أوديت دي بويغودو، فنون وعادات البيضان، ترجمة وتقديم أحمد البشير ضماني، منشورات مركز الدراسات الصحراوية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، 2017، 477 ص.
تمهيد:
رغم مرور سنوات كثيرة على انطلاق عمليات استقرار البدو في مناطق مختلفة من العالم، إلا أن موضوع الرحل لازال يُغري الكثير من الباحثين في العلوم الاجتماعية بصفة عامة. حيث أدت سياسات التوطين التعسفي للبدويين في فترات زمنية متباينة، بدواع سياسية وإدارية وتنموية بالأساس، إلى ضياع رصيد ثقافي وتراثي غني ما فتئت المنابر العلمية والثقافية والحقوقية إلى الدعوة لإحيائه، ودراسته، وتدوينه، وتوثيقه. إن الثقافة البدوية الصحراوية تمثل خلاصة تجربة حياة الرّحل بمختلف مكوناتها ومقوماتها الحضارية. وهي ثقافة قائمة على التفاعل مع الوسط البيئي والطبيعي الذي عاش فيه هؤلاء البدو1. لقد مكن العيش في ظروف الصحراء القاسية من خلق نمط حياة خاص بأهلها. إنه نمط يقوم على التكيف مع عاملي المناخ وندرة الموارد الاقتصادية، مما جعل الحياة الصحراوية مميزة، اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، الأمر الذي جذب انتباه العديد من المؤرخين، والباحثين، والرحالة الذين استهوتهم الحياة البدوية.
في هذا الإطار يندرج كتاب فنون وعادات البيضان لأوديت دي بويغودو (Odette Du Puigaudeau)، الذي يدور موضوعه حول ثقافة المجال البيضاني الممتد من السفوح الجنوبية لجبل باني والأطلس الصغير حتى الضفة اليمنى لنهر السنغال، ومن ساحل المحيط الأطلنطي إلى منطقتي أزواد وإﮔيدي وحمادة درعة (ص. 5). وهو المجال المعروف تاريخيا بسيادة نمط العيش البدوي، القائم على الترحال والتنقل الدائم للمجموعات الرعوية بحثا عن الماء والكلأ، إلى جانب بعض مراكز الاستقرار في الواحات.
إن الهدف من هذا العمل الإثنولوجي الهام، يتحدد في وصف ودراسة ثقافة صحراوية عريقة على وشك الوقوع في دوامة عالم متغير، والتحسيس بما يهدد وجودها من أخطار، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تقنياتها العريقة وفنونها الأصيلة التي نسي أهلها منابعها الأصلية (ص. 7).
ولعل ما يشد الانتباه في إعداد هذا الكتاب الفريد من نوعه، هو الأسلوب المنهجي الذي اعتمدته المؤلفة. ذلك أن طريقة أوديت دي بويغودو تنطبق تماما مع الأفق المنهجي الذي دعا إليه روبير مونطان (Robert Montagne) في كتابه “حضارة الصحراء” حينما قال: “يجب أن نكلف أنفسنا مجهودا أكبر لفهم البدو الرحل، من خلال محاولة التفكير كما يفكرون، لذلك لا بد لنا أن نتخلى عن أحكامنا المسبقة وعن أسلوبنا في قياس الزمن وفي تقسيم المجال وفي التنبؤ بالمستقبل، وكذا التخلي عن عاداتنا في الحكم على الناس والأشياء”2. هذا رغم أن أوديت، كما يقول مترجم الكتاب، لم تكن تقبل العادات الصحراوية على علاّتها، بل وجهت انتقادات لاذعة للعديد من مظاهرها. بيد أنها في الوقت ذاته أشادت بالكثير من جوانب التقاليد البيضانية كتلك التي تعطي للنساء، حقوقا تنعدم في العديد من المجتمعات البشرية الأخرى، مثل الزواج الأحادي، حرية المرأة في طلب الطلاق الذي لا يزيدها إلا حظوة ومكانة اجتماعية. (ص. 12).
وفي الواقع، إن كتاب دي بويغودو حول فنون وعادات البيضان يعتبر مساهمة أساسية في البحث الإثنوغرافي والأنثروبولوجي. ففي هذه الدراسة تقف الكاتبة على جوانب مهمة في ثقافة الرحل. فبعد أن وضحت ما المقصود بالبيضان وتحديد ترابهم من خلال الإشارة إلى الإطار الجغرافي والبيئي الذي حدد نمط عيشهم وطباعهم، والتذكير بأصولهم البشرية والثقافية والاجتماعية، انتقلت إلى وصف الحياة الاجتماعية للبدو المادية منها والأسرية والثقافية، بالإضافة إلى مهاراتهم وعاداتهم في الصناعة التقليدية. ومن ثم فعند قراءة الكتاب لا يتعرف المرء فقط على نمط العيش والطابع التاريخي والثقافي لمختلف قبائل البدو، بل يفهم أيضا الطريقة الخاصة والمميزة التي كانت تعيش بها الأسر البدوية حياتها اليومية، والتقنيات والإبداعات التي تعتمدها.
