من بين الأسباب التي جعلت مهنة البيوغرافي أسوء مهنة في ميدان التاريخ الطابع الهجين لهذا النوع، وتعدد العوائق الملازمة له[1]، حتى لقد شُبِّهَ البيوغرافي بعازف البيانو في ملهى ليلي. كان الحذر من هذا النوع المحفوف بالمخاطر السبب في حصول قطيعة بين التاريخ والبيوغرافيا، لدرجة أن مؤرخي “الحوليات” تخلوا عن هذا النوع لصالح الروائيين، لأنه-في نظرهم- يَمْتَحُ من الكتابة الأدبية أكثر مما يأخذ من الكتابة التاريخية.
اعتبر مارك فيرو البيوغرافيا مُعيقة التاريخ[2]. فهذه الكتابة إذا استخدمنا تعبير نيتشه تتضمن مقدارا كبيرا من الخيانة. لقد رفض الجيل الثاني لمدرسة “الحوليات” البيوغرافيا مثلما رفض الحدث، فقد اعتبرها إحدى الأصنام الثلاثة غير المفيدة في فهم معنى التاريخ، وبذلك تم تهميش السيرة من طرف المؤرخين. هذا الكسوف البيوغرافي في ميدان التاريخ انتقل إلى ميدان علم الاجتماع والأنتربولوجيا واللسانيات. ولعل الموقف الأكثر راديكالية في هذا الجانب يعود إلى عالم الاجتماع بيير بورديو سنة 1986م، حيث عبر في مقاله الشهير “الوهم البيوغرافي” عن استيائه وتأسفه من عودة هذا النوع المشكوك فيه، فسيرة حياة بالنسبة إليه من بين المفاهيم التي دخلت من جديد إلى عالم المعرفة “عن طريق التهريب” “بدون طبول ولا مزامير”، عند الإثنولوجيين أولا، ثم عند السوسيولوجيين[3].
ساهمت السوسيولوجيا والإثنولوجيا بقوة في النجاحات التي عرفها النوع البيوغرافي خلال مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لقد بثا الروح من جديد في كتابة السير، فمنذ أواخر الستينيات أصبح الفرد موضوعا مفضلا للدراسة خصوصا في حقل السوسيولوجيا.
لقد ردت السوسيولوجيا والإثنولوجيا الاعتبار للفرد عبر الاعتماد على المنهج البيوغرافي كوسيلة للتعرف على الثقافة والمجتمع، إذ أصبح الأمر ممكنا ما دام الأفراد هُمْ -بشكل أو بآخر- مرآة للقيم السائدة في المجتمع، وينطبق ذلك بصفة خاصة على بعض المجتمعات الإفريقية واللاتينية التي ظل الأفراد في إطارها منصهرين نسبيا في الجماعة التي ينتمون إليها، وذلك بخلاف الفرد في المجتمعات الغربية، حيث تحول منذ أمد بعيد إلى كائن مستقل وغير اجتماعي[4].
لقي جنس البيوغرافيا اهتماما كبيرا في الأنتروبولوجيا الأمريكية، وخصوصا بجامعة شيكاغو التي أنتجت تصورا نظريا عاما أطلق عليه “النظرية التفاعلية”، وهي مقاربة تتبنى الفرد العادي وحدةً للتحليل، وهو ما عبر عنه كروندي إدوارد بقوله: “وثيقة واحدة فريدة من نوعها تكون أكثر كشفا من سلسلة دراسات إحصائية”[5].
عرفت السوسيولوجيا منهجا في السيرة سُمِّيَ في البداية المنهج البولوني (ركز على روايات الحياة)، وقد تم تطبيقه أول مرة في العشرينيات من القرن الماضي من لدن عالمي الاجتماع بمدرسة شيكاغو وليام إسحاق طوماس (1863-1947) William Isaac Thomasوفلوريان ويتولد زنانييكي (1882-1958) Florian Witold Znaniecki، وذلك من خلال دراستهما حول الفلاحين البولونيين المهاجرين إلى أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وقد استمرت اتجاهات البحث الأنجلوساكسونية من بعدهما في الاعتماد على هذا المنهج البيوغرافي لدراسة الفئات الاجتماعية المهمشة، والتي لم تُتَحْ لها في السابق فرصة الحديث عن نفسها. وهكذا تم إنتاج سير فردية واجتماعية متعددة ساهمت في تجديد أبحاث التاريخ، وأعادت الاعتبار للمعيش اليومي[6]، وفي هذا الإطار تندرج سيرة أطفال سانشيث[7] للأنثربولوجي الأمريكي أوسكار لويس من جامعة شيكاغو، والذي قدم نموذجا لمنهج بيوغرافي في الاثنولوجيا بجميع مؤهلاتها وخصائصها في الرواية العائلية، من خلال سرد حياة أسرة مكسيكية تنتمي إلى “حثالة البروليتاريا. ولا يتعلق الأمر بسيرة ذاتية، لأن الرواة سردوا حياتهم بحضور الباحث، وتماشيا مع الأسئلة التي يطرحها عليهم هذا الأخير من حين لآخر، فالأصح أن نتحدث عن منهج بيوغرافي أو عن منهج تاريخ الحياة[8]. لقد قدم لويس أوسكار مفهوم “ثقافة الفقر” في الستينيات، وقد تبنى الفكرة من خلال ملاحظاته للمجتمعات الفقيرة في بورتوريكو والمكسيك. إن النقطة الحيوية في الجدل الذي أُثير بشأن مفهوم “ثقافة الفقر” -كما صاغه هذا الأنثربولوجي- يتمثل في كون الفقر منتشرا في كل مكان، فهل يتقاسم هؤلاء الفقراء ثقافة مشتركة تميزهم عن غير الفقراء؟ يُركِّز المؤلف على الفرد في تفسيره للفقر مبتعدا بذلك عن التفسيرات البنيوية والمؤسساتية. لقد أراد لويس أوسكار – بوصفه عالم أنثربولوجيا- فهم الفقر والسمات المرافقه له باعتباره ثقافة وطريقة حياة تنتقل من جيل إلى جيل عبر مسارات العائلة، فالأطفال يتشربون عادة القيم والسلوكيات الأساسية لثقافتهم، مما يجعلهم غير مهيئين نفسيا للاستفادة من الفرص التي تتاح لهم لإحداث تغيير حقيقي في حياتهم مستقبلا[9].
قدم أوسكار لويس، بسيرة أطفال سانشيز، صورة وطريقة بيوغرافية في الاثنولوجيا أطلق عليها الإثنوبيوغرافيا، والتي يمكن اعتبارها جنسا هجينا يزاوج بين البيوغرافيا والسيرة الذاتية، وقد استخلص الفرنسيون من خلال رواية أطفال سانشيز فائدة كبيرة فيما يتعلق بأهمية “روايات الحياة”، وقد حققت هذه النوعية رواجا كبيرا من خلال أعمال كثيرة مشابهة.
