أحمد الهواري، دليل الحج والسياحة، ط1، المطبعة الرسمية، الرباط، 1935.
التهضة، الوهابية، تركيا الكمالية، الانتداب والحماية، الشرق والغرب
الرحلة الحجية،
راكم المؤلفون المغاربة، عبر مختلف الفترات التاريخية، كمًّا معتبرا من المتون الرحلية لاسيما الحجية منها. وتمثل فترة الحماية (1912-1956) وما بعدها [1]، واحدة من أخصب الفترات بشأن تدوين الرحلات الحجية و المشرقية بصفة عامة، بفعل يُسْر المواصلات مقارنة بمرحلة ما قبل الحماية، إذ اخْتُزلت مدة الحج ذهابا وأوبة في أسابيع بل في أيام مَعْدُودَات، بعد أن كانت تمتد لأشهر وقبل ذلك بسنوات، ومن ثم تقلصت معاناة الحجاج، مع تعويض السفن البخارية المتطورة ثم القطارات والسيارات وأخيرا الطائرات، كلا من القوافل والسفن الشراعية وما رافقها من مشاق ومخاطر وطول مدة السفر ذهابا وإيابا.
استفادت نصوص رحلية حجية من النشر الفوري، إذ سهر أصحابها على تغطية رحلاتهم لفائدة صحف، منها صحيفة السعادة[2]. وتيسر لآخرين نشرها في مؤلفات[3]، علما بأن عددا من الرحلات الحجية لم تعرف طريقها إلى النشر إلا خلال السنوات القليلة الماضية[4]، فيما ظل بعضها يطويه الإهمال والنسيان[5] .
لعل ما ميز رحلة الهواري[6]، أنها استفادت مبكرا من عمليتي الطبع والنشر، إذ لم يكن ثمة فارق زمني بين القيام بالرحلة وتدوينها وبين نشرها. فقد تولت صحيفة السعادة تغطية أطوارها بما أن صاحبها كان يسجل مشاهداته وانطباعاته ويبعث بها تباعا إلى الجريدة المذكورة لنشرها عبر حلقات. ثم قام الهواري بجمع تلك المراسلات ونقحها ثم أخرجها في كتاب من 315 صفحة[7]، إضافة إلى صفحات إضافية خاصة بالمواد الإشهارية، وهو ما لم يرد في رحلة حجية مطبوعة قبلها. وقد دعمت مصالح كثيرة المؤلف في عمليتي طبع الكتاب ونشره لاسيما على شكل اكتتاب، ثم إنه استفاد، ولاشك في ذلك، من مردود المواد الإعلانية التي غطت الصفحات الأخيرة من الرحلة مما لم يرض بعض المطلعين عليها[8]…!
1- رعاية متعددة لرحلة الهواري
يفيد نص رحلة الهواري الحجية، حصول تحول نوعي بشأن أداء مناسك الحج خلال عهد الحماية، إذ وجب على الموظف الساعي إلى الحج توفره على إذن مسبق من السلطات الحكومية «خوف ضياع راتبه أو نقصانه»(ص10)، وقد أورد الهواري وثيقة الترخيص للموظفين لأداء فريضة الحج موقعة من قبل المقيم العام الفرنسي هنري بونسو (Henri Ponsot) والصدر الأعظم محمد المقري، حاملا تاريخ 8 مارس 1934(ص13-14). وبالنظر إلى مكانة الهواري بحسبانه شخصية مرموقة وموظفا ساميا، فإنه استأذن السلطان محمد بن يوسف، عبر الصدر الأعظم، للذهاب إلى الحج (ص32). و الحالة هاته، فإن الهواري، أهدى كتابه للسلطان، موردا النص الكامل لكلملة الإهداء(ص 10-11). كما أدرج قبلها نص الظهير السلطاني جوابا عن الإهداء (ص 2).
وباعتباره شخصية مرموقة، و بحكم الصلات التي جمعته بعدد من المسؤولين الفرنسيين، مكنه المقيم العام بونسوت (Ponsot)، لتسهيل حجته، من رسالة استوصاء به لدى قناصل فرنسا في عدد من المدن والعواصم شرقا وغربا، أورد الهواري نصها كاملا باللغة الفرنسية (ص12). و حصل كذلك على توصية به من هنري كايار (Gaillard Henri ) سفير فرنسا وقتذاك في القاهرة[9]، إذ أوصى به خيْرًا، قنصلية فرنسا في مدينة السويس المصرية، حيث كانت تجري عادة مراقبة جوازات السفر والخضوع لتدابير مكتب الصحة هناك قبل التوجه إلى الحجاز (ص106). وكان الهواري قد زار كايار في القاهرة، وهو الذي جمعته به «علائق ودية قديمة »( ص 84)، كما استفاد صاحب الرحلة من تدخل صديقه الفرنسي لورجو، قنصل فرنسا في القاهرة، والذي عمل في وقت سابق في الإدارة العامة للحكومة الشريفة بالرباط، ففي هذه القنصلية.
