في ضوء مستجدات حركة ترجمة الأدب العربي الحديث والمعاصر إلى اللغة الفرنسية واللغات الأوروبية تعميما في الألفية الثالثة ،بما في ذلك الطموح العربي الجامح إلى العالمية، نسائل في هذه المقالة النتائج التي توصلنا إليها في كتابنا الترجمة في زمن الآخر1 ،الذي درسنا فيه الترجمات الفرنسية للروايات المغربية من خلال نماذج ترجمية تمتد من ثمانينات القرن العشرين إلى نهايته.
في سنة 2012 عينت دار النشر الباريسية الشهيرة لوسوي، المستعرب الفرنسي إيمانويل فارلي، مستشاراً أدبياً مكلفاً بالإشراف على مجال الترجمة من العربية وتطويره ضمن سلسلة “الإطار الأخضر”، المخصصة للآداب الأجنبية.
فهل تعني هذه الخطوة الهامة الصادرة عن إحدى كبريات دور النشر الفرنسية، أن الجهود المبذولة منذ سنة 1988 من قبل المترجمين والوسطاء العرب تخصيصاً بمن فيهم ثلة من المؤلفين أنفسهم، قد نجحت في فرض الأدب العربي الحديث والمعاصر- ممثلاً في الغالب الأعم بجنس الرواية – بصفته قيمة جمالية مؤثرة في المشهد الثقافي العالمي من خلال قناة الترجمة إلى الفرنسية؟
هل أصبحت باريس بالفعل “مكتبة عربية” مؤثرة في المشهد الثقافي الفرنسي ومن ثم العالمي، على أساس أن باريس ما زالت تحتفظ إلى حد الساعة بسلطة التأثير على المستوى الأدبي رغم منافسة الإنجليزية؟ وفي المقابل، هل يعد استحداث جائزة فرنسية للأدب العربي تشمل النصوص المترجمة من العربية سنة 2013 – من قبل مؤسسة جان لوك لاغاردير بالتعاون مع معهد العالم العربي- مؤشراً على إدراج النص العربي المترجم علانية في الحقل الثقافي الفرنسي، الذي تزايدت فيه المؤسسات والهيئات المانحة للجوائز منذ ثمانينيات القرن العشرين، باعتبار الجائزة مظهراً من مظاهر الاعتراف بقيمة النص المترجم، وبدور الترجمة الفعال في اكتساب المعارف وتطوير الأنساق وتلاقح الثقافات؟
وبصيغة أخرى، هل أصبح التركيب الذي وضعناه سنة 2010 للطبعة الأولى من كتاب الترجمة في زمن الآخر، متجاوزاً اليوم؟ وقد أكدنا فيه أن عملية الترجمة من العربية إلى لغة غربية، في ظل اختلال موازين القوى بين العالم العربي الإسلامي والعالم الغربي، عملية معقدة ومتشابكة الأبعاد، يتداخل فيها الأدبي مع الثقافي العام والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والموروث التاريخي الممتد في الزمن من زاويتين متلاحمتين: زاوية الآخر وزاوية الذات.
