التقديم
تنشر مجلة رباط الكتب مقطعا من تصدير بعدي كتبه الباحث نجيب بودربالة للجزء الأول من أعماله الكاملة التي جمعها وترجمها من الفرنسية إلى العربية محمد زرنين، وقدم لها الأنثربولوجي عبد الله حمودي. وهي فرصة للتوقف عند دلالة علاقة المجتمع بالقانون سيما والمجتمع المغربي منخرط اليوم في مناقشة الإصلاحات الدستورية.
يحمل الجزء الأول عنوان القانون بين السماء والأرض، وهو عبارة عن مجموع الدراسات التي تناولت علاقة المجتمع المغربي بالقانون من خلال دراسة أنماط تمفصل العرف والشرع والقانون العصري للدولة الوطنية، في تركيبات قانونية وسوسيو- تاريخية محددة، حيث تظهر مختلف آليات إنتاج المعيار القانوني وتحديد مداه الاجتماعي السياسي على خلفية النقاش الدائم بين شكل القوانين ومضمونها، روحها ونصها…
خص الباحث نجيب بودربالة كل جزء من الأجزاء الأربعة بتصدير خاص، حاول فيه استرجاع سياق الإنتاج ورهاناته المعرفية والاجتماعية والسياسية، على خلفية التعاون الذي جمعه مع بول باسكون وآخرين، مراهنا على تواصل معرفي أعمق مع أجيال الباحثين من كل التخصصات في مجال العلوم الإنسانية.
يخص الجزء الثاني العالم القروي كموضوع وكذات، كمعرفة وكسلطة؛ ويعنى الثالث ببعض التحولات الاجتماعية الأساسية التي عرفها المجتمع المغربي منذ الاستقلال؛ أما الجزء الرابع فيقدم مجموع الدراسات العقارية التي أنجزها الباحث خلال مسار علمي تجاوز أربعين سنة.
ومعلوم أن نجيب بودربالة يعتبر من بين رواد البحث الاجتماعي، خصوصا في القانون القروي والبنيات العقارية، في المغرب بعد الاستقلال مع كل من باسكون ولازاريف، كما ساهم مع الأول وعبد الله حمودي وعبد الله حرزني ومحمد الناصري وآخرين في تأسيس شعبة العلوم الإنسانية بـ “معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة” وتقوية إشعاعها العلمي.
النص المترجم
أي قانون؟
تمنيت لو كان بإمكاني القول إني اخترت الدراسات القانونية مدفوعا بموهبة لا تقاوم، غير أن الأمر سيكون مبالغا فيه بالنسبة لحالتي. ثم إني لم أدرس الحقوق والقانون إلا بعد أن عرجت مطولا على الاقتصاد والسوسيولوجيا، مع الإحساس بأنه حكم علي بالهواية في هذه التخصصات الثلاثة. واستطعت منذ عشرين سنة خلت أن أفرض، بصفتي خبيرا في المؤسسات القروية، الصفة غير الأكاديمية الآتية :”سوسيوقانوني”. يدعي زملائي الحقوقيون أن هذا يسمح لي بتفادي انتقاداتهم باللجوء إلى السوسيولوجيا؛ في حين يتهمني زملائي السوسيولوجيون بأني أهرب من رقابتهم بالتموقع داخل مجال القانون. والواقع أن علاقاتي بالحقوق والقوانين لم تبدأ بالسهولة التي يمكن تصورها. بعد نيلي شهادة البكالوريا، كنت أريد دراسة الصحافة. لكن أبي الذي كان يشك في إمكانية ضمان مسار مهني في هذه المهنة غير الأكيدة، قال لي، بعد أن استشار مع محامي من أفراد عائلته: “ادرس الحقوق أولا، وسنرى فيما بعد”.
آنذاك، أي في سنة 1956، كان الحصول على الإجازة يستغرق أربع سنوات، مع جذع مشترك على مدى سنتين حيث كانت الدروس تتوزع بين الحقوق والاقتصاد. إذ ساد الاعتقاد، في بداية عُشَريتي الستينيات والسبعينيات، أن الطريق الوحيد لفهم المجتمع والقدرة على تغييره هو الاقتصاد . أما القانون، فكان يعتبر مادة الحفاظ على النظام الاجتماعي تليق بمن يريد إعاقة تغيير المجتمع. كنت أعبر عن روح عصري حينما كنت أرفض، داخل قرارة نفسي، القانون حتى أني لم أبلي البلاء الحسن في اكتساب تقنيات القانون، وحافظت دائما على علاقة نقدية وتباعدية مع المادة.
