Barbara Cassin, Intraduisible et mondialisation, Entretien réalisé par Michaël Oustinoff, HERMÈS 49, 2007.
مايكل أوستينوف: تقتبسين من همبولت في آخر أعمالك1 “جوجل لي. المهمة الثانية لأمريكا”، ما يلي: “إن تعدد اللغات أبعد ما يكون من أن يختزل إلى تعدد في تسميات شيء واحد؛ إنها وجهات نظر مختلفة للشيء نفسه، وعندما لا يكون الشيء موضوعًا للحواس الخارجية، فإننا غالبًا ما نتعامل مع أشياء كثيرة يصوغها كل شخص على نحو مختلف2.» هل ينطبق هذا القول اليوم في عصر العولمة؟
باربارا كاسان: نعم، بالطبع. لا أكثر ولا أقل مما كان عليه الأمر في زمن همبولت. نحن نتحدث ونفكر دائمًا من خلال اللغات، وهذه اللغات ليست متطابقة. وعندما نفترض أنها كذلك، فإنها تسخر منا. لنقدم مثالًا بسيطا: تفحص موقع جوجل Google في خانة: “ترجم هذه الصفحة”، وستكون النتيجة مذهلة. ابدأ بعبارة: «وخلق الله الإنسان على صورته» (Et Dieu créa l’homme à son image)، ثم قم بترجمتها إلى الإنجليزية، فتصبح «And God created the man with his image». أعد ترجمتها إلى الفرنسية، ثم مرة أخرى إلى الإنجليزية، وهكذا إلى أن تصل إلى ترجمة مستقرة. ستتحول العبارة إلى: «Et Dieu a créé l’homme avec son image»، ثم إلى «And God Created the man with his image»، وأخيرًا إلى «Et Dieu a créé l’homme avec son image». وهذا يختلف تمامًا عن النص الأصلي الذي بدأنا به! حين ننطلق من الألمانية، فإن نفس الإجراء يؤدي إلى عبارة “وخلق الإنسان على صورته إلهًا”: «Et l’homme à son image a créé un Dieu» التي تحمل طابعًا ازدرائيا تامًا لمن يتأمل معناها.
مايكل أوستينوف: هل يعني هذا أن الترجمة الآلية ليست، في الواقع، ذات أهمية كبيرة، في ظل هذه القيود؟
باربارا كاسان: لا، بل على العكس تمامًا. تُعد الترجمة الآلية، في عصر العولمة، مشروعًا ضخمًا ذا أهمية بالغة. أولاً، تُظهر الصعوبات التي تواجهها الترجمة الآلية بشكل واضح أن اللغات ليست قابلة للاستبدال ببعضها البعض. وليس جوجل حالة معزولة في هذا السياق: فعلى سبيل المثال، تستخدم المجموعة الأوروبية برنامج، “Systran، الذي يُعتبر حاليًا الأكثر كفاءة بين محركات الترجمة الآلية. كيف يتجنب هذا النظام الوقوع في سلسلة من الأخطاء الفادحة التي تحدثت عنها للتو؟ إذا كانت عبارة “وخلق الله الإنسان على صورته” تسبب كل هذا الإرباك، فإن السبب يعود، بشكل خاص، إلى تعددية التفسيرات الممكنة لحرف المعنى “على: à”. ففي الواقع، تكمن نقطة الضعف في الترجمة دائمًا في الجناس homonymie سواء نظرنا إليه من زاوية التركيب أو من زاوية الدلالة. وعلى أساس ذلك، تلجأ الترجمة الآلية إلى تجاوز هذا العائق باستخدام عبارات “مُوضَّحة وخالية من الالتباس”، وبما لا يُعرف دائمًا، بالاعتماد على “لغة وسيطة” واحدة langue-pivot، وهي اللغة الإنجليزية. لكن المشكلة، كما عبّر عنها جاك لاكانJaques Lacan بعبارة جميلة، هي أن “اللغة، من بين أشياء أخرى، ليست سوى مجموع الالتباسات التي سمح لها تاريخها بالاستمرار فيها3 “.