ولهذه الغاية، نظمت أديت دي بويغودو محتوى كتابها في خمسة فصول رئيسية فضلا عن مقدمة. تناول الفصل الأول تاريخ البيضان وترابهم، وتمحور الفصل الثاني حول الحياة المادية للبيضان المحددة في السكن واللباس. وخصصت الكاتبة الفصل الثالث لوصف الحياة الأسرية (الزواج، الولادة، الطلاق، الطفولة، التغذية)، أما الفصل الرابع فتطرق للحياة الثقافية من علوم وتعليم، بينما استعرض الفصل الخامس والأخير جوانب من مكونات وفنون الصناعة التقليدية عند بدو البيضان.
أولاً: المجتمع البيضاني: التاريخ والتراب:
بعد أن أشارت أوديت دي بويغودو إلى أن أصل كلمة “بيضان” أو المور باللاتينية « Maures » يرجع إلى اسم ماهور « Mahour »، الذي أطلقه الفينيقيون على سكان الساحل الغربي من البحر الأبيض المتوسط، توقفت الباحثة عند تحديد تراب البيضان باعتباره مجالا واسعا يمتد إلى جبال إفني والمنحدرات الجنوبية لجبلي باني وصاغرو في الشمال، ويحده غربا المحيط الأطلنطي وجنوبا نهر السنغال، أما شرقا فتضيع حدوده تحت رمال صحاري مالي والجزائر، من تيمبكتو إلى تبلبالة (ص. 24). وقد شهدت الآثار الأركيولوجية التي اكتشفها العلماء في هذا المجال على وجود حضارات بشرية ضاربة في القدم. إذ سكنت المنطقة في العصور القديمة شعوب مجهولة، تاركة وراءها آثارا عديدة، توزعت بين أدوات ونقوش صخرية وآثار حيوانات مختلفة. كما وثقت المصادر التاريخية وفود عناصر أمازيغية من مشارب متنوعة إلى صحراء البيضان، سواء قبل وصول الفينيقيين والقرطاجيين أو بعده.
وفي هذا السياق، صرحت دي بويغودو بأنها ترفض الدخول في متاهة الأنساب، لأن الموضوع جد معقد، يصعب معه الإحاطة بكل الروايات التاريخية الموجودة في هذا الباب وضبطها والفرز بينها. غير أنها تعود في غير ما مرة إلى ابن خلدون وأبي عبيد البكري وابن أبي زرع الفاسي وابن حوقل والحسن الوزان وفريديريك دولا شابيل (Frédérique De Lachapelle) وفانسان مونتاي (Vincent Mentiel) وجاك موني (Jacques Meunié) وأحمد بن الأمين الشنقيطي وغيرهم، للتعرف على أهم المكونات البشرية التي شكلت المجتمع البيضاني. كما فصلت نسبيا في تحليل ومناقشة أهم القضايا المتصلة بالموضوع. ومنه نستنبط أن أوديت لا تقف عند حدود الوصف فقط، بل كان للتأطير النظري التاريخي والأنثروبولوجي حضور هام في دراستها، حيث تذهب في كثير من الأحيان إلى ربط ملاحظاتها ومعلوماتها بمجموعة من المصادر والمراجع التي اعتمدتها.
وعلى كل حال، فخلاصة الأمر هي أن البنية السكانية للمجال البيضاني تأسست على أجناس وقبائل متنوعة ومتعددة الروافد، والتي يمكن إجمالها في العناصر التالية: الأمازيغ الصنهاجيون، الإثيوبيون، السودانيين، البافور، الزنوج، اليهود، العرب الفاتحون، القبائل المعقلية العربية (بني هلال، بني حسان). إن انصهار كل هذه المكونات البشرية في بوثقة اجتماعية وثقافية وعرقية محددة، هو الذي أعطانا مجتمع البيضان. هذا المجتمع الصحراوي القديم والأصيل، المختلف عن المجتمعات المحيطة به، الذي عرف كيف يتكيف بذكاء وشجاعة مع قساوة الصحراء، من خلال إحيائها واستخدام مواردها ببراعة عنيدة (ص. 43). فأبدعوا وابتكروا وتفننوا في استخدام مهاراتهم وملكاتهم المحلية للتخفيف من شظف العيش بالمجال الصحراوي، المتسم بصعوبة المناخ وندرة الموارد. ذلك أن ما ميز المجتمع البيضاني إلى غاية فترة السبعينيات من القرن الماضي، كما يرى عبد الودود ولد الشيخ، هو طريقة الحياة البدوية التي زودتها تربية الماشية بكل مواردها3.
ثانيًا: عن الحياة المادية للرحل:
إن التنقل والترحال الدائم الذي يميز الجماعات البدوية، فرض عليها العيش وفق مجموعات صغيرة تربط بينها علاقات قرابية وعائلية وذلك تحت مسمى “فريك” أو المخيم. وهو عبارة عن مجموعة من الخيام، على رأسها خيمة الزعيم، التي تنصب دائما في الوسط بعيدة عن الخيام الأخرى.
