السبت , 9 نوفمبر, 2024
إخبــارات
الرئيسية » قـــراءات » أزمة كورونا والتنمية المستدامة والتنوع البيئي

أزمة كورونا والتنمية المستدامة والتنوع البيئي

– Cornelia Soetbeer (Hrsg.), Markus Große Ophoff (Hrsg.),  Corona und Nachhaltigkeit: Lernen aus der Krise für eine nachhaltige Entwicklung,  ökom Verlag, 112 Seiten, 2022.

 

يركز هذا الكتاب بعنوان: لنتعلّم الدرس من أزمة كورونا من أجل تنمية مستدامة على أطروحة جديدة مفادها أن انغماس وسائل الإعلام العالمية في تغطية الحرب الروسية-الأوكرانية هدّد بإزاحة أزمات المناخ الجديدة والتنوع البيولوجي من قائمة أولويات العالم.  فبينما تمّ الحرص على تقديم مبررات الاستقلال المطلوب عن الغاز الروسي، لم يتم تقديم مسوّغات البحث عن حلول موفّرة للطاقة أو لتغيير السلوك من أجل الحد من التغيرات المناخية الدراماتيكية، ولم يستطع هذا الاهتمام بالكوارث احتواء أكثر من أزمة واحدة في كل مرة، وبالتتابع. لا شك أن الوباء والحرب يتداخلان ويحجبان رؤية الأزمتين الرئيسيتين المتزامنتين في عصرنا: أزمة المناخ وأزمة التنوع البيئي، وهو ما يدعو إلى مكافحة أسباب الأزمات بجعل أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية أكثر استدامة ومرونة.

من الحجج القوية التي يسوقها هذا الكتاب في الدفاع عن أطروحته تأكيد المؤلف على أن الوباء لم ينته بعد، وأن العديد من الخبراء ما زالوا يحذرون من موجات جديدة من العدوى ذات الآثار السلبية، خاصة في قطاع الرعاية الصحية. والسؤال الذي يطرح نفسه بعد عامين من المعاناة مع الوباء: هل تعلمنا كيفية مواجهة الفيروس ومتغيراته بالبصيرة والتخطيط والمرونة؟ وهل استفدنا وتعلمنا من الوباء نفسه لنكون قادرين على التعامل بشكل أفضل مع الأزمات بجميع أنواعها في المستقبل؟ على ضوء العواقب الاجتماعية والاقتصادية الهائلة، سرعان ما أصبحت الدعوة إلى تدخل الدولة من خلال تدابير الحماية الصحية الاقتصادية الفعّالة.  وتأسيساً عليه كانت القوى الدافعة وراء تحرك المؤسسة الفيدرالية الألمانية للبيئة (DBU) بسرعة هي التأكد من عدم إهمال تحديات الأزمة البيئية، بعد تركيز العالم على جائحة كوفيد 19، وذلك على عدة مستويات: فقد حذرت المؤسسة الفيدرالية للبيئة من أن يكون لحزم تدابير التنمية الاقتصادية أي تأثير سلبي على البيئة. كما دعت المؤسسة إلى إمكانية الاستفادة من الأزمة بوصفها فرصة للتحول الاجتماعي والإيكولوجي، وإلى تعزيز قدرة الاقتصاد والمجتمع على الصمود في وجه الأزمات المستقبلية بشكل علمي، والبحث في إمكانية حدوث تغييرات سلوكية. ومن أجل تحقيق أهداف المؤسسة بوصفها راعيةً للمشاريع المبتكرة والنموذجية في حماية البيئة والحفاظ على الطبيعة، كونت مؤسسة DBU شبكة واسعة مكونة من ممثلي المؤسسات المركزية والمجالس الاستشارية مثل المجلس الاستشاري الألماني المعني بالتغير العالمي والمجلس الاستشاري الألماني للبيئة على منصة مناقشة رقمية أثناء الإغلاق الأول في نهاية مارس 2020. واستخدمت المؤسسة المنصة لتقييم ومناقشة كيفية الاستفادة من الأزمة الحالية للوصول إلى مجتمع أكثر استدامة، من خلال مشاريع ومسح تمثيلي يتعامل مع مختلف الجوانب ووجهات النظر عن العلاقة بين كورونا والاستدامة وتبحث بشكل تجريبي في الوضع الحالي من منظور العلوم الاجتماعية ومقارنة البيانات الحالية مع مجموعة البيانات الموجودة قبل كورونا؛ وتقديم المشورة بشأن سياسات تنمية الاقتصاد والمشاريع المتعلقة بالحلول الرقمية.