مايكل أوستينوف – ما الذي ينبغي أن نقوم به إذن من أجل نزع الغموض عن عبارة ما؟
باربارا كاسان: مرة أخرى، سأكتفي بتقديم مثال واحد، وهو فعل الكينونة «être»، الذي يُعتبر مثالًا بارزًا على الأفعال متعددة المعاني، ولا تخفى أهميته في الفلسفة اليونانية، وبشكل عام، في ثقافة «العالم الغربي». في الواقع، يُعاد هنا طرح السؤال حول كيفية نزع الغموض عن الفعل to be، بالنظر إلى استخدام الإنجليزية كلغة وسيطة. من أجل ذلك، يمكننا اللجوء إلى WordNet (وهو البرنامج الذي طوره مختبر الذكاء المعرفي بجامعة برينستون4)، والذي يعرض علينا ما لا يقل عن ثلاثة عشر معنى مختلفًا للفعل، غير مرتبة بطريقة هرمية، وتتداخل أحيانًا جزئيًا، وبدون أي تسلسل منطقي واضح. نجد أن الرابط النحوي (copula) يأتي في المرتبة الأولى، والهوية في المرتبة الثانية، والوجود في المرتبة الرابعة (Is there a God?)، بينما يأتي المكان في المرتبة الثالثة. وعلى نفس المستوى، نجد معاني متخصصة جدًا (المعنى التاسع يدل على «التجسيد Incarner» مثل: (Derek Jacobi était Hamlet) أو عبارات مسكوكة جدًا (المعنى العاشر «قضاء أو استغراق الوقت» مثل (I may be one hour).، إلخ. والنتيجة إشكالية بالطبع، إذ يتم تبسيط اللغات الطبيعية بشكل مفرط لتتوافق مع قالب لغة تصورية محايدة، هي في الواقع لغة مسكوكة جدًا، تضطلع فقط بدور الوسيط. إن العرض متعدد اللغات، وكذلك عرض الترجمة المتاحين على نطاق واسع في موقع جوجل، كلاهما يتمحوران حول لغة واحدة فقط، هي الإنجليزية، أو بالأحرى، اللغة الكوكبية (Globish).
مايكل أوستينوف – تنقلين في كتابك عن دالمبرت d’Alembert ما يلي: “قبل نهاية القرن الثامن عشر، سيضطر الفيلسوف الذي يرغب في التعلم بشكل كامل من اكتشافات أسلافه إلى تحميل ذاكرته بسبع أو ثماني لغات مختلفة؛ وبعد أن يمضي حياته في تعلمها، سيموت قبل أن يبدأ في التعلم. فاستخدام اللغة اللاتينية، التي أظهرنا سخافتها في مسائل الذوق، لا يمكن أن يكون مفيدًا جدًا إلا في الأعمال الفلسفية، التي يجب أن يكون لوضوحها ولدقتها كل الاستحقاق، والتي لا تحتاج إلى أكثر من لغة عالمية ومتوافق حولها5“. ألا تحتفظ هذه الحجة بأهميتها اليوم، بعد أن حلت اللغة الإنجليزية محل اللاتينية؟
باربارا كاسان: أدعو إلى مفهوم مغاير تمامًا لاختلاف اللغات وللتعدد اللغوي. ذلك أن قاموس المفردات الأوروبية للفلسفات6، الذي قمت بإنجازه، يثبت عكس ما طرحه دالمبيرت تمامًا، بدءًا من الفكرة التي بموجبها نحتاج فقط، في الأعمال الفلسفية، إلى “لغة عالمية واتفاقية”. ومرة أخرى، يمكننا أن نعود إلى مثال فعل “الكينونة” «Être» الذي وصفه شلايرماخر بأنه “الفعل الأول”، مضيفًا أن «هذا الفعل نفسه» «مُضاء وملون بواسطة اللغة7». لكن هذا التوضيح ينطبق في الواقع تنطبق على جميع مداخل قاموس ما لا يمكن ترجمته: هل mind تعني نفس ما تعنيه Geist أو esprit؟ هل Pravda تعني الحقيقة vérité أم العدالة justice؟ و mimêsis هل هي تمثيل أم محاكاة؟ إن الحديث عن الأشياء غير القابلة للترجمة لا يعني بأي حال من الأحوال أن هذه المصطلحات لا يمكن ترجمتها، ولكن ما لا يمكن ترجمته هو ما لا نتوقف عن ترجمته أو عن عدم ترجمته، كما أوضحت ذلك في تقديم الكتاب. لا تقتصر الاختلافات من لغة إلى أخرى على الكلمات فحسب، بل تشمل أيضًا شبكات المصطلحات والأنحاء والتراكيب، وهذه العناصر ليست قابلة للتطابق التام، وأن مثل هذه الاختلافات لا ترتبط بغموض سياقي من الضروري “كشفه” بأي ثمن من خلال لغة عالمية مختزلة في أبسط أشكالها التعبيرية، ولكنها على العكس من ذلك هي مصدر للثراء، إذ كل لغة هي شبكة جديدة تطل على العالم. ومن وجهة النظر هذه، فإن الإنجليزية ليست استثناء.