إن المخيم البيضاني كما تصفه دي بويغودو هو قرية قابلة للنقل والتفكيك. تجتذبه المراعي ويختفي باختفائها. حينما تقضم الماشية آخر نبتة أو ورقة، تفكك الخيام وتحمل على ظهور الإبل، ويمتد المسير لبضعة أيام على هدى الخبرة والمعلومات المأخوذة عن رسول أو مسافر، إلى أن يتم الوصول إلى مرعى آخر، وفي ظرف ساعتين أو ثلاث، يعاد بناء قرية جديدة، مشابهة تماما لسابقتها (ص. 54). ونفهم من ذلك أن المخيم هو بالدرجة الأولى خلية سكنية أساسية في المجتمع البدوي البيضاني. ويتعلق الأمر هنا، كما يرى الباحث سيباستيان بولاي (Sébastien Boulay)، بعملية إعادة تجميع الخيام في نفس المكان، وبالتالي للأسر النووية، التي يتم تنفيذها وفقا لمعيار الانتماء المشترك، الحقيقي أو المفترض، لنفس المجموعة القرابية4.
وفي الواقع، إن الترحال في وحدات قرابية صغيرة، حتمته الظروف الإيكولوجية واقتصاد الندرة، حيث يظل لفريك الأفق الاجتماعي للفرد طيلة السنة، فحياته اليومية وممارسته الاجتماعية تجد ميدانها في لفريك5. ومن ثم يمكن فهم لفريك بوصفه شكلا من أشكال التنشئة الاجتماعية لدى البدو الرحل.
لتلطيف الجو وتليين صعوبة العيش البدوي في القفار، أحاط البدو المخيم بمجموعة من العادات، منها عادات التسلية والمرح. تقول أدويت في هذا الشأن: “في المساء توقد النيران أمام الخيام، فيجتمع حولها الناس في سهرات طويلة لمناقشة شؤونهم الجماعية وسماع روايات المسنين والقصائد المرتجلة من طرف الشعراء. أما في الأعياد، فيجري تنشيط “الساحة الكبرى” في القرية المترحلة، أمام مضرب الزعيم أو خيمة الضيوف، بالرقصات والأغاني على إيقاع الطبل وألعاب اليافعين والرعاة” (ص. 55).
الخيمة هي بيت البيضاني بامتياز، المنسجم مع عاداته والمتكيف تماما مع المناخ وطبيعة التربة. هكذا عرفت أوديت الخيمة، التي تسمى في منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب ب “لفليج”6. وبعدها وقفت الكاتبة عند أوصاف الخيمة ومواد صنعها وتقاليد البيضان في ذلك. تقدم دي بويغودو معطيات دقيقة ومفصلة عن نوع الشعر والصوف الذي يُعتمد في حيك الخيمة والاختلاف القائم بين الشمال (وادي نون، وادي درعة وزمور) والجنوب (موريتانيا). هذا بالإضافة إلى الإشارة إلى معلومات هامة عن طول وعرض الخيمة وشكلها الهندسي وأوتادها، وطريقة بنائها وكيفية نصبها والمهارات التقنية المعتمدة في ذلك، مع ذكر أمثلة للخيام التي عاينتها (خيمة ولد الشيخ سيديا، خيمة أمير تگانت) (ص. 57). كما تقدم أوديت رسومات غنية توضح ما تم الإشارة إليه.
من المعلوم أن حياة البداوة تتميز بكثير من البساطة والندرة. ويظهر ذلك بوضوح على مستوى طبيعة الأثاث المستعمل لتأثيث الخيمة كفضاء للعيش البدوي. تقول دي بويغودو في هذا الإطار: الأثاث مبسط للغاية وكل قطعة تحمل علامة البداوة. لا يمكن للمرء أن يرى تحت خيام البيضان إلا الأشياء التي من السهل طيها أو لفها أو تعليقها، وتكون متينة ومرنة، تستخدم في الحل والترحال (ص. 68). بعد ذلك، تنتقل الكاتبة إلى وصف العيش تحت الخيمة، حيث استعرضت جميع الوقائع، والأحداث، والعادات، والممارسات الاجتماعية التي تميز حياة الرحل داخل الخيام، على اعتبار أن الخيمة هي رمز البداوة بامتياز.
إلى جانب الترحال الذي شكل نمط أغلب البيضانيين، هناك أيضا استقرار لبعض السكان في القرى والمدن القديمة المسماة بالقصور “ﮔصر”. وهو استقرار ظاهري، جزئي، وموسمي لبعض العشائر أو العائلات، المضطرين إلى الإقامة لفترة من السنة لأداء واجباتهم أو تتبع مصالحهم (ص. 85).
تُقسِّم أوديت ﮔصور البيضان إلى مجموعتين متمايزتين للغاية: القصور الطينية، باللبنات أو الحجارة المبنية المكسوة بالطين السميك الممزوج بالقش، وقصور الحجر الأجرد المقصب بعناية فائقة بحيث لا تظهر فيه أي كوة مهما كان شكلها (ص. 88). إذا كانت الخيمة هي بيت البدوي، فإن بيت المقيم هي: الدار. وهي تبدو كقلعة صغيرة مغلقة، محاطة بسور يتراوح ارتفاعه ما بين مترين وثلاثة أمتار (ص. 91). وتتكون من باب المدخل، الحوش، الغرف، الأسطح. أما الأثاث فلا يختلف مطلقا مع أثاث الخيام، فهو نفس الحصائر وجلود الخرفان السوداء، باستثناء منازل الأثرياء التي تستعمل فيها الزرابي المغربية.
