لم يكن للمرحوم نقولا زيادة انتماء ضيق يحيل على القطر أو النحلة فهو ينتمي إلى أوسع أوطان العرب، من المغرب إلى المشرق وهو يعتز بأنه من عائلة مسيحية ارثودوكسية من مدينة الناصرة
ولا يبدو هذا الانتماء العربي مما يقول ويمارس وإنما من خلال المكتبة الثرية التي حبرها فقد كتب في تاريخ لبنان وتاريخ الشام وتاريخ تونس وتاريخ ليبيا وأسس لكتابة تاريخ المدن وسلط الضوء على تاريخ البحر المتوسط وعلى تاريخ آسيا و تاريخ إفريقيا
جمع نقولا زيادة أفكاره في التاريخ علما وأسلوبا ومنهجا من خلال ما كتب عموما ولخص ذلك بصورة جلية في سيرته الذاتية التي اختار لها عنوان أيامي
وليس نقولا زيادة من المؤرخين العاديين فهو لا يكتب التاريخ بعين الباحث المتفحص وبعقل المرجح الناقد فقط، بل يكتبه في دفئ الكلمة وفي سحر البيان وهو من المدافعين عن كتابة التاريخ بلغة أدبية مستساغة ولينة دون جفاف يقول: “أنا قبلت الفكرة القائلة بأن التاريخ علم لكنني لم أضعه في مرتبة الرياضيات مثلافكتبت التاريخ علما بأسلوب طري”
عرف نقولا زيادة تطورا في فهمه للتاريخ فقد “كان منبهرا بالتفسير البطولي للتاريخ “إلا أن هذا الانبهار لم يدم طويلا لأنه “يتجاهل وجود الناس العاديين” ويتساءل نقولا زيادة عن كيفية تحرك التاريخ “لمجرد أن يقف شخص ويأمر الجموع بالسير”
ويلاحظ نقولا زيادة أنه لم يقرأ أبدا نقشا لملك بابلي أو فرعون أو حتى أمير صغير يذكر فيه أنه انهزم في يوم من الأيام حتى انه من الصعب النظر إلى الوثائق الرسمية بصورة وثوقية لا يشوبها شك ولا نقد فالوثائق الرسمية شأنها شأن الأدب السلطاني تسعى إلى الحط من السابقين لتمجيد أولئك الذين تصدر عنهم وتسعى لتخليد المآثر دون السيئات
ولم يلتزم نقولا زيادة بمنهج خطي معين لأنه يرى في ذلك سلبيتين: الأولى وهي بحث المؤرخ فيما يدرس عما يؤكد صحة نظريته أو يدعم المدرسة التي عنها يدافع ومنها يستلهم النظريات والتساؤلات والسلبية الثانية هي المرور عن جملة من الظواهر التاريخية البسيطة، أو تلك التي تتعارض مع نظرية المدرسة التي ينتمي إليها المؤرخ
وهو ما يغيب جماعات وظواهر تاريخية كان من المفروض الوقوف عندها لذا يبدو نقولا زيادة، على الأقل في أخريات أيامه، من هذه الناحية من الذين ينظرون إلى التاريخ نظرة شمولية لا تتوانى عن الإلمام بكل “الأشياء البسيطة” ولا تلك التي قد يهملها المؤرخ الملتزم بمدرسة خطية معينة
يرى نقولا زيادة أن للمستشرقين فضل في التعريف بالتراث العربي الإسلامي، مهما تعددت الأغراض التي كانت وراء الاعتناء به أصلا
فالمستشرقون في رأيه لعبوا دورا هاما في إيصال التراث العربي إلى دائرة الضوء، وربما يعود لهم الفضل أيضا في نفض الغبار على بعض الكنوز العربية، وتقريبها لا من أي قارئ فقط وإنما من القارئ العربي أيضا
ويشير هنا إلى نشر كتب الجغرافيا والتاريخ مثل تاريخ الطبري وغيره ويمكن أن نضيف إلى ما قاله في هذا الصدد، بعض الكتب الأخرى الأساسية مثل ترجمة كتب هامة للغات الأوروبية مثل سيرة ابن هشام، و تاريخ ابن خلدون، ومقدمته وإعداد الفهارس التي لا يستغنى عنها إلى اليوم مثل فهارس الحديث لفانسينك، أو دائرة المعارف الإسلامية باللغتين الفرنسية والانجليزية، أو فهرس المخطوطات العربية لبروكلمان وغيرهم
ويمكن أن نقول بأن نقولا زيادة محق في دفاعه عن المستشرقين، وهو ليس الوحيد ممن ينظر إلى أن الاستشراق، مهما كانت دوافعه، له كثير من الايجابيات في إحياء التراث العربي الإسلامي فليس من الضروري أن تكون عربيا لتكتب عن العرب أو مسلما لتكتب عن الإسلام، ما دامت الكتابة خاضعة للمقاييس العلمية وللمناهج الأكاديمية
ولعل السبب الرئيسي في النفور من الكتابات الاستشراقية راجع إلى حالة الضعف والوهن التي يعاني منها العالم العربي الإسلامي منذ قرون عديدة وهذا الرأي فيه كثير من المصداقية إذ لا نزال نحن اليوم نحجم عن تناول بعض المسائل التي يعتبرها الذوق العام مسائل حساسة ومثيرة للفتنة وليس أدل على ذلك من “الخوف” الفكري الذي يعاني منه العرب وحتى غيرهم اليوم من تناول بعض المسائل بالنقد ويخشى الأستاذ نقولا زيادة أن “أكثر الذين يخاصمون المستشرق حملوا السيف قبل القلم وضربوا في الهواء قبل إمعان النظر فيما قيل”
ولم يكن دفاع نقولا زيادة عن الاستشراق دفاعا عاطفيا بل هو قراءة نقدية تقر ببعض المزالق أو الهفوات التي وقع فيها بعض كبار المستشرقين، وهي مما لا يجب أن يحجب على القارئ العربي الجوانب الايجابية في هذه الكتابة
فما على القارئ العربي إلا أن يقرأ الكل ولا يقف عند الجزء وما عليه إلا أن ينظر إلى هذه الكتابة في إطار سياقات فكرية وسياسية ودينية واضحة
