسيين كمجموعة “إثنية” ذات خصوصيات ثقافية، وفهم ظروف نجاحها في الحياة الاقتصادية. لم تستطع القوات الفرنسية السيطرة على آخر قلاع المقاومة بالأطلس الصغير، والتي حمل فيها الحاج ابراهيم السلاح، إلا في سنة 1934. لكن تأثير التواجد الفرنسي بدأ قبل ذلك، وكان من أهم مظاهره الهجرة القروية في اتجاه المدن الكبرى المغربية، وخاصة “الغرب” الذي كان يقصد به في لغة السُّوسيين شمال المغرب، وهذا ما يبرر عنوان الكتاب الهجرة إلى الشمال. وفي خضم هذه التحولات ظهرت مدينة الدار البيضاء، وبدأت بوادر نمائها في ظل الاقتصاد الكولونيالي، وفرضت نفسها باعتبارها نقطة جذب قوية للهجرة القروية. كان السُّوسيون من أكثر المهاجرين الذين قصدوا هذه المدينة[1] ولعبوا فيها أدوارا أساسية، وهو ما أكده روبير مونطاني في تحليله لـ”ميلاد البروليتاريا بالمغرب”. ويعتبر مسار التاجر السوسي الحاج ابراهيم خير أنموذج لدراسة هذه التحولات في بُعديها التجاري والسياسي.

وصف واتربوري الحاج إبراهيم وصفا دقيقا بدءا بجِسمِه، وحركاته وقسمات وجهه، وكذا أسرته، وبيئته، وهي أوصاف يشترك فيها العديد من التجار السُّوسيين. وإلى جانب إتقانه للغته الأم، أمازيغية الجنوب الغربي المغربي (تاشْلحِيتْ)، كان يتقن اللغة الفرنسية أكثر من الدارجة المغربية، حيت لاحظ أن محاورَه الأمريكي يتحدث هذه اللغة أحسن منه. بدأ الحاج ابراهيم مزاولة التجارة سنة 1925 عن سن التاسعة من عمره، سيرا على خُطى أبيه وجده منذ أواخر القرن التاسع عشر، حيث هاجرا من منطقتهم الأصلية في اتجاه الشمال، وهو ما يؤكد قدم ظاهرة الهجرة والممارسة التجارية لدى العائلة ولدى السُّوسيين عامة. ففي سنة 1915 كانت مدينة خنيفرة، عاصمة الأطلس المتوسط، تضم ثمانين تاجرا سُوسيا حسب فرانسْوا بِرْجِي[6].  وبفعل صدق وأمانة السُّوسيين، وجد فيهم اليهود، الذين كانوا يسيطرون على تجارة الجملة، خير من يتكلف بتجارة التقسيط. وبفعل المنافسة والحسد، يؤكد الحاج ابراهيم، نجح السُّوسيون في الميدان التجاري، بعد أن أسسوا لقواعد اقتصادية أهمها “توشركا”(المشاركة) و”أﮔلاس”(المكوث في المحل بالتناوب)، وهي قواعد سمحت لهم بمراكمة الثروة دون أن تُنسيهم قريتهم الأصلية التي يتنافسون فيها لإظهار مستوى نجاحهم في المدن. فالباقون في القرية لا يطرحون على المهاجر عند عودته أسئلة من قبيل: أين كنت؟ وكم قضيت من الوقت، بل يسألونه كم ربحت من المال؟ فتتحول مظاهر الكفاف والعفاف في المدينة إلى تنافس في إبراز الترف والبذخ في القرية. ولم يفُت الباحث من خلال أقوال المبحوث أن يثير الانتباه إلى ارتباط السُّوسيين بمناطقهم الأصلية، سواء من خلال دعم الأفراد الباقين في الدوار، أو المساهمة في بعض المشاريع التنموية، ولو بأبسط الوسائل. هذا ما تؤكده قصة السُّوسي القادم من وجدة مشيا على الأقدام، وهو يحمل فأسه، من أجل حفر بئر بقريته بسوس. وقد سبق للقبطان الفرنسي في عهد الحماية ليُوبُولْدْ جوسْتِينَارْ(1878-1959)، أحد العارفين والمتخصصين في السُّوسيين[7]، أن أكد على لسان أحدهم ما معناه “لم يعطنا بلدنا الشيء الكثير بفعل ظروفه الطبيعية القاسية، فكان لزاما علينا أن نهاجر لخدمته”. من الأكيد أن عوامل أخرى ساهمت في هذه الهجرة، أهمها ضغط النمو الديمغرافي والمجاعة والتواجد الفرنسي. ففي معرض وصف وادي أمْلْن، البلد الأصلي للحاج ابراهيم، أشار واتربوري إلى أن “المنطقة تعاني برمتها من قلة الأمطار، إذ نادرا ما تتجاوز نسبة التساقطات ثلاث مائة إلى أربع مائة ميلمِتر في السنة، وهي النسبة الدنيا لأي نوع من الزراعة” (ص.37).