مايكل أوستينوف – ما الذي تقصدينه بذلك؟
باربارا كاسان – يجب ألَّا نخلط بين لغة العمل ولغة الثقافة. ومثال جوجل مفيد في هذا الصدد، حيث إنه يضع اللغة الكوكبية globish كنموذج للتواصل العالمي. ونتيجةً لذلك، يتم التعامل مع جميع اللغات الأخرى على أنها لهجات: الفرنسية والألمانية وغيرهما، بل وحتى لغة شكسبير وجويس الإنجليزية! فمثل موقع ويكيبيديا يعتبر نموذجيًا تمامًا: قد يكون متاحًا بالعديد من اللغات، لكن نمط اشتغاله يقوم على الإجماع. وتضطلع هذه الموسوعة على الإنترنت، التي يُفترض، في الواقع، أن كل شخص حر في تعديلها تدريجيًا أثناء إنشائها، بتغليب دور الدُوكسا doxa (الرأي السائد) على الأغون agôn (الصراع الفكري)، أي تفضيل الرأي المقبول على مواجهة الأفكار. وينطبق هذا نفسه على موقع جوجل، بوصفه محرك بحث: فالتسلسل الهرمي للبيانات المتاحة على الإنترنت يعتمد على خوارزمية PageRank، التي تصنف صفحات الويب على أساس معايير كمية بحتة. لكن هل تنتج الكمية تلقائيًا الجودة؟ من الصعب أن يتوافق التأمل الحقيقي مع مثل هذه الفرضيات، والأمر نفسه ينطبق على اللغة: فلا يمكن إجراء نسبة كبيرة من الأبحاث، في الفلسفة أو العلوم الإنسانية، باستخدام لغة نفعية بحتة. وعلى العكس من ذلك، يجب أن ندافع بحزم عن اللغة الإنجليزية كلغة ثقافة، على قدم المساواة مع اللغات الأخرى.
مايكل أوستينوف – يبدو أن مشروع ترجمة العلوم الاجتماعية Social Science Translation Project، الذي أطلقه المجلس الأمريكي للمجتمعات الأمريكية، يدعم وجهة نظركم. ينتهي المشروع بـ«دعوة الباحثين للنشر بلغتهم الخاصة»، حيث نقرأ على وجه الخصوص: “إن أنماط التفكير والحجاج الخاصة بالعلوم الإنسانية في المجال الأنغلو-أمريكي أصبحت بمثابة سرير بروكرست، يجب أن تتلاءم مع أبعاده جميع أشكال التصورات. ونتيجة لذلك، نشهد تزايدًا في التجانس وإفقارًا متناميًا للخطاب8.” من البدهي أن مشروعا من هذا القبيل لا معنى له إلا إذا تم توفير الموارد الكافية لدعم الترجمة.
باربارا كاسان – إنه مشروع رائع أعرفه جيدًا. فيما يخص بالترجمة، أود أن أضيف أن قاموس المفردات الأوروبية للفلسفات تجري حاليًا ترجمته، أي ملاءمته، مع عدة لغات، وخاصة اللغة الإنجليزية، وأنا أنوي، بمجرد الانتهاء من هذه الترجمات، إجراء دراسة مقارنة لمختلف هذه الإصدارات.
مايكل أوستينوف – قاموس ما لا يمكن ترجمته يجب، بحكم تعريفه، أن يطرح جميع أنواع المشاكل على المترجمين!