ليس من السهل أن يجمع العلماء على تعريف التراث، لذا فقد قسموه إلى تراث مادي، وتراث لامادي، ويسعى البعض إلى فصل مفهوم التراث عن التاريخ وفي هذا الباب يقول نقولا زيادة أن التراث هو كل ما تركه الإنسان من مكتوب ومنقول وثابت ومروي مشافهة وهو ما يترتب عنه أن يقوم المؤرخ باستقراء هذا الموروث بدون مفاضلة “لاستخلاص ما ينفع الناس”
وليس التراث بالنسبة للمؤرخ من القداسة حتى يتحرج في نبشه والبحث داخله عما يسمح بإعادة تركيب الحياة الماضية للاعتبار بها في الحاضر واستشراف المستقبل ويستند نقولا زيادة في هذا الموقف على ما كتبه إبراهيم السامرائي “من العقل أن لا ننظر إلى التراث بقدسية ونجعله مقصورا على ما هو إيجابي، بل إن التراث واحد فيما هو إيجابي وما هو سلبي فأدب المجون والخمر من التراث كما أن الزهد والأخلاق الحميدة من التراث أيضا”
يعتبر نقولا زيادة أن تقديس التراث ساهم إلى حد كبير في إعاقة العرب عن الحداثة بل أصيبوا بما سماه “عقدة التراث” وربما هذه العقدة المبنية على تقديس الماضي هي التي تحول بين العرب والحداثة وللوصول إلى هذه الحداثة يقول زيادة “إنه يجب قلب ثوب التراث على قفاه وتنفيضه من الغبار”
ولا اشك أبدا في أن نقولا زيادة هو مصدر من مصادر تاريخ القرن العشرين بأكمله، فقد ولد في بدايته وتجاوزه، ليفارق الدنيا في بداية القرن الذي يليه وقد خلد هذا التاريخ في سيرته التي سماها أيامي منذ طفولته الدمشقية، وعبر تجواله في العالم طالبا، وأستاذا زائرا، ومحاضرا، ومشاركا في الندوات التي تعقد هنا وهناك، حتى بلغ بها أخريات أيامه البيروتية حيث قضى في يوم غطى فيه قصف “قانا” على الخبر النبيث واظلم عيون محبي الحق والعدل والسلم الشريفة فما على المؤرخين المهتمين بالقرن العشرين إلا أن ينكبوا على هذه المعلمة لا لتقصي تاريخ نقولا زيادة وإنما ليشربوا من معين مذكراته ومن يطالع مذكرات المرحوم نقولا زيادة يشعر بصدق الكلمة وبصراحة الموقف وبشموخ الرجل وتواضعه في نفس الوقت
رواد الشرق العربي في العصور الوسطى، بيروت، دار لبنان للطباعة، 1986
الأعمال الكاملة بيروت، الأهلية للنشر، 2002
الجغرافية والرحلات عند العرب، بيروت الأهلية للنشر، 2002
عالم العرب، جغرافيته وتاريخه ومصادر ثروته, بيروت، الأهلية للنشر، 2002 من رحلات العرب: أقدم الريادات للبحار الشرقية بيروت، الأهلية للنشر، 2002
الحسبة والمحتسب في الإسلام: نصوص، بيروت، المطبعة الكاثوليكية، 1962، طبعة ثانية بيروت الأهلية للنشر، 2002
لمحات في تاريخ العرب، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
أعلام العرب، بيروت الأهلية للنشر، 2002
تونس في عهد الحماية، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
دمشق في عصر المماليك، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
برقة الدولة العربية الثامنة، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
العروبة في ميزان القومية، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
أبعاد التاريخ اللبناني الحديث، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
مدن عربية، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
دراسات في التاريخ، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
شاميات: دراسات في الحضارة والتاريخ، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
لبنانيات: تاريخ وصور، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
إفريقيات: دراسات في المغرب العربي والسودان، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
مشرقيات: في صلات التجارة والفكر، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
عربيات: حضارة ولغة، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
أفروسيات: السياسة والدين من غرب إفريقيا إلى آسية الوسطى، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
متوسطيات: تجارة وحياة فكرية، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
صفحات مغربية، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
المسيحية والعرب، بيروت، الأهلية للنشر، 2002
لمحات من تاريخ العرب، بيروت، دار الكتاب اللبناني، دون تاريخ
محاضرات في تاريخ ليبيا من الاستعمار الايطالي إلى الاستقلال، القاهرة
Origins of Nationalism in Tunisia, (PhD1962) éd Beyrouth, 1969
Sanusiyyah A Study of revivalist movement in Islam, (Ph D1958), éd Leiden, 1958, Beyrouth, 1968
Urban Life in Syria under the mamluks, (Ph D), 1953
أيامي، سيرة ذاتية، 2ج، هزار للنشر، بيروت، 1992