نظمت مجلة رباط الكتب ندوة حول “إشكالات مراجعة الكتب” يوم السبت 24 ماي 2008 بمركز تواصل الثقافات بالمدينة القديمة بالرباط.
وقد ساهم في هذا اللقاء كل من عبد الحي مودن، وعبد الأحد السبتي وأحمد بوحسن عن هيئة تحرير المجلة. كما ساهم فيه عبد الفتاح كليطو وعبد السلام بنعبد العالي. إضافة إلى ثلة من الباحثين من مختلف التخصصات (الفلسفة، التاريخ، الأدب، العلوم السياسية).
وقد حاول الأساتذة المشاركون في هذه الجلسة العلمية الإجابة على سؤالين اثنين:
1- سؤال حول هوية رباط الكتب.
2- سؤال حول منهجية القراءة.
استهل هذا اللقاء عبد الحي مودن شارحا مقاصد المجلة، المرتبطة بالحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى نشر المعرفة، والرفع من نسبة المقروئية داخل المغرب، وتوسيع دائرة القراءة. وقد ذكر كل من أحمد بوحسن وعبد الأحد السبتي بأن المجلة ليست مؤسسة، وليست منشورا، كما أنها ليست جامعة. هي مجلة إلكترونية، تلبي غاية هذا النوع المعرفي، هدفها تقديم المنتوج المغربي في فضاء واسع، والتقريب بين الحقل الجامعي والإعلام الثقافي. وميزتها أنها تفتح نوافذ تسهل التفاعل والتواصل بين قراء المجلة، وهنا يستدعى مفهوم تدبير الفضاء؛ فالفضاء البصري مهم جدا في القراءة الإلكترونية، هو وحيد في الكتاب، بينما في الفضاء الإلكتروني أنا أقرأ بعشر عيون، فيتوسع أفق القراءة. كما أن ما يوفره الفضاء الإلكتروني هو انتشار النص بشكل غير محدود، وهنا تتجلى أهمية الردود في النص الرقمي، التي توسع أفق التفاعل النصي، فيغدو النص متشعبا بفعل مفهوم آخر هو الهايبرتكست (Hypertexte ) الذي يعوض الهوامش في النص الورقي.
تدخل بعد ذلك عبد الفتاح كيليطو طارحا، كعادته، الأسئلة المقلقة من قبيل: ما هو توجه رباط الكتب، هل هي مجلة علمية أم حداثية؟ لماذا هذه المجلة في المغرب؟ وماذا ستضيف؟ وإلى من تتوجه؟ هل تهتم بالعلوم الإنسانية؟ ما هي هذه العلوم؟ ما هو حظ الأدب من هذه العلوم؟ وقفى على آثار هذه الأسئلة بأخرى خاصة عن التعليق مثل: كيف يمكن أن نكتب تعليقا عن كتاب؟ هل هناك خاصيات لكل تعليق؟ هل ما كتب فيه هو كل الكتاب؟
وفي نفس الإطار تدخل بنعبد العالي متسائلا: كيف ينبغي التعليق على الكتاب، هل نقدم في التعليق زبدة الكتاب؟ ما هي وضعية المعلق؟ ليجيب أن وضعية المعلق ظلت إلى أجل غير قريب دون مستوى ما يعلق عليه أو ما يترجمه، فهو في وضعية دونية. تسند له مهام ثانوية؛ فأقصى ما يمكن أن يقدمه هو أن يعيننا على قراءة الكتاب، أو يعفينا من قراءته. فهل تغيرت هذه الوضعية الملتبسة اليوم؟ أجاب انطلاقا مما عايشه من تراكمات القراءة في الحقل الفلسفي، وبالضبط في مجلة كريتيكا Critica، التي ضمت مجموعة من المثقفين مثل فوكو وداريدا… وكانت وظيفتها الأساسية هي التعليق على الكتب، وأشهر ذلك ما كتبه دولوز عن فوكو والعكس. والذي ترتبت عنه مقولة موت المؤلف، التي تعني بالأساس موت المعلق. لم تعد هناك درجة أولى أو ثانية من الكتابة، إذ أصبحنا نشهد مواربة بين المعلق والمعلق عليه، فنشأت ثنائية فكر ونقد. إن فضاء التعاليق في كريتيكا فضاء غني حيث يسود الانسجام والتفاعل، وحيث المساهمة بكيفيات مختلفة لإغناء النص الذي ينتج حوله وعنه أكثر من نص.
وهنا التساؤل عن ماهية التعليق، هل هو تفاعل أم تقديم فقط؟ هنا بالضبط حذفت الهرمية، فأصبح التعليق صعبا. فأهمية كتب دريدا مثلا أنها تعليق (فقط) على كتب هيغل وهيدغر، لقد قام داريدا بإعادة قراءة المؤلفات الكبرى. وختم بنعبد العالي حديثه بالإشارة إلى مفارقة كبيرة، وهي أنه كلما كثر الحديث عن الكتاب كلما قلت قراءته.
تناول الكلمة مرة أخرى عبد الأحد السبتي مقدما بعض طرق قراءة وتقديم الكتب، من خلال النمذجة التي صاغها نبيل علي (انظر نافذة “صفحات مختارة” من مجلة رباط الكتب العدد الخامس)
- قراءة انتقائية، وتعني المسح العام للكتاب لتقديم نبذة عنه.
- تقديم ملف تقني عن الكتاب؛ أي الإشارة إلى المادة المعرفية فيه، في حجم محدود.
- القراءة الماسحة التي تحاول الإلمام السريع بالمعنى، وتلقي نظرة عامة على النص، بقراءة العناوين، مع محاولة تذكر الأفكار المحورية.
- القراءة المتعمقة التي تثير الأسئلة، وتشرك القارئ معها، وهي اقتراب دقيق من النص.
إن إنجاز أي قراءة ينطوي على جدلية القرب والبعد عنه، فكيف نقترب من الكتاب لنبتعد عنه، ونفس الشيء يحدث مع القارئ ؟
تتجلى لحظة القرب في تحديد الموضوع، وذلك بالوقوف على أطروحته، وعلى الإشكالية التي يحاول الإجابة عنها. بينما تنبني لحظة المسافة على الإجابة على الأسئلة التالية:
1- إلى أي نوع ينتمي الكتاب؟
2- الإضافة التي يقدمها على مستويات متعددة؛ أي الوقوف على ما يشي بتفرده وتميزه.
3- محاورة العمل، أي ربطه بما أنجز في الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه، وبأعمال أخرى قد تضاهيه، تقترب أو تبتعد عنه
4- بناء النص – القراءة.
مع الاعتقاد أن ما يتحكم في القراءة هي أشياء خارج الكتاب موضوع القراء (خارج نصية)، تؤشر على نوعية العلاقة التي نشأت مع الكتاب؛ هل بناء على اقتراح أو استفزاز.
كما طرح في اللقاء مشكل الإعلام الثقافي، ودوره في تكريس القراءة غير الموضوعية، بإعلائه من شأن كتب لا قيمة لها، وإهماله لأخرى جيدة. وهنا ذكر أن الإعلام هو أكبر عدو للفكر. وقد تخللت هذا الجلسة العلمية مناقشات عكست مختلف التوجهات العلمية لأصحابها، وأغنت اللقاء بمجموعة من الأفكار والتصورات حول المجلة ومنهجية القراءة.