باربارا كاسان – بالفعل. وهي مشاكل تختلف حسب اللغة التي نأخذها بعين الاعتبار. لكن المظهر الأكثر إثارة للاهتمام هو أننا لا نغير اللغة فحسب، بل لغة اللغة métalangue أيضًا. يمكن توضيح هذا الأمر بشكل أفضل من خلال زيارة الموقع الإلكتروني الخاص بالنسخة الرقمية من قاموس المفردات الأوروبية للفلسفات9، الذي تم تطويره ضمن إطار مشروع ECHO (التراث الثقافي الأوروبي عبر الإنترنت). خذ، على سبيل المثال، المدخل الخاص بالكلمة الألمانية: Bild. نجد في هذا المدخل الترجمة الأكثر شيوعًا، وهيimage «صورة»، ولكن أيضًا tableau «لوحة»، و figure «شكل»، و visage «وجه»، وكذلك الكلمة اليونانية eidôlon، والكلمات اللاتينية imago أو species، إلخ. فالكلمة لا تكتسب قيمتها بمفردها، وإنما من خلال علاقتها بالكلمات الأخرى التي تُشكل إلى جانبها نسقًا. وهكذا نجد أن كلمة Bild مرتبطة بكلمتي Urbild وAbbild (النموذج modèle والأصل archétype وسلسلة série)، وبكلمةBildung (التكوين، والثقافة)، وكلمة Einbildungskraft (الخيال)، إخ. لا يمكن تصور هذا الجزء من المدخل اعتمادًا على ما إذا كانت لغة اللغة هي الفرنسية، كما هو الحال هنا، أو الألمانية، التي تتطابق فيها اللغة ولغة اللغة! لقد تم بعد ذلك وضع مصطلح Bild في سياق ترجمة العهد الجديد التي قام بها لوثر، وهي ترجمة تتم مقارنتها مع النسخة اللاتينية للإنجيل Vulgate. من المستحيل هنا أيضًا اتباع المنهجية نفسها بحسب ما إذا كانت لغة اللغة هي الفرنسية أو الألمانية أو الأوكرانية أو الروسية أو الفارسية… ومن هنا تأتي أهمية تحليل كيف تكون الترجمات المختلفة صدى لبعضها البعض.
مايكل أوستينوف – صحيح، ففي المفردات الأوروبية للفلسفات نجد ما هو أوروبي، لكننا نجد أن اللغة العربية هي الأخرى ممثلة..
باربارا كاسان– نعم، كان ذلك ضرورياً بما أن جزءاً من التراث اليوناني انتقل إلى أوروبا من خلال اللغة العربية. إنها بالنسبة لأوروبا لغة عبور، مثلها في ذلك مثل اللغة العبرية؛ ولهما معًا مكانتهما ضمن ما أسميه لغات التاريخ الأوروبي، إلى جانب السنسكريتية واليونانية واللاتينية. يجب أن تؤخذ مسألة اللغات في أوروبا بعين الاعتبار بكل تنوعها. وإذا كانت هناك لغات “داخلية” في أوروبا، مثل اللغة المجرية، التي لم تصبح لغات وطنية أو رسمية خارج أوروبا، فإن لغات مثل الإنجليزية أو الإسبانية أو البرتغالية أو الفرنسية كانت لغات التوسع والهجرة الأوروبية. فلغات أوروبا، كما نعلم، تتجاوز مجال أوروبا إلى أبعد الحدود. أما لغات الهجرة فغالبًا ما توضع في المرتبة الثانية- سواء كانت لغات أوروبية بالفعل أم لا. ومع ذلك، ففي بلد مثل فرنسا، يتم تمثيل لغات مثل البرتغالية أو العربية أو الصينية على نطاق واسع، فهي ثروة ثقافية لا تقدر بثمن، ويبدو لي أنه من الضروري الإفادة منها. إنها أيضًا وجهة النظر التي يتبناها، على سبيل المثال، كزافييه نورث Xavier North، المندوب العام للغة الفرنسية وللغات فرنسا10. علاوة على ذلك، فإن العولمة تجعلنا على اتصال باللغات الأكثر تنوعًا، لا سيما تلك التي تحتل مواقع متزايدة القوة على الساحة الدولية، مثل الصينية والهندية والعربية. ولهذا السبب أصبح التمسك بالرؤية التقليدية لأوروبا متمركزة حول ذاتها أمراً ضعيف الاحتمال. ولهذا السبب أيضاً أعلق أهمية كبيرة على ضمان عدم ترجمة عمل مثل المفردات الأوربية للفلسفات إلى اللغات “الأوروبية” فحسب، وبشكل عام أكثر، أنا أفضل التعدد اللغوي.
