جوناثان بيرت، الجرذ التاريخ الطبيعي والثقافي، ترجمة معن أبو الحسن، ط1، 2010، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (مشروع كلمة)، 215 صفحة.
انتقل الطاعون الأسود عبر السفن التجارية من الصين خلال القرون الوسطى، فما قصة هذا الوباء القاتل في علاقته بالجرذان؟ وكيف تعامل الإنسان مع هذه القوارض عبر التاريخ؟
يُعتبر وباء جستينيان (الامبراطور) أول جائحة للطاعون الدبلي في العالم القديم، ضرب المجال المتوسطي بين سنوات 541 و760م، وتحديدا مناطق الإمبراطورية البيزنطية، والمرجح أن هذه الجائحة ناتجة عن عصية الدبلي، وهي العصية الوبائية التي تحملها البراغيث المصابة، نقلته عبر السفن التجارية القادمة من شرق آسيا، وقد أودى هذا الطاعون آنذاك بحياة الملايين من الناس (10 في المائة من سكان العالم آنذاك)، لكن الضربة القوية لهذا الطاعون ستأتي لاحقا، وذلك منتصف القرن الرابع عشر، وقد نشأت في الصين مهد الأوبئة كما ذهبت الأبحاث اللاحقة، وانتقلت إلى العالمين المسيحي والاسلامي، واستمرت ما يزيد عن ثلاثة قرون من الزمن، وقد بدأت في الانحسار تدريجيا ابتداء من القرن 17 في أوروبا الغربية لأسباب لاتزال مجهولة، لكنها لم تختف نهائيا من شمال افريقيا والشرق إلا مع بداية القرن العشرين.
يعد الموت الأسود أخطر طاعون عرفته البشرية، أودى بحياة حوالي نصف سكانها آنذاك، ونعت بالأسود لأنه كان ينتقل من الجرذان التي تحمل هذا اللون، لكن كيف كان ينتقل من هذه القوارض للإنسان؟ كان يتم ذلك عبر وسيط وناقل هو البرغوث.
يرتبط الطاعون كوباء قاتل ارتباطا وثيقا بالجرذان، مما يعني أن هذه القوارض كان لها تأثير كبير في التاريخ الانساني، ولم تُفهم العلاقة بينه وبين الجرذان علميا إلا في العقود الأخيرة من القرن 19م، لكن كانت هناك شواهد قبل ذلك تربط بينهما، لكنها لم تصل لدرجة اليقين، ففي العهد القديم وردت إشارة واضحة إلى ما أطلقت عليه “مرض طاعون القوارض”، وذلك أن وجودها كان يتزامن مع الطاعون، فاعتبرت نذير شؤم باقتراب وقوع الكارثة، وفي منتصف القرن 17م نجد إشارات في مراجع أوربية عن تزامن الوباء مع موت الجرذان، وفي المراجع العربية واللاتينية الشرقية نقف على ملاحظات وردت بشأن ترافق الموت الأسود خلال القرن 14م مع موت الجرذان، فابن سينا في أبحاثه حول الطاعون يشير إلى إحدى العلامات المميزة لظهوره ويتعلق الأمر بخروج الفئران من جحورها السفلية إلى سطح الأرض وموتها، كان التفسير آنذاك هو أن الحيوانات وخاصة القوارض تدرك خطر الميزم (النتن الصاعد)، وفي رسالة حول الطاعون التي كتبها توماس لودج يقول: “وعندما كانت الجرذان والخلد والمخلوقات الأخرى تهجر جحورها فإن ذلك كان نذيرا بفساد تلك الجحور” .
إن فكرة خروج الجرذان والفئران من جحورها تعود للفيلسوف المسلم ابن سينا كما ذكرنا، وهذا الرأي السابق للعلم تبين لاحقا أنه صحيح، كما أن فكرة السيطرة على الجرذان والقضاء عليها للسيطرة على الطاعون توجد في نصوص تعود لسنة 1894م، وعليه فقد راجت في الماضي فكرة كون الجرذان نذيرة بالطاعون، لكنها لم تستطع تقديم تفسير مقنع.