وفي نفس الإطار، تلاحظ الكاتبة أن الحياة في المدينة التقليدية تخضع لنفس الإيقاع والعادات المتواجدة في البادية. وكذلك هو الأمر أيضا بالنسبة للعلاقات الأسرية، فهي مطابقة بالطبع لأن ما ينظمها ليس نوع السكن، وإنما تصورات البيضان الدينية والأخلاقية (ص. 120). بالإضافة إلى الخيمة والمنزل تتطرق الباحثة إلى نوع ثالث من المسكن، وهو الكوخ الذي يسمى ﺑ”الخص” جمعه “أخصاص”، وباللهجة المحلية يدعى “تيِكِّيتْ”. وهذا النوع من البيوت مخصص للمزارعين بالواحات، وحقول الدخن وممتهني الصيد وبسطاء الناس عموما في الساحل الجنوبي لتراب البيضان.كما يعتبر المسجد من الأشياء الضروري توفرها في الگصر. لكن رغم ذلك يفضل البيضان، كما تقول أوديت، إذا ما استثنينا صلات الجمعة المعظمة، أداء واجباتهم الدينية في بيتهم مع أسرهم، لإمامة صلاة النساء اللواتي يجهلن عادة الذهاب إلى المسجد (ص. 125).
وإجمالا، شكلت المدن القديمة في صحراء البيضان، ومنذ سنوات طويلة، موضوع العديد من الدراسات، ولعل ذلك ما يبدي أهميتها. وقد أبت الباحثة إلا أن تقف ولو بشكل موجز على أهم تلك المدن، من خلال الإشارة إلى أسباب تطورها، والتركيز على عادات وصناعات سكانها. ومن المدن التي ركزت عليها نذكر: شنقيط، آزوكي، أطار، تندوف، ودان، آسا، تگانت، تيجكجة، تالمست، قصر البركه، تيشيت، ولاتة.
أما بخصوص اللباس كمكون أساسي من مكونات الحياة المادية، فقد خصصت له الباحثة الإثنوغرافية دي بويغودو جزءا خاصا. وقسمته إلى نوعين: اللباس الرجالي ولوازمه، ثم لباس وحلي المرأة. يتكون زي البيضاني التقليدي من أربع قطع رئيسية: رداء طويل فضفاض (دْرَّاعَة)، السروال، العمامة (الْحَوْلِي)، ونعال خفيفة (أَنْعَاْيْل). وأستغل المناسبة هنا، للتشديد على ما للباحثة من ملكات بارعة في الملاحظة وتقصي المعلومة، ذلك أنها تبهر القارئ دائما بالوصف الدقيق والمركز للوقائع والأشياء. وهكذا، فبالنسبة للملابس تشير الكاتبة إلا أنها كلها من القطن، سواء كانت رجالية أم نسائية.كما تؤكد على أن البيضان يفضلون اللون الأزرق النيلي بمجموع سلمه، من الأدكن إلى الأكثر إشراقا، لأنه يعتبرونه اللون الألطف للعينين تحت شمس الصحراء القاسية. أما الأبيض فيبهر، ولا يتم ارتداءه إلا في الواحات، في ظل المنازل والأشجار (ص. 220).
تقف الباحثة بعناية تامة على كل مكون من مكونات اللباس الرجالي، واصفة شكله وطوله وطريقة خياطته ودوره ومدى ملاءمته للمناخ الصحراوي. ثم تنتقل إلى ذكر بعض المعدات واللوازم التي تصاحب اللباس لدى البيضان، والتي تشكل، على نحو ما، جزءا من بدلة الرجل، مثل الحافظة (أَقْرَاْب)، ملقط الأشواك، مفاتيح الأقفال، الخناجر.كما أثارت مسألة الاعتناء بالأبدان عند الرحل انتباه دي بويغودو، حيث تشير إلى أن ندرة المياه التي يكابدها الصحراويون بشكل شبه مستمر تحول بينهم وبين عادات النظافة. وفي المقابل يستعملون مواد أخرى لتنظيف الجلد أو الشعر أو الأسنان كالشحم أو الزبدة أو الأصماغ العطرية أو القرنفل أو مسحوق الأوراق الزكية، أو عود المسواك بالنسبة للأسنان. وتضيف النساء مواد أخرى للتجميل كالحناء والكحل.
أما بالنسبة للباس المرأة البيضانية فيقتصر على قطعة وحيدة من القطن الأزرق الداكن، تسمى “ملحفة”، بالإضافة إلى النعال. ويستلزم صنع هذا الخمار الكبير نصف قطعة (نص بيصة) من قماش غينية (النيلة) أو شنظورة ذات الخمسة عشر مترا، والذي يقسم بدوره إلى قطعتين تجمع حاشياتهما بالتلفيق (ص. 254). وبما أن النساء البيضانيات يبدين ميلا مفرطا إلى التزين كما تقول أوديت دي بويغودو، فإن الباحثة شاءت أن تقدم وصفا لأهم الحلي الذي تضعه المرأة البدوية للتجمل وإبداء زينتها، ومنها القلادة (كْلادَهْ) والأساور الفضية (الدبليج) والخلخال والخاتم وأقراط الأذن (بَدْلَهْ).