مايكل أوستينوف – إذن أوروبا بالنسبة إليك متعددة اللغات في جوهرها؟
باربارا كاسان – أوروبا بابلية. وهذا مكسب وليس عائقًا، خلافًا لما يدعيه أنصار الاقتصار على الإنجليزية tout-à-l’anglais. إذا اعتبرنا أن اللغة مجرد أداة «للتواصل»، ففي هذه الحالة يكون دالمبير على حق: لا فائدة من السعي لتعلم عدة لغات. تكفي واحدة فقط لجميع الاستخدامات، ولماذا لا تكون هذه اللغة هي الإنجليزية؟ إنها بالفعل اللغة المهيمنة بحكم الأمر الواقع ولجميع الأسباب. ولكن فضلًا عن أن كل لغة، كما يقول نيتشه، “مهمة في حد ذاتها”، فإن التعدد اللغوي يشكل جزءاً لا يتجزأ من هوية أوروبا. لنتذكر الشعار “الدولي” الذي تم تصميمه عام 2007 احتفالًا بمرور خمسين عامًا على معاهدة روما: “معا منذ 1957″، “Tögethé@Since 1957” وردود الفعل السلبية التي أثارها، حيث إنه كان يرمز إلى انتصار اللغة الكوكبية Globish الذي تمت ترقيتها إلى مرتبة اللغة الوحيدة، بينما ظهرت باقي اللغات وكأنها مجرد لهجات (يصفها Google بالنكهات) ترتكب أخطاء إملائية. يتعارض هذا التوجه مع سياسة الاتحاد الأوروبي التي قادها يان فيغل Ján Figel، المفوض الأوروبي المسؤول عن التربية والتكوين والثقافة والتعدد اللغوي، وكما قادها منذ عام 2006، ليونارد أوربان Leonard Orban، المفوض المكلّف بحقيبة التعدد اللغوي فقط. (أشير هنا بالمناسبة إلى أنني حاليًا جزء من مجموعة رفيعة المستوى حول التعدد اللغوي أنشأها يان فيغل). لا يتعلق الأمر، بطبيعة الحال، بتعلم جميع اللغات، بل بتعزيز المعرفة بها، وهو أمر مختلف تمامًا.
مايكل أوستينوف – ما هي التدابير التي توصين بها؟
باربارا كاسان – يصعب أن أقدم هنا إجابة شاملة عن مثل هذا السؤال. سأكتفي بالإشارة إلى بعض النقاط التي أعتبرها مهمة. أولًا، فيما يتعلق باللغة الإنجليزية، التي لا يمكن إنكار أهميتها بوصفها لغة عالمية. هل يجب علينا تعليم “لغة الخدمة” (بغض النظر عن تسميتها: «لغة ناقلة»، «لغة تواصل»، «لينغا فرانكا» lingua franca، إلخ)، أم “لغة الثقافة”؟ يجب، في رأيي، الجمع بين الاثنين. فإذا تعلمنا لغة «التواصل» فحسب، سنكون خاسرين على مستويين: أولًا لأننا نتواصل بلغة فقيرة، وثانيًا لأننا نتحدثها بشكل أقل إتقانًا مقارنة بالناطقين الأصليين الذين يمتلكون خلفية اللغة الأم ولغة الثقافة. وهذا بالتحديد ما نميل إلى فعله اليوم. إن ما ينطبق على الإنجليزية ينطبق بالطبع على اللغات الأخرى. ومع ذلك (وهذا هو الأمر الثاني الذي أود التأكيد عليه)، يجب علينا أيضًا تعلم تطوير المعارف المستكينة passives. على سبيل المثال، تعلمي للغة اللاتينية يساعدني على امتلاك فهم مستكين جيد للغات مثل الإيطالية، أو الإسبانية، أو البرتغالية (على عكس اللغة المجرية، على سبيل المثال). وينطبق نفس المنطق على اللغات الجرمانية، واللغات السلافية، وما إلى ذلك. وأعتقد، بشكل خاص، أنه من المستحب جدًا إتاحة ما يُعرف بـ«اللغات المتداخلة langues internalisées”» (مثل لغات المهاجرين أو لغات الجوار)، بحيث يمكن للمرء اكتساب كفاءة كامنة على الأقل في إحداها. أفكر هنا بشكل خاص في حالة اللغة العربية في فرنسا. وأخيرًا، لا ينبغي أن نغفل عن تدريس لغات القوى العالمية الكبرى، مثل الصينية، والهندية، واليابانية. كما يجب أن نضيف بُعدًا آخر لا يقل أهمية، وهو تطوير التعلم مدى الحياة، وهو ما يبرز مدى تباين مفهومي القدرات النشطة والقدرات المستكينة. هذا ما يسم اللغات.
