تقديم
1- “جاذبية المدينة”، كتاب أصدره محمد الناصري، يتكون من واحد وعشرين نصا (600 صفحة)، كتبها قيدوم الجغرافيين في ثلاثة عقود (1980-2008)، وأعاد نشرها بعد تحيينها في سنة 2017.
2- استجاب محمد الناصري بهذه النصوص لجاذبية المدينة، ومارس عليها أسئلة الجغرافي والمؤرخ وعالم الاجتماع والاقتصادي، وكشف عن مكامن العطب الذي راكمته منذ زمن ليس بالقصير، والذي جعل من تداعيات الهجرة وأزمات التعمير وخلل التدبير “مرضا مزمنا” يعرقل التنمية في “مجال” يعد بمثابة قاطرة للنمو في البلاد جميعها. يطرح محمد الناصري، إذن، سؤال “الانتقال” في راهن المغرب، من خلال “حالة شاملة ومعبرة” هي المدينة، التي تختزل تجربة الماضي ومشاكل الحاضر ورهانات المستقبل. وتطلب الجواب عن هذا السؤال من محمد الناصري إعادة “الجغرافية”، بحثا ومعرفة، إلى وضعها المناسب “الوظيفي”، الذي يتسع لمقاربات متنوعة، ويكفل الشروط والحدود الضروريين للتأمل والافتراض والاستنتاج، بل ويجعل منها حقلا لممارسة “المواطنة” ومشروعا لتشريح “ثقافة مجتمع”. وتعد هذه النصوص، بالتالي، بمثابة “استشارة” مفتوحة للراغبين في النهوض بالمدينة وبالبلاد بحكم الاستتباع.
3- عرف الزملاء والطلبة محمد الناصري مشّاء، يتنقل في المجال وبين المؤسسات ومنفتحا على ما يستجد من مقاربات علمية وتيارات فكرية على المستوى الوطني والعالمي، تتجاوز الفهم الضيق للجغرافية حقلا وتخصصا. هو من مواليد مدينة سلا. ناقش رسالة للدكتوراه حول “مدينة سلا” في باريس في سنة 1961، تحت إشراف الجغرافي جون دريش المعروف بآرائه وبحثه الملتزمين. والتحق بجامعة محمد الخامس بالرباط في نفس هذه السنة، التي كانت فيها شعبة الجغرافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في طور التأسيس. وتعرض في سنة 1973 لموجة “الفصل” من الكلية التي شملت أيضا عبد الله العروي وعبد الواحد الراضي، ليلتحق مؤقتا بمعهد التعريب بالرغم من احتفاظه إداريا على المنصب في الكلية. وفي سنة 1975، التحق أستاذا باحثا بقسم العلوم الإنسانية بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، حيث انفتح على دراسات البوادي والمناطق الجبلية أي على مجال “الهوامش”، ومارس البحث الميداني، وأشرف على الدورات التدريبية التطبيقية للطلبة الباحثين. وانتسب محمد الناصري إلى المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، وعمل في شعبة الجغرافية بمدينة تور الفرنسية، واشتغل أستاذا في مدرسة تكوين الدكتوراه التابعة لمنظمة الجامعات المتوسطية. وتقلد محمد الناصري مهاما أكاديمية دولية ووطنية، منها نائب رئيس الجمعية الدولية “اندا-العالم الثالث” للبيئة والتنمية، ونائب رئيس “الجمعية المغربية لقانون البيئة”، والسكرتير العام لبرنامج “ماب-المغرب: الإنسان والبيئة الحيوية” التابع لليونسكو، والمسؤول العلمي لمشروع “تارڭا” لتنمية الأطلس الكبير الغربي.
اشتغل محمد الناصري منذ بدايات مساره العلمي والأكاديمي وإلى غاية اللحظة على المدينة وتطورها العمراني والاقتصادي والسوسيو-ثقافي، وعلى سياسات تدبير المجال الحضري وإعداد التراب، ومشاكل الهجرة وترييف المدن والاندماج والتهيئة والسكن والبيئة والخدمات وتدبير الموارد الاقتصادية والبشرية…الخ. وسمح الزمن الممتد الذي عكف خلاله قيدوم الجغرافيين على دراسة المدينة بمواكبة “تطوراتها”، باعتباره باحثا ملتزما وشاهد عيان في نفس الآن منذ السنوات الأولى للاستقلال. كما سمح له منهج المقارنة والانطلاق من حالات شاهِدة والاستشهاد بالتاريخ، باستخلاص استنتاجات تحكمها الضوابط العلمية وتفوح منها غيرة غير خفية على المَسْكن والسَّاكن.
وما يزال محمد الناصري، كعهد الزملاء به والطلبة الباحثين، سائرا على نفس الدرب في البحث وتجديده، وفي الدفع بالمعرفة الأكاديمية لتكون شريكا فاعلا في تدبير “الشأن العام”. وذلك ما يستخلص من الجلوس إليه والاستماع لحديثه، ويتضح لمن يتابع أنشطته المتنوعة.
4- تجمع محمد الناصري علاقة طيبة مع فريق تحرير مجلة “رباط الكتب”، يطبعها التقدير العلمي والأخلاقي وتعززها الروابط الإنسانية. ويسعد الفريق أن يقدم اليوم هذا الملف الخاص بقراءات في كتاب “جاذبية المدينة” المهم والضخم. والملف مثل الكتاب، يتميز بجاذبية استثنائية لن تغيب عن العين الملاحظة للقارئ، حيث ساهم فيه باحثون شباب إلى جانب أكاديميين معروفين، وتضمن مقاربات نوعية لكتاب متخصصين في الجغرافية وعلم الاجتماع والتاريخ والآداب، وكتب باللغتين العربية والفرنسية. وبهذا الملف، تنفتح مجلة “رباط الكتب” على المعرفة الجغرافية لأول مرة، وستعمل بالتأكيد على ألا يكون يتيما.
ساهم في هذا الملف: عبد القادر كعيوة، الأستاذ الباحث من كلية الآداب والعلوم الإنسانية-عين الشق بالدار البيضاء، بقراءة عنوانها “مكانة الدار البيضاء في بناء نموذج التنمية الجديد في المغرب: بعض العناصر للتفكير”؛ وعبد الرحمن رشيق، أكاديمي وباحث في علم الاجتماع الحضري، بقراءة عنوانها “المجهود المفاهيمي لمحمد الناصري: سوء الاندماج والتمدن”؛ وادريس كسيكس، كاتب وباحث من المدرسة العليا للتدبير بالرباط، بقراءة عنوانها “المدينة ظاهرة أدبية”؛ وسناء بنبلي، أستاذة باحثة في علم الاجتماع من كلية الآداب والعلوم الإنسانية-عين الشق بالدار البيضاء، بقراءة عنوانها “‘جاذبية المدينة’ في صيغة المؤنث”؛ وسمير أيت أومغار، باحث في التاريخ من مراكش، بقراءة عنوانها “المدينة بين آليات التدبير ورهانات السلطة في مغرب ما قبل الاستعمار”؛ ومريم عبدالحق، باحثة في علم الاجتماع من جامعة باريس-ديدرو، بقراءة عنوانها “التمدن وأزمة التحضر والمواطنة في ضوء ممارسة الفنون الحضرية في القرن الواحد والعشرين”.
قراءة ممتعة