أحمد المكاوي، مصريون في مغرب القرن العشرين، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، 2024.
1: أحمد المكاوي والبحث التاريخي: الإسهام والخصوصية
يعتبر الأستاذ أحمد المكاوي من المؤرخين المغاربة الذين أسهموا بشكل فعال في اغناء رصيد المكتبة المغربية بعشرات الأبحاث ذات الصلة بموضوع الرحلة[1]. ولا يمكن فصل الغزارة في التأليف الرحلي لدى المكاوي عن وفرة تآليفه وتنوعها التي بلغت 18 كتابا و55 مقالا و262 مادة في معلمة المغرب. ومن خلال جردنا مجموع إنتاجه العلمي، يتضح أن المكاوي بدأ مساره البحثي اعتبارا من سنة 1989 تاريخ نشره أول مقال بعنوان “مسألة الاصلاح عند بعض المفكرين المغاربة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر” في جريدة أنوال، وينتهي بسنة 2025 تاريخ إصداره مؤلفا بعنوان رحلات في رسائل[2].
إن الملاحظة التي تنتصب أمام الباحث وهو يطالع هذا الإنتاج الغزير والمتنوع، هي أن المكاوي لم يتقيد بدراسة موضوع منفرد أو مجال مقصود، ولم يحصر نفسه في حقبة زمنية محددة، بل أنجز أبحاثا تمتد من العصر الوسيط إلى الفترة الراهنة. كما تناول مواضيع تقع ضمن تقاطعات معرفية متعددة، مثل الرحلة والقبائل والمدن والأعلام والتصوف والطب والصحافة والتعليم والمرأة والرياضة والأطعمة والأشربة والمنبهات والألبسة والأحذية والحمامات والهدية والسجون والتوسيم والأحزاب والمنظمات. كما بحث في تاريخ المغرب العلائقي والدبلوماسي والعسكري، وتناول موضوع الحضور الأجنبي في المغرب والحضور المغربي في الخارج. وبالتالي، فنحن أمام باحث موسوعي، ومؤرخ له قدرة كبيرة على محاورة العلوم الاجتماعية والإنسانية، والاستفادة من مناهجها وتوظيف خلاصاتها في مجال البحث التاريخي.
كما تمتاز أعمال الأستاذ المكاوي بالجدة والرصانة وعمق التحليل، ويرجع السبب في ذلك حسب تقديري إلى استناده على مصادر قلما يُلتفت إليها من قبل الدارسين على الرغم من قيمتها، مثل الصحف والمجلات والمنظومات الشعرية والفهارس والمعاجم والمختصرات والشروح والحواشي، فهذا النوع الأخير من المصنفات مثلا، قد يبدو للبعض عديم الفائدة أو على الأقل محدود الأهمية، بيد أنه يحتوي أحيانا على معلومات جديدة أو مكملة لما تضمنته كتب الحوليات. إضافة إلى مسألة المصادر، يمكن القول إن مؤلفات الأستاذ المكاوي قد “طبخت على نار هادئة”، بحيث تطلبت عملية تجميع موادها سنوات طويلة بلغت أحيانا عشرين سنة، مثل كتاب مصريون في مغرب القرن العشرين موضوع هذه القراءة.
2 الحضور المصري بالمغرب قبل الحماية وإبانها: التجليات والغايات
يتشكل كتاب مصريون في مغرب القرن العشرين، من مقدمة وخلاصة عامة وتسعة مباحث، عمل فيها المكاوي على معالجة موضوع الحضور المصري في مغرب القرن العشرين، من خلال رصد طبيعة هذا الحضور ونوعيته وتجلياته وحجمه ودوره في إرساء تقاليد أكاديمية وفنية في المغرب. ويعتبر هذا المؤَلَّف امتدادا لدراسات فردية وجماعية سابقة، حاولت تسليط الضوء على موضوع العلاقات المغربية المصرية عبر التاريخ[3].
ولمقاربة هذا الموضوع، اعتمد المكاوي على مصادر متنوعة مثل اليوميات والمذكرات والشهادات والسير الذاتية والتراجم والصحف والمجلات وكتب الحوليات والرحلات… والملاحظة التي أثارت انتباهنا في هذا السياق، هي أن القسم الأكبر من هذه المصادر ألفه مغاربة، وهو أمر له ما يبرره، فالمصادر المغربية سجلت الحضور المصري لأنه حصل في بلادها، عكس المصادر الأجنبية التي تفاعلت مع الحضور المصري بكيفية مقتضبة وعرضية.