يقدم هذا الكتاب نتائج المشاريع التي يمكن أن تساعد العالم المعاصر في مواجهة المزيد من الأزمات. فهناك أوجه تشابه بين الوباء والحرب في أوكرانيا يكتشفها هذا الكتاب؛ فقد تسبب كلا الحدثين بنفس القدر في تعطيل الإنتاج وإحداث ركود اقتصادي في مختلف القطاعات وإضعاف الهياكل الاقتصادية الناتجة عن العولمة.

إن الدرس المستفاد من حرب أوكرانيا هو أن الاستثمارات يجب أن تستمر وتوجه بشكل أساسي نحو التقنيات المستقبلية المستدامة، وذلك بتوسيع استعمال الطاقات المتجددة على نحو سريع. ولهذا تناول مشروع معهد أبحاث الاقتصاد البيئي مسألة كيفية هيكلة الاقتصاد والمجتمع والحماية من الانهيار كي تتم مواجهة أزمات الأوبئة والكوارث والفيضانات.  يمكن أن يشمل الحل هياكل لامركزية وإقليمية ورقمنة مستدامة بالنظر إلى تحول الطاقة.  ويتم الآن، نتيجة لهذه الحرب، البحث عن طرق إمداد جديدة (قديمة) على المدى القصير إلى المتوسط. ويشير مؤلفو هذا الكتاب إلى أن جائحة كورونا أعادت طرح الأسئلة الجوهرية التي تخلفها وراءها الأزمات، فما زال الوباء يشكل تهديدا وقلقا شخصيا، مما يستدعي اتخاذ تدابير سريعة ومتسقة.

تهدد المشاكل البيئية حياة الناس بدورها. لكن آثار الأزمة البيئية هنا مباشرة ولا يمكن إثباتها إلا من خلال الدراسات الإحصائية التي تحدد عدد الأشخاص المعرضين للخطر أو الذين يموتون نتيجة لموجات الحرارة أو تلوث الهواء أو نتيجة لفقدان توازن التنوع البيولوجي من خلال ظاهرة الاحتباس الحراري وتقلبات الطقس والحرائق والجفاف والأيام الباردة والممطرة وذوبان الكتل الهائلة للجليد واستمرار ارتفاع سطح البحر والاضطراب المستمر للمد والجزر. وإذا كانت إعادة الاعمار هدفا يأتي بعد الحرب الروسية الأكرانية، فإنه من أجل ضمان السلامة والتغلب على مشاكل المناخ، فإن الحل الوحيد طويل الأجل يكمن في توسيع الطاقات المتجددة.

يقر مؤلفو هذا الكتاب على أنه لا يمكن تقديم وصف تغير المناخ إلا من خلال الدراسات العلمية بالأرقام والبيانات، والحفاظ على المؤشرات التي تم الاتفاق عليه في عام 2015 في باريس بتوافق آراء المجتمع الدولي؛ أي إنه يجب أن يظل الاحترار العالمي أقل بكثير من درجتين، وإذا أمكن أقل من 1.5 درجة مئوية.

