نص حوار أنجزه عبد العالي دمياني، وسبق نشره في جريدة “الأحداث المغربية” في 19 أكتوبر 2016 تحت عنوان : “المؤرخون المغاربة يترددون أمام الخوض في التاريخ القريب، ولا يساهمون في النقاش العمومي”.
يضم كتابك الجديد الموسوم بـ«الماضي المتعدد.. قراءات ومحاورات تاريخية»، مقاربات شملت 25 كتابا في ميدان اشتغالك، يرجع أقدمها إلى عام 1982. ما هي الضرورة التي أملت عليك إعادة إصدارها في كتاب؟
يحتوي هذا الكتاب على تجربة متواضعة في مجال القراءة النقدية لأعمال تاريخية، أو أعمال غير تاريخية يمكن محاورتها من طرف الباحث في التاريخ، في الأنثروبولوجيا والأدب على سبيل المثال. وما دفعني إلى إعادة نشر هذه القراءات، هو بالضبط رغبتي في إثارة الانتباه لأهمية ممارسة المتابعة النقدية. هناك شبه غياب لهذه الممارسة في الحقل الجامعي والثقافي، وكأن هناك حاجزا نفسيا ينبغي استجلاء أسبابه. تصدر كتب كثيرة في التاريخ، ونقرأ حولها أحيانا إعلانات الصدور، ونادرا ما نلتقي بقراءة تقول : ما هي قيمة الكتاب ؟ ماذا يضيف في مجال المعطيات أو التأويل؟ هل ينتمي إلى إنتاج الذاكرة ، أو الكتابة الصحفية، أو البحث التاريخي الرصين؟ القراءة النقدية تقيم مع المؤلفين علاقة تواصل، واعتراف، وتحفيز، وبالأساس علاقة تقييم. وإذا غابت عملية التقييم، سادت ضمنيا شعارات مثل : اكتُب ما شئت، واتركني أكتب ما أشاء، أو أعفي نفسي من البحث والكتابة وهو الأفضل. ولسبب أو آخر، يمكن أن يكثر الحديث عن عمل ذي قيمة متوسطة، ويقل الحديث عن أعمال ذات قيمة أكبر. وباختصار، فضعف عملية التقييم تعد في نظري ثغرة كبيرة في الوسط الجامعي والفكري، وهذه الثغرة تعوق تكوين جماعة علمية حقيقية، ولا أعتقد أن هيئة مثل “الجمعية المغربية للبحث التاريخي” تقوم بالدور المطلوب في هذا المجال.
يتجاوز الكتاب كونه تجميعا لمقاربات إلى نقد المناهج المتبعة في الكتابة التاريخية المعاصرة وإعطاء صورة بانورامية عن البحث التاريخي بالمغرب. ما هي الإشكالية، التي رصّت هذه المقاربات ومنحتها وحدة عضوية؟
يمكن اعتبار هذا الكتاب كامتداد لكتاب سابق يحمل عنوان “التاريخ والذاكرة. أوراش في تاريخ المغرب” أصدرته سنة 2012. والكلمة الأساسية هي “الأوراش”. فقد حللت في الكتاب الأول بعض القضايا التي تناولها البحث التاريخي/ مثل العلاقة بين الدولة والمجتمع، والبنية الاجتماعية، وخصوصيات التغلغل الاستعماري، وبنية الكتابة التاريخية التقليدية. وفي الكتاب الجديد، أتناول بعض النماذج بصفة مجهرية. وحين ننظر إلى الأبحاث التاريخية التي صدرت في الآونة الأخيرة على ضوء الرصيد الذي وصفته في “الماضي المتعدد”، نخرج بانطباع قوي، وهو أنه ليست هناك استمرارية وتراكم في إنجاز الأوراش، بل اختلال ونكوص حقيقي، نعته محمد حبيدة في عنوان أحد كتبه بـ”بؤس التاريخ”. وفي اعتقادي أن واقع التراجع والتشرذم لا ينبغي أن تحجبه مساهمة المؤرخ في اللقاءات التي يطغى عليها عامل التنشيط والاحتفاء ويغيب فيها التحليل والتأويل.