فرض سياق الهجرة على السوسيين، خاصة الجيل الأول، التأقلم مع المدينة وتحدياتها، ثم لعبت العلاقات العائلية والانتماء القبلي دورا هاما في تسهيل سيرورة اندماج القادمين الجُدد، وهو ما جعل السياق الحضري، بحكم البُعد عن الموطن الأصلي، يخلق ظروف التآزر الإثني، تولد عنه الإحساس بالانتماء، وما ينتج عنه من استراتيجيات فردية وجماعية لمواجهة التحديات. في هذا السياق كانت التجارة، بما تضمنه من إمكانية خلق الثروة، المجال الذي انجذب إليه السُّوسيون، وهو مجال يحتاج لصِفات معينة كانت موجودة أصلا في تربية جزء كبير من السُّوسيين، أهمها الاعتماد على النفس والصبر والمثابرة والكفاف والعفاف والثقة والأمانة، وهي كُلها خصال وقيم مرتبطة بظروف تنشئتهم الاجتماعية، سبق للكتابات الفرنسية في عهد الحماية أن أشارت إليها وإن بنوع من المبالغة أحيانا ولهذا السبب أكَّد المقيم العام الفرنسي الجنرال ليوطي في إحدى مراسلاته، على ضرورة استقدام المجموعات الأولى من المهاجرين من سوس[8].  وبفضل هذه الخصال، نجح السُّوسيون في المجال التجاري خاصة، تجارة التقسيط التي تصاحبها مجموعة من خدمات القُرب لفائدة السكان.

         تسمح المدينة الكبيرة كالدار البيضاء وسياق الهجرة بالتقاء “إثنيات” ومجموعات مختلفة تؤسس لعلاقات عدة تتأرجح بين التعاون والتنافس بل والصراع أحيانا. وقد اختار البقالون السُّوسيون التعامل مع البورجوازية الفاسية رغم التنافس الذي طبع العلاقة بين الطرفين، وانخرطوا أيضا في نضال الحركة الوطنية حين كانت هذه الأخيرة في الحاجة إلى الفئات الشعبية، فكانت شبكة التجار السُّوسيين تساعد على نقل الأخبار والأسلحة والمواد الغذائية، وبذلك شكلوا عنصرا أساسيا في النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. وفي سياق النضال الوطني السياسي بالمدن الكبرى، وقد فرضه تطور الصراع مع الإدارة الاستعمارية، لم يختر السُّوسيون العمل السياسي حبا في السياسة، بل كانوا مرغمين للدفاع عن الوطن في فترة الحماية الفرنسية وعن مصالحهم التجارية بعد الاستقلال.