واللافت للانتباه في الصفحات الأولى من «دليل الحج و السياحة»، إيراد الهواري نص تقريظ العلامة محمد الرافعي لهذه الرحلة (ص 16-23) قبل شروعه في تدوين مشاهداته و انطباعاته، علما بأن التقاريظ وردت، كما هي العادة في كل المؤلفات، في آخر الرحلة، مما يعني الأهمية القصوى التي أولاها الهواري للتقريظ الصادر عن الرافعي!!.
سافر الهواري إلى الشرق، عبر الباخرة الانجليزية الضخمة «سطراطنافر»، وعاد من الحجاز على متن قطار الشرق السريع، مارًّا بالشام، تركيا، البلقان وأقطار أوربية أخرى، وهو ما لم يتح لغيره من الرحالين، مما جعل مشاهداته وملاحظاته أكثر تنوعا وتفصيلا. وبالنظر إلى عنوان الرحلة «دليل الحج والسياحة»، فإن الهواري لم يكتف بالوصف وإبداء ملاحظات، بل قدم إرشادات للحجاج وعموم السائحين عن شركات النقل البحري، مزايا السفر عبر البواخر أو على متن القطارات، أسعار التذاكر والخدمات الفندقية ونفقات السفر عموما، إضافة إلى الأماكن التي يسهل فيها طبع الجوازات أو الخضوع للفحص الطبي وغير ذلك… (ص 27-31).
2- نهضة مصر وإشعاعها
وصف الهواري بإعجاب ما عاينه في مصر من مرافق ومؤسسات وتجهيزات، إذ ولج العديد منها في القاهرة وضاحيتها: الأزهر و دار الكتب و المعهد الموسيقي، و الجامعة العلمية، و القناطر الخيرية، وحديقة الحيوانات، ومحكمة جنايات مصر، و مقر مجلس النواب والشيوخ، ومؤسسات صحافية كبرى (الأهرام، الهلال…)، و الأهرامات (أبو الهول…). و لم تخل الصفحات المكرَّسة لمصر في هذه الرحلة من مقارنات بين مصر والمغرب، مال في بعضها إلى تفضيل ما في المغرب، من ذلك عقده مقارنة مقتضبة بين القطار في البلدين «القطار في القطر المصري لا يسير إلا بالفحم وهو في المغرب أحسن منه بكثير في مصر من حيث جودة العربات والسير بالكهرباء وهيأة المحطات»(ص 58). ثم لمس الاختلاف في حلقات الدرس في القطرين، فقد استرعى انتباهه في مصر ما لم يكن مألوفا في المغرب «إلقاء الأسئلة من الطلبة وغيرهم على الشيخ وقت تقريره [الدرس] فيجيب كل واحد عن سؤاله ولو في غير الموضوع. وفي بعض الجهات من المسجد يقوم بعض المدرسين بتدريس الجغرافيا والحساب على الطريقة العصرية بالتقييد في الكنانيش والكتابة على اللوحة السوداء» ( ص 68- 69).
كان الهواري، في إطار هذه المقارنة، بصدد الحديث عن الطلاب المنخرطين في القسم النظامي من التعليم الأزهري، فيما كان النظام في القرويين ما زال يخطو خطواته الأولى في تطبيق هذه الإجراء ولم يبلغ بعد ما وصله في الأزهر. وكان الهواري قبل هذه المقارنة قد شد نظره ما لم يكن معهودا في المغرب كذلك، وهو ولوج السواح الأجانب «لزيارة المسجد على أنه من الآثار القديمة الإسلامية التي تقدم لهم» (ص67)، وهذا أمر كان مستحيلا مشاهدته في المغرب بالنظر إلى تشبث المغاربة بقدسية المسجد، وعدم قبول دخول غير المسلمين إليه.
وحينما زار الهواري محكمة جنايات مصر، وصفها بتفصيل(ص87-97). وفي سياق تطرقه لسير العمل بها، قام بمقارنة بين المحاكم في مصر ونظيرتها في المغرب. ولعل خبرته قاضيا بالمحكمة العليا الشريفة، أهَّلتْه لإجراء تقييم دقيق للمحاكم المصرية وكيفية تنظيمها في خضم مقارنة مزدوجة بين ما هو موجود في كل من فرنسا والمغرب، مما جعله يقر بأن المحاكم المصرية لا تقل عن تنظيم المحاكم الفرنسية وأنها «أرقى بكثير من تنظيم محاكمنا». ولكن، إلى جانب إقراره بتفوق المصريين وأفضليتهم في القطاع القضائي، فإنه نافح عن التطور الذي لحق المحاكم المغربية، إذ تقدمت، حسب رأيه، «تقدما كبيرا لا يستهان به » ( ص 89).