لا يني سؤال التاريخ يعود إلى الواجهة مع كل حدث سياسي. بل صار الخطاب السياسي اليوم، كيفما كان لونه، يوظف التاريخ أكثر لحسابه الخاص. كيف ينظر المؤرخ إلى هذا الاستغلال؟ وما هي آثاره على «الحقيقة التاريخية»، التي رغم تمحيصها علميا من جهة المؤرخ تظل تحتفظ بطابعها النسبي عكسما تقضي به الخطاب السياسي؟
هذه المسألة لها عدة أوجه. هناك ما يسمى بـ”الاستعمالات السياسية للماضي” أو “صراعات الذاكرة”، وهي عملية طبيعية تأخر حدوثها في المغرب بسبب هيمنة الذاكرة الرسمية. هناك الشاهد، والشاهد / الفاعل. يتحدثان في الغالب انطلاقا من استراتيجية معينة، تكون معلنة أو مضمرة، تقوم في الغالب على بناء وتزيين صورة الذات أو تصفية الحسابات مع الآخر. وهناك المؤرخ المحترف الذي ينطلق من تمحيص ونقد الشواهد. المشكلة عندنا هي أن الثقافة التاريخية الشائعة لا تميز بين حديث الشهود ونتائج البحث التاريخي. لكن في نفس الوقت، نلاحظ أن جل مؤرخينا ما زالوا يترددون أمام الخوض في التاريخ القريب، ولا يبذلون المجهود الضروري للمساهمة في النقاش العمومي بواسطة معرفتهم كمؤرخين. هناك إمكانيات عديدة للتأليف التاريخي انطلاقا من أسئلة الحاضر، لكن جل المؤرخين يفضلون موقف الانزواء في مواضيع التخصص الضيق ، وهذا قصور أتمنى أن يتم تجاوزه.
يعود في الآونة الأخيرة بعض المفكرين والكتاب والصحافيين إلى فترة الاستعمار، التي اعتبرها الأستاذ عبد الله العروي في آخر كتبه «استبانة» مجرد فاصل زمني لم يحل دون تغيير جوهر بنية الدولة المخزنية، ما دلالة هذا التبئير على هذه اللحظة التاريخية ؟
في الواقع ليست هناك عودة لأن البحث ظل يركز بشكل مفرط على موضوع المقاومة والحركة الوطنية، وفيما عدا ذلك لم يحصل تراكم حقيقي في تاريخ التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلال مرحلة الحماية. بل إن التراكم لم يحصل حتى في تاريخ النظام السياسي والإداري. أثار انتباهي في الآونة الأخيرة صدور أطروحتين في موضوعين هامين وغير معتادين، إحداهما لعبد الحميد احساين حول الأجهزة الإدارية العليا لنظام الحماية، والأخرى لعبد الإله الفاسي حول بلدية الرباط في نفس الحقبة.
صحيح أن عبد الله العروي في الكتاب المذكور، اعتبر الحماية بمثابة “فاصلة” تزامنت بدايتها مع الحرب العالمية الأولى وتزامنت بداية نهايتها مع الحرب العالمية الثانية، وما يحدد طبيعة “الفاصلة” هو استمرارية المخزن. لكن الأبحاث لم تتناول بعد بشكل ملموس وموثق الاشتغال السياسي والاجتماعي للمخزن خلال مرحلة الحماية. من جهتي أقترح فرضية أخرى، وهي أن حقبة الحماية رسمت ملامح ازدواجية الدولة في مغرب القرن العشرين، من خلال إحداث ثنائية الدولة المخزنية وسلطات المراقبة. ومن المفيد أن يتتبع المؤرخ والباحث في علم السياسة أشكال تطور هذه الازدواجية خلال الحماية وبعد الاستقلال.