بعد نجاحه في المجال التجاري، وجد الحاج ابراهيم نفسه في قلب النضال السياسي بعد استقلال المغرب، حيث استفاد من قدراته التواصلية وبُعد نظره وجرأته ونباهته، فأصبح بمثابة المتحدث باسم السُّوسيين في كل ما يتعلق بالشؤون السياسية بعد انضمامهم لـلاتحاد المغربي للتجار والصناع والحرفيين الذي أسسه المهدي بن بركة سنة 1956. كان ذلك بداية ظهور نزاع ذي بعد “إثني” بين السُّوسيين والفاسيين باعتبار ذلك النزاع عاملا مؤثرا في العمل السياسي. فبقدر ما كانت قوة الفاسيين تكمن في سيطرتهم على مواقع القرار، بقدر ما كانت قوة السُّوسيين تكمُن في كثرتهم وفي الروابط التي كانت تجمع بينهم في شكل شبكة علاقات “اثنية” ذات أبعاد اقتصادية بإمكانها أن تمارس الضغط السياسي. ولذلك نجدهم حاضرين في كل الصراعات السياسية والانشقاقات الداخلية التي عرفتها الهيئات المهنية أو السياسية. لقد أبان السُّوسيون عن قوتهم حين تمكنوا من الهيمنة في انتخابات غرفة التجارة والصناعة بالدار البيضاء سنة 1960، وبعد أن شعروا بأن حزب الاستقلال كان يستغلهم، انضموا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم غادروه لنفس السبب، وانضموا لـ”جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” سنة 1963. وفي سنة 1966 أسس الحاج ابراهيم الاتحاد المغربي لتجار الجملة للمنتوجات الغذائية. وقد لخص واتربوري تعامل السُّوسيين مع السياسة بقوله: “يتعامل السُّوسيون مع الخصومات السياسية بنفس طريقة تعاملهم مع التنافس التجاري، إذ لا تُعتبر الانقسامات والخلافات بمثابة قضية علاقات شخصية، ولا يتم ربطها بالمشاعر، ويمكن تجاوزها حالما تغيرت الظروف التي تسببت في بروزها” (ص.180). ويضيف أن “السياسة بالنسبة للسُّوسيين هي في الغالب وجه آخر للتجارة”(ص.169).

وفي المقابل، إذا كان مسار الحاج ابراهيم متميِّزا ويعكس تطور مجموعة “اثنية” وقدرتها على تملك إمكانية خلق ومراكمة الثروة بالعمل في الميدان التجاري بدل الاكتفاء بأجرة العمل في المناجم أو المصانع، فإن واتربوري يؤكد على أن “السُّوسيين بَعيدِين عن التحكم أو التأثير في الوضعية السائدة”. لذا فإن واتربوري يؤكد أن الحاج ابراهيم، رغم ما يملكه من قدرات، لن يُنقذ الاقتصاد المغربي (ص.240)، ولذلك سيظل السُّوسيون بفضل مثابرتهم وروح المبادرة التي يملكونها، وأخلاقهم المهنية في مجال التجارة، عُنصرا أساسيا في لعبة لا يتحكَّمون في خيوطها.

هوامش:

1- مفردُه “أبودرار”، أي ساكن الجبل، والمقصود سكان جبال الأطلس الصغير و جبل “لكست” على وجه الخصوص (قبائل أمْلْنْ ، إدا وﮔـنيضِيف، أيْت مْزَال، أيت صْواب).

2-Rachid Agrour, « Contribution à l’étude d’un mot voyageur : Chleuh», in, Cahiers d’études africaines, 208, 2012, pp. 767-811.

3-Rachid Benbih, « Migration interne et évolution, des Amazighophones en milieu urbain », in L’amazighe en milieu urbain, Université d’été d’Agadir, session 12, 2017, pp.2011-2018.

4- Robert Montagne, Naissance du prolétariat Marocain, Paris, Peyronnet, 1952, p. 52.

5-“البيوغرافيا والتاريخ”، ملف، مجلة أمل (الدار البيضاء)، العدد 51، 2018، ص. 3.

6- François Berger, Moha ou Hamou le Zayani, Un royaume berbère contemporain au Maroc (1877-1912), Marrakech, L’Atlas, 1929, p.64.

7-Rachid Agrour, Léopold Justinard, missionnaire de la tachelhit 1914-1954. Quarante ans d’études berbères, Paris, Bouchène, 2007.

8-Lahoucine Bouyaakoubi, Le « berbère stéréotypé ». Etude des processus de construction des images et des représentations des « Berbères » du Maroc dans les sources coloniales françaises. Représentation, domination et exclusion, dir. Tassadit Yacine, EHESS, Paris, 2012.

- الحسين بويعقوبي

جامعة ابن زهر / أﮔادير

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.