نادراً ما يتعاطى الخطاب الإعلامي والسياسي اليوم مع أزمة التنوع البيولوجي، رغم أن فقدان التنوع البيولوجي يمثل تهديدًا وجوديًا للبشرية، فمع تدمير التنوع البيولوجي، تتناقص خدمات النظام البيئي؛ أي الخدمات التي تقدمها الطبيعة، بشكل مطرد. وهي خدمات لا غنى عنها لحياة الإنسان. ويعد مؤلفو هذا الكتاب تدمير الطبيعة بشكل عام أحد الأسباب الرئيسية لانتقال الأمراض من الحيوانات البرية إلى البشر، وأن وباء كورونا وفقدان التنوع البيولوجي مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالأمراض الحيوانية المنشأ المعدية والطريقة التي تنتقل بها الأمراض من الحيوانات إلى البشر.

يخرج الكتابة باستنتاج مفاده أن الناس لا تفكر حيال الأزمات إلا حين يشعرون بتهديد فوري ومباشر لحياتهم، مثل المرض أو الحرب، لكنهم لا يعيرون أي اهتمام فوري وسريع للتهديدات غير المباشرة، كما هي في أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، والتي لا تحفز على اتخاذ تدابير سريعة، رغم أنها تهدد الحياة والازدهار أيضًا. تشير مؤسسة DBU صراحةً إلى حقيقة أننا نتعامل مع “أزمات متداخلة ومتنافسة”، وأن وباء كورونا لا يستطيع أن يحجب حقيقة تفاقم مخاطر التغير المناخي واضطراب التنوع البيولوجي.

من ناحية أخرى، يوجد ما هو مشترك في أزمة الوباء وأزمة المناخ، فهما يتميزان بعنصر “التسارع الكبير”، فلا يمكن للفيروسات أن تنتشر في جميع أنحاء العالم إلا بسرعة فائقة بسبب تطور وسائل النقل وتزايد الكثافة السكانية في العالم. هذا “التسارع الكبير” هو أيضًا محرك رئيسي للمشاكل المناخية والبيئية.   كما تقترن الزيادة في عدد سكان العالم بالزيادة في استخدام الموارد الطبيعية للفرد. ما زالت جائحة كورونا من الناحية العلمية تفاجئ معظم الناس، وما زلنا بعيدين عن الحد المطلوب من التلوث البيئي، ولم يبد بعد أن رجال السياسة والمجتمع أنهم جاهزون لذلك.  وتُعرف هذه المشكلة بأزمتي الأوبئة والبيئة.

اتخذت البرلمانات والحكومات الوطنية قرارات أساسية حول الأهداف بشكل سريع في اتفاق باريس العالمي للمناخ منذ عام 2015، إذ نعلم أنه من الأرخص أيضًا من الناحية المالية اتخاذ تدابير حماية المناخ سريعا بدلاً من تحمل تكاليف أعلى بكثير لتدابير التكيف لاحقًا.  أما في جائحة الكورونا، فسرعان ما أصبح واضحًا أنه كان علينا قبول الخسائر الاقتصادية.  وأصبحنا ندرك الأهمية المركزية للعديد من الأشخاص الذين يعملون في قطاع الرعاية الصحية.  وقد تم الاعتراف بهم على أنهم “ذوو أهمية منهجية”.  وأصبح من الواضح أن الشباب الذين تأثروا قليلا بالمرض كان عليهم تحمل القيود من أجل حماية كبار السن.  هناك حاجة أيضًا إلى خطاب القيم عندما يتعلق الأمر بالاستدامة.  فعندما يتعلق الأمر بحماية المناخ، يخرج الشباب إلى الشوارع ويطالبون بمزيد من الالتزام والعمل المتسق والامتثال للأهداف المناخية المتفق عليها في باريس، وبالتنفيذ من الجيل الأكبر سنا، الذين هم حاليا صناع القرار في السياسة والأعمال، وأن التضامن بين كبار السن والشباب مطلوب هنا. وهنا نكون أمام العدالة بين الأجيال، والعدالة بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها.  فالبلدان الصناعية كانت ولا تزال مسؤولة بشكل أساسي عن الاستخدام المفرط للموارد الطبيعية.  وبالمقارنة بين البلدان المصنعة وغير المصنعة، نجد البلدان الناشئة والنامية تستهلك هذه الموارد بشكل أقل، ولكنها في نفس الوقت تعاني من عواقب تغير المناخ.