ظل الطاعون الأسود، الذي انتقل من آسيا (الصين تحديدا) إلى باقي العالم يقتل الناس بين القرن 14م وإلى حدود القرن 19م، دون أن يعرفوا له سببا محددا، صحيح أن موت الجرذان قبل اندلاع الطاعون كان من أهم الملاحظات التي وردت في الكثير من الروايات والشهادات، بيد أن التحقق منها استدعى زمنا طويلا، ولم ينته العالم من كابوس الموت والذعر إلا بعد اختراع المصل المضاد لعصية الطاعون الدبلي، وذلك بعد أن تم فك عقدته سنة 1894م، وتم تطوير لقاحات مضادة له في العقد الأول من القرن العشرين، حيث تم فهم ماهية المرض، وكُشفت أسراره التي ظلت عصية عن التفسير لقرون طويلة.
في سنة 1894 توصل ألكسندر يرسين وإميل روكس إلى كون الطاعون مرض الجرذ-برغوث وتأكدت هذه الحقيقة في تجارب الفرنسي سيموند سنة 1897، بيد أن هذه النظرية لم تجد لها أنصارا في أماكن أخرى، ففي الهند رفضت لجنة الطاعون الافتراضات اليرسينية في البداية وظلت متشبثة بكون الجائحة مرتبطة بالفقر والقذارة والطبقات الفقيرة، وحتى في سان فرانسيسكو وحين ظهرت أول حالة وفاة بالطاعون في الحي الصيني بها في مارس 1900 تم الحجر عليهم، وقد تعرضوا لإحراق منازلهم واشتعلت النيران في جزء كبير من الحي المذكور، فالصحافة في المدينة الأمريكية آنذاك كانت تربط الطاعون بالعرق الأسيوي وتكرس التمييز العنصري، ولم يحتل الجرذ مكان المهاجرين بهذه المدينة باعتباره المسؤول عن نقل الوباء إلا سنة 1907.
يَحضر الجرذ باعتباره مسؤولا عن الوباء في رواية ألبير كامو، وتدور وقائع الأحداث في مدينة وهران الجزائرية، حيث الجائحة كانت عنيفة جدا. الرجال والنساء يتساقطون صرعى أمام قوة الوباء، وتزايد حالات الموت أمام عدم اكتراث سلطات وهران أدى إلى تفاقم الوضع وخروجه عن السيطرة. وحين عثر على جرذ ميت أمام عيادة الطبيب ريو لم يتم التدخل، ففات الأوان بعد نفوق كل جرذان المدينة حاملة الوباء لكل الأحياء.
هكذا تحضر العلاقة بين الطاعون والجرذان بعدما كانت قد تأكدت علميا قبل زمن كتابة كامو لروايته، لكن ما يثير الانتباه هو أن رواية الطاعون تمنح القارئ درسا مهما، وهو توقع الراوي الاستشرافي لعودة الوباء في أي لحظة مستقبلا، فألبير كامو ينهي روايته بعبارات دالة وحكيمة على لسان برنار ريو، الذي كان يستمع إلى صيحات الفرح التي كانت تتصاعد من المدينة حين اختفى الوباء. كان الطبيب يعلم ما يجهله الجمهور الفرح، وهو أن قصيمة الطاعون لا تموت ولا تختفي أبدا، وأنها تستطيع العودة بعد أن تنام لعشرات السنين، إنها تترقب لتعود يوما، ففي كل لحظة يمكن للطاعون إيقاظ جرذانه. لقد ظنت البشرية أن الأوبئة والطواعين العالمية غدت من الماضي بسبب تقدم الطب، لكن كورونا العدو المتطور كسر هذه المسلمة، وأضحينا فجأة فريسة للوباء المجهول.
تنتهي رواية الطاعون بتوقف الوباء وسعادة سكان المدينة إلا الطبيب الذي أدرك أنّ الطاعون مرض خبيث، يختفي لفترة ثم يعود للظهور. كان كامو يقصد بالوباء رمزيا النازية وكل النظم الفاشية، لكن ماذا بشأن الجرذ الذي يحضر اليوم باعتباره المسؤول عن وباء لم يعد موجودا؟ وما العلاقة التي جمعت بينه وبين الانسان عبر التاريخ؟ وكيف يمكن أن نقدم تاريخ هذه الفصيلة من القوارض من وجهة نظر الجرذان؟ ذلك ما يتناوله بتفصيل الإنجليزي جوناثان بيرت في كتابه الجرذ: التاريخ الطبيعي والثقافي.