ثالثًا: حول الحياة الأسرية:
لا شك أن الأسرة هي الوحدة الأساسية في كل المجتمعات البشرية على اختلاف أنماطها وأشكالها. لذلك أعطت الإثنوغرافية دي بويغودو قيمة كبيرة للحياة الأسرية في مجتمع الرحل، واصفة نظام الأسرة البدوية ومراحل تكوينها، مع التركيز على أهم العادات والممارسات الاجتماعية المصاحبة لكل مرحلة على حدة. وقد انطلقت في البداية من التذكير بالأصول الثقافية التي تحكم تلك العادات والتقاليد، والمتمثلة أساسا في العادات الأمازيغية العريقة في القدم، والثقافة الإسلامية. ينبني الزواج أو التزويج في المجتمع البيضاني، كما تقول أوديت، على النظام الأمومي القائم على الزواج الأحادي، الذي يعطي للرجل الحق في الزواج بامرأة واحدة إلا في بعض الاستثناءات التي تظل سرية وأندر من أن تغير الطابع التقليدي للأسرة البيضانية (ص. 311).
وعلى هذا الأساس، فإن الزواج المبكر هو من العادات الجوهرية التي تربى عليها المجتمع البدوي. إذ يعتبر تكوين أسرة غاية كل إنسان بدوي بلغ سن الزواج، المحدد في الثانية عشر أو الثالثة عشر بالنسبة للفتاة والثامنة عشر بالنسب للشاب (ص. 312). وفي الواقع، يعتبر الزواج في المجتمع البيضاني شأنا اجتماعيا مقدسا. ولذلك أعطاه البدو قيمة كبيرة، وحفوه بكثير من العناية. فبمجرد بلوغ الأبناء سن الزواج المحدد يبدأ الأهل بالبحث عن الزوجة المناسبة لولدهم، والتي تكون غالبا من نفس القبيلة أو العشيرة.
وفي هذا السياق، توقفت الباحثة بإيجاز عند أهم العادات الاجتماعية المواكبة لعملية الاختيار وشروطها سواء بالنسبة للشابين أو لأسرهما. كما أشارت الكاتبة إلى الزواج المحظور المسمى “أَتْمْحْرِيمْ” أو المحارم، والذي يستند إلى الشريعة الإسلامية. ويعد المهر أو “اصْدَاقْ” أهم شرط في عقد الزواج (كَتْبْ). فبعد موافقة والد الفتاة المخطوبة، فإنه يقوم رفقة ممثل الفتى وشاهدين اثنين بالمثول أمام القاضي لإبرام العقد (ص. 315).
وفي هذا الشأن ترى الباحثة أنه في الماضي، لم يكن بالإمكان دفع المهر إلا على شكل إبل أو أبقار أو أغنام أو ماعز، وفقا لمرتبة القبيلة. أما اليوم فقد أصبح من المقبول أن يتم دفعه على شكل نقود أو قطع من قماش النيلة أو سلع أخرى (ص. 316). هذا وقد توقفت الكاتبة عند ميزة خاصة عند البيضان وهي الزواج الأحادي أي في مقابل الزواج المتعدد. فتعدد الزوجات ليس له مكان في ثقافة المجتمع البيضاني رغم أن الشريعة الإسلامية تتيح ذلك بل وتشجع عليه. كما يتميز بدو البيضان بالبساطة في مراسم الخطوبة، لأن إبرام العقد هو الشيء الأساسي والأهم في المسألة. أما بالنسبة لحفل الزفاف فالأمر مختلف، حيث يشكل فرصة للاحتفال والمرح وإظهار مجموعة من الطقوس والممارسات الاجتماعية التي تعزز لديهم الفخر بهويتهم وثقافتهم.
لا يمكن الحديث عن الزواج في أي مجتمع من المجتمعات إلا ويحضر معه الطلاق. وهو أيضا أمر غريب عند البدو، فإذا كان الطلاق في باقي المجتمعات فعلا ناقصا وغير مستحب، فإنه في الصحراء حدث عادي بل يجلب الفرح، لأن المطلقة ستعيد الزواج مرة ثانية. إلا أن ذلك لا يبيح الطلاق أو أن يأخذ كذريعة لتطبيعه. بل إن البيضان كما تقول اوديت، كثيرا ما يفضلون التغاضي عن عثرات الحظ طالما لم تشكل موضوعا لفضيحة علنية (ص. 325). وبالتالي فإن الطلاق لا يحدث إلا في الحالات القصوى كالخيانة. كما أن للمرأة الحرية في أن تطلب طلاقها، إذا ما تعرضت للإساءة.
هذا ويشكل الطفل عامل استمرار أي زواج في المجتمع البيضاني. فالطفل كما تقول أوديت هو دوما المحور الرئيسي لانشغال الرحال (ص. 312). وبالتالي فهو غاية كل زواج بيضاني. إن الأولاد هم أساس الحياة ومستقبل القبيلة. وهم أيضا عنصر تلطيف لنمط عيش يتضمن القليل من اللطافة (ص. 327). ولكل هذه الأسباب يعطي البيضان قيمة كبيرة للحمل والولادة، ويحفونها بكثير من العناية والمعتقدات والممارسات الاجتماعية.فالحمل والخصوبة عند نساء البيضان هما مصدر اعتزاز بالنسبة لهن. بينما يعد العقم من أكبر مسببات الطلاق، فعدا عن خيبة أمل الزوج في الأبوة، هناك تصور موجود على الأقل لدى الأسر الأمية والمتطيرة بأن العاقر امرأة مشؤومة، وأنها تجذب الأرواح الشريرة التي تتملكها فتمنعها من الحمل (ص. 329). ولذلك فقد أولى البدو اهتماما كبيرا بالولادة، وخصوها أيضا بطقوس خاصة. ويبدأ هذا الاهتمام منذ ظهور أولى علامات الحمل، حيث تعطى للحامل الأولوية في لبن النوق المقوي، ويسعى محيطها جاهدا إلى تلبية كل رغباتها، خشية من أن يكون لانزعاجها تأثيرات سلبية على بدن الطفل وصحته وشخصيته (ص. 329).