تزايدت هذه العودة للاهتمام بالذات والفرد مع بداية الثمانينيات. فقد توفي خلال هذه الفترة عدد كبير من رموز التيار البنيوي الفرنسي، واختفت أعمالهم فجأة من الساحة. لقد قوي شعور بنهاية حقبة من الزمن وبداية أخرى، فالأفكار التي ظهرت في الثمانينيات شكلت ما نُعت بأنه فكر ما بعد بنيوي، برز خلاله جيل جديد من المدافعين عن عودة الفرد، متجاوزين بذلك النزعة البنيوية المتَشدِّدة التي رسَّخت في الأذهان إبعاد الإدراك الواعي للفرد من خلال التركيز على البنيات.
لقد وقفت البنيوية خلال الخمسينيات والستينيات في وجه انتقال الأفكار الانجلوساكسونية إلى فرنسا، فانطلاقا من الثمانينيات، وبفضل جهود مفكرين فرنسيين خاضوا تجربة التدريس بالولايات المتحدة الأمريكية، برزت إلى الواجهة فكرة تقبل الفلسفة التحليلية الأنجلوساكسونية ، ليتم القطع مع التقليد الفرنكوفوني، فرأينا بزوغا للفاعل من جديد في علم الاجتماع، فعلى سبيل المثال كرس ألان توران سنة 1983م كتابا لمسألة عودة الفاعل، وصار من الممكن كتابة تاريخ سياسي كما توضحه أعمال مارسيل غوشي، وتاريخ عسكري كما في عمل جورج دوبي، والسرد كما عند ريكور، وبصفة أشمل أماكن الذاكرة لبيير نورا.
يبرز هذا التحول والانتقال أكثر في علم الاجتماع الجديد، فقد تم التشكيك في عدد من مسلّمات علم الاجتماع الفرنسيّ، وعلى الأخص في الادعاءات القائلة بالقطيعة بين الكفاءة العلميّة والكفاءة العموميّة، حيث ظل يُشَكَّكُ في قدرة النّاس العاديين على وصف وضعيتهم الخاصّة. وقد زكى النّموذج البنيويّ في السابق هذه الادعاءات باعتبار أن الذات ممقوتة كما ورد في خاتمة كتاب مدارات حزينة لكلود ليفي ستراوس، وهو الأمر الذي أدى بالفيلسوف بول ريكور إلى وصف البنيوية في إحدى المناقشات بأنها نزعة تعال من دون ذات[10]. إن النّموذج الجديد لعلم الاجتماع وجد في البحث الميدانيّ الفضاء الأمثل لاختبار تجاربه، حيث أنجز لوك بولتانسكي ولوران تيفنو بحثا رائدا حول الطّريقة الّتي نُجري بها نقاشاتنا اليوميّة. لقد انتقلنا من البنية إلى الذات[11].
أصبحت الذات المقصاة والمذمومة خلال الفترة البنيوية تفصح عن نفسها في عدة ميادين، في الأنثربولوجيا، والتحليل النفسي، والأدب، وعلم الاجتماع. فقد خَفَّتْ حِدَّةُ الاستخفاف بالنزعة الإنسانية ونفي الذات حتى من طرف أولئك الذين أعلنوا سابقا موت الإنسان، فميشال فوكو في تاريخ الجنسانيةابتعد عن المضامين المناهضة للذات وللنزعة الإنسانية. ففي هذا الكتاب يتجلى الإهتمام بالفاعل وبالمهمش. وكان فوكو قد انضم بالفعل في نهاية مطافه إلى التيار المنادي بالعودة إلى الذات الذي بدأ ينتعش أخيرا في الفلسفة الفرنسية[12].
لفهم التغيرات التي لامست هذا النوع من الكتابات التاريخية الذي اعتبر جنسا هجينا، سنسلط الضوء على ثلاث مقاربات ساهمت في انتعاش الجنس البيوغرافي الذي عاد بقوة الى الواجهة.
أولا: التاريخ من أسفل
التاريخ من أسفل يشكل مقاربة جديدة تقدم لنا فهما آخر للتاريخ، إنها نوع من الكتابة التاريخية المختلفة التي تركز على الدهليز بدل السطح، غرضها فهم حياة الناس العاديين الذين عاشوا في الماضي، وذلك من خلال نقل تجربتهم الخاصة، لقد أصبح لتاريخ الفرد العادي دلالته ودراميته مثله مثل تاريخ العظماء. فمن خلال سيرتهم نتمكن من سبر أعمق للتاريخ الإنساني[13].
لقد سعى “التاريخ من أسفل” إلى إنقاذ تاريخ المهزومين والضائعين من براثن الإهمال وإبرازه إلى الوجود، وقد كرست المجلة الأنجليزيةHistory Workshop أعمالها لهذا النمط الجديد من الكتابة التاريخية، واشتهرت بكونها صوتا للمهمشين والفقراء والعمال، وقد أصبحت صوتا لمن لا صوت لهم من خلال الاهتمام بعامة الناس في الماضي، بحياتهم، وبفكرهم وعملهم على المستوى الفردي. وقد عبر المؤرخ ادوارد طومسونEdward Thompson عن هذه الفكرة بوضوح قائلا: “إنني أسعي لإنقاذ صاحب الجوارب الطويلة، وعامل الحصاد الذي يحطم الآلات التي تحل محله، والنساج العامل على النوى اليدوي الذي بطل استخدامه، والحرفي الحالم بالمدينة الفاضلة”[14]. ولا ننسى هنا أن نذكر بأن مدرسة “الحوليات” كان لها فضل كبير في الترويج لتاريخ المستضعفين إلى جانب تاريخ الأقوياء، فالفلاح المغمور الذي يحسن تقنية الاجتثاث داخل نسق من الرموز الموروثة، وضمن مشهد من الثوابت هو فاعل تاريخي يساوي من حيث الأهمية ذلك الضابط الذي ينتصر في معركة ما، وربما على نحو أشد عمقا[15].ويتساءل جاك لوغوف: أليس لتاريخ الفرد العادي دلالته ودراميته مثله مثل تاريخ العظماء، ألا يبدو أسقف مونتايو في أهمية مازاران أو تالايران؟[16].
يساعد التاريخ من أسفل على إقناع أولئك الذين ولدوا بدون ملعقة ذهبية في أفواههم، بأن لهم ماض مثلهم مثل الآخرين، وبأنهم ساهموا بدورهم في صناعة الأحداث، وعليه فهم يستحقون أبحاثا تضيء جزءا من تاريخهم حتى لا يظل قابعا في الظلام، إنهم يحاولون إعطاء معنى للحياة التي تحيط بهم[17].
