الإثنين , 17 فبراير, 2025
إخبــارات
الرئيسية » قـــراءات » كتابات الذات النسائية العربية بين الهامش والمركز

كتابات الذات النسائية العربية بين الهامش والمركز

د. جليلة الطريطر، مرائي النساء، دراسات في كتابات الذات النسائية العربية، الدار التونسية للكتاب، 2023.

 

لا يمكن الحديث عن الكتابة النسائية بمعزل عن مجموعة من السياقات المنبثقة من تاريخ الأفكار والأشكال والتي تجسد الفعل والوجود الإنسانيين. وقد أولى بعض النقاد والباحثين هذه الكتابة نفس الأهمية التي تكتسيها الكتابة الرجالية إذا صح التجنيس، وذلك لكون الإبداع سلوكا بشريا لا يختصّ به جنس دون الآخر، لأن الكتابة بصفة عامّة فعل أنثروبولوجي نابع من مجموع الثوابت التي يرتكز عليها الإنسان، والكاتب الجيّد سواء كان رجلا أو امرأة هو الذي يمتلك الحسّ المرهف وناصية اللغة وجزالة اللفظ وعمق المعنى وجودة الأسلوب وغيرها من الشروط والضوابط التي تجعل من الكتابة إبداعًا. ويرى آخرون أن الكتابة النسائية تشكّل أدبًا ناشئًا له خصوصيات تميّزه، لكنه ما يزال يحتاج إلى الكثير من العناية والرعاية لكي يحقق ذاته ويفرض نفسه على السّاحة الثقافية.

في هذا الإطار تساءلت جليلة الطريطر عن الأسباب التي جعلت كتابات الذات النسائية لم تحظ بالعناية النقدية التي تستحقها، بالرغم من توفر المكتبة العربية على مجموعة من نصوص الذات النسائية لكاتبات عربيات كان لهن شأن كبير في الثقافة العربية الحديثة، منذ بدايات القرن العشرين، وأرجعت هذه الأسباب إلى كون نظريات نقد الكتابات الذاتية المرجعية في الأدب العربي تعدّ حديثة العهد ولم تتبلور بعد منهجيات مقاربتها وخصائصها الأجناسية الخلافية، بالرغم من تزايد الاهتمام بحقل الكتابات الذاتية المرجعية في النقد العربي، والذي انكبّ تحديدًا على السيرة الذاتية دون غيرها، وبالأخصّ منها سير الكتاب الذاتية مقارنة بالسير الذاتية النسائية وغيرها من كتابات الذات المتنوّعة، ممّا يقلّص مجال دراسة حقل كتابات الذات ويعرقل إمكانية طرح مقاربات نقدية مقارنة في نطاق المنظومة بجميع أجناسها الذاتية مثل المذكرات والشهادة واليوميات الخاصّة ومحكي الطفولة فضلا عن السيرة الذاتية. وتعدّ هذه المدوّنات مرجعيّات أساسية لفهم استراتيجياتها الكتابية ممّا يجعلها مرتبطة بسؤال الكتابة النسائية عمومًا، إذ لا يمكن تقييم خصائص الكتابة النسائية العربية وتعميق مقارباتها بمعزل عمّا قدّمته الكاتبات العربيات من إضافة نوعية في مجال الكتابة الذاتية العربية، كما لا يمكن تقييم الخصائص العامّة لحقل الكتابات الذاتية العربية دون إدراج كتابات المرأة ضمنها.

