![kiraat_11.7](http://ribatalkoutoub.com/wp-content/uploads/2014/04/kiraat_11.7.jpg)
احتلت هذه الكتابة مكانة بارزة في الأعمال الأدبية. وقد رصد كل من حسن نجمي وعبد الكريم الجويطي موضوع الهجرة في الكتابة الإبداعية الروائية العربية في كتاب صدر حديثا بعنوان أنطولوجيا الهجرة في الرواية العربية. يرى مقدم الكتاب إدريس اليزمي، رئيس الجالية المغربية بالخارج، أن هذا الكتاب الأنطولوجي يقترح علينا بعضا من خرائط الهجرة في الرواية العربية، ورصد التجارب المختلفة للروائيين العرب من مختلف البلدان والأجيال، ما يقربنا من أشكال تطور الكتابة الروائية العربية في المتخيل الحكائي العربي، واختبار سؤال الهوية الفردية والجماعية في علاقتها بالأمكنة والفضاءات المختلفة.
ونجد في المقدمة التي كتبها المؤلِّفان لهذا الكتاب توضيحا لأهمية أشكال ظهور وتطور الكتابات الروائية العربية ومدى رصدها لتيمة الهجرة كموضوع يعتبر من المصادر الفنية للأدب شعرا ونثرا لِما تخلفه من أحاسيس من ألم الفراق والغربة والحنين إلى الأهل والوطن. فالأدب اليوناني مثلا، من الآداب الإنسانية الأولى التي جسدت تيمة الحنين كتيمة أدبية ملحمة الأوديسا. كما أن رحلة هيرودوت كانت بداية لعلم التاريخ، ولعظمة كتبه التي أصبحت مرجعا مهما في الدراسات التاريخية. أما الشعر الجاهلي فشعر غني بألم مفارقة الأهل والأحبة والأوطان والبكاء على الأطلال. كما تجسدت الهجرة في التراث العربي من خلال حكايات ألف ليلة وليلة والسندباد ومقامات الهمذاني والحريري والوهراني، زيادة على الملاحم الشعبية، وروائع ابن طفيل حي بن يقضان وأبو العلاء المعري رسالة الغفران.
وقد ولِدت الرواية مع رائعة سيرفانتيس الأكثر شعبية وشهرة في العالم. فلولا رحيل دون كيشوت من أجل إحياء زمن الفروسية لمّا راكم المغامرات الحالمة والأحداث الجديرة بأن تُحكى. ويضيف الباحثان أن أدباء المهجر وإن لم يخلفوا إنتاجات روائية إلا أن مسألة المثاقفة جعلتهم يحتكون بأنساق ثقافية حداثية مما ساهم في جعل الرواية العربية تتخذ مكانة متميزة في أدب النهضة. وتجلت أيضا تيمة الهجرة من خلال الروايات الأولى التي جسدت خطاب ما بعد الاستعمار، كما جسدت خطاب ما بعد الاستقلال بنقل الآلاف من المهاجرين العرب من شمال إفريقيا إلى أوروبا. زيادة على ظروف الحرب الأهلية في لبنان، وتدهور الأوضاع السياسية في السودان والصومال والصراع العربي الإسرائيلي الذي أفرز أعدادا هائلة من المهاجربن والمنسيين. وهذه المرحلة شهدت نصوصا روائية عربية رائدة عبّرت على الجرح العربي، وهي تجتر روحانية الشرق مقابل مادية الغرب. كما أن الهجرات الداخلية بين الأقطار العربية بعد نكبة 1948 وهزيمة 1967 التي أدت إلى هجرة الفلسطينيين إلى مختلف بقاع العالم. زيادة على هجرة العمالة العربية إلى بلدان الخليج العربي.
إن الرواية العربية لم تبرح في تناولها للهجرة طرح مجموعة من الإشكاليات:
– إشكالية المثاقفة: الغلُوُّ في وصف الآخر والانبهار بثقافته. لذلك انشغلت رواية الهجرة وبإفراط في وصف الآخر وكل ما يحيط به، ومقارنة ذلك مع الذات العربية.
– إشكالية التنميط: الروايات العربية اهتمت بالأشكال التنميطية، لعلاقة الشرق بالغرب. روحانية الشرق ومادية الغرب.