اليوم، يظهر لي أن مثل هذا الموقف من القانون والحقوق لم يعد قائما، بل عكس ذلك، يظهر لي أننا بدأنا ندخل من الآن فصاعدا، إن لم نكن قد دخلنا فعلا، في مرحلة جديدة حيث أصبحت ضرورة إدماج البعد الحقوقي في تدبير المجتمع أولوية سياسية، واعتبر احترام القوانين وبناء دولة الحق والقانون مكونا محددا للبناء الديمقراطي. وهكذا، عندما أتيحت لي فرصة تدريس القانون (بـ “معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة” سنة 1971) أرهبني اتساع جهلي في المادة. وظهر لي أنه من غير المعقول أن نتقدم أمام الطلبة لتدريس مادة لا نتحكم في مجموع معارفها المتاحة. كنت أعتقد أني سأفقد شرفي أمام الطلبة، إن تجرأ أحدهم وطرح علي سؤالا لا أعرف من أين ولا كيف أجيب عنه. لكني تعلمت، بسرعة، كزملائي أننا يمكننا أن نُدَرِّس جيدا من دون أن تكون لنا بالضرورة كل المعارف المتوفرة، وأن هناك بعض الامتياز، عندما نعترف للطلبة بجهلنا، خصوصا عندما يزيد هذا الاعتراف من حظوة الأستاذ لدى طلبته أكثر مما ينقص منها.
كان علي إذن أن أدرس القانون بشعبة العلوم الإنسانية بالمعهد الزراعي حيث كنت رجل القانون الوحيد، مما ترك لي حرية تكاد كاملة في بناء البرنامج وتحديد محاوره. كان هذا البرنامج يتكون من جزئين: جزء مركزي حول القانون القروي، وهو جزء كلاسيكي في معهد للزراعة والبيطرة لم يطرح لي تصوره أي مشكل يذكر. أما الجزء الثاني، فأسميته مدخل لدراسة القانون. ولم تظهر جدواه واضحة في تكوين طلبة مهندسين. والواقع أني كنت مدفوعا لبناء هذا الجزء الثاني للإجابة عن سؤالين:
كان موضوع السؤال الأول يخص مضمون تكوين طلبة مهندسين يجهلون كل شيء عن الحقوق والعلوم القانونية بغلاف زمني لا يتعدى ثلاثين ساعة بالنسبة للمادة ككل، مع ضرورة تمكين الطلبة من معارف قابلة للتطبيق .
كان الجواب البديهي في حالتي هو إلغاء كل درس لا علاقة له بالمجال الفلاحي والزراعي الذي نهتم به. غير أن الأجوبة الأكثر بداهة ليست هي بالضرورة الأكثر وجاهة.
أما السؤال الثاني، فكان يخصني شخصيا. كنت أحس بالحاجة لأطمئن نفسي، أنا أولا، من خلال بناء جواب من أجلي أنا، عن السؤال المؤسس: ما الحق؟ ما القانون؟
لم يعطيني تكويني الأكاديمي أية وسيلة للإجابة عن هذا السؤال، ففكرت أن إعداد درس عبارة عن “مدخل للقانون”: يسمح لي بالإجابة عن السؤال. لهذا قررت برمجة هذا الدرس. ويمكنني اليوم القول إني لم أندم قط على ذلك. بالتأكيد أني لازلت لا أعرف بالضبط ما القانون؟ وما الحق؟ ولكني فهمت أنه من المهم طرح السؤال والتأمل فيه بل وحتى تخصيصه بدرس مدخل القانون. كان هذا التدريس البسيط في السلك الجامعي الثاني، والأكثر تطويرا في السلك الثالث، تخصص علوم إنسانية، هو المناسبة لأكثر النقاشات حيوية مع الطلبة. كما سمح لي بأن أشرع مع بول باسكون في المناقشات حول القانون التي توجت في الأخير، بنشرنا معا الدراسة التي حملت عنوان : القانون والواقع في المجتمع المركب(1971).
كان بول باسكون حينها يطور، في إطار دراسته للمجتمع المغربي، مفهومه السوسيولوجي للمجتمع المركب. كانت مساهمته حاسمة هذه الدراسة بالدرجة الأولى. ويمكن أن اعترف اليوم بذلك، لأنه ألزمني بطاقته وصرامته بإتمام تحرير الجزء الخاص بي. ولكن أيضا، وخصوصا لأنه استطاع أن يعطي نكهة خاصة، ملموسة وحية للتجريدات القانونية. وسمح بالتالي لخطاب جاف وقاحل عن القانون والحقوق أن ينغرس في تعقد ممارسات المجتمع المغربي، وكل ذلك بفضل تفكيره الملموس والدقيق الذي يميز عالم الطبيعة، واحترامه الصارم للواقع (كان بول باسكون ذا تكوين مزدوج : في العلوم الحقة والسيوسولوجيا).