اعتمدت المؤلفة في تحليلها على عيّنات نصّية متنوّعة زمانيًا ومكانيًا وأجناسيًا، وحاولت أن تبيّن أن المرأة العربية الكاتبة كانت تدرك بأنها على موعد مع كتابة تاريخ النساء المهمل، وأنها بصدد تحديد موقع لها في نسق الثقافة الرمزي يجعلها فاعلة ثقافية بالأصالة ويحدّ من الصوت التمثيلي الواحد للشرعية الثقافية. ويبدو ذلك جليّا من خلال خصوصيات الكتابة الذاتية النسائية التي تتمحور حول تفكيك الهوية الأنثوية وترميم تصدّعها الداخلي والخارجي، وتعود هذه الخصوصيات بالأساس إلى سياق المرأة  التاريخي المبني على الهيمنة الذكورية على النساء واستبعادهن من دائرة السلطة بغية التحكم  في مصيرهن، ومبني أيضًا على النظرة الدونية التي أحاطت بها والتي لها جذور عميقة في الفكر العربي ولا شعوره الجمعي منذ العصر الجاهلي إلى حدود بداية القرن العشرين، حيث ظلت المرأة مجرّد موضوع للحكايات والقصص التي وردت على لسان الرجال، في الوقت الذي تهيّبت فيه من الإبداع ورجعت إلى الخلف في ظل مجتمع ذكوري مهيمن، وفي ظل بنية ذهنية تقليدية لا تعترف بقدرة المرأة على الحرّية والانطلاق وتحمّل المسؤولية إلى جانب الرجل. وقد جعلت هذه الأسباب كتابة الهوية الأنثوية تمثل مع بداية القرن العشرين في مدوّنات الكاتبات الذاتية برنامجًا سرديًا مركزيًا مشتركًا يقوم على إعادة إنتاج هوية سردية بديلة من الهوية الأنثوية الجنسانية/ الجندرية، وتمثّل محطّة جوهرية في تأسيس وعي جديد بالأنوثة يساعدها على الخروج من دائرة التهميش والانفلات من سيطرة الفكر الذكوري، ومن تمّ تمكّنها من تملّك الذات الذي لا يتحقّق إلا بتملّك ضمير الأنا وتحويله إلى طاقة سردية خلاقة تفتح بوابة الانتقال إلى طاقة تاريخية ذات فعالية اجتماعية حقيقية.

وعليه، يمكن اعتبار أدب الذات النسائي العربي أدب نضال ومقاومة بالأساس من أجل تحرير الأنا، وتشكيل وعي جديد بآفاقه الممكنة وإمكانياته الحقيقية، هذا الوعي هو الذي يمكّن النساء من إعادة التموقع في العالم ونقده فكريًا والمساهمة فيه عمليًا.

وقد استقرأت المؤلفة كتابات الذات النسائية في نصوص عربيّة مثلت عطب الهوية في تاريخ الثقافة العربيّة موصولة بالهيمنة المتحكّمة بعلاقات السلطة في المجتمعات العربيّة الأبويّة، ويمكن إدراجها ضمن صراع الهويات الاجتماعية التي تواجه فيها الأقليات المهمّشة والمستلبة استراتيجيات المركز القمعية على تفاوت درجاتها، وذلك من خلال محاولة نقدية تفسيرية جريئة تهدف إلى تفكيك البنية الاجتماعية وآليات العلاقات البشرية والقيمية التي تسود المجتمع العربي وتتحكّم في صورته التاريخية الاستقلابية.  وهذا يعني أن خصائص الكتابة النسائية تاريخيّة بالأساس وليست جوهريّة، وأنها خصائص متحوّلة ونسبيّة. وقد دعا الخطاب السيرذاتي النسائي العربي إلى تغيير السائد المتدهور واستبداله بما هو أجمل وأفضل في ظلّ بروز قيم الحداثة وتزعزع أركان المجتمع التقليدي العربي الذي كان يضع المرأة في خانة المستضعفين.  وهو بهذا يساهم في البحث عن المصالحة باطنًا وفتح باب الحوار المسؤول الذي يهدف إلى تأمين إمكانية التآلف والمساواة بين الأنا والآخر أو بين الأنوثة والذكورة، وذلك على قاعدة الاختلاف والمساواة بدلًا من الاستبداد والهيمنة.

