نوقشت يوم الثامن من شهر مارس من سنة 2024، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ تحت عنوان” مؤسسة الرّق في البلاد الإسلامية من القرن الثامن عشر إلى إلغاء الرّق، دراسة مقارنة: المغرب وتونس نموذجا”، أشرف على إنجازها كل من الأستاذة زهرة طموح والأستاذ محمد أبيهي
حاولت هذه الأطروحة مقاربة إشكالية جوهرية مرتبطة بوضعية فئة الرقيق في المجتمعين المغربي والتونسي، ودور مؤسسات الدولة في تحقيق اندماجها داخل هذين المجتمعين، سواء في ظل وضعية العبودية أو بعد حصولها على حريتها بعد الإلغاء النهائي لنظام الرق. وذلك من خلال مقارنة وضعية فئة الرقيق في مؤسسات الدّولة والبلاط في كل من المغرب وتونس، وتتبع مسار إلغاء الرق في كلا البلدين.
حاول هذا العمل مقاربة وضعية للرّقيق في مؤسسات الدّولة، حيث تناولنا في مستوى أول الانتماءات الجغرافية للرقيق في كل من المغرب وتونس، وطرق استجلابهم، وميّزنا داخله بين العبيد السود والرقيق الأبيض والأسرى الأوروبيين. كما وقفنا على أهمية التربية والتكوين في تنشئة الرقيق وتأهيلهم للقيام بالمهام الموكولة لهم من خدمة منزلية، ووظائف إدارية، ومهام عسكرية. وركزنا على نموذج جيش عبيد البخاري لرصد دور الرقيق في حماية الدّولة، وقمنا بمقارنته بدور المماليك في الجيش التونسي. وبما أن الرقيق شكل عنصرا هاما داخل القصور، وفي فضاء الحريم على وجه التحديد، بالنظر لما يختزنه هذا الأخير من خصوصية وما يحيط به من سرية في العالم الإسلامي. فقد ارتأينا مقاربة مفهوم الحريم وطرق استجلاب الرقيق المخصص للمتعة وعرجنا على التنظيم الذي كان يخضع له داخل هذا الفضاء المقدس في المجتمعات الإسلامية.
وبما أن هاجس الانعتاق من وضعية الاسترقاق ظل يصاحب العبد أو الأسير منذ اللحظة الأولى لوقوعه في الرق، فقد ركزنا على دراسة سبل الحصول على الحرية وآليات الاندماج، من خلال التطرق لنماذج من الرقيق تمكنوا من تجاوز وضعهم والترقي في السلم الاجتماعي وشكلوا نخبة مخزنية من أصول رقية في كل من المغرب وتونس. لقد كانت القصور والبلاطات أكثر فضاءات استقبلت واحتضنت الرقيق، بما أن نمط العيش في القصور كان يحتاج حضور الرقيق لاستعمالهم في الخدمة والحراسة والحماية والمتعة الجنسية. وهو الأمر الذي تطلب تنظيم هذه الفئة في إطار مؤسسات الدّولة أو في إطار فضاء عيش الحاكم، وفق هيكلة وتراتبية خاصة أخذت بعين الاعتبار الانتماء الوظيفي والعرقي والجندري للرقيق، فمنحته إمكانيات أكبر للتغلغل والاندماج في مجتمع الأحرار ومكّنته من التحول إلى نخبة في بعض الأحيان، مع استحضار أن عملية الاندماج هذه لم تأت بسهولة لأن وصول الرقيق إلى مناصب سامية وحصولهم على حريّتهم لم يكن يعني دائما انسلاخهم عن ماضيهم الرّقي.
كما تتبعنا مسار إلغاء الرق بكل من المغرب وتونس والذي ارتبط بالموجة العالمية للإلغاء والتي قادتها الدّول الأوربية خلال القرن التاسع عشر. وقد وقفنا عند السبق الذي حققته تونس في إصدار قرار رسمي بالإلغاء النهائي للرق، في الوقت الّذي تماطل المخزن المغربي في الاستجابة للمطالب الدّولية. هذا مع العلم أن الأمر تطلب تفعيل الخطاب الدّيني لمساندة أو معارضة قرار الإلغاء في المجالين معا.
