الجمعة , 29 مارس, 2024
إخبــارات
الرئيسية » قـــراءات » مكونات المقامة المغربية

مكونات المقامة المغربية

– محمد السولامي، فن المقامة بالمغرب في العصر العلوي، دراسة ونصوص، منشورات عكاظ، الرباط، 1992.

kiraat_0416_02   قد نجد مؤشرات دالة على دوافع المؤلف في مقدمة هذا الكتاب، وهي تعكس أسباب اهتمامه بالأدب المغربي عموماً، وبفن المقامة خصوصاً، وهذا الدافع يحركه هاجس علمي، ورغبة ذاتية في تعميق البحث في مجال فن المقامة المغربية. كما أثار الصعوبات التي اعترضته أثناء جمع مادة بحثه، مستعرضاً الدراسات والأبحاث المغربية التي تناولت فن المقامة، ضمن دراسات عامة أو جزئية، ثم حدد خطة عمله ومنهجه، وأكد أنه سينطلق من فرضية ستكون أساس دراسته، وهي بلورة مجموعة من الأفكار الكبرى، التي تتأسس عليها دراسته. ويمكن تلخيصها في استخلاص عناصر المقامة، كما جاءت في كتابات الرواد المشارقة، وإبراز مدى تأثيرها في مقامات الغرب الإسلامي؛ وتوضيح تأثير المقامة المشرقية في مقامات الغرب الإسلامي؛ ثم تحديد نشأة المقامة المغربية وتطورها ومميزاتها.

وهذه المؤشرات تساعدنا على استيعاب دوافع هذا التأليف، الذي أراده السولامي أن يكون أكاديمياً. ونتساءل في البداية عن دلالة عنوان الكتاب، وعن القضايا والإشكالات التي تناولها المؤلف في كتابه.

يقول الجاحظ عن أهمية اختيار العنوان: “إن لاِبتداء الكتاب فتنة وعجباً“، وأنه يشبه باب الدار، فلا يمكن أن ندخل فناء الدار قبل المرور بعتباتها، وكذلك لا يمكن أن نلج عالم الكتاب قبل عنوانه، الذي يشكل عتبته، مما يجعل العنوان يقوم بدور الوشاية والبوح، ومن شأنه أن يساعد على فعل التوجيه من خلال قراءة سليمة، على اعتبار أنه مكون أساسي، ومفتاح إجرائي في التعامل مع الكتاب في بعده الدلالي، إذ يضيء عتماته، ويحيل على فضاء المقامة المغربية، وعلى اكتشاف مدلولاتها ومقاصدها التداولية، لأن وظيفته من الناحية الدلالية تتجلى فيما يلي:

– الوظيفة الأولى: تحدد هوية عمل المؤلف، الذي اهتم بدراسة “المقامة المغربية”، باعتبارها جنساً أدبيا له خصوصيته في الكتابات المغربية.

– الوظيفة الثانية: تعين مضمون الكتاب، الذي عالج فيه الكاتب نشأة فن المقامة المغربية، وتأصيلها وتطورها، وذكر كتابها.

– الوظيفة الثالثة: تبرز قيمة فن المقامة المغربية، عند ما ركز المؤلف على مسيرة المقامة من المشرق إلى المغرب، وعلى فعل كتابتها تأريخاً وتنظيراً وتطبيقاً.

وهكذا يبدو أن عنوان الكتاب كان دقيقاً، ومنسجماً مع الموضوعة المركزية التي اختارها المؤلف للدرس والبحث. فما هي، إذن، ما هي القضايا التي تناولها الكاتب في كتابه؟

نلامس بعد قراءة الكتاب، أن المؤلف قد قدم صورة متكاملة عن طبيعة فن المقامة بالمغرب، وعن مرجعيات نشأتها، ومستويات خطابها، من خلال قضايا مركزية بسطها في ثلاثة أبواب، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

أولا: “نشأة فن المقامة ومفهومها”. طرحها الكاتب في الباب الأول، واعتبرها مدخلاً أساسياً لمقاربة مرحلة التأسيس والريادة، وهذه الفكرة حين انطلق منها المؤلف كانت غايته هي توضيح كيفية تأثير المقامة النموذج على كتاب المقامة في الغرب الإسلامي. ولكي يقرب هذه الفكرة من القراء بسطها في فصلين:

– الفصل الأول: تحدث فيه عن المقامة في الشرق العربي، وعرف بها، وذكر روادها، مع تقديم نماذج تمثل ريادة أصحابها.

– الفصل الثاني: تناول فيه المقامة في الغرب الإسلامي، وأثر بصمات الهمداني عليها، ثم تأثير الحريري على كتاب المقامة، وسعيهم إلى تأصيل هذا الفن.