وقد أشارت الكاتبة إلى أن ثمانينيات القرن العشرين شهدت تراكمًا مفتوحًا على تجارب سيرذاتية مختلفة وعلى حساسيّات متنوّعة باللغتين العربيّة والفرنسيّة، ما فتئت هذه التجارب تتناسل وتتطوّر كمّيًا ونوعيًا منذ تسعينيات القرن العشرين إلى يومنا هذا، حيث أتيحت للأصوات النسائية فرص التعبير على نطاق واسع وبمتخيّل جديد ورؤى مختلفة، مما أثار اهتمام النقاد ووسائل الإعلام، ففُتحت حولها نقاشات مختلفة، وأنجزت دراسات كثيرة خصوصًا في السنوات الأخيرة التي تصدّر فيها الأدب النسائي واجهة النقد الأدبي من خلال ما حققه من تراكمات ومن خلال العناية التي حظي بها من طرف منظمي الجوائز والمهرجانات الثقافية، ومن طرف الجامعات العربيّة التي انخرطت في هذا الحقل من خلال وحدات التكوين والبحث التي حفّزت الباحثين للانخراط في هذا المجال وسبر أغواره.  وهنا نتساءل هل النقد الأدبي يعتمد على المقاييس الفنية لتقييم العمل الإبداعي النسائي أم أنه يحاول أن يثبت أن المرأة بإمكانها أن تبدع وأن تحصل بدورها على اعتراف المؤسسة النقدية الذكورية؟ علمًا أن الناقد أو الدّارس لموضوع الكتابة النسائية بشكل عامّ والسير ذاتية بشكل خاصّ تواجهه صعوبات كثيرة تتجلّى في إشكال الحمولة الفكرية والسياسية والدينية والاجتماعية والثقافية لهذا الخطاب، ثم في كثرة المتدخلين في عملية تأسيس الكتابة النسائية وضمنها كتابات الذات النسائية، وأخيرًا في الإشكال النظري المتعلّق بتعريف مفهوم الكتابة النسائية، حيث لم تستقر الدراسات والأبحاث على تعريف نهائي وعملي. ولتجاوز هذا الإشكال ارتأى بعض النقاد ألا يهتمّوا بجنس الأديب، قدر اهتمامهم بتقييم الأعمال الأدبية من خلال قدرتها على تفكيك البنيات الذهنية للمجتمعات والتأسيس لأشكال جمالية ترقى بالأدب وتقدّم إضافة نوعيّة للسّاحة الثقافيّة العربيّة. وعلى حدّ تعبير موسى شمس الدين في كتابه تأملات في إبداعات الكاتبة العربيّة1، فإنه ليس بين إبداعهن وإبداع الرجل أيّة فروق ترتبط بالنوع.  وعليه لا بد أن تشتغل المرأة في حقل النقد الأدبي لكي تنتج أكثر وتبني نظرياتها انطلاقا من نقد بناء يأتي منها وإليها، ولعلّ ظهور النقد الأدبي النسوي مع جوليا كريستيفا وشو والتر في سبعينيات القرن العشرين كان له تأثير كبير على العالم العربي بشكل عامّ، حيث حدثت موجة كبيرة من التحرّر على مستوى الكتابة الإبداعية النسائية بشكل عامّ، والتي تميّزت بالانطلاق بعيدًا عن السلطة الذكورية وبمباركة ما يعرف بخطاب المدرسة النقدية النسوية التي تهتم بتقصّي تاريخ المرأة الإبداعي وبإنتاجاتها الإبداعية شكلاً ومضمونًا وبأبعادها الفلسفية والسياسية والاجتماعية. هكذا أنتجت المرأة نصوصًا سير ذاتية نبتت جذورها التلقائية الأولى لدى المترجمات لذواتهن في عهود الطفولة الباكرة من منطلق الإحساس البريء بهيمنة العنف والتسلّط وغياب لغة الحب بين أفراد المجتمع الواحد وتحديدًا بين الجنسين، فتحوّل الغضب الطفولي إلى يقظة فكرية غاضبة تنتقد الرجل والمجتمع وتحاول الانفلات من قبضتهما، وأعطت المؤلفة مثالا على ذلك بالخطاب السير ذاتي في كتاب أوراقي..حياتي2 لنوال السعداوي، حيث ترى أن المرأة الحضرية تشكلت عندها في “صورتين اغترابيتين، فهي إما كائن مسلوب الإرادة يعالج صورته، ويحاول النظر إليها من خلال مرآة غيرية قد علاها صدأ المواضعات السائدة، أو هي كائن ممسوخ يكره أنوثته ويضطهدها من خلال تقمّص صفات ذكورية توظف كقناع حاجب لما توسم به المرأة في المجتمعات الأبويّة من ضعف وقصور طبيعيين متأصلين فيها”3. وقد ربطت الكاتبة بين صور النساء الشخصية وتاريخ المكان، وهو ما يجعل هذه الصّور تدلّ على أن الشخصية السّيرذاتية في صيغتها التحديثية العميقة هي تشكيلة تاريخية زمنية يمكن تفسيرها بردّها إلى ظروفها الخاصة بما فيها نظام الأمكنة وفضاءات الحياة.

من جهة أخرى، تناولت الكاتبة سؤال الهوية في كتاب أرق الروح4 ليمنى العيد، واعتبرته سؤالا سياقيّا تاريخيّا، وعلى إثر ذلك اعتبرت أن اتجاه المقاربة السيرذاتية النقدية لا يكون باتجاه استعراض سطحي لحيثيات التاريخ الشخصي ومفارقاته الوقائعية التاريخية الطافحة على سطح الخطاب بقدر ما يكون تأويلا للسّرد الحكائي يسير به نحو استكناه خصوصيات السؤال الهوياتي وضبطه في ارتباطه الحتمي بسياقاته الخاصة.