تمثل الولادة أو النفاس (نَفْسَت) حدثا ذا شأن كبير في المجتمع البدوي. وهو أيضا مناسبة ثقافية واجتماعية تزخر بالعديد من الطقوس الفريدة، فصلت فيها كثيرا الباحثة دي بويغودو. وهي عادات متنوعة، ويكون تنوعها وفق مدى تدين وتعلم أو جهل وخرافية القبيلة التي تنتمي إليها الأسرة، ومدى ترحلها وثرائها (ص. 333). غير أن اليوم السابع بعد الولادة أو ما يسمى بالعقيقة (“سَمَّى” أو “لَسْمْ”) هو أكثر الأيام أهمية في حياة المولود الجديد، ففيه ينال هويته وموقعه في الحياة العائلية والاجتماعية (ص. 333).
وإجمالا، تتم هذه العملية وفقا لعادات اجتماعية خاصة، تستمد مرجعيتها أساسا من الشريعة الإسلامية ومن الثقافة البدوية. وهكذا يصبح الطفل بعد ولادته وتسميته محور انشغال الأم والأسرة البدوية. حيث تحرص على تنشئته ونموه. وتبدأ العملية بالرضاعة الطبيعية سواء من طرف الأم أو إحدى القريبات، إذا ما كانت الأم عاجزة أو توفيت. ثم بعد الفطام الذي يكون بحليب الماشية المخفف بالماء، يصبح طعام الطفل حليبا أو نباتيا بالكامل تقريبا: اللبن، الشعير، الدخن، القمح، الأرز، التمور (ص. 339). ويشكل المخيم الإطار الذي تتم فيه عملية التربية والتنشئة الاجتماعية للطفل. فبالمشاركة في كل مظاهر الحياة البدوية داخل المخيم، يتعلم الطفل ويبرز شخصيته المستقلة والجريئة. فالترحال في حد ذاته، كما تقول الباحثة، مدرسة للتحكم والإقدام والتحمل والتضامن والتجرد. والتربية التي يتلقاها البيضاني الصغير، تتمحور حول هذه الفضائل الضرورية للرحل (ص. 341).
وفي الواقع، إن ما لاحظناه في وصف الكاتبة هو أن حتى لباس الطفل يتماشى مع ظروف الصحراء وخصائصها وثقافة أهلها. فأطفال البيضان كما تقول أوديت، لا يرتدون أي لباس حتى يبلغوا سن العاشرة. ذلك أن الطفل الذي يعيش عاريا في الشمس، في الرمل والريح هو دوما نظيف ومشع (ص. 343).
وتختم الكاتبة هذا الفصل المتعلق بالحياة الأسرية بالحديث عن عادات الختان وتسمين الفتيات كمحطات تعلن عن نهاية الطفولة والدخول في مرحلة المراهقة. كما قدمت إشارة مقتضبة عن مسألة الوصاية التي تبدو بسيطة في المجتمع البدوي، أما التبني فلا وجود له لدى البدو، مادام أن التخلي عن طفل ما بسبب الإهمال هو من الأمور التي لا يمكن تصور حدوثها داخل تراب البيضان (ص. 357).
رابعًا: في الحياة الثقافية:
تستعرض الكاتبة في هذا الفصل أهمية العلم وتعلمه في ثقافة أهل الصحراء، مع التركيز على وصف أهم ملامح الحياة الثقافية والعلمية في المجتمع البيضاني. ينبني التعليم في المجتمع البيضاني على ما يسمى ﺑ”الْمَحَضْرَهْ”. ويشير المصطلح إلى مدرسة الرحل بصفة عامة، بغض النظر عن درجتها: مدرسة قرآنية صغيرة أم معهدا للتعليم الثانوي. أما بالنسبة للتلميذ، متمدرسا صغيرا كان أم طالبا، فهو مَحَضْرِي. ويطلق على الأستاذ لقب لْمْرَابْطْ، أي المرابط. أما كبار الفقهاء والعلماء فيدعى الواحد منهم الشيخ، ج. لَشْيَاخْ، ويدعون الطلبة (م.طَالَبْ) في الشمال والشرق ويسمون الزّْوَايَا (م. زاوي) في لْگَبْلَه بالجنوب الغربي (ص. 360).
ترى الباحثة أن التعليم بكل مستوياته من اختصاص الزوايا أو الطَّلْبَهْ.كما أن هذه الطبقة المتدينة والمثقفة هي التي توفر أغلبية التلاميذ، أما الأكثر حمية، أي “لعرب” أو “حسان”، فلا يعلمون أطفالهم إلا لياقة أو زهوا، وتكفيهم قصار السور وبعض مفاهيم الكتابة والحساب (ص. 362).