إن مفهوم التاريخ من أسفل كتوجه جديد في الكتابة التاريخية قد تطور في البداية بفضل مجهودات المؤرخين الماركسيين الإنجليز، إذ يعود استخدام هذا المفهوم إلى مقالة نشرها إدوارد طومبسون بعنوان History From Below (التاريخ من أسفل) في الملحق الأدبي لجريدة التايمز سنة 1966م، وكان قد قام قبلها ( أي في 1963م) ببحث قيم عن تكوين الطبقة العمالية الانجليزية، اعتمد فيه على كم هائل من المادة المأخوذة من المصادر الأصلية. لقد أصبح هذا المؤلف بسرعة كبيرة مرجعا مؤسسا، فهو لم ينظر إلى العمال كطبقة اقتصادية، وإنما كأشخاص مشاركين في الحياة ومرتبطين بأحداث واقعية. كما نضيف أيضا تأثير عمل الأنثربولوجي الأمريكي كليفور غيرتز الذي اهتم بتحليل الحياة المعيشية للأشخاص الصغار، ودراسة العلاقات بين الأفراد[18]، وتعتبر دراسة دومينيك جينوفيز Dominic Genovese العالم الذي صنعه العبيد من أهم ما كتب عن تاريخ مجموعة محرومة اجتماعيا كانت أسفل بلا شك، غير أنها كانت فاعلة ومؤثرة، وهي فئة العبيد السود في الولايات المتحدة الأمريكية قبل الحرب الأهلية[19]، لكن تظل أشهر الدراسات التاريخية من أسفل كتاب مونتايو: قرية اكسيتانية )1294- 1324(Montaillou, un village occitan لايمانويل لوروا لادوري،وكتاب الجبن والدود the cheese and the worm لكارلو جينزبورغ [20].
يشترك الباحثان ايمانويل لادوري وكارلو غينزبورغ في الاعتماد على سجلات محاكم التفتيش، وفي إعادة بناء الحياة اليومية الخاصة لأفراد منسيين، اعتمادا على قراءة ما بين سطور الوثائق والسجلات التي تحتوي على حوادث غير معتادة في حياة المتَّهَمين، وعلى أساس الاستجوابات والمحاكمات التي جعلتهما في موقف استثنائي مرعب[21].
ترككتاب مونتايو التأثير الأقوى باستخدام هذا المنظور لرؤية الماضي، فقد فتح المؤلِّف أحد أهم ملفات التفتيش المتعلقة بالكتاريين المتأخرين بمنطقة لانغدوك، وأعاد قراءة استجوابات المتهمين، وطرح على هذه النصوص أسئلة جديدة، وقد سلك في بحثه مسلك الإثنولوجي، وهكذا أعاد الحياة إلى جماعة قروية من البيمونت بالبيرني في بداية القرن الرابع عشر، عبر إعادة تركيب الأعمال الفلاحية، وطرق تربية الماشية، وأشكال اللباس، والحركات اليومية، والمعتقدات الدينية، والطقوس السحرية، والعلاقات مع السلطة، فاكتشف نسقا متجانسا تلتئم فيه الحياة حول المنزل الذي يعتبر المركز الرئيسي لشبكة القرابات والتحالفات[22]، وقدصدر هذا الكتاب في فرنسا سنة 1975م، ونال قدرا كبيرا من الإهتمام، إذ حقق مبيعات أفضل مقارنة مع الكتب الأخرى. وبعد مرور سنة، صدر كتاب كارلو غينزبورغ الجبن والدود، وهو نوع آخر إلى حد ما من التاريخ من أسفل، كان غرض المؤلف استكشاف العالم الفكري والروحي لشخص فرد، وهو طحان من منطقة فريولي شمال ايطاليا، اسمه دومينيغو سكانديلا، ولد سنة 1532م، اشتهر باسم مينوكشيو، وتأتي شهرته هذا في براثن محاكم التفتيش وانتهى أمره بالإعدام في سنة 1600م، وقد يسر الحجم الهائل لوثائق هذه القضية لجيزبورج أن يعيد بناء الكثير من نظام مينوكشيو الإيماني، والكتاب نفسه انجاز يلفت الانتباه[23].
ونضيف إلى هذين المؤلفين كتاب نظرة المهزومين: هنود البيرو إزاء الغزو الإسباني لنتان واشتيلNathan Wachtel[24]،عن شعوب الإنكا القديمة التي سكنت هضاب الأنديز العليا، لم يكتف المؤلف برؤية المنتصرين الإسبان المسيطرين، والتي تم تقديمها في الأخبار التاريخية، والمراسلات الإدارية، والتقارير، والمذكرات في الفترة الاستعمارية، لقد حاول التوصل إلى رؤية المهزومين الهنود الخاضعين التي بقيت آثارها في الحكايات والرقصات والحفلات والتظاهرات الفلكلورية للعصر الحالي. إن مقاربة المؤرخ والاثنولوجي أتاحتا فهم عاقبة الجرح القوي الذي أصاب خلال القرن السادس عشر السكان الهنود الذين تمت إبادتهم تباعا بالغزو العسكري وبالاستغلال الفاحش[25].
وفي سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، دخل مفهوم “التاريخ من أسفل” إلى لغة المؤرخين المشتركة، إذ تركز اختيار المؤرخين الجدد على نماذج من الناس العاديين ليكونوا الشخصيات الرئيسية في كتبهم، مثل الفلاح برتراند رولز عند ناتالي دافيز، والطحان مينوكوشيو عند كارلو غيزنبرغ، والراعي عند لوروا لادوري، والاسكافي بيناغوت عند الان كوربان، والأمثلة كثيرة. كان الهدف في البداية هو فهم المجتمع من خلال سيرة الفرد كما هو الأمر بالنسبة للحوليات والتاريخ الجديد، ثم انتقلت الأبحاث اللاحقة إلى الاهتمام بعالم التجربة اليومية كما هو الحال في التاريخ المجهري الإيطالي وتاريخ الحياة اليومية الألماني.
لم يقتصر تأثير مجال التاريخ من أسفل على المؤرخين فقط، بل امتد إلى ميادين معرفية أخرى، فالمقاربات الحديثة في علم الاجتماع والإثنولوجيا والأنثربولوجيا تفضل هذا النوع من الدراسات. وبالمقابل وفي إطار التقاطعات بين العلوم الإنسانية المختلفة جذبت الأنثربولوجيا بدورها عددا من المؤرخين المتخصصين في التاريخ الوسيط، من بينهم آلان ماكفارلين الذي كتب ما يمكن وصفه بأنه “تاريخ ممارسة السحر من أسفل”، فقد انغمس بشكل عميق في بحثه، وأنتج كتابا كان طفرة كبرى في مجال تطبيق الانتربولوجيا على المادة التاريخية، وكانت النتيجة أن تعمق فهمنا لوظيفة السحر في مجتمع القرية زمن حكم أسرة تيودور وستيورات[26].
إن كتابة التاريخ من أسفل مشروع برهن على أنه جذاب ومثمر بشكل جيد، وهكذا جذب مفهوم التاريخ من أسفل اهتمام المؤرخين العاملين على عدد من مجتمعات الماضي وعلاوة على ذلك فقد انضم عدد من العاملين في ميادين علمية أخرى لاسيما الأنثربولوجيا والأدب إلى القيام بأبحاثهم من أسفل[27]. كما ساهم نمط التاريخ من أسفل بجاذبيته ومحاولته في إماطة اللثام عن التاريخ المخفي لفئات شعبية من الناس في توسيع عدد جمهور المؤرخ المحترف وتزايد دائرة المهتمين بالتاريخ، ووصلوا إلى هدف الكتاب الأكثر مبيعا، وذلك تحقق بفضل إرضاء فضول القارئ العادي بشأن ماضيه وهويته الوطنية الحقيقية، فالجمهور القارئ لهؤلاء المؤرخين من أسفل أكبر بكثير مما يتوفر لدى المؤرخين الجامعيين. ومن المفارقات التي تسجلها دور النشر أنه كلما كتب المؤرخون الأكاديميون مزيدا من التاريخ الأكاديمي القح قل عدد الناس الذين يقرؤونه فعلا[28]. فواحد من أهم الأهداف الكبرى التي نجح في تحقيقها هؤلاء الذين يكتبون التاريخ من أسفل هو استقطاب أكبر عدد من محبي التاريخ.