أما اليوم، فقد تغير تأويلي لمساهمته في هذه الدراسة. لم تعد ما كانته حين نشرها. في البداية كنت مندهشا ومتأثرا بإلحاح باسكون على الطابع المركب، وغير المتجانس، والمفكك، والمرقع للنظام القانوني المغربي. فيما بعد غيرت رأي، وتبنيت تأويلا معارضا. فقد ظهر لي باسكون، برؤيته المتفائلة والإرادوية، مصرا على إظهار كيف أن هذا المجتمع المركب قادر على نسج وبناء الروابط الاجتماعية بخيوط لا يمكن حصر تنوعها ولا عددها. أما أنا فكنت مهووسا بسؤال بسيط ومختزل، من غير شك. فما كان يثيرني ليس هو السؤال: كيف ينجح النظام القانوني المركب في بناء الروابط الاجتماعية بعناصر غير متجانسة؟ بل عكس ذلك، ملاحظة مجتمع تتحكم فيه العشوائية ومريض في تدبيره للقانون والحقوق. ولم أغير موقفي منذ ذلك الوقت. لكني، اليوم، أقول لنفسي، ربما بالصدفة ومن دون أن يريد كل واحد منا ذلك صراحة، تكاملت مقاربته السوسيولوجية المتباعدة مع موضوعها والمنتبهة للواقع مع المقاربة القانونية الأكثر ضبطا ووصفا.
طُبع اهتمامي في السبعينيات بروح الحقبة. كُنت أبحث في ما يجعل النظام القانوني المغربي يساهم في النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي أو يعيقهما؟ انتهى التساؤل عندي إلى تساؤلين أساسيين:
الأول حول قدرات الشريعة الإسلامية في التطور والتكيف مع التحول الاجتماعي؛ أما الثاني فحول العوائق التي تقيمها تعددية مصادر القانون بالمغرب أمام قيام دولة الحق والقانون.
المقاربة التاريخية (الدياكرونية): هل يمكن للشريعة أن تتكيف مع التحولات الاجتماعية؟
يظهر الرجوع إلى تاريخ الشريعة الإسلامية ولقدراتها على التطور بعض اللحظات الدالة. فهي بعيدة عن أن تكون دائمة الجمود؛ عرفت في بدايتها (في القرنين الثاني والثالث للهجرة) حقبة حية ومبدعة في تكييفها للقوانين مع حاجات تطور المجتمع. وليس إغلاق باب الاجتهاد الذي تم في القرن الرابع عشر بشيء لصيق برسالة الإسلام، بل هو نتاج اختيار تاريخي ظرفي للدولة الإسلامية يمكن الرجوع إليه في سياق آخر.
ومع ذلك، لم يتوقف الزمن ولا التاريخ مع إغلاق باب الاجتهاد في المجتمعات الإسلامية بالنسبة لعملية إنتاج المعايير والقوانين، إذ استمرت هذه المجتمعات في إنتاج القواعد التي تبقى ضرورية بالنسبة لها (قانون، عرف، عمل) والتي تصدر في أغلب حالاتها عن تصور حرفي للشرع. يحدث كل شيء كما لو كان هناك تقليد صغير يتجاور مع تقليد كبير تم الحفاظ عليه بشكل كلي، مع فارق أساس، هو أن التقليد الكبير يتمتع لوحده بالمشروعية، أما التقليد الصغير فيبقى في حدود الضرورة. وبقدر ما تعلق الأمر بمجتمعات ذات تاريخ بطيء أو “بارد”، بقدر ما يكون التقليد الصغير قادرا على استيعاب وامتصاص، من دون ضرر، التنويعات الصغيرة الناتجة أساسا عن التوسع المجالي للعالم الإسلامي. غير أن تسارع التاريخ في نهاية القرن التاسع عشر راكم تحولات ضخمة في المجالين التقني والاقتصادي، كلها حدت من قدرات امتصاص التقليد الصغير التي لم تعد كافية. فقامت الحاجة لمعايير جديدة بشكل كثيف؛ وبقيت في قسمها الأعظم “غير شرعية” نظريا حيث وصل لا انسجام نظام إنتاج المعايير، والفارق بين المشروعية والضرورة، أقصى حدود التحمل.