ويمكن أن نلاحظ في هذين الفصلين أن الكاتب قد قدم معلومات هامة، تبدو مقنعة رغم اختزالها، كما اعتمد فيهما على مصادر ومراجع مهمة، تصب في مجال التأريخ للمقامة في المشرق والمغرب. ويمكن اعتبار هذين الفصلين بمثابة مدخل لفن المقامة، لأنه فرش تاريخي ضروري يهدف إلى إلقاء الضوء على نشأة وتطور المقامة في المشرق والغرب الإسلامي.

ثانيا: “المقامة المغربية ،تصور وإبداع”. استعرضها الكاتب في الباب الثاني، بحثاً وشرحاً من خلال فصلين:

– الفصل الأول: استعرض فيه “بدايات المقامة المغربية”، مركزاً على فكرتين أساسيتين هما: اطلاع الكتاب المغاربة على المقامات المشرقية وتأثرهم بها. وعرض نماذج من المقامات المغربية، التي تمثل مرحلة البدايات.

وانطلاقاً من الفكرتين السابقتين استنتج المؤلف تأثر نشأة المقامة بالمغرب الأقصى، وقلة المقامات التي حصل عليها الكاتب، وهي المقامات الخمس التي تناولها بالدرس، والتي خضعت لمستويات فنية متقاربة.

أما في الفصل الثاني: فقد ركز على “المعالم العامة للمقامة المغربية”، وتوصل الكاتب بعد البحث والتدقيق إلى الخلاصات التالية:

– عدم وضوح معالم فن المقامة عند الكتاب المغاربة، في بداية العصر العلوي.

– قدم نماذج من الكتابات، التي وقع فيها خلط بين المقامة والرسالة (مثل ما لاحظ في كتابة العربي المساري وأبي القاسم الزياني)، وبين المقامة والمقالة (مثل كتابة خليل بن صالح الخالدي الحسيني)، و كذا بين المقامة والمحاورة (مثل ما أورده من كتابات محمد بن العياشي سكيرج).

– وجد كتابات لأدباء مغاربة قد توفرت فيها عناصر فن المقامة، ولكنها قليلة إذا قيست بما توصل إليه من نصوص مقامية.

– أرجع غموض مصطلح المقامة عند المغاربة إلى عدم وجود حركة نقدية مواكبة لحركة الكتابة، تحلل المقامات وتعلق عليها، وتحدد عناصرها، بالإضافة إلى غياب تصور متكامل عن المقامة عند المنشئين من كتاب المغرب، رغم تأثرهم بالمقامة النموذج، أي: مقامات الرواد من المشارقة.

– بلور التصور الرائج عن المقامة عند فئة محدودة من الكتاب المقاميين بالمغرب، وذكر من يمثل هذه الفئة من الكتاب، على رأسهم : محمد بوجندار، وعبدالحميد الروندي، ثم محمد الحجوي.

– أكد على تطور مفهوم المقامة عند المغاربة، إذ اتخذت في نظره منحى آخر، فيه الكثير من الخصوصية والتميز عن المشارقة، لأن المقامة المغربية جمعت بين احترام خصائص النوع، وبين الابتعاد عن التقليد ،والتحرر من أسر المقامة النموذج.

– حدد طبيعة الخطاب المهيمن على المقامات المغربية، بناء على دراسته وتحليله لتسعة وأربعين نصاً مقامياً، لاثنين وعشرين كاتباً، ينتمون جميعاً إلى العصر العلوي.

ويُلاحظ على فصلي الباب الثاني أن النصوص المقامية الواردة في هذا الباب قليلة جداً، ومع ذلك، فقد اعتمد عليها الكاتب في تصنيف خطاب المقامة المغربية. ونظراً لقلتها يصعب تحديد خطاب المقامة المغربية بموضوعية، وهذه العملية تحتاج إلى إعادة النظر في الإجراءات ووسائل الانتقاء، ما دامت أغلب النصوص المقامية لم تجمع ولم تُحقق.

ثالثا: “خطاب المقامة المغربية وبنيتها”. تناولها في الباب الثالث من بحثه، انطلاقاً من خمسة فصول، وهي: خطاب الإصلاح، والخطاب السياسي، ومستويات الرواية، وشفافية وصف المكان، وتضمين الشعر.

وهذه الفصول تبدو من خلال عناوينها متباينة في دلالتها وموضوعاتها، ومع ذلك، فقد سخرها الكاتب لإبراز طبيعة خطاب المقامات المغربية، ولكشف بنياتها اعتماداً على دراسة وتحليل نماذج من المقامات، التي تسعفه في تقديم الخصائص والمميزات الفنية للمقامة المغربية، وطبيعة مستويات خطابها.

