محمد الصالحي، الثقافة والكتابة في روايات كاتبين من البيرو: خوصي ماريا أرغيداس ومانويل سكورثا، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الأدب الإسباني، إشراف: عبد المنعم بونو، كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس -ظهر المهراز،2007 .
ما زال خوصي ماريا أرغيداس ومانويل سكورثا1، سيما بعد إختفائهما التراجيدي2، محط نقاش وجدال في الأوساط الأدبية والنقدية ليس فقط على مستوى القارة الأمريكية اللاتينية بل حتى على المستوى العالمي وخصوصا بالنسبة للأوساط المهتمة بالعالم الناطق بالاسبانية. التجربة السياسية والمهنية لكلا الكاتبين وكذا التناقضات التي عاشاها وكذلك اهتمامهما بمجالات متنوعة، كل ذلك جعل من الصعب النفوذ بسهولة إلى مؤلفاتهما الروائية وإلى كتاباتهما السياسية والأنثربولوجية.
يعتبرهذان الكاتبان من ألمع الكتاب الأمريكيين اللاتينيين الذين تناولوا موضوع الأهالي كموضوع رئيسي لمؤلفاتهم؛ ولتميز تعاملهم مع هذا الموضوع بالتجديد سواء على مستوى المضمون أو التقنيات المستعملة وقع اختيار الباحث على هذين الكاتبين.
ركزت الأطروحة من خلال تحليل هذه الروايات العشر على كل العناصر المميزة لهذين الكاتبين مع مقارنتهم بكتاب آخرين تناولوا موضوع الأهالي في كتاباتهم، وعلى عكس الكتاب الأهليين التقليديين، نلاحظ أن فضاء وشخوص أرغيداس وسكورثا لا تنحصر فقط في تقريب القارئ من الأهلي وثقافته وطقوسه وعالمه السحري، بل تمتد إلى أبعد من ذلك لتشمل الواقع البيروفي بكامله. لذلك نرى أن الكاتبين يُدرجان في أعمالهما ظواهر سوسيوثقافية وكذا تداخل وتصادم الثقافات، مع التركيز على نتائج هذا التداخل، والكامنة في ظهور شخوص خلاسية تعيش ممزقة بين الثقافة الأهلية والثقافة الاسبانية، وهذه وضعية تعيشها العديد من البلدان الأمريكية اللاتينية وخصوصاً تلك التي تنحدر غالبية ساكنتها من الأهالي. وكل هذه المواضيع يتناولها الكاتبان في ارتباطها بموضوع الهوية الثقافية.
ما يميز كذلك هذان الكاتبان هو اهتمامهما العميق باللغة الأهلية (الكيتشوا) والفولكلور والتقاليد والأساطير والطقوس الأهلية. كل روايات هذين الكاتبين تتخللها كلمات وعبارات وأشعار وأغاني وأساطير أهلية دون أن يحدث ذلك قطيعة في النص أو يعقد قراءته.
جاءت الأطروحة مقسمة إلى ثلاثة أقسام. تم التركيز في القسم الأول على الجانب التيمي مع إبراز ثلاثة جوانب: الجدال والنقاش الدائر حول وجود أو عدم وجود الرواية الأهلية مع التركيز على الخلاصة التي وصل إليها الباحث والكامنة قي عدم تصنيف هذين الكاتبين ضمن الكتاب الأهليين؛ المواضيع المتعلقة بالأهالي والطريقة والتقنيات الجديدة التي استعملها الكاتبان؛ التاريخ وعنف التاريخ والواقع السحري في روايات المؤلفين.
تناول القسم الثاني بالتحليل التداخل الثقافي والعناصر والقيم الثقافية للكيتشوا وأشكال ظهورها في روايات الكاتبين. يرجع اهتمام الكاتبين بهذه العناصر إلى معرفتهما العميقة لعالم الأهالي: فأرغيداس من أصل هندي ويتكلم الكيتشوا، أما سكورثا فعاش مدة طويلة مع أهالي الأنديس بالبيرو.
تم تخصيص القسم الثالث للتنيات الروائية: اللغة والتقنيات الجديدة التي استعملها الكاتبان مع إبراز عناصر التجديد في تناول الفضاء والزمن والشخوص.
1- – يتعلق الأمر بعشر روايات: وهي حفل الدم، والوديان العميقة، وكل الدماء مختلطة، وسجن “السيكسطو”، والثعلب العلوي والثعلب السفلي لخوصي ماريا أرغيداس. وقرع الطبول للرانكاس، وغارابونبو الخفي، والفارس الذي لا ينام، ونشيد أغابيطو روبليس، ولحد البرق لمانويل سكورثا.
2- الأول انتحر في المدرج بعد الانتهاء من إعطاء درسه بجامعة سان ماركوس سنة 1969، والثاني مات في الحادثة المؤلمة للطائرة التي تحطمت بمطار باراخاس بمدريد سنة 1983 رفقة مجموعة من المثقفين الأمريكيين اللاتينيين.