إن الحضور المصري في المغرب ليس وليد القرن العشرين كما يوحي بذلك عنوان الكتاب، بل يرجع على الأقل إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لذلك عمل المكاوي على اِبراز بعض تجليات الوجود المصري خلال هذه الحقبة، ومن ثم امتداداته اللاحقة. فبحكم السبق الذي سجلته مصر في عدة مجالات، فقد سعى المخزن إلى الاستفادة من تجاربها الناجحة في التعليم والطبع والنشر وتنظيم الجيش. وفي هذا السياق أشرف المصري محمد القياني على إدارة أول مطبعة حجرية عرفها المغرب سنة 1860، كما علم عددا من المتعلمين المغاربة أصول هذه المهنة (ص. 13).
ومثلما استفاد المخزن من الخبرة المصرية في قطاع الطبع فانه استفاد منها أيضا في صناعة السكر. ففي عهد السلطان محمد بن عبد الرحمن وفد على المغرب صناع مصريون لإتمام تشييد مصنع للسكر في مدينة مراكش بعدما تعمد الأوروبيون عدم انهاء الأشغال به (ص. 14). وفي الشأن التعليمي، استقدم وزير الحربية محمد الكباص سنة 1906 المُعلم المصري رشيد أفندي لتدريس الرياضيات لطلبة مغاربة بدار الوزير ذاته.
ويلاحظ في القطاع الخدماتي، استفادة مغاربة نافذين من خبرة مصريين، وهذه مثلا حالة القائد الطيب الكندافي الذي استقدم معه، في أوبته من الحج سنة 1915، السائق سالم حسنين لسياقة سيارته التي اقتناها من مصر، وتعليم مغاربة المهنة ذاتها. وقد مكث السائق حسنين في المغرب إلى حدود خمسينيات القرن العشرين (ص. 15).
وفي مقابل هذا الحضور المحدود بمغرب القرن التاسع عشر، نلاحظ أن فترة الحماية (1912-1956) قد عرفت تدفقا غير مسبوق لمصريين من مشارب مختلفة (تعليم، صحافة، محاماة، موسيقى…). وقد اعتبر المكاوي هذا الحضور شكلا من أشكال الدعم والمساندة للمغرب الواقع آنذاك تحت سيطرة الاستعمار المغلف بنظام الحماية. ففي الميدان التعليمي، رصد المكاوي كيف أسهم المدرسون المصريون العاملون في المنطقة الخليفية في النهوض بالتعليم العصري، وهو شكل من أشكال تحدي الاستعمار في ذلك الوقت. أما الحقوقيون، فقد دعموا المجهود ذاته للتعريف بقضية المغرب لدى المتلقي المشرقي والدفاع عن رجال الحركة الوطنية في مواجهة حملات القمع والاضطهاد التي تعرضوا لها من قبل سلطات الإقامة العامة.
وارتباطا بحملة الدعم المصرية، أشار المكاوي في المبحث الثاني من مؤلفه إلى البعثات الصحفية التي وفدت على المغرب لأجل تغطية بعض الأحداث البارزة، مثل رحلة محمد بن يوسف إلى طنجة سنة 1947، وحدث نفيه وأسرته سنة 1953. وقبل ذلك، كان المغرب حاضرا بقوة في الصحف المصرية التي خصصت حيزا كبيرا للشأن المغربي مثل صحيفتي الفتح والمنار[4]. وقبل نهاية عهد الحماية، حل بالمغرب ممثلون مصريون للاشتراك في فيلم سنيمائي للمخرج الفرنسي هنري جاك (ص. 42). ويمكن اعتبار هذه البعثات المتنوعة التي وفدت على المغرب خلال فترة حرجة من تاريخه حسب اعتقادنا، بمثابة إسهام مصري في تكسير الطوق المضروب عليه من قبل فرنسا وإسبانيا.
3 مصريون في مغرب الاستقلال: كثرة الزيارات وتنوعها
فور استرجاعه استقلاله، تدفق على المغرب مصريون من مشارب مختلفة بعد أن كانت سلطات الحماية تحول بينهم وبين ولوج المغرب تحت مبررات مختلفة. وقد كانت مصر تصبو من خلال حضورها حسب تقديرنا، إلى تأكيد ريادتها في العالم العربي الإسلامي، ولاسيما الأقطار حديثة العهد بالاستقلال ومنها المغرب طبعا.