أعاد ما وسمته بـ«عودة الحدث التاريخي» الاعتبار لاتجاه التاريخ السياسي، إذ وجد المؤرخ الاجتماعي والثقافي نفسه منشغلا بأسئلة العلوم السياسية. وقد صدر لك كتاب مشترك في هذا الاتجاه مع الأستاذين عبد الحي المودن وإدريس كسيكس في أعقاب الربيع العربي. ما هو تأثير المدرسة الأنجلوساكسونية، التي جعلت من المغرب مدار اشتغالها منذ ستينيات القرن الفارط، على تاريخ المغرب المعاصر؟ وإلى أي حد استطاع هذا التأثير إعادة النظر في أسس مدرسة الحوليات الفرنسية، التي انتهت إلى ما وصفه فرانسوا دوس بـ«التاريخ المفتت»؟
أهتم بمفهوم الحدث منذ سنوات عديدة. وأتيحت لي فرصة التعبير عن هذا الاهتمام في سياق بعض اللقاءات الفكرية التي نظمتها “هيئة الإنصاف والمصالحة”. وآنذاك اعتبرت أن عودة المؤرخ إلى التاريخ السياسي (بعد تركيزه على التاريخ الاجتماعي) تكون لها فائدة أكبر إذا زاوج المؤرخ بين دراسة الأحداث والمؤسسات، وبين استعمال أدوات العلوم الإنسانية مثل الأنثروبولوجيا وعلم السياسة. ثم كان سياق “الربيع العربي” مناسبة أخرى للتفكير في مسألة مستويات الحدث داخل سياق الثورة الإعلامية.
وفيما يخص المدرسة الأنجلوساكسونية، لا أعتقد أنها أعادت النظر في أسس مدرسة “الحوليات”، والدليل على ذلك هو الإشعاع الكبير لأعمال بروديل في الولايات المتحدة. لقد حصلت تفاعلات معقدة داخل البحث التاريخي الدولي. ومن الضروري أن نتتبع هذه التفاعلات، وهذا موضوع قائم بذاته.
بيد أن سؤالك يذكرني بضرورة الإشارة لبحثين أمريكيين غير معروفين في المغرب على مستوى واسع وكان لهما دور تأسيسي في كتابة التاريخ الاجتماعي لبدايات الاستعمار والمقاومة في المغرب، وقد تم إنجازهما قبل ظهور بواكر المدرسة المغربية (عبد الله العروي، ، جرمان عياش، أحمد التوفيق). وأعني كتاب إدمون بورك : “الاحتجاج والمقاومة في مغرب ما قبل الاستعمار” الصادر سنة 1976، وقد نشر محمد أعفيف ترجمته العربية سنة 2013، وكتاب روس دان : “المجتمع والمقاومة في الجنوب الشرقي المغربي”، الصادر سنة 1977، وقد أصدر أحمد بوحسن ترجمته العربية سنة 2006. الأول تناول الموضوع من زاوية تاريخ المغرب، والثاني من زاوية التاريخ المحلي. وأعتقد أن قوة هذين الكتابين تأتي من مهارتهما في توظيف الأرشيف الاستعماري على أساس خلفية مناهضة للاستعمار، إلى جانب استفادتهما من الأدبيات الأنثروبولوجية الأنجلوساكسونية. وبذلك فالترجمة العربية للكتابين تداركت فراغا دام ثلاثة عقود ظل جل مؤرخينا يجهلون خلالها مضامين كلا البحثين، أو يعلنون الاستغناء عنهما باسم وطنية ضيقة لا علاقة لها بمستلزمات البحث التاريخي.
أصبح المغرب يتوفر اليوم على مؤسسة لأرشيفه يوجد على رأسها مؤرخ هو الأستاذ جامع بيضا، هل باستطاعة هذه المؤسسة أن تحل مشكل الوثائق، الذي يصطدم به المؤرخ كلما أراد البحث في التاريخ الراهن؟
جاء هذا التعيين بعد صدور قانون الأرشيف الذي كان من بين توصيات “هيئة الإنصاف والمصالحة”، وجامع بيضا مؤرخ عارف بمجال الأرشيف وبضرورات البحث التاريخي. والمؤسسة الجديدة ورش كبير يفترض فيه أن يساير ويساهم في تحديث ودمقرطة الدولة، وترسيخ ثقافة الأرشيف لدى الدولة والمجتمع. وبغض النظر عن تطور الجوانب اللوجستيكية والقانونية للمؤسسة المذكورة، أود أن أبدي ملاحظتين :
أولا- لا تقتصر مسألة الأرشيف على عملية مركزة مستندات المؤسسات العمومية، بل تهم المسألة كذلك أرشيف الأحزاب السياسية، والنقابات، والأرشيف العائلي، بل والأرشيف الشخصي. وقد نشر مؤخرا خبر مفاده أن مؤسسة أرشيف المغرب عقدت اتفاقا مع عائلة المناضل والباحث اللساني شمعون ليفي، تتسلم المؤسسة بمقتضاه الأرشيف الذي تركه الفقيد، وهذه مبادرة نتمنى أن تتبعها مبادرات مماثلة.