وهكذا حرصنا على مقاربة مسألة الحرية في بعدها الدّولي والقانوني، فتناولنا بالدراسة مسار إلغاء الرق على المستوى العالمي من خلال رصد السياق الدّولي لإلغاء الرق والمراحل التي مر بها، والتي ارتبطت بمبادئ الثورة الفرنسية وتوجت بالجهود الدبلوماسية التي نهجتها بريطانيا لإلغاء الرق في العالم، وانتهت بتبني عصبة الأمم لقرار الإلغاء. وقد وقفنا على دور التطورات التي عرفها النظام الرأسمالي في الدفع بالعالم إلى إلغاء الرّق، دون أن نغفل موقع إفريقيا التي كانت أكثر المجالات تضررا من تجارة الرقيق ضمن هذا المدّ الإلغائي. من خلال مقاربة استمرارية تجارة الرقيق وكذا الاستعمار الذي خضعت له من طرف القوى الإمبريالية ودور العبيد في مسار الإلغاء.
وقبل الخوض في دراسة تجربة كل من المغرب وتونس في إلغاء الرق. تطرقنا لدور الخطاب الإسلامي في مقاربة إشكالية العتق والتحرير، وقمنا باستحضار التصور الإسلامي بمختلف مذاهبه لعملية العتق. من خلال الوقوف على مواقف البلدان الإسلامية من الموجة العالمية للإلغاء، والتي استندت إلى المرجعية الدينية التي لا تحرم الرق، واتّسمت في مجملها بالتباين وتطلبت مرحلة زمنية طويلة لتصل إلى الإلغاء النهائي وظلّت مسألة اتفاق هذا الإجراء مع مقاصد الشريعة محل جدل بين مؤيّد ومعارض.
هكذا تناولنا خصوصية المبادرة التونسية وتماطل المخزن المغربي في إلغاء الرق. وقمنا برصد التحولات التي شهدتها مسألة الرّق قبل الوجود الاستعماري وبعده في كل من المغرب وتونس. وبالتالي رصد دور السياسة الاستعمارية الفرنسية في التأثير على الظاهرة، والكيفية التي تعاملت بها سلطات الحماية مع حضور فئة الرقيق داخل المجتمعات الإسلامية. هذا وهي تضع نصب عينيها هدفين متباعدين كل البعد. الأول إمبريالي يسعى إلى استغلال خيرات المغرب وتونس. والثاني إنساني يسعى إلى إلغاء الرق بما يتوافق وقيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي نادت بها الثورة الفرنسية. وعرّجنا على دور العلماء في تيسير عملية حظر الرّق وتجارة الرقيق. وبصرف النّظر عن صرامة قرار إلغاء الرق في المجالين قيد الدّراسة، فإن انهاء الرّق سواء في المغرب أو في تونس لم يتم بسهولة. فالظاهرة استحالت إلى جزء من عادات المجتمع صعب معه إقناع الأفراد أنفسهم بالتخلي عما كان بحوزتهم من رقيق. وإن فعلوا استجابة لضمائرهم أو للأوامر السياسية فإن الرقيق أنفسهم وجدوا في الحرية مأزقا اجتماعيا واقتصاديا أعادهم مرة أخرى إلى مالكيهم. فلم يكن يكفي حصولهم على الحريّة ليكونوا أحرارا.
لقد حاولنا الإجابة مقاربة وضعية فئة الرقيق المعتقين في المجتمع بعد العتق وإلغاء الرق بصفة نهائية، وما أعقب ذلك من صعوبات للاندماج في المغرب وتونس. حيث تطرقنا لحياة الرقيق ومسألة الاندماج ما بعد الحرية من خلال رصد وضعية الشواشين والحراطين وإشكالية تسميتهم وانتمائهم العرقي وما عانته هاتان الفئتان داخل المجتمع.
وفي سياق البحث عن سبل للاندماج، رصدنا بعض الوسائل التي اتّخذها الرقيق صوتا لهم، للتعبير عن معاناتهم، والحفاظ على هويتهم داخل المجتمع. ومن هنا انفتح هذا البحث على التأثيرات الثقافية للرقيق في المجتمعين المغربي والتونسي، وخاصة التأثيرات الفنية والموسيقية. وهكذا تطرقنا للطقوس والفنون التي ابتدعها الرقيق إما لخلق قنوات للاندماج أو ربما للهروب من الاندماج.
وقد خلصنا إلى أنه بالرغم من نجاح الموجة العالمية لإلغاء الرّق في تحقيق أهدافها في حظر الرق بصفة نهائية، إلا أن تجارة الرّقيق استمرت بشكل غير علني في مختلف مناطق العالم الإسلامي بما في ذلك المغرب وتونس، كما أن ذاكرة العبودية ظلت تختزن معاناة الرقيق وتاريخ الرق في صور فنية وثقافية متعدّدة.