الإثنين , 9 ديسمبر, 2024
إخبــارات
الرئيسية » أطروحات » الاستثمارات الأجنبية في المغرب (1990-2006) مقاربة سياسية

الاستثمارات الأجنبية في المغرب (1990-2006) مقاربة سياسية

جواد النوحي، الاستثمارات الأجنبية في المغرب (1990-2006) مقاربة سياسية، إشراف: عبد الحي مودن، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط- أكدال ،2008.

لاشك أن موضوع البحث، يحظى بأهمية واضحة سواء على المستوى النظري أوالعملي، وتبرز قيمته المضافة من الناحية العلمية في دراسته لظاهرة الاستثمار الأجنبي في المغرب من زاوية ومقاربة علم السياسة، بعد أن اقتصرت الأدبيات والدراسات والأبحاث الجامعية التي تناولت الموضوع على مقاربتين فقط، الأولى تعاملت مع موضوع الاستثمار الأجنبي من منظور اقتصادي صرف، عبر إثارة قضايا وإشكالات تهم واقع استقرار الاستثمارات الأجنبية في المغرب، تطور اندماج الاقتصاد المغربي في النظام الاقتصادي العالمي والقدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.

أما الثانية، فإنها ظلت حبيسة مقاربة القانون الدولي الاقتصادي، وما يتصل به من تحليل للجوانب القانونية والمؤسسية المنظمة لتدفق الاستثمارات الخارجية، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية المعنية بالاستثمار مباشرة.

لقد سعى الباحث إلى إدراج أطروحته “حول الاستثمار الأجنبي في المغرب” ضمن إشكالية كبرى حظيت باهتمام كبير، من قبل الدارسين والباحثين على الصعيد الدولي، وهي علاقة الاقتصادي بالسياسي. فبعد أن أوضح أن الاستثمارات الأجنبية خلال العقدين الماضيين شكلت متغيرا مركزيا في حركية الاقتصاد العالمي، وكذا محددا هاما لقياس آليات اشتغال الدولة وتفاعلها مع تأثيرات العولمة، انتقل بعد ذلك إلى وضع القارئ في أجواء النقاش المحتدم بين تيارين رئيسين: الأول، يرى أن تطور الاقتصاد يؤثر على بنية المشهد السياسي ، ويربط بين كل من التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية (الدراسات الإنمائية)، بينما يدافع التيار الثاني عن كون الاقتصاد هو فضاء مستقل عن السياسة على أساس أن التحولات السياسية، ما هي إلا إفراز للتفاعلات الاجتماعية والثقافية فقط.

ومن جانب آخر، ركزت الدارسة على فترة ممتدة من عام 1990 إلى 2006 وبرر الباحث هذا التحقيب التاريخي إلى كون بداية تسعينات القرن الماضي، شكلت منعطفا مهما في نهج الدولة لأسلوب منفتح وجديد في علاقتها بالقوى الحية في البلاد، كما وسمت المرحلة برغبة الدولة في تدشين عدد من الإصلاحات الاقتصادية ، بفرض توطيد المزيد من الاستقرار السياسي، ومن جهة أخرى، تميزت هذه الفترة بأحداث دولية متسارعة وضاغطة دفعت البلاد إلى إيلاء اهتمام أكثر بالحرية الاقتصادية واقتصاد السوق بعد أن تراجعت الطروحات والاختيارات الاشتراكية اليسارية في المجال الاقتصادي بفعل انهيار المعسكر الاشتراكي.

على هذا الأساس انطلقت الدارسة من إشكالية محورية ذات بعدين مفادهما إشكالية العلاقة بين الاستثمار الأجنبي والمتغير السياسي، ثم ما تأثير الاستثمارات الأجنبية على تطوير النظام السياسي؟ وانقسمت هذه الإشكالية المحورية إلى إشكاليات وتساؤلات فرعية من قبيل: ما مدى مساهمة الفاعلين الاقتصاديين في اتخاذ القرار والتأثير عليه؟ ثم إلى أي حد يساهم الاستثمار الأجنبي بالمغرب في إنجاح التحولات السياسية؟

وللإجابة على هذه التساؤلات، تم تقسيم البحث إلى قسمين رئيسين. سبقتها مقدمة تخللها مدخل نظري ومنهجي واستعراض تاريخي لتطور الاستثمار الأجنبي بالمغرب، في حين يعرض القسم الأول للحوافز المقدمة من قبل الدولة لتشجيع الاستثمار الأجنبي، وقد قسم إلى فصلين: الأول بحث في جهود الدولة للنهوض بتطوير مناخ الحرية الاقتصادية المساعد لجلب الاستثمارات الأجنبية، بينما الفصل الثاني تناول بالتحليل الآليات القانونية و المؤسساتية والسياسية الكفيلة بتحديد مناخ الاستثمار.

أما القسم الثاني، فخصص لعرض النتائج الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالاستثمارات الأجنبية وبدوره تفرع إلى فصلين: الفصل الأول، استعرض حصيلة الاستثمار الأجنبي في الفترة المدروسة، ورصد مكانة المغرب ضمن الخارطة العالمية للاستثمارات الخارجية. أما الفصل الأخير فقد انفرد بتحليل إشكالية تأثير الاستثمار الأجنبي على النظام السياسي المغربي، وحجم مساهمة الفاعلين الاقتصاديين في عملية التأثير واتخاذ القرار.

في الختام توصلت الدراسة إلى عدة استنتاجات، من بنيها، أنه بالرغم من انفتاح الاقتصاد المغربي على الاستثمارات الأجنبية ، وتبنيه لجملة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية ، فإن المغرب لم ينجح في تحقيق انتقال كامل نحو اقتصاد السوق. ومن جانب آخر أبرزت أن هناك ارتفاعا في الفترة المدروسة لمستوى استقطاب الاقتصاد المغربي للاستثمارات الأجنبية مقارنة بالفترات السابقة، لكن بتحليل واقع حراك هذه الاستثمارات ضمن خريطة الجغرافية العالمية للاستثمارات الأجنبية يبرز أن المغرب لم يرق إلى البلدان الصاعدة في منظومة الاقتصاد العالمي.

وتوصل البحث كذلك إلى أن ارتفاع الاستثمار الأجنبي في المغرب، ساهم في إحداث بعض التحول في أدوات التدابير التي تبنتها الدولة، من قبيل الحكامة الاقتصادية وإعطاء دور مهم للتكنوقراط في التدبير العمومي، لكن هذا التوجه لم يصل إلى خلخلة البنيات السياسية والدفع إلى دمقرطة النظام السياسي.

ويخلص صاحب البحث، وبرصد العديد من المعطيات وتقديم بعض المؤشرات، إلى أن الاستثمار الأجنبي في المغرب لم يؤدي إلى إضعاف النظام السياسي، بل بالعكس ساهم في دعم أسس مشروعيته وقدم له العديد من الموارد المالية مكنته من مجابهة العديد من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية.

- عادل مساوي

39

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.