عثر على بقايا أثرية للجرذان في جزيرة سردينيا تعود لحوالي 3500 مليون سنة، مما يعني أن تاريخ الجرد سابق بملايين السنين تاريخ الإنسان الحديث الذي لا يتجاوز المليونين سنة، وقد استطاعت هذه القوارض التكيف مع البيئات المختلفة بالنظر لمزاياها المتمثلة في حجمها الصغير وامتلاكها قواطع جيدة وأطراف مرنة تسمح لها بالتسلق والجري وجمع الطعام، فهي تشكل نسبة 40 في عالم الثدييات، وتعد الجرذان الأكثر صمودا، فهي تقاوم عبر التكاثر السريع عدديا: أي عن طريق الكمية للتعويض عن حجمها الصغير وافتقارها لأي سلاح مضاد، وهي موجودة في جميع بقاع العالم باستثناء المناطق القطبية، والجرذان تتبع الإنسان حيث ما حل وارتحل، فقد انتقل الجرذ إلى العالم الجديد (أمريكا) عبر السفن الأوروبية منتصف القرن 16م، وقد تكاثر بسرعة رهيبة، وتؤكد الدراسات العلمية أن القوارض (ومنها الجرذان) هي التي سترث الأرض بعد انقراض البشر، مما يؤكد ما ذهب إليه هانز زنسر مؤلف كتاب الجرذ والقمل والتاريخ من كون الجرذ هو ظل الإنسان في الأرض.
الجرذ ظل الله في الأرض لها دلالات أخرى أيضا، فمن معانيها المؤكدة تشابه الفئران والإنسان في أشياء كثيرة، واشتراكهما في الجشع واللصوصية والطمع والتكاثر السريع وسهولة التكيف مع الأوضاع، فالفأر يقلد شهية الإنسان الاستثنائية ورغبته في الاستهلاك، حتى لقد قيل إن “الانسان هو جرذ مفرط النمو”، فالجرذ نموذج إنسان خلق على عجل، بل هو “أمير مسحور”. والغريب، ورغم عداوتهما، لا يملك أي أحد منهما القدرة على تدمير الآخر، ولعل إحدى حالات فرويد الشهيرة بــ “الجرذ الانسان” خير مثال على التماهي بين الكائنين.
اعتبر الجرذ توأم الإنسان بالنظر لتاريخهما المشترك الحالك، ولطالما تم تقديمه نموذجا لذروة الانحطاط في الوقت الذي يمثل فيه الانسان قمة التطور. فلماذا تدنت مرتبة الجرذان في مملكة الحيوان من منظور الإنسان؟
بالتأكيد هناك عوامل متعددة لا علاقة لها تماما بمسؤولية الجرذان عن وباء الطاعون، ذلك أن التهمة لم تتأكد إلا أواخر القرن 19م، وهي الفترة التي بدأت فيها صورة الجرذ تتغير بفعل الولع الناشئ عن جهود الجمعية الوطنية للمعجبين بالجرذان، والتي تأسست سنة 1978.
يتم التمييز عادة بين الجرذان والفئران، فالجرذ ضعف حجم الفأر أربع مرات، وله ذيل طويل وخال من الشعر، ويشتهر الجرذان باللونين الأسود والبني، وهما مختلفان في بعض السمات، فالجرذ الأسود أصغر حجما من البني، لكن هذا الأخير هو الأكثر مقتا وكراهة.
في الماضي السحيق كانت سمعة الجرذان في الحضيض، فهي متهمة بسرقة القربان المقدس، وورد تحريم أكلها في سفر الإصحاح، وكانت الكنيسة الكاثوليكية في منتصف القرن 16م تمنح بنسا واحدا لكل من يقتل ثلاثة جرذان، وتَعَيَّنَ على اليهود في فرانكفورت خلال القرن 15م دفع ضريبة قدرها 5000 ذيل من ذيول الجرذان خلال كل سنة، ولطالما اعتبرت الجرذان كائنات مدنسة ووسخة ورمزا للقذارة والخبث، بالرغم من أنها تظل نظيفة جدا وتحمي نفسها من التلوث، ولعل شهيتها الجنسية التي لا حد لها وجشعها لالتهام الطعام دون توقف هما سبب العداء والكراهية، ففكرة الشهوانية البهيمية والرذيلة السلوكية للجرذان بما فيها تدمير بعضها البعض تنضاف إلى فكرة القذارة التي ليست وحدها سببا في تنامي موجة العداء اتجاهها.