يتطلب حل الأزمات تغييرا جذريا في أنماط السلوك والنماذج الاجتماعية للقيم والتفكير والعمل، إلى جانب معالجة المسائل الاقتصادية والبيئية، من خلال التحول إلى المزيد من الاستدامة التي تحقق الأهداف البيئية، فالعواقب والإجراءات، والأزمات، لم تعد ذات تأثير محدود محليا، ولكن دائمًا ما تكون لها تأثيرات عالمية كبيرة؛ ولهذا يصبح خطاب القيم والعدالة مهم جدا في هذا السياق.

يتطرق هذا الكتاب إلى مسألة الاستدامة ووباء كورونا؛ ففي حين أن حل جائحة كورونا يرتبط بالتأكيد بالتكاليف الاقتصادية المرتفعة، وهناك دائمًا فرص اقتصادية متعلقة بحل مشاكل المناخ والموارد والتنوع البيولوجي، من خلال الطاقات المتجددة الأقل تكلفة التي تخلق الدخل المادي والوظائف، وتشجع على الابتكارات التكنولوجية، والاجتماعية والمجتمعية والتنظيمية. ولذلك هناك في مجال الاستدامة العديد من الفرص لاقتصاد جديد ومستدام.  وتسعى المشاريع الممولة من قبل مؤسسة DBU في هذا الإطار إلى لتقديم المشورة بشأن مواكبة تدابير تنمية الاقتصاد في ألمانيا، والمشاريع التي تدرس الوضع الحالي تجريبيًا من منظور العلوم الاجتماعية، وتقارن البيانات بمجموعات البيانات الموجودة قبل انتشار الوباء.

باختصار، تتفق الدراسات التي أشرف عليها المعهد البيئي في فرايبورغ على أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن Covid-19 لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال برامج التحفيز الاقتصادي الأخضر والإصلاحات الهيكلية. لهذا قام المعهد البيئي في فرايبورغ بتقييم وفحص عناصر التصميم المستدام الكبيرة لإنعاش الاقتصاد الألماني والدولي في السنوات القليلة الماضية لأول مرة بأثر رجعي من وجهة نظر الاستدامة البيئية، ثم حلل الظروف العامة الخاصة بالأزمة الحالية، وأخيراً تمت صياغة توصيات محددة للمحفزات الاقتصادية المستدامة.

في الدراسة التي نشرها الباحث يان بيتر شيمل بعنوان “أزمة بعلامة “طبيعي”- تحديات من أجل تدبير الأزمات والتغيير المجتمعي والبيئي”- عالج فيها الباحث من معهد البيئة بفرايبورغ Öko الطرق التي تجعلنا مستعدين بشكل أفضل لأزمات متعددة ومترابطة. ويوضح مقال كريستيان نول ومارتن بورنهولت بعنوان “نمو الاقتصاد وابتعاث ثاني أكسيد الكربون”، تطوير الحلول بطريقة تشاركية مع الشركات وأصحاب المصلحة الآخرين المختلفين، وعبر عن المخاوف والتوقعات الإيجابية حول العلاقة بين كورونا والاستدامة. فمن ناحية، ارتفعت الأصوات التي ترى أن تنفيذ تدابير ضد تغير المناخ في خطر بسبب الركود الذي يلوح في الأفق، ومن ناحية أخرى تظهر العديد من الدراسات أن التحول إلى الطاقات المتجددة (واللامركزية) والانتقال إلى طرق الحياة المستدامة الأخرى يوفر فرصًا إيجابية كبيرة وإمكانات اقتصادية مهمة.