للإجابة عن هذه الأسئلة،نرتئي الاحتكام إلى لغة الأرقام يدلي بها المهتمون بترجمة الأدب العربي الحديث إلى الفرنسية داخل النسق الفرنسي. فحسب هؤلاء (فارلي وفاروق مردام بك على سبيل المثال2) تظل دار النشر Sindbad ActesSud- للأسباب الثقافية والتاريخية المعروفة- الدار الفرنسية الوحيدة التي تشكل الاستثناء في المشهد الفرنسي والغربي تعميماً، باهتمامها الجاد والفعلي بمواكبة الإنتاج العربي الكلاسيكي والحديث، رغم الإكراهات الاقتصادية والثقافية التي تسببت فيها المعوقات السياسية والتاريخية ذات الحمولة الرمزية، والتي كان من نتائجها ألا يتعدى الإصدار سنوياً تسعة عناوين تخييلية عربية حديثة ومعاصرة. وإذا كانت دار لوسوي – التي يعود لمديرها السابق ميشيل شوكيفيتش فضل تقديم مختارات عربية حديثة في ثلاثة مجلدات للقارئ الفرنسي في بداية الستينات من القرن العشرين – قد خطت في الألفية الثالثة خطوة هامة في هذا الاتجاه، فإنها تظل في مرتبة أدنى بكثير من دار سندباد/ أكت سود حيث لا تعتزم من خلال تعيينها لفارلي سوى نشر ثلاثة أو أربعة عناوين في السنة. وهي بهذا العدد الضئيل تتصدر مع ذلك بقية دور النشر الفرنسية المعروفة، حيث تنشر دار غاليمار وجون كلود لاتي عنواناً واحداً كل سنة أو سنتين، مع أن دار “لاتي” كانت وراء إصدار ترجمة ثلاثية نجيب محفوظ التي فتحت أمامه آفاق جائزة نوبل، وتنشر ألبان ميشيل عنواناً كل أربع أو خمس سنوات، وفيبيس عنواناً كل ثلاث سنوات، وستوك عنواناً كل عشر سنوات، في حين لم تنشر فلاماريون سوى عنوان واحد منذ سنة 1997.
إن دور النشر الفرنسية المذكورة، والتي لا تصدر مجتمعة سوى ما يناهز، أويزيد قليلا عن، عشرة عناوين تخييلية مترجمة من العربية في السنة – من بينها أعمال ترجمت لأسباب تجارية بحتة – تعتبر ترجمة الأدب العربي مجازفة غير مأمونة العواقب في ظل ضغط العوامل الآتية:
– ضعف الإعانة المخصصة للترجمة من قبل المركز القومي الفرنسي للكتاب، وهي لا تتعدى في حال العربية 1،52 % من مجموع الإعانات مقابل 43،60% للإنجليزية مثلاً.
– ارتفاع تكلفة الكتاب المترجم، حيث تصل تكلفة ترجمة العمل الأدبي الواحد الذي يتكون من 400 و500 صفحة مابين 7000 و9000 أورو، مما يستوجب بيع 5000 نسخة على الأقل لتغطية التكلفة.
– افتتان القارئ الفرنسي بآداب ثقافات أخرى، وإن اتضح مؤخراً أن هناك نزوعاً نحو الانغلاق على الذات أثر سلباً على تلقي الآداب الأجنبية تعميماً بما فيها الأدب الأمريكي.
– تصدر البلدان العربية للأخبار العالمية في موضوع الإرهاب، بشكل يعمق الهوة بين القارئ الفرنسي والأدب المكتوب بالعربية. وفي هذا السياق نذكر التأثير السلبي لأحداث 11 سبتمبر 2001 على تلقي الأدب العربي في فرنسا وفي الغرب تعميماً، إذ تراجع نشر الترجمات من العربية في مقابل الإقبال على الأقلام الغربية التي تتناول العالمين العربي والإسلامي. هذا مع العلم أن إقبال دور النشر الفرنسية على ترجمة إبداع كثير من البلدان العربية يظل رهيناً بالظروف السياسية والاجتماعية في هذه البلدان، وآخر مثال معبر عن هذه الظاهرة حضور الرواية السورية المترجمة في المشهد الثقافي الفرنسي بنسبة لافتة للانتباه بعد أزمة 2011، ليس باعتبارهاإبداعاً تخييلياً،وإنما بصفتها شهادة على الوضع السياسي والاجتماعي المتأزم في سوريا.
وهذا يعني، أن نسبة تقل عن1% – (6،0 % سنة 2016)- من ترجمات النصوص الأجنبية إلى الفرنسية هي نصوص عربية، تكرس عملية اختيار عناوينها والمتون المثبتة على أغلفتها ظاهرة تسييس الأدب العربي من جهة، والتراتبية التي لا تراعي قانون التطور بين المشرق والمغرب من جهة أخرى.