ثانيا- قد تتحول أحيانا قضايا الوثائق والأرشيف إلى ما يشبه الذريعة لتبرير العزوف عن البحث التاريخي. وأكتفي بمؤشرين. المؤشر الأول هو كتاب جون واتربوري، “أمير المؤمنين” الذي يعد من بين الأعمال المرجعية في دراسة النظام السياسي المغربي المعاصر، وبالتالي فهو ذو صلة بـ”التاريخ الراهن”. لقد اعتمد المؤلف فيه بشكل كبير على المصادر الشفوية، فالمشكلة هي إذن مشكلة مهارة منهجية وجرأة فكرية. والمؤشر الثاني هو أن تقدم مؤسسة الأرشيف رهين بوجود مُحاورين يعملون على التحسيس بأهمية الأرشيف، ويتابعون القضايا المطروحة انطلاقا من العوائق التي قد تواجهها مشاريع بحثية ملموسة، ولا يبدو لي أن هذا الشرط متوفر في الوقت الحالي.
ثمة تراث أدبي مغمور لرحالة غربيين زاروا المغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وكتبوا عنه نصوصا بلغات متعددة. ما مدى إفادة البحث التاريخي المغربي من هذه الدخيرة من النصوص، التي رغم ما تحبل به من نظرة غرائبية وتمركز ذاتي، تقدم معطيات إثنوغرافية وجغرافية وثقافية عن المغرب تغيب في المدونات الإسطوغرافية التقليدية؟
لا يسعني إلا أن أؤكد ما تقوله حول أهمية هذه المصادر، بناء على تجربتي الشخصية. في البحث الذي أنجزته بمعيتي عبد الرحمان لخصاصي حول التاريخ الثقافي للشاي بالمغرب، تبين أن نصوص الرحلات الأوربية أخطأت لما أقرت بأن الشاي تحول بسرعة إلى مشروب وطني للمغاربة، لأن الأوربيين كانوا يزورون بيوت الأعيان ويعممون ما يشاهدون. ومع ذلك فقد تركوا وصفا دقيقا لجلسة الأتاي، لا نجد مثيله في المصادر المغربية، وبالتالي فهم وفروا لنا أداة غير مباشرة لما يشبه البحث الميداني.
وفي بحثي حول الزطاطة ومسألة أمن الطرق، كان النص- المنطلق هو كتاب المستكشف شارل دو فوكو. أخطأ هذا الأخير حين ربط بين الزطاطة و”بلاد السيبة” في إطار ثنائية “بلاد المخزن” و”بلاد السيبة”، لكنه ترك معطيات ثمينة حول أساليب الزطاطة وتعدد أشكالها بين القبيلة والزاوية والمخزن.
القضية إذن هي : كيف نلتقط المعطى الوثائقي مع اتخاذ الاحتياط اللازم إزاء الأقوال النمطية التي يعبر عنها الرحالة، والأقوال النمطية لا تعني بالضرورة تحوير المعطيات. وهذه المسألة مطروحة أيضا في كتب الرحلات المغربية إلى المشرق أو أوربا.
في وقت معين، حاول المؤرخون المغاربة الاستغناء عن الرحلات الأوربية باسم الهاجس الوطني وأولوية المصادر المغربية، ثم نلاحظ مؤخرا اتجاها نحو إعادة نشر كتب الرحلات الأوربية وترجمتها إلى العربية. وفي اعتقادي أن التعريف بالمزيد من الرحلات المغمورة قد يكون أحيانا أفيد من تكرار الحديث عن رحلات معروفة باسم تفكيك الصورة عند الرحالين.