ثانيا: الميكروتاريخ
في نفس توجه التاريخ من أسفل، أطلقت مجموعة من المؤرخين الشباب الإيطاليين الأكثر انفتاحا على الثقافات الشعبية في تيار السبعينيات تصورا لتاريخ مجهري Microstoria،قريب جدا من الأنثربولوجيا كما هو الشأن بالنسبة للتاريخ الجديد، وهو تاريخ يهتم بمواضيع الحياة الخاصة وبما هو شخصي، إنه التاريخ المصغرmicro-histoire[29]. لقد دخل استعمال مصطلح الميكروسطوريا قاموس الكتابة التاريخية منذ حوالي ثلاثين سنة، وقد بدأ كمشروع قاده مؤرخون قادمون مما كان يسمى في ذلك الوقت بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي، وقد عَرَّفَهُ كارلو غينزبورغ أحد الرواد الأوائل لهذا التيار بالقول: “التاريخ المجهري بصورة عامة كعلم المعيش”[30]. وذلك لأنه وضع من بين أهدافه في المقام الأول التجربة المعيشة لصغار الناس وبسطائهم[31]. وفي البداية لم تكن لهذا النوع من الكتابة التاريخية أي شعبية في بلد متشبع بتعاليم بينيديتو كروتشيه Benedetto Croce(1866-1856) المتأثر بأفكار هيغل المثالية، ونلمس ذلك في طريقة الإستقبال الذي لقيته هذه المجموعة في بلدها الأصلي ايطاليا، فالأمر لم يكن مشجعا على الإطلاق، لكن سرعان ما فرض طرح الميكروتاريخ نفسه على النقاش الايطالي، وأصبح للمصطلح صدى رائج في فرنسا وألمانيا وإسبانيا، و في العالم الأنكلوساكسوني، وأمريكا اللاتينية أيضا. لقد فتح هذا الجيل الجديد من المؤرخين بفضل أعمالهم المتميزة نقاشا واسعا داخل ايطاليا وخارجها، وذلك بفضل مجلة كراسات تاريخيةQuaderni Storici، التي تولى جيوفاني ليفي إدارة تسييرها سنة 1975م ، وبفضل إنشاء سلسلة “ميكروسطوريا” المدعومة من قِبَلِ الناشر الكبير خوليو إنيودي Giulio Einaudi ، والتي نشرت ابتداء منذ سنة 1981م العديد من الأعمال التي مثلت دعما لهذا المشروع الجماعي الجديد، فرغم قلة أفراد هذه المجموعة، فإن أعمالها تميزت بالإشعاعية وبالإنتاجية في ظرف وجيز[32].
من أهم ما يميز التاريخ المجهري تخفيض مقياس الملاحظة[33]، وهو مفهوم (مستقى من علم الخرائط والهندسة والبصريات) دخل بشكل متأخر إلى الحقل اللغوي الوظيفي للمؤرخ. استخدم منذ البداية في الحوار الذي فُتِحَ بين مقاربات الماكروتاريخ ومقاربات الميكروتاريخ انطلاقا من سنوات 1980م بايطاليا[34]. ومن أهم أنصاره رواد الميكروتاريخ الأكثر نشاطا، البان بنسا، وسيمونا شيروتي، وجيوفاني ليفي، وسابينا لوريغا، وادواردو غراندي، وماوريشتيو غريباودي، وكارلو جينزبورغ. بالإضافة إلى المؤرخين الفرنسيين برنار لوبوتي، وجاك روفيل،اللذين ساندا بقوة تخفيض المقياس في التاريخ[35].
وقام بول ريكور بدوره بمقابلة تاريخ العقليات ومآزقه بأفكار بعض الفلاسفة الذين تمردوا على النمذجة الرائجة في مدرسة “الحوليات”، وخاصة ميشيل فوكو في حفريات المعرفة، وميشيل دوسيرتو في كتابة التاريخ، كما قام بمراجعته انطلاقا من مفهوم “تنوع المقاييس”Jeux d’échelle) ) كما يظهر من خلال العمل الجماعي الذي أداره جاك روفيل عام 1996م. تبقى المسألة الأساسية في كل هذه الأمور مسألة كتابة وإعادة كتابة، مسألة بناء وإعادة بناء، ورؤية، وتأويل، ومعنى ذلك بحسب تنوع أنظمة المقاييس هذه، أن ما يظهر عندما نغير المقياس ليس هو التسلسل، وإنما العلاقات التي بقيت خفية على المستوى الماكروتاريخي. يقترح بول ريكور في نقده التاريخي لوضع تشتت التاريخ في نهاية القرن العشرين استبدال “مفهوم العقلية الفضفاض” بـِمفهوم التمثل الذي يتناسب مع استعمالات مفهوم تنوع المقاييس[36].
استُعمل الميكروتاريخ كأداة نقدية على الخصوص بالنسبة للتجربة الفرنسية، فرؤية الميكروتاريخ يجب أن تُفهم أولا كتساؤل نقدي حول ما يمكن أن ننتظره من التاريخ الإجتماعي الذي كان مسيطرا في ذلك الوقت، إنها مقاربة مضادة لطرق التاريخ الاجتماعي الكلاسيكي المعتَمِد على التحليل الكمي المفتقد لكل ما له علاقة بالشروط المحسوسة والتجربة الاجتماعية، إنه تغيير في سلم ملاحظة العالم الاجتماعي[37]. إن التاريخ المصغرأو التاريخ المجهري أو التاريخ الفردي الجزئي (الميكروتاريخ) الذي تبناه العديد من المؤرخين الايطاليين هو أحد أهم ردود الأفعال التي استجابت للنقاشات تجاه أزمة الشك التي عرفتها مهنة المؤرخ في مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، فقد أعادت هذه التجربة النظر في المناهج والمفاهيم وطرق البحث التاريخي، فالمبدأ الأساسي الذي يقوم عليه التاريخ المصغر يكمن في الاعتقاد بأن الملاحظة المجهرية ستزيح النقاب عن عوامل لم تكن ملحوظة من قبل. فمن منظور مؤرخي الميكروسطوريا ما هو جماعي لم يعد يهتم به كموضوع، فالأهمية القصوى تُمنح في هذا النوع للمجموعات الصغرى مثل المجتمعات القروية أو العائلية، إذ تسلط الأضواء على المواضيع الخاصة وعلى الأفراد الذين هم في غالب الأحيان غير محتفى بهم في مقاربات الماكروتاريخ.[38] إن الميكروسطوريا تلتزم بدراسة حالة وصورة مصغرة من المجتمع[39]، إنها ممارسة تقوم أساسا على تخفيض مقياس الملاحظة، وعلى تحليل مجهري ودراسة مكثفة للمادة الوثائقية[40]، فانطلاقا من استثمارمواضيع صغيرة الحجم يمكننا حسب الميكروتاريخ استخلاص نتائج عامة ذات طبيعة ماكروانتربولوجية، كما هو الحال مثلا بالنسبة لوجود ثقافة قروية باطنية انطلاقا من منطقة فريولي المدروسة من قبل غيزنبورغ في كتابه الدود والجبن[41].