مايكل أوستينوف – ولكن هناك أيضًا الجانب المتعلق بالترجمة.
باربارا كاسان – تمامًا. الترجمة، وبالتالي النشر، مجالان رئيسيان من مجالات التعدد اللغوي. وكما قال أمبرتو إيكو بحق: «لغة أوروبا هي الترجمة». ف لا يمكن بطبيعة الحال تعلّم جميع اللغات المتداولة داخل الاتحاد الأوروبي. لذلك، تضطلع الترجمة بدور جوهري. وفي هذا السياق، سأكتفي بإضافة بعض الملاحظات. أودّ، على وجه الخصوص، العودة إلى مسألة الترجمة الآلية. ففي مواجهة التدفقات الهائلة المتزايدة في عمليات الترجمة، من المنطقي أن تزداد نسبة الترجمة بمساعدة الحاسوب. ومع ذلك، عند الترجمة اليوم من اللغة الفرنسية إلى اللغة الصينية، يتم المرور عبر اللغة الإنجليزية التي ينزع عنها الغموض باستخدام WordNet، وهو ما ينطوي على عيوب رئيسية سبق وأن أشرنا إليها. لذا، سيكون من المفيد، إن لم يكن من الضروري، السعي إلى الانتقال مباشرة من لغة إلى أخرى، أي من مجموعة من الالتباسات إلى مجموعة أخرى من الالتباسات، مع محاولة نمذجة العمل الذي يقوم به المترجمون، بكل تعقيداته، على نحو أفضل. وهذا توجّه في البحث ذو أهمية بالغة.
مايكل أوستينوف – يجب علينا أيضًا، كما أفترض، أن ننهض بأشكال أخرى من الترجمة.
باربارا كاسان– بالطبع. ومن أجل تحقيق ذلك، يجب أن تتوفر لأوروبا الوسائل الضرورية لنهج سياسة طموحة. من الضروري إعداد قائمة بالأعمال التي تعتبر ترجمتها أمرًا أساسيًا، وخلق التعاضد اللازم بين مختلف الجهات الفاعلة، بما في ذلك الجهات المانحة، لضمان إنجاز الترجمات بسرعة، لا سيما بالنسبة للأعمال الرئيسية، وتطوير النشر المشترك بين ناشرين من بلدان مختلفة، وما إلى ذلك. هناك نقطة أود التأكيد عليها، وهي مسألة المنشورات ثنائية اللغة. فالاطلاع على النص الأصلي إلى جانب الترجمة يخلق فورًا شعورًا بالألفة، مما يساعد على إدراك أن اللغات ليست قابلة للاستبدال. فالكتب ثنائية اللغة، لا سيما تلك التي تحتوي على عناصر تتيح مقارنة اللغة الأم باللغة الأجنبية (مثل التعليقات، والملاحظات، والقواميس التوضيحية، وما شابه ذلك)، هي أدوات مرشحة للقيام بدور جوهري في تدريس الثقافة في أوروبا. علاوة على ذلك، فهي أدوات من الدرجة الأولى لتعزيز الفهم السلبي. أفكر هنا في النصوص الأدبية والفلسفية أو نصوص العلوم الإنسانية، وكذلك، على سبيل المثال، النصوص المتعلقة بالقوانين الأساسية، حيث يمكننا أن نرى كيف تصاغ مصطلحات القانون الروماني بمصطلحات القانون العام، لأن عبارتي “droit” و”loi” لا تدلان على الشيء نفسه في عبارتي “right” و”law”.
