محمد المنصور، المغرب قبل الاستعمار. الدولة و المجتمع و الدين، 1792-1822، تعريب محمد حبيدة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – بيروت، 2006.
صدر عن المركز الثقافي العربي دراسة تحت عنوان المغرب قبل الاستعمار. الدولة والمجتمع والدين للمؤرخ المغربي محمد المنصور، المنشورة أصلاً في إنجلترا، والتي نقلها إلى العربية محمد حبيدة. وقد جاءت هذه الترجمة لتمكن جمهورا عريضا من العاملين في حقل التاريخ والمهتمين بالعلوم الاجتماعية والسياسية عموماً من الإطلاع على تطورات مرحلة ما قبل التدخل الاستعماري بالبلاد وملابساتهـا السياسية والاجتماعية والدينية.
وتظهر أهمية الموضوع من زوايا متعددة. فهو يعالج نظام الحكم في تاريخ المغرب على مستوى العناصر المتحكمة في سياسة المخزن، كالإكراهات القبلية والجبائية والدينية، والتي نلاحظها على مدى حقبة عريضة من التاريخ المغربي، وكذلك على مستوى السلطة نفسها في شخص السلطان سليمـــان (1792-1822)، الذي تتمحور حوله هذه الدراسة، أي شخصيته وأسلوبه في الحكم وخصائص عصره. و الكتاب هو مساهمة لفهم تاريخ نظام الحكم من حيث ثوابته ومتغيراته. فالدراسة تَحْبُلُ بملابسات الأحداث وتفاصيلها المشحونة بالدلالات والرموز والإشارات التي لا تخفى عن المتتبع النبيه للبنية السياسية قبل الحماية وبعدها. وتكمن هذه الملابسات في العلائق المعقدة بين المخزن من جهة، والفقهاء والشرفاء والزوايا وأعيان المدن ووجهاء القبائل من جهة ثانية، والتي نسجت نسقا اجتماعيا ذا خصوصيات ملحوظة في العالم العربي الإسلامي. وما يتضح من تجربة الدولة المغربية على المدى المتوسط، أي على مدى مرحلة تغطي النصف الثاني من القرن الثامن عشر والثلث الأول من القرن التاسع عشر تقريباً، هو وجود دينامية تاريخية تتجاوز شخصية السلاطين وسياساتهم الظرفية، وهي دينامية قوامها المزيد من مركزة الدولة والمزيد من الاعتماد على التجارة الأوروبية. والواقع أن هذين المظهرين لا ينفصلان، لأن التجارة الأوروبية هي التي سمحت للدولة بالمزيد من المركزة، إذ عززت القدرات المالية للمخزن وسمحت له باستقلالية أكبر تجاه القبائل ومكونات المجتمع المحافظة.
وهذا التطور نحو دولة أكثر مركزة وأكثر اعتماداً على التجارة الخارجية صاحبه بالطبع نمو فئة من التجار سيجد فيها المخزن حليفاً استراتيجياً لا يمكن الاستغناء عنه للإفلات من هيمنة القوى المحافظة من شرفاء وزوايا وأعيان تقليديين، أي كل الذين ارتبطت امتيازاتهم بـِ”الحسب والنسب”. والسلطان سليمان لم يخرج عن هذه القاعدة، وإن كان قد احتاج إلى بعض الوقت ليدرك أن فك عزلته الداخلية يتوقف بالضرورة على مد الجسور مع العالم الخارجي والاعتماد على فئة التجار، مهما كان حجم هذه الفئة متواضعاً عند بداية القرن التاسع عشر.