لطالما اتهم الجرذ بتخريب المحاصيل وبسرقة الطعام، فمن ألقابه “اللص” و”السارق” و”المخرب” و”الآخذ”، كما تم الربط بينه وبين الرذيلة، حتى قيل إنه يكفي أن تلعق الجرذان بعضها البعض لتحمل، ونجد في الأساطير الهندية القديمة الربط بين أصول الاتصال الجنسي والأعضاء الجنسية والجرذان، ففي الأيام التي لم يكن فيها للنساء أعضاء جنسية فإن الجرذ هو الذي صنع الفتحة، وهناك أسطورة في نفس السياق تتعلق بمنشأ فتحة الشرج ومفادها أن جرذا وضع في بطن رجل فشق طريقه خارجا من مؤخرته. ومن الحكايات المماثلة ما يُروى عن رجل كان يقتل نساءه أثناء الجماع بسبب قضيبه المرعب، لكن إحدى نسائه وخوفا من مصير الموت الذي ينتظرها أسكرته وقطعت من قضيبه قطعة ألقتها على الأرض فقفز وهرب إلى حفرة وكان ذلك هو منشأ الجرذ، وكان قذرا مثل الشيء الذي جاء منه. إن مساواة الجرذ بالأعضاء التناسلية اشتهر بأوروبا أيضا، فخلال القرن 16م كان المهبل يسمى فخ الجرذ أو ثقب الجرذ.
اعتبرت الجرذان تهديدا مباشرا للمواد الأولية في السابق، ولذلك كان يتم القضاء عليها لحماية هذه المواد القليلة آنذاك، وفي نفس الوقت اعتبرت تجسيدا مرئيا للقذارة، فهي تعيش في الأسفل، وفي المجاري تحديدا، فتم التعامل معها كحيوانات ضارة ومخربة، وقد تنوعت الأساليب والفخاخ والسموم التي استخدمت لأجل القضاء عليها وإبادتها، ويبقى الاستثناء الوحيد ذلك التقدير الكبير للجرذ في ثقافات غير أوروبية كما في الميثولوجيا الأسيوية، حيث حازت هذه القوارض تبجيلا كبيرا من خلال لقب ” الجرذ الملك”، وفي الفيتنام رفع الملوك القدامى الجرذان إلى مصاف الآلهة، حيث كانوا يعبدون إلها جرذا يدعى يانغ تيكون، ويقدمون له القرابين حين تغزو قطعانه الحقول. واشتهرت الفلبين والصين بأكل الجرذان إما مجففة أو مقلية، وسادت إشاعة تربط بين أكلها وضعف الذاكرة، وهذا ما يفسر الرأي القائل بكون القطط ليست على القدر من التعلق والوفاء اللذين للكلب، فهي تنسى مالكيها بسبب ما تلتهمه من فئران.
كان الجرذ مكروها جدا في الغرب، وقد استخدم لأغراض سياسية وتمييزية في كثير من الأحيان، فقد اشتهر رسم جرذ برأس قرد للدلالة على اليهودي في بطاقات بريدية معادية للسامية، وذلك للبغض الذي لازمه باعتباره مخلوقا مرتبطا بالمجاري الآسنة وقنوات الصرف الصحي، كما شبه الفيلم الوثائقي الدعائي النازي الذي يحمل اسم اليهودي الأبدي Der Ewige Jude انتشار الجرذان في العالم بتجول اليهود، وكتب اس اليوت بعنصرية مقيتة قائلا: “يأتي الجرذان تحت كل شيء، لكن اليهودي يأتي تحت الجميع”. وتم تشبيه اليهود أيضا بالبوم بطريقة غريبة وجعلوه رمزا لهم، إذ دللوا أن هذا الطائر كائن ليلي واليهود يفضلون ظلمة معتقداتهم على نور المسيحية.
ووظف الجرذ رمزيا في إنجلترا للتعبير عن الإقصاء الديني، إذ يروي الكاثوليك الانجليز لأبنائهم حكاية هزيمة الجرذان السوداء أمام الجرذان البنية، ليبينوا لهم كيف أصبحوا غرباء في أرضهم، ويقال أن الجرذان البنية وصلت إلى إنجلترا سنة 1688 بواسطة السفينة التي نقلت وليام أوف البروتستانتي للإطاحة بالملك الكاثوليكي جيمس الثاني، ويروى في نفس السياق أن عالما إحيائيا شهيرا من العصر الفيكتوري شوهد وهو يمسك بجرذ بني من ذيله ويحطم جمجمته صائحا: “الموت للهانوفاريين”، وقد استهدف الجرذ البني لأنه دخل معهم، ومع ذلك ظل هذا النوع يتكاثر بسرعة مذهلة في الوقت الذي اختفى فيه الجرذ الأسود أواخر القرن 18م، لدرجة أن إمساك واحد منه يعتبر مناسبة تستحق الاحتفاء.