في هذا الإطار، توقف المكاوي عند سنة 1958 التي تميزت بقدوم شخصيات مصرية متنوعة الاهتمامات، لإلقاء محاضرات أو تنظيم معارض فنية أو تقديم عروض مسرحية أو تقاسم تجارب شعرية. غير أن أبرز زيارة هي التي نفذها الأديب طه حسين، وظلت تُستحضر كأحد أهم المحطات الثقافية في تاريخ المغرب بعد استقلاله (ص. 50).
كانت زيارة طه حسين استجابة لدعوة الملك محمد الخامس، ومكث بالمغرب عشرة أيام، زار خلالها مدن الرباط والدار البيضاء وفاس وتطوان والقصر الكبير. ونستنتج من خلال ما دونه المكاوي عن هذه الزيارة من تفاصيل، وما أورده من تفاعل نخبة المغرب آنذاك (ص. 56)، أن رحلة طه حسين الثقافية ظلت تغذي الذاكرة المغربية لوقت طويل، وتجذب المؤلفين المغاربة للحديث عنها.
ولما كانت الجامعة المصرية قد تأسست سنة 1919، أي قبل حوالي 38 سنة من تأسيس أول جامعة مغربية عصرية، أي جامعة محمد الخامس، وفي إطار سعي السلطات المغربية إلى توسيع قاعدة التمدرس وتغطية النقص الهائل في الأطر التعليمية، فقد استقدم المسؤولون في قطاع التعليم مدرسين مصريين للإسهام في انطلاق الدراسة الجامعية، لاسيما في كليتي الآداب والحقوق بالرباط. وفي هذا السياق، سعى المكاوي إلى إبراز دور الجامعيين المصريين، على اعتبار أن قدومهم شكل رافدا أساسيا في إرساء الحياة الأكاديمية بالمغرب تدريسا وتأطيرا، انطلاقا من بحوث الإجازة مرورا برسائل دبلوم الدراسات العليا وانتهاءً بدكتوراه الدولة. وقد جرد المكاوي في المبحث الرابع من مؤلفه أسماء 23 مدرسا مصريا ممن نقل إلى المغرب تجربته في التدريس والتأطير، مثل أحمد المختار العبادي وحسن ابراهيم وجاد طه وابراهيم شحاتة وفؤاد الماوي ويونان لبيب رزق ومحمود اسماعيل وحسن حنفي وممدوح حقي وعلي سامي النشار وتمام حسان ونجيب بلدي (ص. 113).
وارتباطا بالشأن الثقافي والتعليمي، نبه المكاوي إلى أن دور الجامعيين المصريين لم يقتصر على التدريس وتأطير البحوث فقط، بل شمل المشاركة في الندوات والمؤتمرات والمناظرات، والقاء محاضرات وتحرير بحوث ونشر مقالات في مجلات مغربية، مثل تطوان ودعوة الحق والبينة وآفاق والبحث العلمي والثقافة المغربية والمناهل…
وقد شملت الدراسات التي حررها الباحثون المصريون لفائدة الدوريات المغربية حسب المكاوي دائما، مختلف فروع المعرفة مثل التاريخ والتراث والفلسفة والأدب وعلم النفس والمسرح والتصوف والاقتصاد والتراجم (ص. 139). والأمر الذي أثار انتباهنا هو أن القسم الأعظم من هذه الاسهامات قد حصل في مجلة دعوة الحق، وهذا الأمر له ما يبرره، فالمجلة تعتبر من المجلات المغربية القليلة التي انتظم صدورها منذ تأسيسها سنة 1957.
لقد تنوع الحضور المصري في المغرب، ففضلا عن التعليم الجامعي، استنتج المكاوي أن الدولة المغربية لم تجد حرجا في استدعاء خبرات مصرية وتكليفها بمهام محددة، بل الحاقها بمؤسسات رفيعة مثل أكاديمية المملكة والخزانة الملكية (الحسنية لاحقا)، والمجلس الأعلى للقضاء والديوان الملكي ودار الإذاعة والتلفزة. كما أن السلطات المغربية في أعلى هرمها، حرصت على حضور مصر الدائم في بعض المناسبات الخاصة مثل الدروس الحسنية الرمضانية التي شكل علماء الأزهر والدعاة والمرتلون المصريون أحد ثوابتها. وفي هذا السياق، استدعى الحسن الثاني على امتداد هذه الدروس منذ بدايتها إلى وفاته سنة 1999، أبرز شيوخ الأزهر مثل عبد الحليم محمود وحسن مخلوف ومحمد الشعراوي ويوسف القرضاوي وجاد الحق ومحمد الغزالي. كما وفد على المغرب في السياق ذاته، المقرئ عبد الباسط عبد الصمد الذي قضى شهر رمضان لسنة 1960 بالكامل يرتل القرآن يوميا في الإذاعة الوطنية (ص. 172).