والملاحظ أن هذا الباب يثير إشكالاً موضوعاتياً في قراءته وممارسة النقد عليه، لأن الكاتب حين تناول خطاب المقامة المغربية وبنيتها، قد يدفعنا إلى التساؤل عن الخيط الرابط بين فصول هذا الباب: هل الخطاب هو الخبر أم الكتابة؟ أم هو أعمق وأعقد من مستويات الرواية وشفافية المكان وتضمين الشعر؟

فالخطاب كما هو معروف قد يُحَدد في استيعاب اللغة عند المرسل، ويتحدد كذلك بوظائفه الاجتماعية، ومشروعه الإيديولوجي، ومستويات بنياته، تبعاً لأجزائه وأنواعه، سواء كان خطاباً مباشراً أو ضمنياً، أو فوق الخطاب، ولا بد من ربطه بنظام العلامات، وبسياق إنتاج الخطاب، وبالمتلقي وكيفية فهمه وتجاوبه وتأويله لهذا الخطاب الذي تلقاه. ونجد الأستاذ السولامي تعامل مع الخطاب المقامي ودلالته، من وجهة نظر لها أهميتها، لأنه صرح أنه سيستعين بالمنهج البنيوي، حين قال: “وفي نفس الوقت أُعْجِبت ببعض المناهج البنيوية، التي تعتبر العمل الأدبي كياناً قائماً بذاته… واعتبرت النص منظومة كبرى، تتكون من مقطوعات، ترتبط ببعضها بمجموعة من العلاقات، يمكن أن تُكتشف بتفكيك النص والبحث عن مستوياته التركيبية”.(فن المقامة، ص. 12) ولكن ما صرح به لم يطبقه تطبيقاً كلياً على دراسة وتحليل النصوص المقامية. وهذا ما يدعونا إلى طرح سؤال عن المنهج الذي سلكه في بحثه، وكيف طبقه؟

إذا تتبعنا أبواب وفصول الكتاب، نجد الكاتب قد توسل بالمنهج التاريخي، دون أن يُحسم ذلك في مقدمة كتابه، مع العلم أننا نعثر على إشارتين متناقضتين، إحداهما يقول فيها: “ويمكن أن ألخص العمل الذي أعتزم القيام به في بحث المساهمة المغربية في فن المقامة، بإخراج ما كتبه المغاربة في هذا الفن إلى النور، ثم محاولة التأريخ له ودراسته”.(نفسه، ص. 10) وثانيهما يقول فيها: “ورأيت أن دراسة هذه المقامات وفقا للمنهج التاريخي التحليلي، الذي رسَمْته من قبل لن تعطي النتائج، التي أصبحتُ أهدف إلى استخراجها، والمتلخصة في كشف بنية المقامة المغربية”.(نفسه، ص. 12) ويبدو أنه غير مقتنع بالمنهج التاريخي، ولكنه في الحقيقة لم يتخلص منه، فهو المنهج المهيمن في الدراسة، سواء في طريقه استعراض نشأة المقامة، أو في تتبع مراحلها وتطورها في المغرب. كما تتجلى مؤشرات هذا المنهج في فصول أبواب كتابه، بدءً من “المقامة بالمشرق العربي”، وانتهاءً بـ”المعالم العامة للمقامة في العصر العلوي”.

وتوظيفه للمنهج التاريخي ساعده على اختيار وضبط وتتبع موضوعات فصول كتابه، تأريخاً ووصفاً وتحليلاً، لأن أسلوب وصفه واستقرائه وتحليله كان مبنياً على لغة الدارس المتمكن من مادة بحثه، وكان أيضاً مسعفاً في ترسيخ دعائم الدرس الأدبي والنقدي في حقل المقامة المغربية، ولكنه أراد أن يتجاوز المنهج التاريخي حين دفعه الفضول إلى الاستعانة بأدوات منهجية من المناهج البنيوية، دون تحديد معالمها ولا مرجعيتها، وهذا ما جعل محاولته قاصرة تحتاج إلى مزيد من الدقة في تفكيك النصوص المقامية، والبحث عن مستوياتها التركيبية، والدلالية والتداولية .

وهذه الرغبة حال دون تحقيقها وقوع الكاتب تحت ضغط المنهج التاريخي، الذي فرض نفسه عليه، وحاصر تطلعه إلى تحقيق منهج بنيوي، إذ مال إلى التأريخ للمقامة المغربية من جهة، وإلى تحليل نماذج من هذه المقامات من جهة أخرى، حيث تمكن بعمق من الإحاطة بكل عنصر من عناصر أبواب الكتاب في القسم الأول، أما القسم الثاني من الكتاب فقد قدم فيه عدة نصوص مقامية، وقد سار في تقديمها على غرار منهج المحققين، لأن هدفه كان هو ترسيخ أهمية المقامة المغربية، والتأكيد على خصوصيتها، واستخلاص عناصرها، وتوضيح مميزاتها، وتقديم نصوص محققة كانت في عداد المخطوطات المغمورة.

 

- ناصر جمعة السيابي

طالب باحث/ كلية الآداب - الرباط

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.