الخميس , 14 نوفمبر, 2024
إخبــارات
الرئيسية » أطروحات » الإسلام السياسي في تركيا المعاصرة (1923-2001)

الإسلام السياسي في تركيا المعاصرة (1923-2001)

مصطفى أدردور، الحركات الدينية والإسلام السياسي في تركيا المعاصرة (1923-2001م): دراسة تاريخية، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ، إشراف الأستاذ عبد الحفيظ الطبايلي. نوقشت بكلية الآداب والعلوم والإنسانية بالرباط، بتاريخ 15 شتنبر 2022.

      يشكل البحث محاولة تأريخية لمسار التيار الإسلامي في تركيا العلمانية خلال الفترة المعاصرة. وتنبع أهمية الدراسة من راهنية الموضوع كونه يتناول واحدة من أكثر الظواهر إثارة للنقاش والجدل في الدوائر البحثية والأكاديمية خلال العقود الأخيرة وهي ظاهرة الإسلام السياسي، مع ما يتصل بها من تشكيلات دينية داخل الحقل الاجتماعي من طرق صوفية وجماعات دينية تربوية ودعوية. وتتعزز هذه الأهمية حينما يتعلق الأمر بدولة ذات خصوصيات تاريخية وسياسية مثل جمهورية تركيا، البلد المسلم ذو النظام العلماني.

     تطرح الطبيعة العلمانية للدولة التركية تساؤلات بخصوص مظاهر التدين والإحياء الإسلامي في المجتمع التي شهدتها البلاد على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين. فرغم كل جهود التحديث والعلمنة الراديكالية، عرفت تركيا بدءا من عقد الخمسينيات من القرن الفارط عملية قوية للإحياء الديني تُوجت بظهور حركات الإسلام السياسي، نضجت وتطورت إلى أن أضحت فاعلا مهما داخل المشهد السياسي التركي الراهن.

تناولت الدراسة إشكالية الإحياء الديني في تركيا المعاصرة، وسعت لفهم وتفسير مفارقة بروز حركات الإسلام السياسي ومظاهر العودة القوية للإسلام في الجمهورية ذات النظام العلماني من خلال قراءة التجربة الإسلامية التركية في ارتباط وامتداد وثيقين مع جذورها العثمانية، ومحاولة فهمها ضمن سياقها الداخلي بكل تعقيدات مشهده الاجتماعي وخصوصيات نظامه السياسي.

      اعتمد البحث المقاربة التاريخية من خلال تناول الظاهرة السياسية الإسلامية في تركيا المعاصرة من زاوية الاستمرارية التاريخية بين الفترتين العثمانية والجمهورية. فقد سعى نحو رصد البدايات الأولى للظاهرة وتلمس جذورها في الفترة العثمانية المتأخرة، ثم تتبع تطورها التاريخي وتحديد أهم المحطات الرئيسية التي طبعت مسيرتها خلال الفترة الجمهورية في ارتباط بالسياقات السياسية والاجتماعية المتحولة، وفي استحضار مركزي لتجاذبات الاستقطاب الإسلامي العلماني الذي وسم العلاقة بين الطرفين طوال هذه الفترة.

      توزعت ببليوغرافيا الأطروحة بين عدة أصناف مختلفة هي: الوثائق الرسمية للدولة ولبعض المؤسسات الدستورية، ووثائق ومستندات الأحزاب السياسية خاصة منها أحزاب الإسلام السياسي، والأرشيف الصحفي، وكتابات أكاديمية في حقول التاريخ والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والتصوف، فضلا عن التقارير والأوراق البحثية لمعاهد ومراكز بحثية أكاديمية، وبعض الأطاريح الجامعية المنجزة من قبل باحثين أتراك. ويتكون البحث من مقدمة عامة وخمسة أبواب كبرى بالإضافة إلى خاتمة وملحق وببليوغرافيا.

 

كان التيار الإسلامي واحدا من التوجهات الفكرية التي ظهرت في مسرح الأحداث أواخر عهد الدولة العثمانية حيث انبرى لمواجهة ما اعتبره انتشارا للأفكار التغريبية والمادية في أوساط النخب العثمانية، ونادى بالعودة للشريعة وبضرورة الحفاظ على القيم الإسلامية في المجتمع. غير أن قيام الجمهورية عام 1923 شكل نقطة تحول مفصلية في حياة هذا التيار الإسلامي وفي مكانة الإسلام في الدولة والمجتمع. فقد رأت النخب الكمالية في الإسلام وفي الطرق الصوفية ودورهما المهيمن في الحياة الاجتماعية السبب الرئيس في إعاقة تحديث الإمبراطورية، فركزت كل جهودها نحو الحد من تأثيرهما اجتماعيا وسياسيا بشكل دفع الطرق الصوفية إلى الانسحاب من الفضاء العام والعمل في الخفاء درءا لمراقبة الحكومة وإجراءاتها الصارمة.