وإذا كان صحيحاً أن هذه النسبة لا تختلف، وقد تزيد أحياناً، عن نسبة الترجمة عن لغات أخرى أوروبية وغير أوروبية (الهنغارية، البولونية، السلوفاكية، الهندية …، مثلاً)، فهي تظل مع ذلك نسبة ضئيلة جداً بالنظر إلى عدد البلدان العربية، بحيث لا تستقيم المقارنة بين ما يترجم عن لغة بلد واحد، أوروبياً كان أم غير أوروبي، وما يترجم عن لغة 22 بلداً عربياً يعرف فيها الإنتاج الروائي امتداداً وانفجاراً غير مسبوق، كما تدل على ذلك جائزة الشيخ زايد للكتاب في أبو ظبي، والتي تتوصل لجنة الرواية فيها بما يناهز 250 رواية متسابقة كل سنة.
إلى هذه النسبة الضئيلة المتراوحة ما بين 1% و 0،6% التي تمثلها الترجمة من العربية في بلد ما زال إلى حدود الساعة على رأس قائمة الدول الغربية المترجمة للأدب العربي الحديث – تتلوه من بعيد إسبانيا، وألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وإيطاليا- تنضاف الترجمات التي تصدرها الدور العربية الفرنكفونية –والأنجلوفونية- والتي كثيراً ما تستقبلها الصحافة العربية بالتهليل والتهنئة بوصول الأدب العربي إلى العالمية، مع أنها موجهة في الغالب الأعم إلى الأسواق المحلية، مما يفيد أن نسبة الترجمة من العربية هي نسبة ضئيلة مقارنة باللغات المهيمنة، وتخصيصاً اللغة الإنجليزية، وهي نسبة لا شك أن حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل قد ساهم في ارتفاعها نسبياً.
في هذا السياق، يرى المستعرب إيف غونزاليس كيخانو3، أن تفكير البعض باحتلال الرواية العربية حالياً مرتبة بارزة ومؤثرة ضمن الأدب العالمي، استناداً إلى سجل الترجمات المنجزة من العربية، تفكير في غير محله لأن الرواية العربية لم تستطع تخطي الحدود إلا في مناسبات نادرة. فتأثير جائزة محفوظ على وضعية الأدب العربي ضمن آداب العالم، في نظره، ليس هو نفسه مثلاً تأثير جائزة غابرييل غارثيا ماركيز على وضعية الأدب الأمريكي- اللاتيني عالمياً. فإذا كانت جائزة ماركيز قد فرضت الرواية الأمريكية –اللاتينية بصفتها قيمة جمالية ومرجعاً مؤثراً بعمق في الحركة الروائية العالمية غرباً وشرقاً، فإن تأثير جائزة محفوظ أكثر قوة داخل البلدان العربية منه خارجها4.
إن وضعية الرواية العربية في الخارج ما زالت رغم بعض التطور النسبي موضع نقاش، حسب غونزاليس، حيث لم يستطع أي كتاب عربي مترجم أن يصبح مرجعاً عالمياً. ومآل الترجمات من العربية في أحسن الأحوال هو المكتبات الجامعية أو بعض الدراسات الأكاديمية التي لا تنظر إليها في الغالب باعتبارها نصوصاً جمالية،كما أسلفنا، وإنما باعتبارها وثائق اجتماعية تتخذها متناً لفهم الذهنية العربية والمسلمة. ويرد غونزاليس هذا الأمر إلى استمرار الغرب في النظر إلى اللغة العربية بصفتها لغة ذات طابع ديني ترزح تحت ضغط قيود أخلاقية، أي بصفتها لغة تحتل مكانة ضئيلة ضمن الآداب العالمية5. ولا يختلف في هذا الرأي إجمالاً الكاتب الغربي المتمرس عن القارئ العادي، إذ يشهد المترجم الألماني الشهير هارتموت فندريش أن الكاتب الألماني مارتين فالزر اعتذر عن كتابة مقدمة لرواية عربية ترجمها إلى الألمانية، بدعوى جهله بالأدب العربي6. مما يؤكد عزوف الكتاب الغربيين، تعميماً، عن الحوار مع نظرائهم العرب.