يلاحظ اليوم لجوء عدد من المؤرخين والمفكرين والباحثين إلى التخييل الروائي التاريخي. هل يتعلق الأمر برغبة في ملء بياضات فترات تاريخية معينة؟ أم بمحاولة للإجابة عن أسئلة الراهن من خلال أقنعة التاريخ ورموزه؟ أم أن انتشار الخطاب الروائي واتساع رقعة قرائه يغري المؤرخ والمفكر بتضمين خلاصة بحوثه وأفكاره في السردي أدبي؟
أعتقد أن عناصر سؤالك تتضمن عناصر الجواب. ويأتي سؤالك في وقت مناسب. فمن بين قراءاتي الأخيرة، هناك روايتان جذابتان لأديبين يحاوران الفضاء التاريخي كل بأسلوبه الخاص. في “باريو مالقة”، يسترجع محمد أنقار الحياة اليومية في حي هامشي بمدينة تطوان في أواخر الحماية وبداية الاستقلال. الرواية ذات بناء كلاسيكي متقن، وقد زاوجت بين الظاهرة الاجتماعية (العنف بالأساس)، وبين والتحولات التي عرفها مخيال الشباب عن طريق ارتياد قاعات السينما وقراءة بعض المجلات الإسبانية المصورة ذات الانتشار الواسع. وفي رواية “المغاربة”، يوظف عبد الكريم جويطي بكثافة شذرات مقتطفة من مصادر تاريخية متنوعة في فصول تحمل عناوينها مصطلح “الهذيان”، وقد اعتمد المؤلف تداخل الأزمنة من أجل رصد مستويات التداخل بين الماضي والحاضر، ولفتت انتباهي مقاطع حية تزاوج بين التوثيق والتخييل حول موضوع عودة العائلة المخزنية.
يعرف حقل التأليف في المغرب بشكل عام حركتين متزامنتين : توظيف الروائي للتاريخ، وانتقال المؤرخ والفيلسوف والباحث الاجتماعي إلى الكتابة الروائية. نحن أمام متن ينتظر هو الآخر عملية التقييم الرصين. وفي مستوى آخر، فحين يقر المؤرخ بأن الثقافة الروائية من الزوائد التي لا تفيد الباحث، فإنه يغفل أهمية عنصري الكتابة والتخييل في الكتابة التاريخية بالرغم من القواعد المهنية للبحث التاريخي.
تلح على ضرورة تغيير الوعي بالزمن وإقامة مسافة نقدية مع الأحداث. ألا تحتاج البرامج التعليمية الخاصة بمادة التاريخ إلى مراجعة جذرية هي الأخرى والخروج من إسار «التحقيب التاريخي التقليدي» المرتهن لما هو سياسي، لتدشين هذا الوعي؟
التحقيب، أي تقسيم التاريخ إلى حقب، مسألة معقدة تتطلب إقامة المزيد من الجسور والحوار بين المؤرخين والمشتغلين في مجال علوم التربية، لأن هناك فرقا بين القوالب النظرية وبين تجسيد تلك القوالب النظرية داخل تواريخ ملموسة. التحقيب يهم تاريخ المغرب، وتاريخ مجالات أوسع، فكيف نراجع التحقيب في مستوياته المتعددة ؟ وكيف نضع الاجتهادات الجديدة في متناول التلميذ بأسلوب شيق ؟ وإلى أي حد يمكن أن نحافظ على جاذبية التاريخ من دون اعتماد المحكي ؟
ومن جهة أخرى، فبناء على تأثير الثورة الإعلامية في تمثل الزمن وتمثل التاريخ القريب، وفي الالتباس بين الواقع واستراتيجيات الخبر والصورة، حان الوقت للتفكير في إحداث مادة، أو شبكة من الدروس التي توفر للتلميذ والطالب الأدوات الضرورية من أجل تلقي المادة الإعلامية بحس نقدي.