المقاربة البنيوية (السانكرونية): غياب نظام موحد ومتراتب لمصادر القانون يعيق قيام دولة الحق والقانون
إن دولة الحق والقانون هي دولة مجتمع حيث تكون كل السلط، بما فيها سلطة تكييف القوانين ومراقبة تطبيقها، خاضعة لمبدأ الشرعية. وبالتالي فمسلسل بلورة القوانين يكون محددا ومشروطا دستوريا بحيث لا يمكن لأية قاعدة قانونية أن تفلت لهذه المسطرة من حيث هي قاعدة قانونية وشرعية؛ وبالأخص عدم إمكانية الاحتكام لمعيار خارجي عن هذه القاعدة للاعتراض على قانون تم بناؤه في احترام تام لشروطه الدستورية. فكيف تدبر الدولة المغربية، في مثل هذه الظروف، تعددية المصادر الكبرى الثلاث السوسيوـ تاريخية للقانون: العرف، الشريعة، القانون الوضعي؟
القانون الوطني:
يتم إصداره في احترام تام للدستور، وبالتالي فهو يحتكر (باسم هذه الدستورية) إنتاج القاعدة القانونية أو المعيار. لا قاعدة، ولا قانون إلا ما نشر وأرسي في احترام تام للدستور من حيث الشكل، والشكل هو وحده من يضمن الشرعية. وإذا أرادت الدولة أن تدمج ضمن القانون الوضعي إجراءات ومقتضيات شرعية أو عرفية، فيكفيها تكييفها حسب شكل القانون الوطني. وهذا ما قامت به بالنسبة للشريعة، عندما كيفت مدونة الأسرة؛ وما قامت به بالنسبة للآراضي الجماعية في الظهير الخاص بها. ورغم ذلك، فإن كل الأبحاث تُظهر بالوقائع، أن كلا من القضاة والعدول يستمرون في تطبيق الشرع تلقائيا في كل الحالات التي تعرض أمامهم، بما فيها الحالات المعارضة للقانون الوطني، مثلا في حالة إصلاح قانون الوراثة العقارية بالمدارات السقوية؛ وكذلك الحالة بالنسبة للممارسات العتيقة الخاصة بتوزيع المياه والسقي، خصوصا في الجبال؛ وبالنسبة للحصول على الأراضي حيث يتم الحفاظ على العادة، حيث تفسر مقاومة كل من الشريعة والعرف في العديد من الحالات عدم فعلية القانون الوضعي وعدم قابليته للتطبيق.
العادة (العرف):
خرج العرف من المرحلة الكولونيالية بسمعة سيئة: التصور الحرفي للشريعة رأى فيه منافسا لها، كما اتهمه التيار الحداثي بالتخلف الاجتماعي. فمباشرة بعد الاستقلال، تم إلغاء العمل بكل الأحكام والقوانين التي استلهمت العرف في المرحلة الكولونيالية في مظاهرها الأكثر بروزا (المحاكم العرفية؛ الظهير البربري…). غير أن العرف يبقى فاعلا في تنظيم جزء هام من العلاقات الاجتماعية بالبوادي، وإن كان ذلك يتم بشكل محتشم وغير ملفت للنظر كما يظهر ذلك من خلال الأنظمة العقارية، وقانون الماء، والشركات الفلاحية.
الشريعة:
لم تفقد الشريعة قط المكانة الأولى التي احتلتها في نظام المشروعية داخل خطاب الحركة الوطنية؛ فهي رمز الهوية التي تمت استعادتها. ومع ذلك، فإن استرجاعها طرح مشاكل في تسيير المجتمع الحالي بحيث ما كان للسلطة السياسية من خيار آخر غير تركها في صمت دون طرح مشكل علاقتها بالتحول الاجتماعي بشكل صريح. ولهذا فهي نادرا ما تطبق خارج مجال الأحوال الشخصية، غير أن مشروعيتها تبقى دائما قائمة بحيث يمكن استدعاؤها في كل لحظة أو حين الاعتراض على القانون الوطني في اتفاق تام مع الرأي العام. فكل محاولة رسمية للمساس بالشريعة أو التخلي عنها تتضمن خطرا سياسيا عظيما.
إن هذا التسيير الانتهازي للقانون من طرف السلطة السياسية، يقود إلى عجز الضبط القانوني وإلى فشل دولة الحق والقانون. فالحاجز الحقيقي اليوم ليس هو مقاومة العرف الشفوي للقانون المكتوب. الشريعة المكتوبة تفرض نفسها على العرف في مستواه المحلي بفضل بعدها الكوني. إن المشكل الحقيقي اليوم في المغرب يكمن في الصراع الحاد، لكن غير المصرح به، بين كونيتين قانونيتين تتصارعان على السلطة المشروعة لقول القانون وإصداره بالنسبة لمجموع المجتمع: كونية الشريعة المتعالية بالتعريف، وكونية القانون الدنيوي، الصادر والمجسد للسيادة الداخلية (الأرضية)، سيادة الشعب. فهل يمكننا تصور دولة حق وقانون، إذا كنا في كل لحظة سنعارض القانون الوطني بقانون متعالي عليه ويأخذ قيمة أعلى منه؟ لا يمكن لأي جواب عن هذا السؤال أن يتفادى ضرورة التفكير في علاقة السياسي بالديني. لقد عبر ملاحظون ومتتبعون ( نذكر منهم عياض بنعاشور، عبده فيلالي أنصاري) عن فكرة أن الدين ليس معاديا للعلمانية أو الدنيوية. فالعديد من الدول الإسلامية تمارس علمانية فعلية في ممارستها. لكن تبقى الخطوة اللازمة لتجاوز الأزمة وازدواجية اللغة المسيئة للمطالبة بما نكتفي بممارسته دون إظهاره أو الحديث عنه. هذه الخطوة الواجب خطوها، هي خطوة تحول هائل.