البيوغرافي ليس مرآة للشخصية التي يدرسها، لأنه لا يستطيع أن يكون كذلك، ولا يمكنه أن يزعم امتلاك مفاتيح الشخصية التي يقوم بتقصي سيرتها، وإنما هو يعكس الشخصية من خلال روعة العمل البيوغرافي الذي يقدمه، فمهمته تتطلب إبراز وملامسة الخصائص والمميزات الفردانية، إذ لكل فرد صرخة خاصة سماها جيل دولوز “الصرخة البيوغرافية”، وكتابة السيرة هي بحث عن تلك الصرخة: أي تفريد الفردانية، والبحث في أدق الاختلافات الدالة، وقد عَرَّفَ ادوارد غروندي هذا المنظور بأنه الاهتمام الذي نوليه للعادي الاستثنائي، وذلك عكس البيوغرافيا النموذج التي تبحث عن المشترك العام.
يشدد التاريخ المجهري على حياة الأفراد، يتناول بالتحديد الأحداث الفردية، ويتجنب السقوط في فخ التعميم الواسع. إنه بحث في ما أغفله التاريخ الكمي، ونتيجة لذلك تعرض هذا النوع الجديد من التوجه في الكتابات التاريخية إلى مجادلات متنوعة، وإلى حملات تشكيك داخل مدرسة التاريخ الاجتماعي بايطاليا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لكن هذا النوع استمر في الازدهار، فقد تزايدت الدراسات والأبحاث في هذا المنحى، وامتدت إلى العديد من الدول الأخرى كفرنسا واسبانيا وأمريكا وألمانيا وهولندا وغيرها، فبالرغم من هذه الهجومات الحادة، إلا أن التاريخ المجهري وجد حيزا مقبولا داخل ما يسمى بالتاريخ الجديد في فرنسا، فقد أثنى عليه المؤرخ جاك لوغوف بقوله:”تبدو ايطاليا، بمعية بريطانيا منفتحة بصورة خاصة على التاريخ الجديد، ويشهد على ذلك نشاط العديد من ناشريهما، وسأذكر عرضيا ولو أن الأمثلة عديدة المركز الأولي الذي تحتله في مجال الإثنو- تاريخ الأمريكية ناتالي زيمون دافيس، والايطالي كارلو غينزبورغ، والمدرسة التاريخية البولونية اللامعة التي أنجبت واحدا من ألمع المؤرخين المجددين لتاريخ الهامشيين وهو برونيسلاف غيريميك”[42]. في حين اعتبر آخرون ومنهم جاك روفيل وبول ريكور أن خيار المقياس التاريخي الجزئي هو اختيار معاكس ضمنيا لكتابة التاريخ السائدة في العصر الذهبي للحوليات[43].
ومن أهم الأعمال التي تعتبر منبعا للتجديد في أعمال الميكروتاريخ الايطالي كتاب الجبن والدود: عالم طحان في القرن السادس عشر لكارلو كينزبورغ (ترجم إلى اللغة الفرنسية سنة 1980م)، وكتاب السلطة في القرية: مهنة معزم في البييمونت في القرن السادس عشر لجيوفاني ليفي (ترجم إلى الفرنسية سنة 1989م، مع تقديم لـجاك روفيل[44]. لقد ساهم هذا المؤرخ الفرنسي المختص في التاريخ الاجتماعي والثقافي لأوربا المعاصرة والمدير السابق لمدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS)في تعريف فرنسا بهذا التيار التاريخي الإيطالي الجديد بشكل أوسع، هذا مع العلم أنه سبق ونشر مقال لكارلو غينزبورغ وكارلو بوني في مجلة حوارLe débat الفرنسية سنة 1981م بعنوان الميكروتاريخ[45]. وهو ترجمة جزئية لمقال صدر باللغة الايطالية في مجلةQuaderni storici، وهي مجلة فتية تستكشف سبلا جديدة للبحث التاريخي شأنها في ذلك شأن “الحوليات” و”التاريخ الجديد” على حد تعبير جاك لوغوف[46]، لقد استطاع الميكروتاريخ فرض نفسها كتيار رئيسي في الكتابات التاريخية الفرنسية منذ 1980م، إذ لم يستطع التاريخ الجديد الاعتراض على هذا النوع من الكتابات التي أعطت الطعم مجددا للفرد الذي كان منسيا ومهملا في كتابات المؤرخين الذين اتجهوا إلى الاهتمام بالفئات الاجتماعية.
إن لانتعاش البيوغرافيا التاريخية أمر وثيق الصلة بالمكانة التي أصبح يحتلها الميكروتاريخ اليوم[47]، فقد انتاب فريق من المؤرخين الشعور بأن الأبحاث التاريخية هضمت حق الفرد لصالح المجموعة، لذلك اتجهوا نحو دراسة الحياة الخاصة والعائلية، وأصبحت السير الفردية كما يقدمها التاريخ المجهري مواضيع مفضلة لها قراء كثيرون[48].
لقد أكدفرانسوا دوسفي كتابه الرهان البيوغرافي أن عدم الرضا الذي عبر عنه بعض المؤرخين تجاه ما حققته البيوغرافيات خاصة القريبة منها للبيوغرافيا النموذج يفسر المقاربات الجديدة التي قدمتها الميكروسطوريا[49]، فعوض الانطلاق من الشخص النموذج والمثالي من طبقة اجتماعية معينة، فإن الميكروسطوريا تلتزم بدراسة حالة مصغرة من المجتمع [50]. ويذهب غوتنبرغ وبوني إلى حد اعتبار الفرد هو الموضوع الأساسي في البحث التاريخي من خلال إعادة تأسيس علاقاته ومسارات حياته في تعقيداتها الكبرى[51].
ومن أهم ما يميز التاريخ المجهري، بالإضافة إلى تخفيض المقياس، مساهمته في إحياء السرد، فالتساؤلات بشأن الرواية التاريخية والتي طرحها ميشيل دو سيرتو وبول ريكور وبول فاين ولورانس ستونوجدت آذانا صاغية في التاريخ المصغر، فوجهة نظر الباحث في هذا النوع من التاريخ تعتبر جزءا من الرواية اعتمادا على الدور الذي أمكن للسرد أن يلعبه في الكتابة.
ورغم أن البحث في التاريخ المجهري يضرب بجذوره عميقا داخل دائرة البحث التاريخي عامة، فإن كثيرا من خصائصه تشي بالعلاقات الحميمة التي تربط بين التاريخ والانتربولوجيا، لاسيما ذلك “الوصف المكثف” الذي يرى كليفورد جيرتزClifford Gertz أنه المنظور الصحيح للبحث الانتربولوجي من حيث أنه يسجل سلسلة من الأحداث أو الحقائق المهمة متناهية الصغر[52]. إن الانتربولوجيا والتاريخ المصغر يمتلكان كثيرا من العناصر المشتركة، فكلاهما يركز على النطاق الجزئي المكثف، لذلك شبه البان بينساAlban Bensaالميكروتاريخ بالسوسيولوجيا التفاعلية وبانتربولوجيا التغيير الإجتماعي[53].