من المفيد ملاحظة تركيز الباحثين الذين أشرفوا على هذه الدراسة القيمة بأن الأزمات أظهرت شعورا بالتضامن، واقتنع الكثيرون أن القيود المتعلقة بكورونا لها أيضًا آثار إيجابية، وكان كل هذا مقترنًا بالأمل في تغيير نمط الحياة المستدامة في المستقبل. وتظهر النتائج الأولى للدراسة الممولة من مؤسسة DBU التي أنجزها في جامعة ماغديبورغ إلين ماتبس تراجعا في التنقل الفردي في وسائل النقل الخاصة والفردية لصالح استخدام الدراجة الهوائية، كما تم التغيير في التخطيط المستقبلي للعطلة، وناقشت الدراسة العوامل الخارجية التي يمكن أن توثق التغيرات السلوكية. لقد تغيرت أهمية العديد من القضايا السياسية بشكل كبير مقارنة بعامي 2016 و2018.   وتوضح إلين ماتيس وآخرون في دراستهم بعنوان “منصة للتضامن بين أحياء المدينة” من جامعة ماغدبورع كيف تم تفكيك العادات الحالية أثناء أزمة كورونا، وكيف كان له آثار إيجابية على حماية البيئة والمناخ.

أما الدراسة التي قامت بها كلوديا هورنبرغ مع زملائها من جامعة بيلفلدت فتجيب عن سؤال حول ما إذا كان الوباء يغير الوعي البيئي للناس. وينصب التركيز فيها على مسألة ما إذا كان تصور الفرد عن أهمية البيئة والمخاطر البيئية في ألمانيا ستتغير مع الوباء، ومدى التأثير الشخصي للفرد بسبب الوباء، ومعرفته بالصلات القائمة بين المشاكل البيئية العالمية والمخاطر الصحية، وثقته وتقييمه للتدابير السياسية والاقتصادية وقت انتشار الوباء. وتنبه هذه الدراسة إلى العلاقة المركزية بين البيئة والصحة فيما بعد الوباء.

تعتبر أزمة المناخ أكبر تهديد للصحة في هذا القرن. لكن حتى الآن، كان موضوع تغير المناخ ذا أهمية هامشية في قطاع الصحة. وبفضل الجمعيات المهتمة بالبيئة والتحالف الألماني لتغير المناخ والصحة (KLUG) تغير الوضع. ومع ذلك، ما يزال التحدي يتمثل في تطوير رعاية صحية محايدة مناخيًا وموفرة للموارد، وفي إعطاء الأولوية للوقاية والصحة وحماية المناخ، وتغيير نمط الحياة، وتقليل التفاوتات الاجتماعية في الرعاية الصحية لكي تصبح مقاومة لعواقب تغير المناخ.

تهدف دراسة زابينه باومكارت وغابرييل بولته وآخرون من جامعة بريمن، الموسومة بـ”الحجر الصحي وصمود امتحان القلق” إلى تحديد الاستراتيجيات والتدابير على المستوى المكاني والاجتماعي والاقتصادي والتنظيمي التي تزيد من مرونة أحياء المدينة، مثل الحفاظ على المساحات الخضراء والمفتوحة والارتقاء بها والتعويض عن الأضرار التي يسببها الوباء.  فالتحديات تؤثر على جميع المجالات الاجتماعية والمكانية ولا يمكن مواجهتها إلا من خلال العمل المشترك في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

عُرض شعار “نبقى في المنزل” خلال الموجة الأولى من الوباء في ربيع 2020 باستمرار في جميع محطات التلفزيون الألمانية.  لم يطرح البقاء في البيت مشكلة للأشخاص الذين لديهم مساحة كافية وبيئة معيشية مريحة، ولكن ماذا عن الأشخاص الذين يعيشون في أماكن ضيقة وغير مريحة؟ وماذا عن الفئات السكانية الهشة مثل كبار السن، والأشخاص الذين يعيشون بمفردهم، واللاجئين، والمهاجرين أو المشردين؟ يجب أن تكون المنطقة المقاومة للوباء مرنة.  ويتعامل مشروعان آخران مع هذه المسألة: يركز مشروع “المناهج الموجهة نحو الصالح العام للمناطق “المقاومة للأوبئة” الذي أشرف عليه معهد فوبرتال على التنفيذ السريع للتدابير الملموسة.  تعتمد فكرة المشروع على آثار التضامن التي تظهر في أحياء المدن نتيجة لأزمة كورونا من أجل تعزيزها بعروض إضافية على تطبيق تم إنشاؤه في حي تجريبي بالمدينة، ومنها عروض الغذاء من المطاعم المحلية وعروض المساعدة والخدمات الاجتماعية الأخرى التي تهم المواطن الذي ينتمي إلى هذا الحي.