غدا الجرذ اليوم ضحية بطبيعة بطولية، فقد مكنته خواصه المميزة والتي تتمثل في التكاثر السريع والتطور الخارق والنشاط الجنسي المفرط في جعله حيوانا مثاليا للمختبر، فهو غير مكلف ماديا، ونظامه العصبي ينمو بنفس طريقة نموه في الإنسان ولكن أسرع بثلاثين مرة، وهكذا تم توليد عدد كبير من الجرذان بسهولة كبيرة لأجل التجارب العلمية الطبية والنفسية، وتوجد حاليا أنواع متعددة من الجرذان ناتجة عن تعديلات وراثية، ولعبت أدوارا مهمة في حقل التجارب العضوية والبسيكولوجية وتجارب المتاهات التعلمية، ولا يمكن إحصاء ولا حصر العدد الكبير من التجارب التي أجريت على الجرذان في القرن العشرين، ففي بريطانيا لوحدها أجريت سنة 1978 تجارب على أربعة ملايين جرذ، وفي 2003 تم إنتاج أول جرذ مستنسخ، وفي سنة 2004 تم نشر الخريطة الجينية للجرذ، ولا يمكن اليوم الاستغناء عن خدماته مختبريا، وبذلك يكون هذا الأخير قد قدم خدمات جليلة لتاريخ البشرية، حتى لقد اشتهر بألقاب عديدة منها: “بطل العلم”. ومن المفارقة أن الجرذ سواء حين كان يعامل باعتباره حيوانا ضارا أو حين بدأ يحظى بالتقدير كبطل علمي كانت نهايته في الحالتين الموت فهو ضحية في الماضي والحاضر.
تم تشريح جثث الجرذان ونقلت مختلف الأمراض والأورام إليها، وبالموازاة مع الدور الجديد الذي بدت تلعبه الجرذان على المستوى العلمي تم إنتاج سلالات متعددة، ففي سنة 1931 تم الترخيص لشركة هارلان لإنتاج الجرذان تجاريا، فغذت بذلك حيوانات أليفة، فهامستر على سبيل المثال لديه شعبية كبيرة جدا وغدا محبوبا لدى غالبية الأطفال، وقد استطاع هذا النموذج كسر تلك الصورة النمطية السابقة عن هذا القارض البطل.
لقد بدأت قصة الولع بالجرذان مع بداية القرن العشرين وذلك مع زيادة عدد الهجائن المختلفة، وقد أقيم أول معرض للجرذان بمقاطعة باكنهام عام 1901 وفازت ماري دوغلاس بجائزة أفضل نوع جرذ، والذي كان منقطا بالأبيض والأسود، ولأنشطة ماري الرائدة حازت لقب أم الولع بالجرذان، وقد ساهمت جهودها في تنامي الاهتمام بتربية الجرذان ذات الألوان المتعددة: الفضي، الأزرق الروسي، البلاتيني، الأبيض ذو العينين الزهريتين الخ.
بعد نضال طويل أصبح للولع بالجرذان عمود خاص في مجلة الفراء والريش لكنه كان دائما أقل اهتماما مقارنة بالولع الذي كان للطيور والأرانب والقطط ومنذ 1912 بدأت دوغلاس الكتابة بشكل مستمر في المجلة المذكورة واختارت سيرة جرذ عنوانا قارا لعمودها، وقد انتقل الولع بالجرذان إلى دول عديدة منها أمريكا والسويد وفنلندا وهولندا وألمانيا، وفي 4 أبريل من سنة 2003 احتفل باليوم العالمي للجرذ وغذا مناسبة سنوية للاحتفاء، ومنذ سنة 1974 نشأ تقليد أولمبياد خاص بالجرذان في جامعة بنراسكا، تحول لاحقا إلى مسابقة باسم التحدي الأعظم للجرذان، وتشمل القفز على الحواجز ورفع الأثقال والوثب الطويل.