هل لاحترام القوانين قيمة تقدمية أو محافظة؟
الخضوع للقوانين أو مقاومتها؟
لم تكن روح الحقبة أو المرحلة، في النصف الثاني للقرن العشرين، إيجابية إزاء احترام القوانين كأمر قطعي. هذا ما كانه موقف الماركسية الذي كان يجد في القانون بناء شكليا يغطي علاقات الاستغلال الفعلية والصراع الطبقي؛ وكان يرفض وهم القانون البورجوازي؛ ويقرأ العلاقات الاجتماعية بحقيقة علاقات القوة، وبحركة التحرر التي تقوم ضد النظام وقانون الاستعمار، وبروز ثقافة رفض التسلط التي بلغت قمتها في أحداث 1968. كل هذه الأفكار التي حددت المرحلة ساهمت في الحفاظ على الغموض واللبس بين مقاومة القمع ومقاومة القوانين. يمكن لهذه المقاومة أن يكون لها معنى في المجتمعات المتقدمة حيث تسمح فيها الدساتير بسن وتبني قوانين تتماشى وأهداف ومصالح الأغلبية السياسية المنتخبة. في هذه الحالة، ليس هناك أي تناقض بين توجه المُشَرِّع ومصالح المهيمنين في المجتمع، والذين ليس لهم من سبب لمنع تطبيق القوانين. ومع ذلك، فعندما تبقى نفس الأغلبية طويلا في السلطة، فإن نظام إنتاج المعيار لا يمكنه أن يبقى جامدا، بل عليه أن يكون قادرا على امتصاص التحولات المتوافقة والمتماشية مع الحفاظ على التراتبية السياسية والاجتماعية .
عكس ذلك، لا ينبغي لهذه التحولات أن تكون متواترة ولا بالغة الأهمية، لأن استقرار (القوانين) هو ضرورة وظيفية في نسق المعايير والضوابط. لن يكون من الممكن الاستثمار لا في الاقتصاد ولا في السياسة إذا كانت القوانين تتغير باستمرار. إن مطلب الاستقرار يجعل القوانين تبحث عن الدوام، فالقوانين تدوم طويلا، وأحيانا أكثر، فتظهر كقوى محافظة متأخرة عن الحالة الفعلية للعلاقات الاجتماعية. لا شيء من هذا يصدق على مجتمعنا “النامي”. وسيكون خطأ فادحا أن نُسقط عليه هذه الخطاطة لأن نسق إنتاجه للمعايير والضوابط لا يخضع لنفس المحددات. فسياقنا التاريخي لم يسمح لنا بعد بإرساء الأدوات السوسيوـ قانونية التي هي شرط فعلية القوانين وقابليتها للتطبيق: نقاش حقيقي بين المصالح المتعارضة قبل تبني القوانين؛ إدارة مدربة وتعمل في احترام تام للقوانين؛ عدالة مستوعبة لدورها كحارسة مستقلة (عن السلطتين التشريعية والتنفيذية) للقانون وللمواطنين المنتبهين لتطبيق النصوص. لهذا فالقوانين عندنا لا تطبق لأن التعارض بين مصالح الأغلبية والأغلبية لم يمارس ولم يعبر عن نفسه قبل التصويت على القوانين، وبالتالي ليس لها من حل آخر غير أن تفعل ذلك بعد. كما لا يمكن القول إن غياب القوانين هو الذي منع، في حالة المغرب، تنفيذ إجرءات الإصلاح الزراعي أو محاربة الرشوة، بل إنها المقاومة المباشرة أو غير المباشرة لكبار الملاكين العقاريين ولبارونات الاقتصاد غير المهيكل هي المانع رغم وجود نصوص قانونية كان بإمكانها أن تطبق.
فالمشرِّع، الذي يعرف أن مشاريع القوانين التي يهيئها لن تطبق فعلا ولن تختبر في الواقع الاجتماعي، لا يمنع نفسه من تبني نصوص جد متقدمة عن العلاقات الاجتماعية. ففي هذه العملية ربح كامل لأنها تسمح بإعطاء صورة تنال الإعجاب من طرف الرأي الوطني والدولي، وتجيب بالمناسبة على بعض شروط ومطالب المُمولين والمُقرضين الذي يطرحون أحيانا تبني قانون ما كشرط مسبق لمنح قرض من القروض . ثم إن سن وتبني مثل هذه القوانين لا يحمل في طياته أي تهديد أو خطر ما دامت القوى الاقتصادية والسياسية التي يمكنها أن تعتبر نفسها مهددة ومستهدفة بهذه القوانين المتقدمة، تعرف مسبقا أنها يمكنها أن تفلت لهذه القوانين وتعيق تطبيقها .