وفي الواقع، إن المكانة العالية التي حظي بها التعليم في المجتمع البدوي البيضاني، أثارت إعجاب العديد من الرحالة الذين زاروا الصحراء خلال القرن التاسع عشر. ومن بينهم الرحالة الفرنسي كاميل دولز (Camile Douls) الذي يقول بأن “التعليم والذكاء عند البيضان، وصل تطورا يشكل مفارقة صادمة مع طبائع المسلمين الحضريين الذين يقطنون في أفريقيا الشمالية. حيث يكاد جميع البدو الرحل يعرفون الكتابة بالعربية“7. يتميز التعليم في مجتمع الرحل بتنظيم محكم. ويعتمد على التدرج وعلى الانضباط الصارم في تلقي العلوم والمعارف. يبدأ التعليم عند الطفل بتعلم الحروف والصلوات والأمثال المنظومة، ثم يكرس سنواته التعليمية الأولى لتدارس القرآن وحفظه عن ظهر قلب (ص. 336). وقد توقفت الباحثة بعناية شاملة على المسار التعليمي في المجتمع البدوي، وما يعتمده من وسائل بيداغوجية تقليدية، وواجبات المتعلم والمعلم وحقوقهم. وطبيعة الأسلوب التعليمي، وأشكال العقوبات، ونوعية العلاقة التي تربط المدرس “الطَّالْبْ” بأهل التلاميذ وأوليائهم.
بعد أن يحفظ الطفل القرآن ينتقل إلى التعليم الثانوي، والذي يُخَصَّصُ في البداية لتعلم العلوم الشرعية، والتفسير، وعلم القراءات، والنحو، وقواعد اللغة العربية الفصحى. ثم تليها سنوات أخرى من تلقي العلوم والدراسات الأدبية: الرياضيات، الجبر، الجغرافيا. إن الميزة الأساسية لهذا الصنف من التعليم المرتبط بالانتجاع الرعوي، هو التثقيف المتزامن لروح وفكر وبدن الرَّحَّالْ الصغير، ذلك أن التعليم يربي الأطفال وينمي لديهم عادات الصبر والشجاعة والتضامن والاحترام والتحكم في النفس (ص. 362). ويشكل التعليم العالي مرحلة متقدمة من التعلم وكسب المعرفة والعلم في المجتمع البيضاني. حيث تزخر قصور البيضان بمجموعة من المراكز الثقافية، ومدارس ومعاهد الرحل التي تقوم بدور الجامعات الصحراوية. والتي تعتبر منارة للفكر بفضل الأساتذة والتلاميذ من قبائل الزوايا. وتعد شنقيط بالنسبة لأوديت دي بويغود نموذجا للمدن الجامعية، حيث كانت بمثابة العاصمة الثقافية للبيضان بفضل من يتواجد بها من علماء وتلاميذ يأتون من كل البقاع لأخذ العلم والدين من أشياخ وفقهاء ذائعي الصيت. ولعل ذلك ما يبرر تسمية تراب البيضان ببلاد شنقيط (ص. 376).
وغني عن القول أن الترحال لا ينسجم مع التعليم العالي، لأنه لا يساعد على إنشاء مكتبات كبيرة وثقيلة الوزن يمكن جمعها ونقلها بشكل مستمر. ولذلك ابتكر علماء البدو نوعا من مدارس التعليم العالي، تسمى “مخيمات جامعية”. وتتواجد على مقربة من نقط الماء الوفيرة والمراعي المتنوعة، الملائمة لمختلف أنواع الماشية والأراضي الصالحة للزراعة. وهي عبارة عن قرى حقيقية من الخيام وأكواخ القش والأكواخ الطينية الثابتة في مكانها (ص. 384). وتكون هذه المخيمات الجامعية في غالب الأحيان عبارة عن زوايا صوفية يديرها أشياخ وفقهاء تسند لهم مسؤولية الإدارة الدينية لها، غير أنها سرعان ما تطورت بدخول التعليم العصري إليها مطلع القرن العشرين بعد دخول الاستعمار الفرنسي إلى المنطقة. رغم أن الثقافة التقليدية ما تزال حية، ولديها دائما زواياها وطلبتها وعلماؤها وشعراؤها (ص. 392).
خامسًا: عن فنون الصناعة التقليدية:
تتحدث دي بويغودو في الفصل الخامس من الكتاب عن عناصر من الصناعة التقليدية عند البيضان، وعن بعض مهارات البدو الرحل في هذا المجال. وقد ركزت الكاتبة أساسا على عدة ركوب الإبل باعتبارها تتكون من أشياء محورية في الحياة البدوية. فكما لا يمكن تصور بداوة دون إبل، لا يمكن تخيل سفر وتنقل في الصحراء دون عدة ركوب الإبل.
