الخميس , 14 نوفمبر, 2024
إخبــارات
الرئيسية » أطروحات » الجماعات اليهودية المغربية والخيار الصعب بين نداء الصهيونية ورهان المغرب المستقل: 1947-1961

الجماعات اليهودية المغربية والخيار الصعب بين نداء الصهيونية ورهان المغرب المستقل: 1947-1961

محمد حاتمي، الجماعات اليهودية المغربية والخيار الصعب بين نداء الصهيونية ورهان المغرب المستقل: 1947-1961، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في التاريخ، إشراف جامع بيضا، كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس -سايس، 2007.

يهدف البحث إلى رصد أهم التطورات التي شهدتها الجماعات اليهودية خلال الفترة الممتدة ما بين 1948 (تأسيس الدولة العبرية) و1961 (مباشرة الملك الحسن الثاني الحكم وفق منطق براغماتي سعى إلى توسيع قاعدة النظام واستبدال النخب القديمة بأخرى أكثر ولاء). وتتميز هذه الفترة أساسا بغلبة مظاهر التوتر والتردد على مواقف ومبادرات وردود فعل النخب اليهودية إزاء قضايا حيوية كانت لمثيلتها المسلمة حيالها مواقف خاصة، وبانخراط عموم اليهود المغاربة في منطق تقليص الوجود الجماعي اليهودي في بلاد المغرب لصالح إنجاح المشروع الصهيوني في فلسطين.

فتتبع أهم حلقات مسلسل الانفصام بين الجماعات اليهودية وأرض استقروا بها منذ “ألفي سنة” موضوع يستحق الاهتمام لأنه يمكن من الوقوف على جوانب مهمة من تاريخ الجماعات اليهودية المغربية (تصورات النخب اليهودية لما يجب أن يكون عليه الوضع القانوني لبني ملتهم داخل الدولة المغربية، وآليات الاستقطاب والتأطير التي اعتمدتها التنظيمات الصهيونية بغرض ترحيل أكبر عدد ممكن من اليهود صوب إسرائيل، والمواقف من مجموعة من القضايا اعتبرتها النخب المسلمة مبدئية، والموقف من أزمة 1953 وما أعقبها من أحداث درامية، ومبادرات التعامل إيجابيا مع واقع الاستقلال…).

ينقسم البحث إلى بابين، يحوي الأول تسعة فصول والثاني ثمانية (وهو تقسيم لا يخلو من اعتباطية). ففي الباب الأول تم التفصيل في التطورات الكبرى التي طرأت على الجماعات اليهودية في الفترة الممتدة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية إلى حدود اندلاع أزمة العرش عقب نفي السلطان محمد بن يوسف. وتميزت الفترة باحتدام الصراع بين القوى الوطنية والقصر السلطاني من جهة وإدارة الحماية في جهة ثانية. وخلالها بلور الطرف الأول خطابا متميزا جعل نصب أعينه تحقيق وحدة وطنية مؤسسة على قواعد عصرية تأخذ بعين الاعتبار المقومات الشخصية والقيم الثابتة “التقليدية” للأمة المغربية، ومن ثمة سعى إلى إدماج المكون اليهودي في منظومته الفكرية وربط بعض الجسور مع من اعتبرهم ممثلين حقيقيين للجماعات اليهودية. وفي المقابل اجتهدت الإدارة الاستعمارية في المناورة للحفاظ على الوضع الراهن قصد تمكين القوى الموالية لها من القسط الأوفر من السلطة. والظاهر أن عموم اليهود لم يدركوا كنه وحجم التحديات الراهنة، فحتى تأسيس الدولة العبرية وفق مخططات صهيونية حديثة لم يستأثر باهتمامهم بشكل متميز، كما أن مساعي التنظيمات الصهيونية لم تنل كثيرا من تعلقهم بملاحاتهم وبساطة أنماط عيشهم ومعتقداتهم وعلاقاتهم التقليدية بمحيطهم المباشر. ومن جهتها سعت النخب اليهودية إلى الاستفادة من الوضع، فضغطت بثقلها معززة بسند التنظيمات اليهودية الوازنة دوليا من أجل الحصول على امتيازات اعتبرتها مبررة ومستحقة. وسعيها هذا جعلها تلتزم موقفا سلبيا تجاه نداءات القوى الوطنية المسلمة، وطورت بالتالي رؤى خاصة لما يجب أن يكون عليه وضع اليهود داخل الدولة المغربية، وهي رؤى لا تخلو من مصداقية، إلا أنها افتقدت للواقعية لعدم اعتبارها للمعطيات الاجتماعية والسياسية ولسعيها إلى الحصول على امتيازات حصرية.