هكذا، نجد الجريدة الرسمية مليئة بالقوانين الحديثة التي تضاهي مثيلاتها في البلدان الأكثر تقدما بالشمال والتي تعتبر نموذجا لها. فإذا أردنا الحكم على مثل هذه المجتمعات من خلال قوانينها الوضعية فقط، فإنها ستظهر بدون شك أكثر تقدما مما هي عليه بالفعل. لكن ليس في هذا اللاتطابق أو التباين بين القانون والواقع غير المساوئ! كان ماوتسي تونغ يقول يمكن لمن يتقن الجدلية أن يحول هزيمة اليوم إلى انتصار غدا. فإذا كانت القوانين متقدمة على العلاقات الاجتماعية، فإن تطبيقها يسمح بتحقيق تقدم ما على المستوى الاجتماعي. ويمكن أن نطالب بهذا التحول دون أية أخطار: فهل تعتبر المطالبة بتطبيق القوانين إخلالا بالنظام العام؟
هذه هي النصيحة التي كنت أقدمها لبعض طلبتي في الثمانينيات (حين بدأ التقهقر السياسي للجامعة) الذين كانوا يبحثون عن طريق للتغيير الاجتماعي من دون مخاطرة سياسة لا تتناسب أضرارها مع تهديدها. “طالبوا بتطبيق القانون، إنها خطوة كبيرة إلى الأمام”. هذا ما كنت أقوله.
أجمل قانون في العالم لا يمكنه أن يعطي إلا ما عنده
استطعنا تفادي الخطأ الأول: احتقار قوة القانون الذي اتهمناه بعدم القدرة على فعل شيء. وينبغي لنا، الآن، تفادي الخطأ المعاكس: وهم أنه يستطيع كل شيء. فأجمل قانون في العالم لا يمكنه أن يعطي إلا ما عنده. فالتقدم بالمعنى الحقيقي للمصطلح لا يقرر لأن الحركية الاجتماعية هي التي تخلق شروط التحول أو التغيير الذي يمكنه أن يتأطر ضمن القانون، غير أن القانون ليس هو من يخلقه. لهذا ينبغي أخذ القوانين على ما هي عليه: مجرد نسق صوري نفعه الاجتماعي مستقل عن مضمونه … ماذا سيصبح ضبط المجتمع إذا كان الخضوع للقوانين تابعا لقبول مضمونها؟ فلكي يحقق القانون وظيفته الاجتماعية يكفي أن يتم تبنيه ويطبق في إطار احترام القوانين. فالشرط الذي يسمح له بالوصول إلى نتيجة حاسمة ويكفي نفسه بنفسه هو تقليص مساحة (العشوائية). إن القانون الظالم الذي يركز اللامساواة يحمي، رغم كل شيء، الضعفاء من الأقوياء أحسن من حالة الغياب التام لكل قانون. لكن اللامساواة التي لا تقبل ولا يمكن التسامح بشأنها، هي لا تساوي المواطنين أمام القانون.
لا شيء يمكن أن يبنى في أفق المواطنة، إذا كانت القوانين تشبه شبكات العنكبوت تترك الكبار يمرون وتقبض الصغار. ومع ذلك لا يجب أن نخطأ المواجهة الحقيقية: الصراع ضد اللامساواة يكون أولا على المستوى الاجتماعي والسياسي، اللهم في الوضعية الثورية (ولا تكون الثورة في كل يوم). إذا كان مضمون القانون لا يحتمل ولا يطاق اجتماعيا، فإن الجواب لا يكون بمنع تطبيقه، لكن بقيادة الصراع في الإطار الدستوري لتعديله.
لكن، للأسف، يعتبر هذا التصور لمحدودية سلطات القانون غير مربح للفاعلين السياسيين، إذ لا زال الخطاب حول التغيير الاجتماعي تهيمن عليه بلاغة الثورة. كيف نكون في المعارضة ونتصارع من أجل تطبيق القانون؟ لا شيء يعطي هذا القدر من الظهور والبروز السياسي أكثر من الصراع ضد قانون متجاوز أو متحجر. نحتاج، إذن، الكثير من الوقت وممارسة طويلة لتتقوى أخلاقيات المواطنة واحترام القانون. في هذا السياق أذكر حالتين تدفعاننا للتفكير في العلاقات الصعبة بين القانون والعدالة.
الحالة الأولى لجأت إليها كثيرا في دروسي، وقد أخذتها من أساطير الغرب الأمريكي: “الشِريِفْ” (رجل القانون) يوقف مجرما قتل رجلا أعزلا أمام الملأ ؛ يسجن “الشريف” المجرم، في انتظار أن يحاكم. لكن عائلة الضحية، مساندة من طرف سكان المدينة، تأخذ “حقها” بيدها، ويستعدون جميعا لشنق المجرم من دون أية محاكمة. “الشريف” يعترض باسم ضرورة احترام القانون، لكنه يموت في مواجهة السكان. تعتبر هذه الحالة نموذجية بالنسبة لبيداغوحية القانون. فـ”الشريف” مات من أجل لا شيء بالنسبة للواقعيين. فلا أحد يشك في كون المجرم هو القاتل. والحكم عليه إذا أكيد. فهل ضحى هذا “الشريف” بحياته لكي يعيش هذا المجرم يوما إضافيا؟ الواقع أنه وهب حياته من أجل احترام مطلب أساسي للقانون، هو الذي يقيم كل الفرق بين مجتمع تهمين عليه عشوائية الأقوى، ومجتمع حيث يوجد قانون يتعالى على مصالح الأفراد والعشيرة والعائلة والقرية والجهة والمقاولة.