وقبل الخوض في الثراء والبراعة الفائقة في الصناعة عند الصحراويين، كان مفيدا للكاتبة أن تحدثت أولا عن ماهية عدة امتطاء البعير أو ما يسميه البدو ﺑ”الرَّاحْلَهْ”. إنها قاعدة العيش على الترحال. إنها المثال على التكييف المضبوط للشكل مع الاستخدام، ولصلابة المواد وبساطتها مع لطف التزيين، وعلى الجمع المتناغم في هذا التزيين ذاته ما بين الرمز الباطني والسحر الواقي أو العدواني (ص. 395). هكذا وصفت أوديت “الرَّاحْلَهْ” أو عدة ركوب الإبل، ويبدو أنه وصف جامع لكل الأوصاف. فهي أساس الانتجاع الرعوي ورحلات الحج والقوافل التجارية العابرة للصحراء. وفي سياق متصل، تشير دي بويغودو إلى أن الرحال تصنع من طرف لمعلمين (أي الصناع التقليديين)، فيما يتعلق بكل ما هو خشبي أو معدني. أما عمل الجلد، من دباغة وخياطة وصباغة وتزيين، فمن اختصاص نسائهم (ص. 395).
وقد وقفت الباحثة بحس إثنوغرافي رفيع، على كل تفاصيل صناعة “الرَّاحْلَهْ” من مواد خام، وطريقة التصنيع، وشكله، ولونه، ومكوناته ولوازمه. كما أغنت الكاتبة عملها برسومات باهرة تعبر خير تعبير عن مهارة وإبداع الصانع البيضاني وبراعته، لأن الرسم أكثر تعبيرا من الكلمات. وعموما، تتكون عدة ركوب الإبل من العناصر التالية (ص. 403-412):
- اللَّبْدْ أو بِساط الرَّحْلِ المبطن، وهو عبارة عن جزء من جلد الخروف على شكل نصفي دائرة منضدين ومفصولين بواسطة حشو سميك من الصوف والخرق أو بقايا الجلد.
- البطان أو الْغَرْظَهْ، وهو عبارة عن حزام، وفي أحيان أخرى يكون مجرد ضفيرة مسطحة من الجلد أو الصوف.
- الحبل المذيل أو آسْفْلْ، وهو حبل مصنوع من جلد الخروف أو الظبي، ذي ضفيرتين أو ثلاث، طوله من أربعة إلى ستة أمتار.
- الخطام أو خْزَايْمْ، وهو عبارة عن حبل بسيط يربط بين يد الهجان وحلقة النحاس، المسماة الخرص، التي توضع في الفتحة اليمنى من أنف البعير، فيمرر من تحت الذقن ليرتفع وصولا إلى يد الراكب.
- حصير من جلد الخروف أو إِلِيوْشْ، الذي يمدد في الرحل ليكون أكثر راحة.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن رَحْلُ المرأة يختلف عن رَحْلِ الرجل، فعدة الركوب المخصصة للنساء هي بالطبع أثرى من حيث التزيين وأكثر راحة (ص. 415). ويعود هذا الاختلاف بالتأكيد لكون رَحْل الرجل يميل إلى تسهيل الاستخدام والتخفيف والمتانة والدوام. أما رِحَالُ النساء فيتطلب أناقة الشكل وزخرفة المكونات والمواد، كما تضاف إليها عناصر نسائية أخرى تساعد على راحتهن وراحة أطفالهن الصغار.
وفي نهاية هذا المؤلف، تورد الكاتبة رسومات لم يسبق نشرها لأدوات وأثاث ولعب مختلفة مصنوعة من مواد تقليدية، تبرز مهارات الإنسان البيضاني الذي تفنن في استخدام عبقريته وذكائه للتكيف مع نمط العيش البدوي. كما قدمت الباحثة معطيات تعريفية وتقنية عن كل عنصر من تلك المصنوعات. لينتهي بذلك هذا العمل الإثنوغرافي الهام، الذي استطاعت من خلاله أوديت دي بويغودو، بكفاءة عالية، تقديم صورة مادية ومعنوية لثقافة البيضان بتجلياتها المختلفة. ومن ثم يكون هذا المؤلف شاهدا على ثقافة فريدة على وشك أن يطالها النسيان بفعل هبوب رياح الحداثة والعولمة، إنها “ثقافة الرحل” (Nomadic culture).
الهوامش
1 أنظر في هذا الصدد:
Carlos Jinquera Rubio, «El nomadismo en los “estudios saharianos” de Julio Caro Baroja», Observatorio Medioambiental, vol. 11, 2008, p 261.
2 Robert Montagne, La civilisation du désert : Nomade d’orient et d’Afrique, Hachette, paris, 1947, p 13.
3 Abdel Wedoud Oueld Cheikh, Nomadisme, Islam et Pouvoir politique dans la société maure précoloniale (XIe-XIXe siècles), Université Paris V, 1985, p 95.
4 Sébastien Boulay, «Genèse, représentations et usages de l’espace de la famille chez les bédouins maures (Mauritanie) », Revu Espaces et sociétés, n° 120-121, 2005, p 146.
5 Ibid, p 146.
6 بيير بونت، الساقية الحمراء مهد ثقافة الغرب الصحراوي، ترجمة وتقديم حسن حافظي علوي ومحمد الناصري، منشورات لاكروازي دي شومين، الدار البيضاء، 2014، ص 135.
7 كاميل دولز، خمسة أشهر لدى البيضان في الصحراء الغربية، ترجمة حسن الطالب، منشورات مركز الدراسات الصحراوية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، 2015، ص 109-110.