والملاحظ أن الحضور المصري لم يرتبط بمؤسسات الدولة الرسمية فقط، بل نجد أن مؤسسات إعلامية وحزبية قد استعانت بأقلام صحفية. ويستحضر المؤلف في هذا الإطار إقدام الدكتور عبد الكبير الخطيب، بعد تأسيسه الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية، على الاستعانة بمجهود إعلاميين مصريين للعمل في جريدة المغرب العربي لسان الحركة المنشقة عن التنظيم الأم “الحركة الشعبية” (ص. 167).
وفيما يتعلق بحضور مصر سياسيا، فقد أشار المكاوي في المبحث السابع إلى تقاطر كبار المسؤولين المصريين على المغرب، في سياقات متباينة ولغايات متفاوتة الأهمية، وهو الأمر الذي اعتبره الباحث شكلا من أشكال الحيوية التي طبعت العلاقات المغربية المصرية رسميا بعد الاستقلال. فقد حل جمال عبد الناصر بالمغرب أربع مرات (1961-1965-1969) لحضور مؤتمر افريقي ومؤتمرين عربيين ومؤتمر إسلامي (ص. 182). كما زار المغرب أيضا محمد أنور السادات مرتين (1974 و1978). في حين أعتبر حسني مبارك أكثر رؤساء مصر ترددا على المغرب بهذه الصفة أو غيرها (ص. 187).
لم يكن الحضور المصري في المغرب ذكوريا فقط، وإنما نسويا أيضا، لذلك خصص المكاوي المبحث الثامن من مؤلفه لرصد هذا الحضور الذي شمل فنانات وصحافيات وأستاذات جامعيات، مارسن تأثيرا متفاوتا، وتركن صدى واسعا ظل يتردد عبر الأجيال. ومن الشخصيات النسوية التي تحدث عنها المكاوي بتفصيل نذكر:
فاطمة رشدي: وفدت على المغرب سنة 1932 رفقة فرقتها المسرحية حيث قدمت عروضا فنية في كل من الدار البيضاء وفاس والرباط ومراكش (ص. 211).
أم كلثوم: زارت المغرب سنة 1968 حيث خصص لها الحسن الثاني استقبالا يليق بسمعتها، وأحيت أم كلثوم ثلاث حفلات في مسرح محمد الخامس، وظهرت في إحداها مرتدية قفطانا مغربيا تقليديا (ص. 217).
سكينة السادات: حلت هذه الصحافية بالمغرب سنة 1972، وكان موضوع الزيارة هو رصد شؤون المرأة فيه، إذ كان هاجسها الاستفادة من تجارب أجنبية بما يخدم قضية المرأة في وطنها[5]. لهذا الاعتبار، جابت السادات أربع مدن مغربية وهي طنجة وفاس ومراكش والرباط، والتقت بسيدات مغربيات مرموقات منهن أميرات وقاضيات ومحاميات… وسجلت في رحلتها الموسومة ب “ليالي ألف ليلة ولية في المغرب” تقلد عدد من النساء المغربيات مناصب سامية، وهو الأمر الذي لم يكن واردا في معظم أقطار المشرق العربي آنذاك (ص. 220).
عائشة عبد الرحمن: اِلتحقت هذه الباحثة الملقبة ببنت الشاطئ بالمغرب، أوائل السبعينات كأستاذة للدراسات القرآنية بجامعة القرويين ودار الحديث الحسنية، ولم تقتصر بنت الشاطئ على التدريس فقط، بل أسهمت كذلك في تنشيط الشأن الثقافي حيث ألقت محاضرات وحررت مواد لفائدة مجلة دعوة الحق، كما أشرفت على رسائل جامعية (ص. 202).
عصمت دندش: درست دندش زهاء عقدين من الزمن في كليات الآداب بفاس ووجدة والرباط، وكانت متزوجة من الباحث المغربي محمد بنشريفة. وإلى جانب التدريس أغنت دندش الخزانة المغربية بمؤلفات ومقالات كثيرة عن الغرب الإسلامي وأسهمت في تكوين جيل من الباحثين المغاربة (ص. 214).