أما المثال الثاني فأستقيه من الميثولوجيا الإغريقية. نعرف جميعا أن أنتغون شخصية تراجيدية بامتياز (سوفوكلس، أوريبيد)، تدافع عن حق تكفين ودفن أخيها بولينس الذي مات وهو يحارب جيوش تيبس. كريون ملك طيبة أصدر قرارا يمنع تكفين ودفن كل من حارب ضد مدينته؛ تعاكس انتغون القرار، وتكفن أخاها وتدفنه. ومن هنا هذا الحوار:
” كريون: لقد خرقت القوانين أنتغون.
أنتيغون: قوانينك ليست هي قوانين الآلهة ولا العدالة. القوانين غير المكتوبة التي أتتنا من الآلهة ليست من أجل الأمس ولا من أجل الغد، فهي لكل الأزمنة.”
رغم عظمة وروعة مقاومة أنتيغون، فإن قوانين كريون هي التي ينبغي لها أن تسود. لأنه إذا كانت قوانين الدم (القرابة) أو الآلهة، تعارض في كل لحظة وحين قوانين المدينة فلن يكون هناك مجتمع على الإطلاق.
نعم، يحدث أن يكون النسق القانوني بكامله غير محتمل ولا يطاق، آنذاك تكون الثورة هي المخرج الوحيد. لكن أحسن ثورة من بين كل الثورات (الممكنة) هي ثورة الاحترام الصارم للقوانين. يمكننا إذن، ونحن نحيى أيامنا العادية هذه أن نعلن انتماءنا، من دون تأنيب ضمير، إلى النزعة الوضعية القانونية (التي تطالب بالاحترام الحرفي للقوانين).
الربيع العربي والقانون
في الفصل الأول من السنة الجارية، وبعد أن أنهيت كتابة هذا التصدير البعدي، قامت في كل من تونس ومصر وليبيا سلسلة من الانتفاضات الشعبية ضد الدكتاتوريات المتحكمة في مصير هذه الشعوب. فكيف لا نرى في هذه الحركات علاقة محددة بمكانة القانون داخل هذه المجتمعات؟! ربما، حينما يحين وقت استخلاص العبر من هذه الانتفاضات المفاجئة، يمكننا اكتشاف أن الشيء الأساس الذي حررته وجعلته ينبثق من أعماق هذه المجتمعات المسجونة والمُهانة، بقوة جديدة تاريخيا، هو الرغبة في القانون والعدالة، أي مطلب احترام القانون. الرغبة في القانون والعدالة عندما أقدم البوعزيزي على إحراق نفسه أمام مقر الولاية، فإن ما جعل فعله نموذجيا في حينه، وما حمَّلَهُ بشحنة انفعالية تواصلية، هو كون الفعل تضحية إنسان “محچور” ومهان، مُسَّ في كرامته الفردية كإنسان. لهذا لم يكن الاحتجاج العام الذي تولد عن ذلك طلبا للخبز أو الشغل أو الزيادة في الأجور. ما جعل الانتفاضة جديدة كل الجدة وغير منتظرة هو أنها بقيت فردية، كما أن الإدانة والاستنكار اللذين عبرت عنهما تلقائيا انتشرا من فرد لآخر من خلال شبكات تكنولوجيات المعلومات والاتصال. هي حركة لم تحركها إيديولوجية دينية أو سياسية، ولم يتبناها حزب سياسي أو نقابة، وبقيت أساسا تشبثا بمطلب الحق الإنساني الذي لا يقبل الخرق للفرد في الكرامة. هكذا أعلنت لنا الحركة الاجتماعية العربية سنة 2011 الآتي:
فردنة للمجتمع ارتبطت بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة التي أدت إلى تراجع القيم الجماعاتية وظهور قيم فردانية، متفتحة بشكل كبير على ماهو كوني؛
إرادة مؤكدة بهذا القدر أو ذاك لكنها دائما حاضرة، في رفض مبدئي لكل مصدر غريب عن الإرادة الشعبية كمصدر للقانون.