وتوضح دراسة فرانتسيسكا شتلتسر وكارولين بيدكر من معهد فوبرتال، بعنوان “فوبرتال: معهد المناخ والبيئة والطاقة” جهود تطوير أشكال رقمية جديدة للمشاركة والتواصل والتفاعل من خلال استخدام المنصة الرقمية بعدة لغات، وهي فرصة فريدة لمتابعة وتوسيع عمليات التحول الحالية وأثرها على الاستدامة في المنطقة وتوسيعها، وأهمية المنصات الرقمية التي تدعم الاتصال في المنطقة وتظهر المرجعية المحلية، كما تقدم روابط مباشرة تتيح خيارات مهمة لهذا التضامن المحلي.

ختاماً يؤكد الباحثون المشاركون في إعداد هذا الكتاب، والذين ينتمون على مؤسسات متخصصة في البيئة والمناخ والأوبئة، وإلى جامعات كثيرة مثل جامعة بريمن وبيلفيلدت وماكدبورغ وبريمن، أن الحياة البشرية تتغير جذريا، وأن هذا التغيير سببته أزمة المناخ وأزمة التنوع البيولوجي، إضافة إلى الأزمات الطارئة مثل الوباء والحرب في أوكرانيا.  كل هذه الأزمات تبني سيناريوهات واقعية للمستقبل يجب أن نكون مستعدين لها بشكل أفضل، من خلال اتخاذ القرار المناسب، مثل: بناء مستقبل وعالم مرنين، والانتظار ثم محاولة التكيف مع ظروف ما بعد الأزمة. ما هو مؤكد لنا أن الظروف الإيجابية بالنسبة لنا وللأجيال القادمة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تشييد المستقبل بفعالية والاستعداد لسيناريوهات الأزمات المختلفة بناءً على “الدروس المستفادة” من الأزمات الماضية، والتعلم من أزمات المستقبل أيضاً.

هذه مجموعة من الاقتراحات قدمها هذا الكتاب، الذي يؤصل لمفاهيم جديدة-قديمة، وقيم متنوعة، ذلك أن المآسي عليها أن تزيد الناس ألفة وتسامحاً وألا تزيدهم فرقةً وتباغضاً. هذا يظهر أيضًا أنه ليس لدينا مشكلة معرفية، بل مشكلة تنفيذ!  تأسيسا عليه يدعو هذا الكتاب إلى التعلم من أزمات الماضي والحاضر من أجل بناء مستقبل مشترك. لنتعلّم الدروس من أزمة كورونا والحرب ونحافظ على البيئة والتنوع البيولوجي: هذا هو الدرس الذي يدعونا  مؤلفو هذه الدراسة العلمية، وهي دروس مستقاة بقوة من القيم التي ظهرت في وقت أزمة كورونا؛ ومنها قيمة الاعتراف بأهمية فئات اجتماعية مهمة (الأمن ورجال ونساء الصحة)، والتضحية (تضحية الشباب من أجل الشيوخ)، ونشر خطاب القيم الإيجابي (التضامن والتعاون)، وزيادة الوعي البيئي والمناخي (من خلال الاحتجاجات والاعلام) وطلب العدالة (بين الأفراد، وبين الشمال والجنوب)، وتحمل المسؤولية (التصرف وفق السلوك المحمود اتجاه البيئة والموارد الطبيعية).

 

- رضوان ضاوي

أستاذ باحث / الرباط

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.