إن النتائج التي توصلنا إليها في الطبعة الأولى من كتاب الترجمة في زمن الآخر تظل إذن نتائج راهنة، رغم بعض التحولات الطفيفة التي تشهد عليها مثلاً مؤتمرات الجمعية الأوروبية لدراسة الأدب الحديث. وقد استشهد ببعض هذه النتائج الناقد عبد الفتاح كيليطو للتدليل على ضعف تأثير حصيلة عملية ترجمة الأدب العربي الحديث إلى الفرنسية، مقابل الرغبة الجامحة التي سيطرت على الكتاب العرب لنقل أدبهم إلى “لغة تمنحهم شرعية، بل أكثر من ذلك، تهبهم بمعنى ما الوجود”7 ، ذلك أن وضع الأدب العربي في فرنسا، والغرب تعميماً، لم يراوح مكانه من زاوية الحوار والتفاعل منذ سنة 2010 إلا بنسبة ضئيلة لا تسمح، في ظل استمرار نفس الإكراهات والعراقيل، بالتفاؤل في إعادة التوازن قريباً إلى العلاقة الأدبية العربية –الأوروبية رغم جهود مترجمين ووسطاء عرب مسنودين أحياناً بجهود بعض المستعربين.
في المقابل، اشتدت شكوى الكتاب العرب من إهمال الغرب للأدب العربي في ظل ازدياد رغبتهم في الظهور في مرآة الآخر. وفي هذا السياق، يرى كيليطو استناداً إلى شكوى كاتبة عربية من قلة اهتمام الفرنسيين بالأدب العربي، خلال مائدة مستديرة حضرها بباريس، أن الأمر يتعلق في العمق بــ”حكاية حب غير متبادل، قصة غيظ غرامي: العرب مفتتنون بالفرنسيين، لكن هؤلاء لا يأبهون بهم، العرب يعطون لكن بلا مقابل”، مما ذكره بخطاب تراجيديات راسين: “عملت كل شيء من أجلك، لكنك ترفضني وتشيح بوجهك عني”8.
والحال أن هذا الافتتان بالغرب، ورغبة الكتاب العرب الجامحة في اعترافه بهم ليندمجوا في الإطار العالمي، إذا كان بالفعل وليد الاختلال في العلاقة، فهو نتيجة من نتائج الوضعيات التي يعيشونها في بلدانهم: “فيما مضى كان العرب يجلون كتابهم ويفخرون بهم. بالأمس القريب كان لديهم الشعور ذاته. هل هذا هو حالهم اليوم؟ “يتساءل كيليطو وهو يستحضر ملاحظة كافكا الآتية في يومياته: “إن أمة صغيرة تكن احتراماً كبيراً لكتابها، تعتبرهم موضوع فخر أمام العالم العدائي الذي يحيط بها”9.
ومن أجل الربط بين وضعية الكتاب العرب في بلدانهم والترجمة، نود أن نناقش مسألة في غاية الأهمية وهي عدم قدرة الرواية العربية المترجمة، ممثلة بنماذجها الجيدة، في الدخول في الحوار النقدي العالمي.
لاشك أن غونزاليس محق، وهو يتهم المترجمين بالمساهمة في تكريس هامشية الأدب العربي من خلال تجاهل الروايات القوية عن جهل في غالب الأحيان، واختيار روايات لا تقوى على المنافسة بدافع المجاملة أو لتحقيق مصالح شخصية، ناهيك عن إنجاز ترجمات تضعف الأصل. إلا أن المتأمل في حركة ترجمة الرواية العربية سيستغرب، ولا شك، وهو يلاحظ أن حظ بعض الروايات القوية التي استطاعت تحقيق أرقام مبيعات محترمة -كما هو الشأن مثلاً بالنسبة لروايات صنع الله إبراهيم وإلياس خوري وإبراهيم أصلان وغيرهم – ليس أحسن حالاً؟
فهل السبب الرئيس دائماً هو”الآخر” ونظرته للغة العربية وثقافتها؟
تلقي الدراسة التي أنجزها ريشار جاكمون حول ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الفرنسية–والعكس- الضوء على هذه النقطة، فهو يرى أن حركتي الترجمة من العربية وإليها تعدان أفضل كاشفتين للميكانيزمات التي تتحكم في الاقتصاد العالمي الخاص بالمبادلات اللسانية، وتخصيصاً ما يمكن تسميته بمبادلات شمال – جنوب10.