تاريخ الحياة اليومية
برز نوع آخر من التاريخ المجهري في ألمانيا وسمي (Alltagsgeschichte)، والكلمة تعني في اللغة الألمانية “الحياة اليومية”، ويمكن بالتالي أن تترجم اللفظة بالمعنى التقريبي “بتاريخ الحياة اليومية” أو”التاريخ اليومي”، يمكن اعتبار تاريخ الحياة اليومية الألماني مجالا لإنتاج التاريخ المحلي، أي نوع من “التاريخ المرئي من أسفل” (Vue d’en bas)، إنها عملية خوصصة التاريخ الكبير من الأسفل، فالغرض من التاريخ اليومي هو تناول الخبرات الأساسية للناس العاديين في المجتمع، وبالتالي تصبح Alltagsgeschichte شكلا من أشكال التاريخ المجهري مشابها للمذهب التاريخي الإيطالي Microstoria، نشأ في ألمانيا، وجعل من أهم انشغالاته تاريخ الحياة اليومية وتجارب الناسالبسطاء.
إنتاريخ الحياة اليومية هو شكل من أشكال “التاريخ المجهري”، ويمكن اعتباره الصيغة الألمانية للميكروتاريخ الايطالي، فهو تيار مشابه له في خطوطه واتجاهاته، ساد منذ الثمانينيات في أوساط المؤرخين الألمان، وقد تأسس هذا التيار على يد هانس ميديك Hans Medick،المؤرخ وأستاذ الانتربولوجيا التاريخية، وعضو معهد ماكس بلانك للتاريخ بجامعة غوتنغن Göttingen، وصاحب الكتاب الشهير النسج والبقاء على قيد الحياة بلايشينجن[54]. واولف لوطك Alf Luedtkeأستاذ التاريخ المعاصر بجامعة هانوفر، والباحث في معهد ماكس بلانك أيضا.
تأسست أول ورشة لتاريخ الحياة اليوميةفي سنة 1981م في برلين. حيث بدأ يترعرع تيار جديد في الكتابة التاريخية قريب جدا في مناهجه وأسسه من الميكروتاريخ هو التاريخ اليومي، وقد سجل ضمن تيار عالمي تطور في اسكندنافيا وانجلترا مع ورشة عمل التاريخ[55]، وبعد الثمانينيات تزايدت أعمال هذه الورشات التاريخية من طرف فرق عمل تعددت وتكاثرت خلال سنوات التسعينيات، واستقطبت في مسارها العديد من المؤرخين وعلماء الاجتماع والأنتربولوجيين الجامعيين،وقد غدت تيارا استمر في التطور، وطالب رواده بضرورة إنشاء جامعات ومراكز أبحاث خاصة به.
تسجل هذه التجربة في البحث ازدهار حركات جديدة في فترة تميزت بتعدد المفاهيم[56]. إنها مقاربة جديدة لعبارة “التاريخ من أسفل”، يتمثل الأمر في تاريخ الحياة اليومية عند الالمان،والعبارة نفسها ليست جديدة، إذ أن الحياة اليوميةla vie quotidienne كانت عنوانا لسلسلة بدأها الناشر الفرنسي هاشيت Hachette في ثلاثينيات القرن العشرين، لكن الجديد يتمثل في الأهمية التي أضيفت على الحياة اليومية في الكتابة التاريخية المعاصرة[57]. فالتاريخ التقليدي هو رؤية من فوق، بمعنى أنه يركز على الأعمال العظيمة للرجال الكبار والقادة العسكريين وآباء الكنيسة، ولم يكن هناك أي اهتمام بباقي فئات المجتمع، في حين اهتم المؤرخون الجدد بالتاريخ من أسفل، أي برأي الناس العاديين وتجربتهم. إن الأمر يتعلق بتناول قصة عن أفراد في وضعهم المحلي بعيدا عن مواضيع صعود الأمم والدول الكبرى[58]، يسلط هذا النوع من الكتابة الضوء على الأحداث والوقائع الصغيرة، ويعطي الأولوية للثقافة وللشخصيات باعتبارها كائنات اجتماعية نشيطة، فإذا كانت الحياة اليومية استبعدت في الماضي باعتبارها تفاهات لامعنى لها، فإن مؤرخي اليوم -على العكس تماما- يرون فيها التاريخ الحقيقي.
تعددت الأعمال والأبحاث التي كتبت في هذه الفترة من طرف الأوراش المحلية المهتمة بتاريخ الحياة اليومية، وأغلبها اهتم بفترة النازية، إنه مشروع يستجيب لطموحات المواطنين الألمان الذين أصبحوا يعملون بأنفسهم لأجل أنفسهم من أجل كتابة قصة، القصة غالبا ما تكون مؤلمة ومتفردة، وهي قصة كتابة تاريخ النازية. ويبدو أن الأمر يتعلق بالتعاطف مع الماضي، والرغبة في الفهم من أجل مواجهة المستقبل بشكل أفضل، إن هذا الاهتمام تمليه أيضا ضرورات تعليمية وبيداغوجية[59].
إن الرغبة في الفهم والمعرفة هي التي دفعت العديد من المؤرخين إلى فتح ملفات النازية من خلال نقد فردي وليس جماعي لها، إن تاريخ الحياة اليومية ككتابة تسعى إلى ملء الفراغ ظرفيا ومحليا ويوميا، وهي بذلك تجد نفسها في خضم تجاذبات سياسية حقيقية. إن مهمة المؤرخ أمام الأحداث الصادمة كالمحرقة ومعسكرات الاعتقال التي تقع على الحدود القصوى تفرض عليه تنويع الشهود والتمييز بين الشهادات بحسب أصلها (نازيون سابقون، مقترفو الذنب، ناجون من اليهود..) إن شهادات الناجين من الضحايا هي غير شهادات المتورطين كثيرا أو قليلا من المنفذين[60].
تعرض تاريخ الحياة اليومية لانتقادات قوية من مؤرخين جامعيين باعتباره تيارا مشوشا، مما حتم على مريدي وزعماء هذا التيار الجديد شرحا أكثر دقة لتوجهاتهم الفكرية والمنهجية، فصدرت مقالات وكتابات توضيحية من طرف مؤرخين متمرسين ذوي خبرة ومنخرطين في أوراش التاريخ. ومن أهمهم هانس ميديك ووالف لودك اللذين دخلا في مواجهات أواسط الثمانينات مع كثير من المؤرخين الرافضين والمهيمنين على الجامعة وبنيات البحث التاريخي بالجامعات الألمانية[61]. إن تاريخ الحياة اليومية إذن هو أحد ردود الأفعال القوية التي استجابت للنقاشات تجاه أزمة الشك والريبة التي عرفها معنى التاريخ في مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، فقد أعادت الحيوية و النشاط إلى البحث التاريخي.