ورغم كل جهود التحديث والعلمنة الراديكالية، عرفت تركيا بدءا من عقد الخمسينيات عملية قوية للإحياء الديني جسدتها عودة أنشطة الطرق الصوفية وبروز الرموز والممارسات الدينية في الفضاء العام واتساع التعليم الديني وتضاعف عدد المساجد. أكثر من ذلك، شهدت هذه الفترة تحولا لافتا في علاقة الدين بالسياسة داخل الجمهورية العلمانية، حيث أصبح الإسلام وسيلة سياسية وظفتها الأحزاب لكسب رضى وتأييد الجماعات الدينية والطرق الصوفية في معترك التنافس السياسي، بل ولم تتردد المؤسسة العسكرية الوصية على النظام العلماني في توظيف الإسلام لمحاصرة المد الشيوعي والحد من انتشاره في أوساط النخب والشباب.

أسهم الإحياء الإسلامي بدءا من عقد الخمسينيات في تنامي الطرق الصوفية والجماعات الدينية وتعاظم نفوذها في المجالين السياسي والاجتماعي، لتوفر بذلك الأرضية الاجتماعية والفكرية لظهور حركة الإسلام السياسي أواخر عقد الستينيات. هذه الأخيرة نضجت وتطورت داخل النظام السياسي العلماني إلى أن بلغت السلطة منتصف عقد التسعينيات ثم استأثرت بالمشهد السياسي منذ مطلع الألفية الجارية.

       وانتهت الدراسة لمجموعة من الخلاصات تهم الجماعات الدينية والإسلام السياسي في تركيا المعاصرة أبرزها:

  • يمثل التيار الإسلامي في تركيا أحد مظاهر الاستمرارية مع الفترة العثمانية على المستويين الثقافي والاجتماعي، ولم يكن تيارا جديدا انبثق كرد فعل مباشر على عمليات التحديث والعلمنة التي نفذتها النخب الكمالية.
  • يتسم المشهد الديني في الجمهورية التركية بدرجة كبيرة من التعقيد والتركيب إذ يتميز بوجود تشكيلات دينية عديدة، متمايزة في الأفكار والمنهج ومتفاوتة في مستوى الحضور والفاعلية، وهذا يطرح إكراها يرتبط بصعوبة الخروج بتعميمات واستنتاجات يمكن أن تغطي كل أطياف التيار الإسلامي داخل هذا البلد.
  • يمثل الإحياء الديني مؤشرا على عدم توفق المشروع التحديثي العلماني كليا في تحويل المجتمع التركي من مجتمع تقليدي إسلامي إلى آخر علماني حداثي، ويؤكد أن تأثير التحديث ظل محدودا جدا على المستويين الاجتماعي والمجالي.
  • حدث الإحياء الديني في تركيا بفعل الدور الحاسم الذي اضطلعت به الطرق الصوفية والجماعات الدينية داخل المجتمع، حيث استطاعت هذه الأخيرة البقاء على قيد الحياة والحفاظ على الدين وممارساته وتعاليمه وقيمه في السر رغم كل القيود والرقابة الصارمة التي فرضتها السلطة الكمالية. ويعني هذا أن الطرق الصوفية والجماعات الدينية في تركيا تحظى بخصوصيات هامة. فنجاحها في البقاء على قيد الحياة في ظل نظام علماني صارم، فضلا عن قدرتها على التكيف مع هذا النظام والاندماج ضمن قواعده، يؤكد أنها تتسم بقدر كبير من المرونة والقابلية للتطور والتحول في تفاعل مع السياقات السياسية والاجتماعية المتغيرة.
  • التجربة الإسلامية التركية هي نتاج مسار طويل من التراكمات والخبرات والتطور والتحول على المستويين السياسي والنظري. فقد راكمت حركة الإسلام السياسي في تركيا تجربة مهمة في صراعها الطويل مع الدوائر العلمانية بشكل قادها لتعديل خطابها وتطوير أساليب عملها، ومكنها من الاستمرار في ظل الدولة العلمانية، بل ومن بلوغ السلطة والاستئثار بها منذ مطلع الألفية الجارية مع حزب العدالة والتنمية.

- مصطفى أدردور

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.