وللتدليل على فعالية هذه الميكانيزمات، نورد على سبيل المقارنة علاقة الدول الغربية اليوم بالآداب اليابانية والصينية والكورية التي لا تحضر في المجمل مثلها في ذلك مثل الأدب العربي في جمهورية باسكال كازانوفا العالمية للآداب11، كما لاحظ ذلك جاكمون12، فبفعل العلاقة بين اللغة / الثقافة والاقتصاد استطاعت هذه الآداب أن تفرض نفسها عالمياً بحيث أصبحت ترجماتها إلى الفرنسية والإنجليزية تتقدم بمراحل ترجمة الأدب العربي حالياً، مما يفيد أن إقبال الغرب مؤخراً على ترجمة الأدب الصيني مثلاً، لا يعود في المقام الأول إلى الصورة المترسخة لديه عن التاريخ الثقافي العريق للصين، والذي تعبر عنه عبارة روني إيتيامبل “لقد قالت الصين كل شيء”، وإنما إلى انبثاق الصين بصفتها قوة اقتصادية كاسحة في العقود الأخيرة، الشيء الذي ساهم في تسليط الضوء على تميز آدابها الحديثة.
يضيف جاكمون إلى تأثير العلاقة بين الرأسمال الأدبي والقوة الاقتصادية، الوضعية المريحة للآداب الصينية واليابانية والكورية داخل أنساقها الخاصة مقارنة بالأدب المكتوب بالعربية، ذلك أن هذه البلدان نجت بخلاف الدول العربية من فرض مستعمر معين للغته عليها واستطاعت نتيجة لذلك تحديث آدابها بواسطة لغاتها الخاصة13. وإنه لأمر دال أن يحضر الأدب الفرنكفوني والأنجلوفوني العربي، ولو بتمثيلية رمزية، في فضاء الأدب العالمي إلى جانب آداب المستعمرات القديمة المكتوبة بالفرنسية أو الإنجليزية، في كتاب كازانوفا الجمهورية العالمية للآداب، الذي يكرس هيمنة اللغات الأوروبية في المشهد الثقافي العالمي، في الوقت الذي يخلو فيه من الآداب المكتوبة بلغات غير أوروبية بما فيها العربية، باستثناء ذكر حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل.
ولعل أكبر دليل ساخر على منافسة لغة المستعمر للغة العربية في عقر دارها، هو أن يكون أكبر مستهلك لترجمة أدبها إلى الإنجليزية أو الفرنسية هو القارئ العربي الأنجلوفوني والفرنكفوني.
نخلص في النهاية، مع المترجم جاكمون، إلى أن وضعية الأدب العربي، ضداً على ما وصل إليه هذا الأدب من نضج وما عرفه من تطور يسمح له بأن يكون نداً للآداب العالمية، وضعية هامشية تماماً في السوق الأدبي العالمي سواء من حيث أرقام المبيعات أم من حيث الاعتراف الرمزي بهذا الأدب14. إن نصين عربيين حديثين فقط هما اللذان انضما إلى لائحة النصوص العربية التي تستأثر باهتمام الناشرين الدائم والقراء الغربيين على السواء – والممثلة بالنص القرآني وبكتاب ألف ليلة وليلة تحديداً-، ويتعلق الأمر بنص النبي لجبران خليل جبران المكتوب أصلاً باللغة الانجليزية، ورواية عمارة يعقوبيان التي تجاوز رقم مبيعاتها 200.000 نسخة، لتصبح بذلك أكثر الكتب العربية رواجا في الغرب .