وهكذا فنتيجة لتركيزه على الأفراد من الفئات الدنيا، أدار تاريخ الحياة اليومية الظهر للخطابات التاريخية التي كانت تركز على الشخصيات العظيمة والرجال الكبار، وأيضا للمقاربات التي كانت تهتم بالمؤسسات (الدولة، الكنيسة..) وبالبنيات الكبرى مثل التصنيع والعصرنة الدمقرطة.[62] إنه تصادم مع التاريخ الاجتماعي الذي كان يهيمن في ألمانيا، ومن ثم يمكن تفسير الهجومات العنيفة التي تعرض لها هذا النوع الجديد والغير المرغوب فيه من الكتابة التاريخية، باعتبار أنه يستهدف تحطيم قلعة التاريخ الاجتماعي.
نعيش الآن زمن عودة البيوغرافيا، وعودة الحدث، وعودة السرد، هذه الأنماط الثلاثة أثبتت شرعيتها من جديد، ووجدت مكانتها في الكتابات التاريخية حاليا، لا شيء يمنع اليوم المؤرخين والأكاديميين الجامعيين من أن يتناولوا التاريخ من خلال الحدث أو من خلال تجربة الفاعلين الاجتماعيين. لقد انتهت حقبة الطابوهات والمحرمات التي فرضتها في السابق أجيال “مدرسة الحوليات”. وفي ظل التحولات الجديدة، يفضل علماء الاجتماع والأنثربولوجيون بدورهم مواضيع اليومي المعيش، ويركزون اهتمامهم بشكل خاص على التجارب كما واجهها الفاعلون الذي عايشوا الحدث، وذلك من خلال إعادة تركيب تجربة الفاعلين الاجتماعيين وتوضيح دور الأفراد وحقيقة الفعل مع الأخذ بعين الاعتبار السياقات والسلاسل ذات الصلة.
وهكذا فالبيوغرافيا التي تزدهر اليوم بعدة عدة سنوات من الكسوف ليست عودة جديدة للسرد الخطي، وإنما هي عودة لأشكال جديدة ومختلفة من السير، وهذا ما جعل بعض المؤرخين يجهرون اليوم وبصوت عال”عاشت البيوغرافيا”[63]، مؤكدين إعجابهم بالموضوعات البيوغرافية التجديدية. لقد حدث إقلاع بيوغرافي حسب تعبير دانيييل مادلينا، وهو إقلاع يندرج في سياق حركة اسطوغرافية عامة أعادت التساؤل حول دور الفاعل التاريخي الفردي الذي طالما حجبته الهياكل والأجهزة والمؤسسات.
———————————————————————————
[1]كتابة البيوغرافيا “ورطة”، لأنها تتضمن أخطارا متعددة، فبالإضافة إلى التوتر الذي يظل على أشده بين الرغبة في قول الحقيقة وبين الرواية التي تمر عبر الخيال، هناك الخوف من السقوط في المحظور:”الأفراد صانعو التاريخ”، وأيضا تُطرح”مشكلة الذاتية والموضوعية”.[2]Marc Ferro « La biographie cette handicapée de l’histoire ».Le Magazine littéraire, avr. 1979.
[3]Pierre Bourdieu «L’illusion biographique »Actes de la recherche en sciences sociales.vol. 62-63, juin 1986. p. 69
[4] المختار الهراس”منهج السيرة في السوسيولوجيا”ضمن .إشكاليات المنهاج في الفكر العربي والعلوم الإنسانية، دار توبقال للنشر، الطبعة الثانية 2001، ص84.[5]Christian Delacroix. «Entre doutes et renouvellement –les années 1980-2000» in Ch. Delacroix. F. Dosse .P. Garcia. «Les courants historiques en France XIX-XX».coll. follo histoire. Gallimard.2009,p. 496.
[6] خاليد فؤاد طحطح.تحولات الكتابات التاريخية. منشورات دار توبقال. 2012م ص[7]Oscar Lewis, Les enfants de Sanchez, autobiographie d’une famille mexicaine, Paris, Gallimard, 1963.
[8]المختار الهراس”منهج السيرة في السوسيولوجيا”م.س.ص84. [9] لويس أوسكار “ثقافة الفقر“ ضمن كتاب. من الحداثة الى العولمة.رؤى ووجهات نظر في قضية التطور الإجتماعي، تأليف ج تيمونز روبيرتس،ايمي هايت، ترجمة سمير الشيشكلي، مراجعة محمود ماجد عمر، كتاب عالم المعرفة، العدد309، نونبر 2004م، ص168/170. [10] بول ريكور.بعد طول تأمل. تقديم عمر مهيبل، ترجمة فؤاد مليت. منشورات الدار العربية للعلوم ناشرون، الاختلاف، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2006م، ص53. ويعتبر هذا الكتاب سيرة ذاتية فكرية للمؤلف، ركز فيه على ما طرأ من تغييرات على أعماله الفلسفية. [11] بخصوص أزمة العلوم الإنسانية يراجع: فرانسوا دوس “من البنية الى الذات: أنسنة العلوم الإنسانية” ترجمة المنتصر الحملي، مجلة الرافد،العدد 168،غشت 2011م. [12]عبد الرزاق الدواي.موت الإنسان: هايدغر، ليفي ستراوس، ميشيل فوكو. دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة1، 1992م، ص129. [13] جاك لوغوف. التاريخ الجديد.من تقديم الطبعة الأولى، ترجمة وتقديم محمد الطاهر المنصوري.مراجعة عبد الحميد هنية.المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى 2007، ص59. [14]جيم شارب”التاريخ من أسفل” مقال ضمن كتاب نظرات جديدة على الكتابة التاريخية2، إشراف بيتر بوركي، ترجمة وتقديم قاسم عبده قاسم، سلسلة العلوم الاجتماعية للباحثين، عدد 1591، الطبعة الأولى، 2010، القاهرة، المركز القومي للترجمة، م.س، ص53. [15]اندري بورغيي”الانتربولوجيا التاريخية”، ترجمة محمد حبيدة، من أجل تاريخ إشكالي، ترجمات مختارة،جامعة ابن طفيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية القنيطرة، الطبعة الأولى،2004.ص30. [16]جاك لوغوف “التاريخ الجديد” م.س. ص 59.[17] Christian Delacroix. «Entre doutes et renouvellement –les années. 1980-2000»op.cit,p. 497.
[18]Ibid. p. 495-497.
[19]جيم شارب.التاريخ من أسفل .م.س. ص 68. راجع للمزيد: Vintage, 1976.Eugene Dominic Genovese, The World the Slaves Made [20]بيتر بورك “فاتحة التاريخ الجديد:ماضيه مستقبله” ضمن نظرات جديدة على الكتابة التاريخية. م.س. ص34. [21]نفسه ص34. [22] غي بوردي “مدرسة الحوليات الفرنسية” مقال منشور في كتاب بعنوان المدارس التاريخية نشر لوسوي باريس 6 1983 .ترجمه العروسي الميزوري، المجلة التاريخية المغاربية، العدد 95-96م.س ص626. [23]بيتر بوركي “فاتحة التاريخ الجديد :ماضيه مستقبله”ضمن م.س..ص53 ص59[24]Nathan Wachtel, .La Vision des vaincus.Les Indiens du Pérou devant laconquete espagnole(1530-1570) 1971.
