MADANI, Mohammed, Le paysage politique marocain, Rabat, Dar Alqalam, 2006
أي واقع للتحولات السياسية في المغرب؟ هل ما يشهده المغرب من تحولات وتغيرات في بنية وأدوار الفاعلين يؤشر على تغيير في بنية الفضاء السياسي المغربي، بشكل يبرز نوعا من التحول يقطع مع الممارسات السابقة ويشكل منطلقا نحو تغيير قواعد النظام السياسي ومستوى العلاقة بين الفاعلين؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى تغييرات جزئية لا تعني التأسيس للانتقال نحو الديمقراطية؟ أم أن الأمر ليس ذلك أو ذاك، حيث يبدو أن النظام السياسي المغربي في مرحلة مفترق الطرق، بحيث لم يعد كما كان في السابق، ولكن دون أن يعني ذلك التأشير لميلاد نظام جديد؟
لقد تمحورت حول هذه الأسئلة المركزية نقاشات الباحثين الذين تطرقوا للنظام السياسي المغربي، وتعرضت العديد من الأبحاث لجوانب عدة في الموضوع. وفي سياق ذلك تندرج الدراسة المتميزة التي أصدرها محمد مدني سنة 2006 تحت عنوان لمشهد السياسي المغربي. لقد تمحورت القضية الرئيسة لهذا المؤلف في تفسير-باعتماد مقاربات علمية- تطور العديد من الفاعلين في الحقل السياسي المغربي ( الدولة، المحيط الملكي، الأحزاب السياسية، وسائل الإعلام والمجتمع المدني). واضطلع المؤلف أيضا بتحليل إعادة تشكل الحلبات المؤسساتية في المغرب (البرلمان، القضاء، والجماعات المحلية)، وربطها بالتغيرات الاجتماعية، والاختلالات الثقافية.
وفي سياق تحليله لهذه العناصر اتجهت مقاربة المؤلف نحو وضع بانورما لجزء من المشهد السياسي المغربي، بحيث أن محمد مدني كان منذ البداية واضحا بأن إسهامه لن يتضمن إجابة عن كل الأسئلة المتعلقة بالمشهد السياسي المغربي. وفي طرحه لهذه القضايا تمحورت الفكرة الرئيسية للكتاب أنه بالرغم من بعض عناصر الانفتاح وعلامات التحديث يبقى الإطار الأساسي للنظام السياسي غير متغير، وأنه إذا كان يبرز نوعا من التغييرات في بنية وأدوار فاعلين جدد، فإن ذلك لم يمس بالدور المركزي للمؤسسة الملكية في الحقل السياسي.
وهكذا، وزع المؤلف كتابه على عشر محاور، خصص المحور الأول لإشكالية الدولة في المغرب، وقام في هذه النقطة باستعراض عنصري الدولة التقليدية والدولة الحديثة في المغرب. وتعرض في المحور الثاني لقواعد اللعبة السياسية، ثم انتقل في المحور الثالث لتناول المحيط الملكي وتحليل مقتضياته: طبيعة البروتوكول والأشخاص في هذه الدائرة. وقد تطرق في المحور الرابع للخصائص الرئيسية للأحزاب السياسية، وكانت أحزاب الحركة الوطنية والتيارات الإسلامية (حزب العدالة والتنمية، وجماعة العدل والإحسان) الموضوع الأساسي في هذا المحور. وسلط الضوء في المحور الخامس على موضوع الانتخابات والتحولات التي شهدها مجال هذه العملية. وفي الجزء السادس استعرض المؤلف اللامركزية والحقل السياسي المحلي. وقد كان للمؤسسة التشريعية والتغيير الذي عرفته سواء من حيث بنيتها ومجالات تدخلها حضورا قويا في مضامين هذا الكتاب.
ومواكبة للتحولات الجارية في الحقل السياسي المغربي تعرض محمد مدني في المحاور السابع والثامن والتاسع والعاشر للقضايا الرئيسية الجديدة في المشهد السياسي المغربي، اتساع الإعلام، تزايد تدخل القضاء في المشهد السياسي، التنامي الملحوظ للمجتمع المدني، وأخيرا انبثاق معالم التدخل الجماعي والحركات الاحتجاجية.
إن حصيلة تحليل مضامين هذه العناصر تبين أن المؤلف حمل في كتابه مضامين جديدة من شأنها إغناء التحليلات التي تعرضت لتحليل النظام السياسي والتحولات السياسية الجارية في المغرب لفترة ما بعد مطلع التسعينات. وتكمن أهمية هذه المساهمة في ثلاث جوانب رئيسية. تبدو الأولى من خلال ما تضمنه من تعدد في المقاربات، فالكتاب وظف العديد المقاربات القانونية والسياسية والسوسيولوجية وانفتح على الاقتصاد السياسي في تحليله للقضايا التي طرحها. غير أن توظيف هذه المقاربات لم يتم بنفس المستوى وظل حضور بعضها محدودا.