قلب لميثاق الحكم الربيع العربي هو أولا رفض للدكتاتوريات والأنظمة التسلطية الإطلاقية. غير أن هذا الرفض لا يتجلى فقط من خلال مطلب مغادرة المتسلطين، فالحركة المواطنة لا تنوي إعطاء بطاقة بيضاء لأي كان، لا لحزب ولا لزعيم وإن كان شعبيا وكارزماتيا، كما كان عليه الأمر في عهد جمال عبد الناصر والبعث. ذلك أن نجاحات هذه الأنظمة وشعبيتها لاتبرر بأي شكل من الأشكال عدم الاعتراف بحقوق المواطنين وإهانتهم المعممة. لهذا قامت أغلب انتفاضات2011 على مطلب قانوني دستوري، هو ضبط علاقة الحاكمين بالمحكومين وتوثيقها في دستور يقبله الشعب. ورغم ذلك، فإن هذه الشعوب تعرف بحكم خبرتها ومعايشتها لدول كان لها دستور، أن تحقيق هذا المطلب لا يمثل ضمانة كافية لحكومة ديمقراطية. ليس الفعل الدستوري هو الذي يحرر، بل مجموع الشروط المرافقة والمحددة له من قواعد الإعداد ومناهجه، واختيار المضامين، ومراقبة التطبيق،…إلخ. لهذا رأينا المنتفضين يحملون شعارات ومطالب تخص من يتم اختياره لتحرير ذلك الدستور وتمثيليتهم، ورفض المجالات المحفوظة(القداسة) المقصية من المبدأ الدستوري، وحول نمط قبول المشروع المقترح،…إلخ.
إن الورش الدستوري ليس ـ عكس ما كان عليه في الماضي لمدة طويلة ـ مسألة شكلية سياسيا وإداريا. فلكي يتم تبني الدستور فعليا، ينبغي لقمة النظام القانوني الشرعي أن يكون موضوع نقاش سياسي بين ممثلي جميع فئات السكان ذات المصالح المتعارضة أحيانا. ففي غياب هذا النقاش العمومي الذي يؤدي إلى قرار ذي أغلبية انطلاقا من ميزان القوى، فإن الدستور يكون مهددا بأن لا يطبق.
شرعية سطحية/الواجهة
في المغرب، كما في بلدان أخرى لها نفس المستوى من التنمية، يأخذ النظام القانوني مظهرا خاصا: فهو يتوفر على نصوص تشريعية وتنظيمية رفيعة، عادة ما يتم استلهامها من تشريعات أجنبية متطورة بحيث تمنح هذه النصوص مستوى مقبولا ومحترما لحماية الحقوق والحريات ومساواة جميع المواطنين أمام القانون والقضاء، غير أن الواقع الفعلي للشرعية والعدالة هو شيء آخر. فالنظام القانوني الرسمي يبقى على مستوى الشكل جد متقدم على المجتمع الفعلي الذي يبقى من جهته لا متساويا وزبونيا وعشوائيا لدرجة يبقى فيها الجهاز القانوني غير فعال ومعطلا بشكل كبير، إذ فهم المواطنون، منذ زمن بعيد، أن استرجاع حقوقهم وتأكيدها يكون أسلم وأضمن بالتحايل على القانون وتفادي اللجوء إلى القضاء الذي يعتبر خاضعا لتأثير السلطة وضغوطاتها وللمال. فالزبونية والرشوة هما عادة الطريقان الوحيدان المُتاحان للحصول على امتياز ما أو لاحترام حق من الحقوق.
طبعا، يعتبر هذا النظام العام للعشوائية والفساد كارثيا على المستويين الاجتماعي والاقتصادي؛ فهو لا يعمل إلا لصالح الأقوياء والأغنياء، ويدفع الجزء الأعظم من الساكنة إلى الاعتقاد في أنها مقصية من مجال الحقوق والعدالة. غير أن الصغار والضعفاء الذين ليس لهم من اختيار آخر سوى توظيف وسائلهم الضعيفة في سلك مسالك تتفادى القانون وتستثمر في الفساد الصغير، يبقون دائما هم الخاسرون، لكنهم يساهمون مع ذلك في الانحطاط العام للإتيكا العمومية. فعلى المستوى الاقتصادي، مثلا، يصاب المقاولون النشطون والمبادرون بإحباط، فلا يستثمرون لغياب مظلة أو تغطية علاقة زبونية؛ فهم لا يستطيعون، في هذا السياق، الاطمئنان على ثرواتهم ومجهوداتهم. فيكون من الواضح ـ لكن هذا لا يتم تأكيده بما فيه كفاية ـ أن تحسن الوضعية الاجتماعية والنمو الاقتصادي يمران عبر إعمال القانون وتقوية مكانته.
أكيد أن سن قوانين جديدة، يكون في بعض الحالات ضروريا لتسريع وتيرة التغيير. غير أنه لن يكون من النافع ولا من المجدي إضافة دستور وظهائر جديدة إلى الترسانة القانونية المتوفرة إذا كان سيبقى غير قابل للتطبيق كما في الماضي. فرغم أن النضال من أجل تطبيق القانون لا يحضا بنفس الهالة العظيمة التي تكون للثورة، فإن يبقى أحد أكبر أولويات الانتقال الفعلي نحو الديمقراطية. ينبغي أن لا ننسى هذا، خصوصا في الوقت الذي يأخذ فيه عرض التغيير صيغة شبه حصرية، هي اقتراح قوانين ودستور جديد.
P.-S.
ترجمة وتقديم
محمد زرنين