[25]غي بوردي “مدرسة الحوليات الفرنسية” مقال سابق .ص626. [26]جيم شارب”التاريخ من أسفل” م.س ص61. [27]نفسه ص66. [28]نفسه ص 63/67. [29]جاك لوغوف “التاريخ الجديد”من تقديم الطبعة الأولى 1978. ص73. [30] فرانسوا دوس.التاريخ المفتت من الحوليات إلى التاريخ الجديد. ترجمة د محمد الطاهر المنصوري، مراجعة جوزيف شريم، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، يناير 2009م.س، ص259. [31] الهادي التيمومي .نظريات المعرفة التاريخية وفلسفات التاريخ في العالم الغربي في النصف الثاني من القرن 20م. مختارات معربة – إشراف وتنسيق الهادي التيمومي- المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون – بيت الحكمة 2008.ص36/37.[32]Jaques Revel. «Microstoria».Historiographies. I. Concepts et débats. Sous la direction de C.Delacroix ,F.Dosse,Paris, Gallimard , folio histoire, 2010.p529-530.
[33]اقترح أحمد جوماني في ختام القراءة التي قدمها لكتاب عبد الأحد السبتي بين الزطاط وقاطع الطريق إغناؤه بالبحث الميكروتاريخي، بغرض فهم المسببات والصيغ الدقيقة التي تدفع الأفراد إلى الحماية، وإلى الذبيحة، من حيث تلقيها أو القيام بها. راجع: أحمد جوماني.”فوكو ضد فوكو”،ضمن رهانات التاريخ الاجتماعي قراءات في كتاب بين الزطاط وقاطع الطريق لعبد الأحد السبتي، إعداد أحمد بوحسن. جامعة محمد الخامس، أكدال، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة كراسات الكلية، رقم 2.ص84.[34]Christian Delacroix. «Échelle». Historiographies.II. Concepts et débats, op.cit.p725.
[35] بول ريكور .الذاكرة التاريخ النسيان. ترجمة وتقديم وتعليق دجورج زيناتي.دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى، 2009. ص317 من الهامش. [36]محمد حبيدة.”ابستمولوجيا المعرفة التاريخية“. قراءة في كتاب بول ريكور الذاكرة، التاريخ،النسيان، مجلة رباط الكتب، العدد11. 2012م.[37]Jacques Revel. «Microstoria».Historiographies.I. Concepts et débats, op.cit. p530-531.
[38] Christian Delacroix. «Entre doutes et renouvellement –les années 1980-2000» in.Ch. Delacroix. F. Dosse .P. Garcia. «Les courants historiques en France XIX-XX».op.cit, p. 496.
[39] François Dosse. Le pari biographique. Écrire une vie, Paris, La découverte. 2005, p. .279
[40]جيوفاني ليفي”عن التاريخ المصغر” مقال سابق. ص141.[41]Christian Delacroix . «Échelle». Historiographies.II.Concepts et débats.op.cit.p. 727.
[42]جاك لوغوف “التاريخ الجديد” .م.س. ص113. [43] بول ريكور .الذاكرة،التاريخ، النسيان. ص328.[44] Jacques Revel,L’histoire au ras du sol, Introduction à Giovani Levi, le pouvoir au village , Paris, Gallimard, 1989, pp. I-XXXIII.
[45]Carlo Ginzburg et Carlo Poni. « La micro-histoire».Le débat. n° 17, déc. 1981. pp. 133-136.
هذا العنوان من تصدير المؤرخ جاك ريفيل لترجمة كتاب جيوفاني ليفي عن السلطة في القرية إلى اللغة الفرنسية، وهو عنوان يعبر بوضوح عن التطور الذي شهدته أبحاث التاريخفي الاسطوغرافيات الأجنبية، مع التاريخ من أسفل في انكلترا، والميكروتاريخ (التاريخ المجهري) في إيطاليا، والتاريخ اليومي بألمانيا. وقد تزامن مع الشعبية التي بدأ يحضى بها النوع البيوغرافي تزايد الإهتمام المتزايد بالفرد من عامة الناس وبالمهمش في الأبحاث والدراسات التاريخية والانتربولوجية الجديدة، فقد تمت إعادة الفرد إلى مركز التساؤل في العلوم الإنسانية.
[46]جاك لوغوف. التاريخ الجديد، من تقديم الطبعة الأولى 1978.م.س. ص73/74. [47] فتحي ليسير.خليفة بن عسكر: بيوغرافيا قائد غامض. مركز سرسينا للبحوث حول الجزر المتوسطية، الطبعة الأولى 2001م، صفاقس، ص37. وهي في الأصل أطروحة دكتوراه نوقشت بتونس. [48]الهادي التيمومي .نظريات المعرفة التاريخية وفلسفات التاريخ في العالم الغربي في النصف الثاني من القرن 20م) م.س.ص43.[49]François Dosse. Le Pari biographique. Écrire une vie, op.cit, p.279
[50]ibid, p. 279.
[51]Jaques Revel. «Microstoria».Historiographies.I. Concepts et débats, op.cit., p. 531.
[52]جيوفاني ليفي .عن التاريخ المصغر. م.س.ص145.[53]Alban Bensa «Anthropologie et histoire».Historiographies. I. Concepts et débats, op.cit., p. 49.
[54]Hans Medick.weben und überleben in Laichingen 1650-1900 Lokalgeschichte als Allgemeine Geschichte.Verlag: vandenhoeck& ruprecht Jahr, 1997.
[55]Sandrine Kott «Alltagsgeschichte» Historiographies.1.concepts et débats, op. cit., p. 25.
[56]Ibid.
[57]بيتر بورك. فاتحة التاريخ الجديد: ماضيه و مستقبله. م.س.ص32. [58]بيتر بوركي .تاريخ الحوادث وإحياء السرد. ضمن نظرات جديدة على الكتابة التاريخية 2 .م.س.ص388.[59]Sandrine Kott. «Alltagsgeschichte». Historiographies.1. Concepts et débats, op.cit. p 25-26.
[60] حصلت في ألمانيا مشاداة كبرى عرفت باسم مشاجرة المؤرخين Historikerstreit، فقد نشأ خلاف فيها بين سنة 1986م و1988م بين مؤرخين متخصصين بالعهد النازي وفلاسفة على قدر كبير من الأهمية أبرزهم هابرماز حول قضايا من قبيل فرادة النازية كحدث غير قابل للمقارنة بغيره، ومدى صحة مقارنتها بالستالينية أو بالأنظمة الشمولية التوتاليتارية التي قالت به منة آرندت، وقد تناول الجدل في النهاية السؤال حول استمرارية الأمة الألمانية من خلال الكارثة ومن بعدها. وقد نشرت ترجمة لهذه المشاجرات إلى اللغة الفرنسية تحت عنوان “أمام التاريخ: وثائق المشاجرة حول فرادة إبادة اليهود من قبل النظام النازي” أنظر للمزيد: بول ريكور .الذاكرة، التاريخ،النسيان. م.س. من ص 384 إلى 394.[61]Sandrine Kott. «Alltagsgeschichte». Historiographies.1.Concepts et débats. Op.cit. P26.
[62]Ibid. p . 27.
[63]Jean-Noël Jeanneney, «Vive la biographie! », L’Histoire, n°13, juin 1979.