كما أنه اعتمد في التحليل مقاربة سعت لاعتماد نوع من التداخل بين العوامل الداخلية والخارجية في تفسير العديد من القضايا التي تناولها (عناصر بناء المشروعية، الأحزاب السياسية، تزايد نفوذ المجتمع المدني). وفي تحليله عمل محمد مدني أيضا على توظيف الوقائع التاريخية في طرح تصوراته لتحليل عناصر المشهد السياسي الحالي.
والجانب الثاني المميز لهذا الكتاب هو اهتمامه بقضايا جديدة ومحاولة إعطاء تفسير لها (دور الصحافة المستقلة، توظيف القضاء في القضايا السياسية…). والقوي في هذه الدراسة أيضا المساهمة في إعطاء بعد علمي لتحليل القضايا التي طرحها، فالمتتبع لفقرات الكتاب يلاحظ أن الباحث تمكن من إعطاء تحليل علمي رصين للقضايا التي تناولها بتجاوز التحليلات الظرفية والمتسرعة التي تميز الكتابات الإعلامية.
لكن أهمية هذا المؤلف وتميزه، تجعل القارئ يطرح أسئلة عدة لن يجد لها جوابا كافيا في ثنايا الكتاب. من ذلك أنه وبالرغم من أن الكتاب كان واضحا في طرح فكرة وجود نزعة نحو التطور في بنية النظام السياسي، ولكن ذلك يظل في حدود التصورات التي يرسمها الفاعل الرئيسي، وأن هناك تحولات في العلاقة بين المؤسسات، ودون أن يؤدي ذلك إلى الإخلال بالتوازن بين المؤسسات، فإن الكتاب لا يفيد في تحليل مآل الإصلاح المتبع في المغرب هل سيؤدي إلى التحول نحو الديمقراطية، أم أن ما يقع من تغيرات سياسية لا يصب في اتجاه إحداث قطيعة مع الممارسات السابقة؟
وقد كان بإمكان المؤلف، وله من القدرات ما يمكنه من ذلك بالاعتماد على الدراسات الميدانية، والتقارير ذات الطبيعة الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، ومؤشرات التغير الاقتصادي والاجتماعي لقياس إمكانيات وفرص تطور النظام السياسي، وتقييم واقع الإصلاح المتبع.
إضافة إلى ذلك يبقى من الجوانب التي لم يتناولها الكتاب بشكل كافي عدم توظيف أكثر عمقا لمقاربات أخرى، وبالخصوص تأثير العامل السوسيواقتصادي في تطور حركة الفاعلين. فالمؤلف تعرض بشكل مختصر لبعض قضايا الاقتصاد السياسي (بالأساس عند الحديث عن دور البرلمان، وفي محور المحيط الملكي) وتم ذلك بدون مقدمات نظرية. وهي مقاربة كان من شأنها أن تفيد في تحليل القضايا المطروحة. وفي سياق نفس الواقع، لم يتعرض المؤلف لآثار التحرير الاقتصادي على تطور الفاعلين السياسيين ومشاركة الفاعل الاقتصادي في اتخاذ القرار السياسي والتأثير عليه.
كما أن هذا الكتاب لم ينطلق من أطروحة نظرية أو تقييم أطروحات سابقة سعى ليطبقها على المغرب، ويخرج بنتائج، من ذلك ما هي السبل لإمكانية تحقيق الديمقراطية، طبيعة الصعوبات والمعيقات التي تفسر تردد الإصلاحات المتبعة؟….
والجانب الآخر الملاحظ أن الكاتب تجنب طرح قضايا أخرى في النقاش السائد في المغرب ومواضيع أخرى سادت في الحقل السياسي، والتي يبدو أنها تؤطر العلاقة بين الفاعلين وتحدد مساحة المؤسسات. من ذلك تحولات حقوق الإنسان، إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، النقاش حول مدونة الأحوال الشخصية، ازدياد التكنوقراط، التوسع الملحوظ للعديد من المؤسسات في المشهد الوطني (ديوان المظالم، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، الوكالات الوطنية لتقنين الاتصالات، مجلس المنافسة…).
الحصيلة إن مؤلف المشهد السياسي يضع لبنة في التأسيس لدراسة رصينة تسعى لتحليل ما تشهده الساحة السياسية من تغيرات واسعة. كما أنه يساهم في الدفع بالإجابة على العديد من الأسئلة المطروحة على الباحثين في علم السياسة في ظل واقع يضعنا أمام تحدي خلق تراكم من شأنه أن يؤدي إلى إيجاد أسس نظرية تؤطر فهم الحقل السياسي المغربي.