وقدم المؤلفان 83 عنوانا لمجموعة من المختارات الروائية لرواية الهجرة منذ عصر الرواد إلى يومنا، وهي نصوص منتقاة من روايات، من معظم الأجيال والأقطار العربية، ما سيشكل من هذا المؤلَّف حسب الباحثين كتابا يمكن قراءته كرواية كُتِبت بأصوات متعددة لتقديم صورة بانورامية لتجربة الهجرة في الرواية العربية لكل من: صنع الله إبراهيم ووليد أبو بكر ورشاد أبو شاور وسهيل ادريس وعلاء الأسواني ومحمد الأشعري وواسيني الأعرج وعلي أفيلال وحسن أوريد وليانة بدر ومحمد برادة ومريد البرغوثي وحليم بركات وسليم بركات وعبد المجيد بنجلون وصلاح الدين بوجاه ورشيد بوطيب ومحمد عز الدين التازي وربيع جابر وعبده جبير وإبراهيم الجبين ورينيه الحايك وطه حسين ويحيى حقي وتوفيق الحكيم وبنسالم حميش وحيدر حيدر وعبده خال ومحسن خالد ونعمة خالد وإدوار الخراط وعبد القادر خلدون وسحر خليفة وإلياس خوري وعلي الدوعاجي وشفيق الدويري وأمين الزاوي ومحمد زفزاف ويوسف زيدان وأحمد علي الزين والحبيب السالمي ومكاوي سعيد وخلود السيوطي والميلودي شغموم ومحمد شكري وخيري شلبي وصموئيل شمعون وحنان الشيخ والطيب صالح وبهاء طاهر وميرال الطحاوي وبهاء الطود وطارق الطيب وحامد عبد الصمد وإبراهيم عبد المجيد وعبد الله العروي ومحمد عبد السلام العمري وعبد العزيز غرمول ويوسف فاضل ومحمد فاهي المعطي قبال ومحمد القيسي وغسان كنفاني وإبراهيم الكوني وجمعة اللامي وعبد الرحمان مجيد الربيعي وعادل محمود ويوسف المحيميد وأحمد المديني وحسّونة المصباحي وعلي المعمري وعالية ممدوح وعبد الرحمان منيف وحنا مينة وأمجد ناصر وإميلي نصر الله وخليل النعيمي وغالب هلسا ومحمد حُسين هيكل وعمرو القاضي ومحمود الورداني والطاهر وطار ويحيى يخلف.
تشكل الرواية( الإغتراب المزدوج) التي أصدرت في الأيام القليلة الماضية، لصاحبها المؤرخ وعالم إجتماع الدكتور “لكبير عطوف شكلامن حضور أنطولوجيا الهجرة في الكتابات الادبية خصوصا الروائية منها.فالرواية هي سيرة داتية للكاتب حاول من خلالها رصد أهم الحطات التي مر بها في مساره الهجروي مشيرا إلى إزدواجية الإغتراب الأول في ديار المهجر و الثاني بعد عودة المهاجر إلى أحضان أرض الوطن بعد مدة طويلة قضاها بالمهجر. فالروائية تطرح بجلاء لمحات من التاريخ الهجروي المغربي نحوى فرنسا، وهذا لا يعني بالتحديد تعميم تجربة الكاتب الهجروية . و تجدر الإشارة أن الكاتب صاحب تخصص في تارخ الهجرة المغربي بما يطرحه ذلك من تأثير في كتابته لهذه الرواية؛ حيث نجد أن الحس و المنهج التاريخ حاضر و فرض نفسه على الكاتب…”
صراحة من أجمل ما قرأت عن الهجرة روايتي شفيق الدويري :”صدام “و “مخالب صقلية”.ونعم الكتابة ما ان تقرأ الأسطر الأولى حتى تجد نفسك أسيرا للعمل برمته .وأنا اتحدى اي قارئ يخالف هذا الرأي
ترتبط الكتابة الروائية العربية بثيمة الهجرة منذ مطلع القرن العشرين حين اغتربت الذات العربية في شتى انحاء المعمور بحثا عن لقمة عيش طائشة أو بحثا عن حضن دافئ يقيها لفعة التشرذم العربي. فالهجرة تمتح كثيرا من مقوماتها في الكتابة من إشكالية الهوية كما في كتابات غسان كنفاني مثلا، حين ترتبط بالفصام السيكولوجي الذي يسيج الذات الكاتبة حال عودتها إلى احضان الوطن كما هو حال “موسم الهجرة إلى الشمال ” للراحل الطيب صالح.
ليس الأمر مقتصرا على الاحساس بالانبهار و عقد المقارنات بين ثقافات محلية و ثقافة البلد المضيف فقط، بل يتعداه إلى رصد الإحساس بالاختلاف عند العودة إلى الوطن…