وحضر الهواري جلسة من جلسات مجلس الشيوخ المصري «برخصة خاصة» ( ص 101)، حيث تابع بانتباه شديد أطوار المناقشات الجارية فيه، ثم علق بنبرة إيجابية جدا على ما عاينه هناك «فرأينا فيه [مجلس الشيوخ] صورة جميلة من صور المحاورة والمناقشة باللغة العربية الفصيحة بين أساطين رجال الحكومة وحاملي مسؤولية البلاد» (ص 102)، ولعله تمنى في أعماقه توفر المغرب على مجلس مماثل وسير المناقشة فيه على النحو ذاته.
ولا يمكن فصل إعجابه بما جرى في مجلس الشيوخ المصري عن إعجابه الشامل بمصر، لاسيما ريادتها للشأنين الفكري والصحافي في العالم العربي، إضافة إلى تطورها الاقتصادي، ومن تجلياته تأسيس البنك الوطني وخلق صناعات أفضت إلى تجاوز ثقل استيراد عدد من البضائع ( ص104).
وعلى العموم، كان الهواري، بحكم مشاهداته لعدد من المرافق والتجهيزات في القاهرة، وزياراته لعدد من المؤسسات لاسيما ذات الطابع الثقافي، مقتنعا بوجود تفاوت واضح بين مصر والمغرب، مقرا بتفوق مصر معللا ذلك على النحو التالي «سبقتنا [مصر] في مضمار الرقي والحضارة وعرفت كيف تقلد الأمم الغربية في التنظيمات القانونية والتراتيب الإدارية» (ص88). وقلما عبر عن عدم استحسانه لأمور عاينها في مصر، ولكن بلباقة من ذلك استغرابه من وجود باعة المجلات، وخاصة الدينية منها «يعرضونها على الناس في مسجد مصطفى فاضل باشا في القاهرة» ( ص 64). ولعل ما يسترعي الانتباه في القسم الخاص بمصر في رحلة الهواري، شعوره بالفخر جراء ما تناهى إلى سمعه بشأن عَالِمين مغربيين، تركا صدى إيجابيا جدا لدى علماء مصر وطلابها لا سيما في الأوساط الأزهرية هما عبد الحي الكتاني ومحمد بن الحسن الحجوي. وكتب الهواري بصيغة الانتشاء أنه وجد في جميع الدوائر العلمية هناك «ذكرا جميلا لعبد الحي الكتاني » (ص73). كما وجد الشيء ذاته بشأن محمد الحجوي ومؤلفه “الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي”، فكتب بصدد اقتراح برمجة هذا الكتاب في كلية الشريعة التابعة للأزهر «…وسمعنا بهذه المناسبة في شأنه إطراء عظيما تنشرح له الخواطر» (ص 73)[10] ، ولعل زهو الهواري مرتبط بتجاوز عقدة الدونية إزاء المشارقة عموما والمصريين على وجه الخصوص سواء تعلق الأمر بالتأليف أم بالحركة الفكرية في شموليتها. و في السياق ذاته، اغتبط الهواري باختلاط الأديب المغربي أحمد الزبدي بالصفوة من أدباء مصر وعلمائها (ص73). و لعل ابتهاجه بذلك يعبر عن هاجس الندية الذي طغى على الهواري وهو يتحدث عن التواصل المغربي المشرقي (المصري) في الحقل الثقافي!. وتجب الإشارة إلى أن مدون الرحلة نفسه، احتك بدوره بعدد من أعلام الفقه والفكر والسياسة في مصر، فلقي منهم الزعيم السياسي أحمد لطفي السيد (ص 75)، وحضر دروس بعض كبار علماء الأزهر منهم: محمد بخيت المطيعي، عبد الرحمان عليش ويوسف الدجوي (ص67).
ولاحظ الهواري، وهو في مصر، حضورا فرنسيا مميزا هناك، رغم أنها كانت خاضعة آنذاك للسيطرة البريطانية، من تجلياته ذيوع اللغة الفرنسية (ص 84). ويعزى نفوذ فرنسا الأدبي في مصر، حسب الهواري، إلى سياسة فرنسا ودهائها في نشر ثقافتها، من أدواتها، انتشار المدارس الفرنساوية واتساع دائرة معارفها هناك (ص 85). و في خضم، تدوين الهواري مشاهداته وانطباعاته عن الأزهر، لم يجد بدا من التطرق إلى أوقاف الطلبة المغاربة في هذه المؤسسة العريقة (ص71)، كما أورد أسماء بعض الطلبة المغاربة المتابعين لدراستهم هناك منهم عبده ابن بوزيد السلاوي، وذكر قبله أحمد بن الصديق الغماري، الذي انقطع للدراسة في مصر منذ سنوات ثم أضحى من علمائها.