وفي الباب الثاني، تم عرض مواقف الفاعلين المباشرين في تدبير الأزمة السياسية والاجتماعية التي انتهت بحصول البلاد على استقلالها، ومباشرة “المسلمين” لتسيير الشأن العام وفق فلسفة في الحكم طمحت إلى تجاوز عقد الماضي والتأسيس لمجتمع مندمج. وتمخض عن التوتر العام الذي ساد البلاد تشكيك أغلب سكان الملاحات في قدرات الدولة المغربية على تخصيص مواطنيها اليهود بعناية مستمرة، ولم يتمكن الوطنيون وذوو النيات الحسنة من التصدي لهذا الشعور الذي أخذ في نهاية عقد الخمسينات أشكال تمرد حقيقي. وفي المقابل، جندت التنظيمات الصهيونية طاقاتها لترحيل جماعات بأكملها ونجحت في إفراغ العديد من الملاحات. وما من شك أن القوى “المعادية” استفادت من الآثار السلبية لسلسلة من القرارات الإدارية التي كان الغرض من اعتمادها هو طمأنة الجماعات اليهودية.

ويحظى موضوع الهجرة الجماعية المنظمة والسرية بحيز مهم في البحث ؛ فقد شكل مسلسل إفراغ أرض المغرب من يهودها خلال عقدين من الزمان (1947-1967) أهم ظاهرة تعرضت لها الجماعات اليهودية المغربية. فعمليات الاستقطاب الصهيوني اكتسحت جل المناطق ومست جميع الشرائح وقضت في وقت قصير على الوجود اليهودي المكثف في المغرب. ولفهم حلقات المسلسل، لا بد للباحث من التجرد من العديد من الأفكار المسبقة التي ترى في الأمر مؤامرة عالمية تحركها نوايا شيطانية وتمولها قوى جشعة وتنفذها أيادي خفية وشريرة. فالتحاليل التي تعتمد هذا النوع من الأسانيد غالبا ما تقع في فخ الاجترار والتنديد وبسط الأفكار المستهلكة.

وقد مكننا التحليل المنهجي لمسلسل الترحيل الجماعي لليهود المغاربة من الوقوف على مجموعة من المميزات، من أهمها طول مدة الترحيل ذلك أنه على خلاف ما وقع في بلدان إسلامية أخرى كاليمن والعراق، لم تأخذ الهجرة في المغرب شكل ترحيل جماعي في نقلة واحدة. ثم إن الحكومات الإسرائيلية لم تنهج في موضوع يهود المغرب سياسات واضحة ومسطرة، فهي اعتمدت في الغالب مقاربات ارتقابية ليقينها بأنهم ليسوا عرضة لأي خطر وجودي.

وأخيرا، يتوجب التشديد على أن المحفزات الرئيسية للمهاجرين كانت روحية وعائلية ؛ فعلى عكس يهود أوروبا لم يهدف إخوتهم في الدين القادمين من بلاد المغرب خلق مجتمع اشتراكي علماني، وهو ما يفسر لحد كبير حرصهم -المبالغ فيه أحيانا – على الحفاظ على بعض مظاهر الارتباط بالمغرب وبرموزه.

- محمد حاتمي

جامعة سيدي محمد بن عبد الله/سايس-فاس

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.