نستنتج من خلال المباحث السابقة أن الحضور المصري في المغرب على امتداد القرن العشرين قد حظي عموما بالقبول، بل كان مرغوبا فيه، لاسيما في مجال التعليم والفن، لكن هذا الترحيب لا ينفي وجود استثناءات، فقد انزعجت السلطات المغربية من مصريين خصوصا أولئك المتعاطفون مع اليسار، أو الذين كانوا يقومون بدور دعائي لفائدة نظام جمال عبد الناصر. لذلك عالج المكاوي في المبحث التاسع من هذا الكتاب حالة معكوسة، أي الحضور المصري غير المرغوب فيه أو المرفوض، ومن ثم جاء هذا المبحث ضئيلا كميا وأقل حجما مقارنة بسائر المباحث الأخرى.
4 ملاحظات وانطباعات
يعتبر كتاب “مصريون في مغرب القرن العشرين” في اعتقادنا عملا جذابا، بذل فيه المكاوي جهدا كبيرا في تجميع مادة مصدرية مشتتة، جهد يبدو أيضا في تنويع المتون التي تم توظيفها لمقاربة موضوع مازالت في حاجة ماسة إلى مزيد من الدراسة والتأمل. وهناك جاذبية أخرى أعطت للكتاب وهجا خاصا، وأضفت عليه قيمة إضافية، هي تسليطه الضوء على مواضيع ظلت خارج اهتمامات المؤرخ أو على الأقل لم تحظ بأبحاث ودراسات تفصيلية، مثل: الكتابات النسوية حول المغرب، تاريخ المجلات العلمية، المشاركة المصرية في حرب الرمال سنة 1963، الانقلابين العسكرين الفاشلين، الوساطة المغربية في قضايا دولية، المدرسون الأجانب بالمغرب، الفرق المسرحية والمجموعات الغنائية…
بناء على هذه الملاحظة يمكن القول إن مؤلف الباحث المكاوي يشكل في اعتقادنا بداية تراكم مغربي بشأن دراسة علاقات المغرب بمصر، على اعتبار أن هذه الأخيرة سجلت بدورها حضورا مغربيا متنوعا على أرضها طوال فترات التاريخ.
ومن الأمور التي تضمنها الكتاب وتطرح بعض التساؤلات، قضية التحقيب. فالمكاوي، وضع إطارا زمنيا لمؤلفه، هو القرن العشرين، بيد أنه حينما نراجع مباحث الكتاب خاصة المبحث الأول نجده يركز على القرن التاسع عشر، الذي وإن لم يعرف حضورا كبيرا للمصريين بالمغرب، إلا أنه كان مهما. إضافة إلى مسألة التحقيب، فإن الباحث لم يقم بجرد شامل لكل المصريين الذين وفدوا على المغرب، ولم يستعرض أسماء كل الشخصيات التي حلت به في مناسبات وطنية أو دينية، بل اكتفى بالمشهورين فقط خصوصا أولئك الذين تميزوا بأعمالهم الفنية أو المسرحية أو العلمية أو لعبوا أدوارا سياسية بارزة.
الوسوم: المغرب، مصر، الحماية، الاستقلال، صلات.
هوامش:
1- نظمت الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة بشـراكة مع شعبة التاريخ والحضارة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة يوما دراسيا بتاريخ 16 ماي 2024، حول الرحلة والتاريخ تناول فيه المشاركون جهود الأستاذ أحمد المكاوي في دراسة النص الرحلي.
2- أحمد المكاوي، رحلات في رسائل، منشورات الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة، الدار البيضاء، 2025.
3- من الدراسات التي تناولت موضوع العلاقات المغربية المصرية نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
- أحمد المكاوي، المغرب والمشرق 1950 1960 صلات ومواقف، الفاصلة للنشر، طنجة، 2020.
- عبد الكريم غلاب، القاهرة تبوح بأسرارها، دار الهلال، القاهرة، 2004.
- محمد مشبال، مصر في عيون المغاربة، المركز العربي للدراسات الغربية، القاهرة، 2013.
- أيمن عبد العزيز، المغرب في عيون مصرية أسطورة المكان والنساء والتاريخ، الحضارة للنشر، القاهرة، 2014.
- رشيد يحياوي، القاهرة كما عشتها، دار التوحيدي، الرباط، 2016.
4- أحمد المكاوي، قضايا المغرب في مجلة المنار للشيخ رشيد رضا (1898-1935)، منشورات أمل، الدار البيضاء، 2016.
5- عن هذه الزيارة، أنظر بتفصيل: أحمد المكاوي، رحلات عربية وإسلامية إلى المغرب في الزمن الراهن 1959-1976، دار أكورا للنشر والتوزيع، طنجة، 2022.
رباط الكتب مجلة إلكترونية متخصصة في الكتاب وقضاياه