الأربعاء , 19 فبراير, 2025
إخبــارات
الرئيسية » أطروحات » بلاغة الحجاج، النظرية والتاريخ

بلاغة الحجاج، النظرية والتاريخ

الحسين بنو هاشم، بلاغة الحجاج، النظرية والتاريخ، دكتوراه في اللغة العربية وآدابها، إشراف محمد العمري، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 2010.

هذه الأطروحة هي بحثٌ في أصولِ نظريةِ الحجاج التي تعود إلى ما أُنجز ما بين القرنين5 ق م و4 ق م في اليونان. فهي دراسة للأصول التي انبثقت منها هذه النظرية.

إن دراسة بلاغة الحجاج عند اليونان مطلبٌ مُلحٌّ في الدرس الحجاجي العربي، فأي طموح لتجديد البلاغة العربية وإدراج الجانب الحجاجي فيها يمر عبر دراسةِ بلاغة الحجاج تلك، بل إن فهم نظرية الحجاج الحديثة يفرض الاستيعاب العميق لمختلِف القضايا النظرية التي طرحها التراث الخَطابي اليوناني، والإحاطةَ بالنسق الذي وضعه لها أرسطو، بعد تاريخٍ طويل من الإسهامات التي قدّمها السفسطائيون ومعلمو الخطابية1 قبله. والحال أن الساحة الثقافية العربية تشكو فراغاً شِبهَ تامٍّ من الدراسات المنصبّة على هذا التراث. من هنا، فإن هذه الأطروحة هي محاولة لسد الفراغ في هذا المجال.

لقد عملنا في هذا البحث على تتبع المسار الذي عرفته بلاغة الحجاج عند اليونان، والمراحل التي قطعتها منذ أن نشأت في صقلية إلى أن استوت نسقاً نظرياً على يد أرسطو. قمنا فيه بتحليل ومعالجة القضايا النظرية التي طرحها بناء علمٍ للخطاب الإقناعي عبر المراحل التاريخية التي قطعها من ق5 إلى ق4 قبل الميلاد، والتي تناولت مُجمل الأسئلة والإشكاليات المطروحة على الخطابية في العصر الحديث. مما شكّل مناسبة لنا لطرح وجهاتِ النظر الحديثة التي ناقشت تلك الأسئلة والإشكاليات، دون إهمالِ وجهاتِ نظرِ القدماء ممن أتوا بعد أرسطو خصوصاً شيشرون Cicéron وكينتيليانQuintilien ، وكذا الفلاسفةَ العرب: الفارابي وابنَ سينا وابنَ رشد.

حددنا تلك المراحل التاريخية في ثلاث:

1ـ مرحلة النشأة في صقلية التي شهدت المحاولات الأولى لتقعيد الخطابية القضائية.

2ـ مرحلة تبلور الخطابية ونموها على يد السفسطائيين ومعلمي الخطابية في أثينا.

3ـ المرحلة الأرسطية التي انتظمت فيها الخطابية نسقاً نظرياً.

قسمنا البحث، وفقاً لهذه المراحل، إلى قسمين، خصصنا أوّلهما للمرحلتين الأُولَيَيْن، وثانيهما للمرحلة الأخيرة. تضمّن القسم الأول فصلين، الأول: نشأة الخطابية، والثاني: الخطابية الأثينية قبل أرسطو. وتضمّن القسم الثاني فصلين كذلك، تناول الأول التصور الأرسطي للخطابية، والثاني مضامين الخطابية الأرسطية.

اعتمدنا في معالجة القسم الأول من البحث، والمتعلق بالخطابية قبل أرسطو، على تقديم المعطيات التاريخية مع مقابلتها بما يخالفها، وعرضِ وجهات النظر المختلفة حولها وتحليلِها ومناقشتِها، قبل ترجيح ما نراه راجحاً منها. وقد تطلَّبَت منا بعض جوانب البحث، خصوصاً ما يتعلق منها بالسفسطائيين، استقراءَ مجموعةٍ من نصوصهم وتحليلَها قبل اتخاذ أي موقفٍ بخصوص طروحاتهم، وذلك حرصاً على تجنب الوقوع في الحكم المسبق السَّلبي السائد حولهم.

