رباط الكتب مجلة إلكترونية متخصصة في الكتاب وقضاياه
رحل عن دنيانا فجأة الأستاذ الباحث عبد الرحمان المودن في اليوم الثاني من شهر غشت 2020، وخلّف الرّحيل حزنًا عميقًا بين أقربائه وأصدقائه وزملائه…وطلبته. كان سي عبد الرحمان قبل أن يغادرنا في أوج عطائه، معروفًا بين أقرانه بكتاباته الرصينة والمجدّدة والمنفتحة. وكان أيضًا متميّزًا بتأطيره المتين للباحثين الشباب من طلبته، وبعطفه الأبوي عليهم، وبحرصه الشديد على استكمال أبحاثهم وانخراطهم في مجال البحث والتأليف، وحتى على الاطمئنان عليهم في حياتهم الخاصة.
قدّر جمع من هؤلاء الباحثين الشباب الرّعاية العلمية والروحية التي شملهم بها أستاذهم، فأسرّوا قيد حياته اتفاقًا على كتابة مجموعة من المقالات، تُضمن كتابًا جماعيًا يهدى إليه تقديرًا لأخلاقه واعترافًا بعلمه. ومضى الجمع قُدمًا في تحرير المساهمات، مستلهمين مواضيعها ومناهجها من المشترك العلمي الذي جمعهم وإيّاه لسنوات غير قليلة. وقبيل أن يكتمل المشروع، انكشف السرّ للأستاذ صدفة لمّا استقصت إحدى المساهِمات أخبار ما أنجز منه غير منتبهة إلى أن المقصود بالهديّة والتكريم يوجد على مرمى السمع والبصر. أثمرت الصدفة نوعًا من “التواطؤ” المحمود بين الأستاذ والطلبة الباحثين، حيث اطّلع على بعض ما أنتجه هذا الخلف، في حين عادوا أكثر حرصًا على تحقيق مشروعهم مستوفيًا لما تعلّموه من دروسه واكتسبوه من إشرافه. هكذا يكون الخالق اختار سي عبد الرحمان إلى جواره قبل أن يكتمل المشروع ويرى النور، لكن صدفة اطلاعه قبل الرّحيل على ما “دبّره الطلبة” جعلته بالتأكيد يغادر قرير العين.
وصدرت الأعمال المهداة كما كان منتظرًا، تجمع بين الجدّية في البحث والرصانة في الكتابة، وتنمّ أيضًا عن الكثير من الحبّ والاعتراف، وهي بادرة قلّ مثيلها بين الباحثين في التاريخ بالمغرب.
وبمناسبة صدور هذا الكتاب الجماعي، وحرصًا منها على تثمين هذه المبادرة، نظمت “مجلة رباط الكتب” و”مركز تواصل الثقافات” جلسة قراءات في مضامينه تحت عنوان من تقدير العطاء إلى ثقافة الاعتراف: قراءات في كتاب الوثيقة والصورة والذاكرة: دراسات مهداة إلى روح الفقيد عبد الرحمن المودن، وذلك يوم الجمعة 09 يونيو 2023 بمقرّ مركز تواصل الثقافات بالرباط.
شارك في هذا اللقاء الباحثون سعيد الحنصالي بقراءة “المرأة بين الرّق والأسر والتصوّف”، وحميد الفاتحي بمداخلة “أسئلة المظانّ والمنهج والتراكم”، وفتيحة مسعودي بمساهمة “التاريخ المتقاطع للكتل الحضارية الكبرى في المجال المتوسطي”، ومحمد أبيهي بقراءة “قضايا تاريخ المتوسط من خلال كتاب الوثيقة والصورة والذاكرة”، وعبد الرحيم بنحادة بمقال “هوس الأرشيف والمقاربات المجدّدة”. ونسّق اللقاء لطفي بوشنتوف وعبد الحي الخيلي.
ويسعد “مجلة رباط الكتب” أن تقدّم لقرّائها ملفا يتضمّن ثلاث قراءات من هذا اللقاء، وهي بذلك تثمّن الالتفاتة النبيلة لهؤلاء الباحثين وتصطفّ إلى جانبها، وتعدّها شهادة اعتراف تليق بقامة أستاذ باحث اتّسم مساره بالعطاء والتميّز.