استعرضت المؤلفة في هذا السياق نماذج نسائية أخرى، منها عائشة عودة في كتابها أحلام بالحرية5 حيث تناولت الكتابة السيرة السجنية الذاتية للمرأة العربية، فطرحت مقوّمات هذه الكتابة باعتبارها تعبّر عن تجربة الاعتقال السياسية وهي تجربة جديدة في تاريخ النساء العربيات، وناقشت مسألة كتابة التاريخ النضالي السياسي للمرأة وعلاقته بإعادة إنتاج الاختبار السجني، واستنتجت علاقة كل ذلك بقضايا الهوية الأنثوية التي لا يمكن أن تغيب عن أفق كتابي متوتر مثل أفق كتابة السجن السياسي للمرأة، التي ارتبطت بمقاومتها للقمع والطغيان السياسي في مجتمعها العربي الحديث، والتي تلتقي مع غيرها من الكتابات المرجعية الذاتية الأخرى في مقاومتها لرجعية مهيمنة على تاريخ العقليات العربي المتغلغل في الأنسجة الاجتماعية والثقافية. كما ناقشت المؤلفة كتابة الذات الفردية في سرديات السيرة الذاتية من خلال نص لطيفة الزيات اللافت حملة تفتيش، أوراق شخصية6 محاولة الإجابة عن مجموعة من الأسئلة من قبيل: “هل تشكّل الذات سلطة إملاء، والكتابة مجرّد فعل تسجيل لإملاءات الذات، تشكّل المكتوب وتتشكّل فيه بذاتها وجودًا سلسًا ملموسًا، يخرج من حيّز الوجود بالقوّة إلى حيّز الوجود بالفعل؟ أم أن للكتابة سلطتها المتحكّمة بسرديّة الأنا السّيرذاتي، إذ يتعذر خارج هذه السلطة السّردية التمثيلية الوعي بصورة الأنا، ما لم ينتظم على نحو ما في اللعبة السّردية وبواسطتها، فتصبح قابلة للإدراك؟ أليس الأنا السّيرذاتي هو الواحد المتعدّد في آن؟” موضّحة كيف تكتب الذات المسترجعة، وكيف تقضي عن الخوف وتحطّم الأساطير والأوهام التي ظلت ترزح تحت وطأتها. وتوقفت الكاتبة عند نص ولي خطوات في فلسطين7 لنجاة البكري لتتساءل عن خصوصيات الكتابة الذاتية المتجذرة في الواقع التاريخي اليومي للإنسان العربي الحديث، وللمرأة العربية على وجه الخصوص، وهي تواجه مجموعة من التحدّيات المتعلقة من جهة بالرّهان الهوياتي وما يفرضه من إعادة تأقلم جذري مع واقع غريب مجهول، ومن جهة أخرى بتجاوز الأدوار الجنسانية/ الجندرية التقليدية للمرأة الأم والزوجة من أجل الاضطلاع بدور الفاعلة التاريخية التي تعاين حقبة تاريخية استثنائية في تاريخ فلسطين الحديثة.

وفي خضم بحثها عن كتابات الذات المتعدّدة، تساءلت جليلة الطريطر عن منزلة الشهادة الأدبية، هل هي وثيقة نقدية أم نص إبداعي ذاتي؟ محاولة الإجابة عن هذا السؤال من خلال مدوّنة الشهادات المتنوعة التي شاركت بها القاصة التونسية عروسية النالوتي في أكثر من مؤتمر أدبي داخل تونس وخارجها. كما تناولت تمثيل الذات شعريًا من خلال قصيدة “قمرية الخضراء”8 لزبيدة بشير، حيث مثلت هذه القصيدة مأساتها الوجودية الأنثوية والاجتماعية التي تطرح تناقضات المثل التي آمنت بها المرأة الشاعرة، وانتهازية الحياة والأحياء بكل ما تبطن من شرور وآلام على رأسها ذكورية المجتمع المحافظ. وهنا يمكن القول إن السيرة الذاتية الشعرية تعدّ من المباحث النقدية المستعصية، نظرًا لغموض نظام الإحالة في القصيدة السيرذاتية لأنها رمزية ومطلقة.