مايكل أوستينوف – هذه كلها أشياء غير قابلة للترجمة تظهر في قاموس المفردات الأوروبية للفلسفات، لكن المشكلة نفسها تنطبق على مجالات ثقافية أخرى. هذا هو حال مفهوم “أوبونتو Ubuntu” الوارد في الدستور المؤقت لجنوب أفريقيا، الذي أنشئ عام 1993 في أعقاب إلغاء الفصل العنصري، والذي تحدثت عنه في إحدى مقالاتك11. هل يمكنك أن تحدثينا عنه؟
باربارا كاسان – إنه مفهوم قام بدور محوري في تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا، ويُعتبر من الكلمات التي لا يمكن ترجمتها: ولهذا السبب نجده دون تغيير في النسخ الإحدى عشرة من الدستور التي تتوافق مع اللغات الوطنية الإحدى عشرة في جنوب إفريقيا، حيث يتم التأكيد بشكل رسمي على الحاجة إلى Ubuntu وليس إلى الانتقام أو الإيذاء. هذه الكلمة، التي تنتمي إلى لغات البانتو، تعني «خاصية أن تكون شخصًا مع أشخاص آخرين»، وهو ما تلخصه أنتيه كروغ Antje Krog بشكل رائع بقولها: “نحن موجودون، إذن أنا موجود12“. أذكر ايضًا، في المقال الذي أشرتَ إليه، العبارة غير القابلة للترجمة التي وُجدت ككتابة جدارية على الجدار الخارجي للمنزل الذي كان يقيم فيه ديموند توتو Tutu Desmond في كيب تاون: “كيف نحول أخطاء الإنسان إلى حقوق الإنسان” How to turn human wrongs into human rights، حيث لا يغطي الزوج «wrong/right» تمامًا المعنى الذي يغطيه الزوج « tort » / « droit » (فهو يعني أيضًا «شر/خير» و«خطأ/صحيح»). كما أستعين بمفاهيم يونانية مثل alêtheia الحقيقة، وaidôs (الحشمة)، وdikê العدالة. لذلك، لا يمكن الاكتفاء بالانغلاق ضمن مجال ثقافي معين؛ والترجمة، في الواقع، هي أحد أفضل ترياق لهذه المسألة. لهذا السبب اقترح عالم الأثنولوجيا موريس غودولييه Maurice Godelier، ضمن مشروع ECHO الذي تمت الإشارة إليه سابقًا، إضافةَ بُعد جديد هو المكونات غير الأوروبية للتراث الثقافي الأوروبي13. لا يمكن لهذا المشروع الضخم، الذي أطلقه معهد ماكس بلانك في برلين والمفوضية الأوروبية، أن يقتصر على وضع المصادر الغربية فقط على الإنترنت: الترجمة هنا هي الأهم.
هوامش
- Cassin, Google-moi. La deuxième mission de l’Amérique, Paris, Albin Michel, 2007.
- Von Humboldt, « Fragment de monographie sur les Basques » (1822), traduit dans P. CAUSSAT, D. Adamski, m. Crépon, La Langue, source de la nation, Mardaga, 1996, p. 433.
- Lacan, Scilicet, n o 4, Paris, Seuil, 1973, p. 47.
- Ce logiciel est téléchargeable sur le site <http://wordnet.princeton.edu/obtain#win>.
- D’alembert, Encyclopédie. Discours préliminaire, p. 143.
- Cassin (dir), Vocabulaire européen des philosophies. Dictionnaire des intraduisibles, Paris, Seuil et Le Robert, 2005.
- D. E. Schleiermacher, « Über die verschiedenen Methoden des Ubersetzens in F. Schleiermachers sämtliche Werke, tome 3, Zur Philosophie, vol. 2, Berlin, Reimer, 1838, p. 207-245 ; Des différentes méthodes du traduire, trad. en français par A. Berman, Paris, Seuil, coll. « Points bilingues 1999, p. 83.
- Recommandations pour la traduction des textes de sciences humaines, trad. en français par B. Poncharal, New York, American Council of Learned Societies, 2006, p. 30.
- Vocabulaire européen des philosophies (VEP). En ligne sur <http://robert.bvdep.com/public/vep/accueil.html>.
- Voir le dossier Bataille pour le français sur le site <http://www.adpf.asso.fr/adpf-publi/folio/bplf/index.html>.
- Cassin, « Amnistie et pardon : pour une ligne de partage entre éthique et politique Le Genre humain, no 43, B. CASSIN, O. CAYLA, P.J. SALAZAR (dir), Vérité, réconciliation, réparation, Paris, Seuil, hiver 2004.
- Voir B. Cassin, « “Removing the perpetuity of hatred”: on South Africa as a model example International Review of the Red Cross, vol. 88, no 862, juin 2006, p. 236.
- Voir Case Study 5: Non-European Components of European Cultural Heritage, en ligne sur <http://echo.mpiwgberlin.mpg.de/home/project/pilotphase/case_studies#Anchor-CS5>.