أما فيما يخص القسم الثاني الذي عالجنا فيه نظرية الخطابية الأرسطية، فقد اتبعنا نفس المنهجية في فصله الأول، إذ كنا نعرض نصوصه ونحلل مضامينها ونناقش وجهات النظر المطروحة حولها، لنرجّح في الأخير أحدها أو نقدم وجهة نظرنا فيها.

وحرصنا في فصله الثاني، الذي قدمنا فيه مضامين الخطابية الأرسطية، على الالتصاق بنص كتاب الخطابية، مع الرجوع إلى كتب أرسطو الأخرى، خاصة: الجدل والسياسة وأخلاق نيكوماخوس Éthique de Nicomaque، لإضاءة الغوامض وإزالة الالتباسات. وقد بذلنا جهداً كبيراً لتقديم مضامين الكتاب بشكل واضح وقريب ما أمكن من المعنى الذي يقصده صاحبه. واعتمدنا فيه، إضافة إلى الترجمة العربية القديمة وترجمة عبد الرحمن بدوي، على سبع ترجمات فرنسية، كنا نعود إليها ونقارن فيما بينها، حرصاً على الفهم الدقيق لهذا الكتاب الذي يُعَدّ من أصعب كتب أرسطو، وعلى عرض مضامينه بشكل واضح وقريب من فكرة صاحبه. وقد لاحظنا، في كثير من المواضع، أن ترجمة عبد الرحمن بدوي تختلف عمّا أجمعت عليه تلك الترجمات، وأنها تتضمن كثيرا من الأخطاء التي لا يؤكدها ما أجمعت عليه تلك الترجمات فحسب، بل كذلك تناقضها مع السياق الذي أتت فيه أو مع التوضيحات التي قدمها أرسطو حولها في مواضع أخرى. وقد وصلنا، من خلال ذلك، إلى أن المكتبة العربية ما زالت في حاجة إلى ترجمة عربية دقيقة لهذا الكتاب. هذا دون تبخيس ولا إنكار لفضل عبد الرحمن بدوي.

إن هذه الأطروحة هي محاولة لسد الفراغ الذي تعاني منه المكتبة العربية فيما يتعلق بأصول نظرية الحجاج. فتطوير البلاغة العربية وإخراجُها من وضعية “التحنيط” التي ما زالت أسيرة لها، وتخليصُها من التصور الذي يرى فيها دراسة لطرق التعبير وأساليب القول والصور البيانية والمحسنات البديعية، مُركّزاً على الجانب التخييلي فيها، مهملاً لجانبها التداولي الحجاجي، يمر بالضرورة، في رأينا، عبر عمليةِ تأصيلٍ نظري للمكون التداولي الحجاجي في التراث البلاغي العربي. وهو أمر يتطلب من الباحث إعادةَ قراءةٍ لهذا التراث متسلحاً بما تحقق في نظرية الحجاج الحديثة التي تعود أصولها إلى نظرية أرسطو الذي استطاع أن يَجمع ما أنجزه سابقوه في نسق نظري ظل النسقَ النظري المتكامل الوحيد في تاريخ بلاغة الحجاج إلى حدود العصر الحديث.

لذلك، فإننا نعتبر أن هذه الأطروحةَ تندرج ضمن مشروعِ تجديد البلاغة العربية منظوراً إليها باعتبارها دراسة لأشكال القول في شِقّيه الشعري التخييلي والتداولي الحجاجي.

الهوامش:

1- نستعمل كلمة “خطابية” ترجمةً لكلمة Rhétorique، وهي من اقتراح د. محمد العمري. انظر: العمري (محمد)،البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2005، ص 13.

- الحسين بنو هاشم

73

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.