تناولت الكاتبة أيضا الحكاية السيرذاتية في كتابات المرأة من خلال بغداد وقد انتصف الليل فيها9 لحياة الرايس، وأوضحت أنها تبئر بالخصوص على الرحلة المعرفية باعتبارها رحلة الخلاص من الاغتراب الهوياتي والاجتماعي على حدّ سواء. وأن هذا المحكي بمثابة سفر معرفي تتجلى فيه أهم خصائص كتابة الذات النسائية العربية الحديثة، ويندرج ضمن التوجه النضالي النسوي المتمركز حول مشروع تحقيق الذات الفردية، من خلال العمل على تحريرها من قيود هوية الجندر. وفي إطار كتابة الذات من بوابة اليومي استعرضت الكاتبة اليوميات الإيديولوجية في النجمة والكوكوت10 لحفيظة قارة بيبان التي طرحت مسألة تخطّي المأزق الهوياتي الجندري متجاوزة طور نقد مؤسسة الحريم في ذاتها، وهي مسألة متجذّرة في البنى المهيكلة للمجتمعات العربية، وراسخة في العقليات التي تعمل على إعادة إنتاجها بانتظام.

كتابات كهذه تسلط الضوء على جانب مظلم ومسكوت عنه في المجتمع العربي وتدعو إلى تغييره من خلال البحث عن أنموذج أنثوي حيوي وأصيل تستنير به الشخصية السّيرذاتية في نحث معالم هويّتها الذّاتيّة، ذلك أن السرد واستراتيجيّات الوصف المعتمدة في الخطاب توظف للكشف عن وجوه الخلل والتّداعي التي تلازم تاريخ النماذج النسائيّة والعلامات الخلقيّة والخلقيّة المميزة لصورهنّ الشخصيّة المأساوية المتذبذبة. بهذا، تكون المرأة قد أسهمت في القضاء على النظرة الأحادية لمجتمع يتّسع للجميع، حتى وإن كانت بعض الكتابات السير ذاتية النسائية تكرّس دونية المرأة وتبعيّتها بوعي أو بدونه. تقول نوال السعداوي في كتابها المرأة والدين والأخلاق: “لعلّ أهمّ مساهمة قدّمتها هؤلاء هي القضاء على الأحادية الفكرية التي ترى الأشياء بعين واحدة هي عين الرجل، أو تنكفئ على الذات دون رؤية الآخر”.  هذا الآخر الذي شكّل لوقت طويل مركز الكون وبقيت هي في الهامش لأسباب اجتماعية وفكرية تطلب تحديدها الرجوع إلى الماضي من أجل تحليل الحاضر كما تناولت ذلك فاطمة كدو في كتابها الخطاب النسائي ولغة الاختلاف.

هكذا أصبحت المرأة العربية تتحدّث عن ذاتها بدل أن يتحدّث عنها الرجل، وطوى استعمالها لضمير “أنا” المسافات ورسم طريقًا واضحًا لإثبات هوية المرأة التي طمسها السياق الذكوري على مرّ السنوات، كما أنها بدأت العمل في جوّ من التفاعل والمشاركة في ظل التعدّدية إلى جانب الرجل حيث أصبح من مسؤولية المثقف العربي العمل على إثبات إبداعية المرأة وتحقيق المساواة الهادفة مع الرجل وليس ضده. وخلصت الكاتبة إلى أنه بالرغم من كل هذه النجاحات ما تزال هناك خطوات وأشواط لا بدّ من تظافر الجهود لقطعها، كما أنه لا بدّ من اجتهادات في مجال الكتابة والإبداع للتعبير عن كلّ ما يشغل بالها ويؤرقه، والسعي نحو تحقيق ذاتها عبر الإبحار عميقًا في سماء الحرّية والإبداع الحقيقي الهادف إلى إضافة نوعية إلى المشهد الثقافي العربي بشكل عامّ.

 

—————–

هوامش

1 موسى شمس الدين، تأملات في إبداعات الكاتبة العربيّة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997.

2 نوال السعداوي، أوراقي..حياتي، ؤسسة هنداوي، 1995.

3 د. جليلة الطريطر، مرائي النساء، ص 194.

 4 يمنى العيد، أرق الروح، دار الآداب، لبنان، 2013

5 عائشة عودة، أحلام بالحرية، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديموقراطية، 2005

6 لطيفة الزيات، حملة تفتيش، أوراق شخصية، سلسلة مختارات الكرمة، دار الكرمة، مصر، 2016

7   نجاة البكري، ولي خطوات في فلسطين، د ار مومنت للكتب والنشر، 2017

8 زبيدة بشير، طائر الفينق، مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة، تونس، 2017.

9 حياة الرايس، بغداد وقد انتصف الليل فيها دار ميارة للنشر، تونس، 2018

10 حفيظة قارة بيبان، النجمة والكوكوت، تونس، 2010

- مليكة معطاوي

كلية الآداب والعلوم الإنسانية/الرباط

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.