إلا أن هذه الخلاصة، لا تمنع من القول إن المقارنة بين الوضع قبل 1988 واليوم تدل على حدوث تطور يحتاج إلى حسن توظيف وتذليل للمعوقات، ويطال هذا التطور المنظور الغربي للغة العربية ذاتها في بعض المؤسسات الأكاديمية الغربية التي تراجع بعضها عن اعتبارها لغة تنتمي إلى الماضي بإدراجها ضمن اللغات الحديثة والمعاصرة، كما هو الشأن مثلاً في قسم اللغات الحديثة بجامعة موريال بكندا، حيث تحضر العربية إلى جانب الإيطالية والبرتغالية والروسية في مقررات السلك الثالث الخاصة بشعبة آداب ولغات العالم.
هل يعني هذا أن الأدب العربي في حاجة إلى جائزة نوبل ثانية؟
ما الذي كان سيحدث –أو بإمكانه أن يحدث – مثلاً لو أن إبراهيم الكوني حصل على هذه الجائزة التي رشحته لها كثير من الدوائر الأوروبية، أو لو أن أدونيس، الذي يحضر اسمه في لائحة المرشحين للفوز إلى جانب كتاب من قبيل نغوغي واثيينغو من كينيا وآخرين من الولايات المتحدة والنرويج واليابان، حصل عليها في دورة 2016 ، أو خلال هذه الدورة بدل الشاعرة الأمريكية لويز غلوك؟
لا شك أن النسبة المتراوحة مابين 0،6 و1% التي حصل عليها الأدب العربي اليوم من مجموع ترجمات الآداب العالمية، ما كان ليحصل عليها لولا تأثير حصول محفوظ على الجائزة، إلا أن هذه النسبة الضئيلة في حد ذاتها مضافاً إليها طبيعة استقبال الأدب العربي في الغرب وعودة البضاعة إلى الأسواق العربية بلغات الآخرين، تؤكد أن الجائزة ليست عصاً سحرية كما اعتبرها الكثيرون.
إن شروطاً موضوعية كثيرة تنبع من الداخل يجب أن تسند الجائزة لتكون بالفعل مؤثرة في موازين القوى، بحيث تستطيع قلب معادلة مركز/ هامش … . وهذه الشروط هي التي تشكل بؤرة اهتمام كتاب الترجمة في زمن الآخر.
———————
الهوامش
1-المركز القومي للترجمة ، القاهرة ، 2010.
2-انظر في هذا الصدد :
Emmanuel Varlet, « de la fiction arabe vers la réalité française », par Charaf Majdalani, l’Orient littéraire, N.166,05/2013, interview accessible en ligne : http://www.lorientlitteraire.com/article_details.php?cid=7&nid=4184
-Farouk Mardam-Bey, « La traduction littéraire de l’arabe au français est plus importante que jamais », par Heluin Anaïs,Le Point(culture),08/2016, interview accessible en ligne :
-Yves Gonzalez- Quijano , « Journée mondiale de la traduction : divagations quelque peu incertaines par Khalil Suwayleh », Culture et politique arabes, 10/ 2016, étude accessible en ligne : https://cpa.hypotheses.org
4-Ibid.
5- Ibid.
6- هارتموت فندريش،” لو استزاد الغرب من آداب العرب لما فوجئ بأخبار صراعاتهم”، حوار روت رنيه رايف،ترجمة: سمير جريس،قنطرة ،10/ 2014 :
7-عبد الفتاح كيليطو ،بحبر خفي :”عزاء تافه” ، الأعمال ، الجزء الأول ،جدل اللغات ، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1 ،2015 ،ص.372.
8-نفسه ، ص. 371.
9-نفسه ، ص. 373.
10-Richard Jacquemond , « Les flux de traduction entre le français et l’arabe depuis les années 1980 : un reflet des relations culturelles »,Gisèle Sapiro,Translatio Le marché de la traduction en France à l’heure de la mondialisation,CNRS Editions,2016, étude accessible en ligne :https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-01514934/document
Pascale Casanova, La République mondiale des Lettres, Editions du Seuil, 1991. 11-
12- Richard Jacquemond , « L’internationalisation de la littérature arabe moderne, du prix Nobel de Naguib Mahfouz (1988) à L’Immeuble Yacoubian (2006) », étude accessible en ligne : http://www2.univ-paris8.fr/T3L/IMG/pdf/R._Jacquemond.pdf
13- Ibid.
14- Ibid.