إجمالا، قدم الهواري صورة واضحة المعالم عن مصر في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، عبر استعراض أبرز تجليات نهضتها كما عكستها مرافق القاهرة ومؤسساتها الفكرية والاقتصادية والصحافية، كما أبرز بعض مظاهر الحضور المغربي في العاصمة المصرية وقتذاك.
3- منافحة عن الوهابية وآل سعود
زار الهواري الحجاز لأداء مناسك الحج، وحظي باستقبال الملك السعودي عبد العزيز آل سعود، مفصلا في هذا الموضوع تفصيلا (ص144-148)، وهي الحظوة ذاتها التي نالها حجاج مغاربة مرموقون رحلوا إلى الحجاز بعده: ابن زيدان، الحجوي، السايح وغيرهم. وعلى غرار معظم الرحالين المغاربة إلى الديار المقدسة في ثلاثينيات وأربعينيات القون العشرين، أطرى الهواري على الملك عبد العزيز آل سعود ودوره المركزي في تثبيت الأمن والأمان في الحجاز، بعد أن كانت فريسة للنهاب وقطاع الطرق الذين عاثوا فسادا ولطخوا مواسم الحج بممارساتهم. فقد بنى ابن سعود سمعته وشهرته على «عدم الإشفاق أو الدعة على العابثين بالأمن العام وقطاع الطرق» (ص171-177). ومن جملة إفاداته عن الملك عبد العزيز آل سعود أنه اتخذ لنفسه سيارة مصفحة لحمايته، ولعل تعرضه لمحاولة اغتيال، دفعه إلى هذا الإجراء الاحترازي!
وصف الهواري بدقة مكة، مرافقها ومؤسساتها، مقدما معلومات عن أنجال الملك عبد العزيز آل سعود ورجال الحكومة السعودية، ذاكرا تخصيص سيارة فخمة لحريم الملك (ص178)، مشيرا إلى أصناف السيارات الفاخرة من مختلف “الماركات” العالمية، التي بدأت تجد طريقها نحو الرواج في السعودية وهي: الشوفرولي الستروين، الرونو، الفيات، الفورد (ص186)…مما أشر إلى ولوج هذا البلد، أو بتعبير أدق شريحة محدودة من أبنائه، عهد الاستهلاك الفائق المرتبط بعائدات النفط وما عكسته من مظاهر البذخ والترف!!. غير أنا ما يسترعي الانتباه أكثر خلال وصفه لمكة ومشاهداته فيها، ثلاثة أمور أساسية. موقفه من الوهابية؛ و انحيازه للسعودية في صراعها مع جيرانها لاسيما اليمن؛ و جرأته في إثارة مظاهر الفقر المدقع في الحجاز.
لم يكن قد مضى على الإعلان الرسمي عن تأسيس الدولة السعودية سوى فترة قصيرة جدا، حينما دخلها الهواري حاجا. و معلوم أن التحالف بين العصبية النجدية (آل سعود) ودعاة المذهب الوهابي، أفضى إلى إعادة تأسيس الدولة السعودية بعد أن حطم نسختها الأولى محمد علي في أوائل القرن التاسع عشر. والحالة هاته، فإن حديث الهواري عن السعودية اقتضى استحضار الوهابية باعتبار ما كان شائعا في السعودية ذاتها أم خارجها، وبالنظر إلى أنها مثلت إيديولوجيا العمود الفقري للدولة الجديدة. وحسبما استقصاه الرحالة الهواري في عين المكان، فإن السعودية خالية من أي دين غير الإسلام، ثم أن السعوديين سنيون ماعدا آلاف فقط من الشيعة (ص198).
نفى الهواري عن السعوديين، ولاسيما عن أهل نجد، نعت الوهابية وكونها مذهبا جديدا في الإسلام. ومن خلال تعليق الهواري، يبدو أنه استقصى معلوماته عن الوهابية من معتنقيها وأنصارها فقط، حيث عمدوا إلى تبديد الشكوك بشأنها مع الحرص على أنها ليست مذهبا جديدا (ص128). ويظهر أن الهواري اقتنع بالإيضاحات التي قدمها له أولئك، مما جعله يدرج الوهابية ضمن التيار السلفي. وفي السياق ذاته، أثنى على هذا التيار الذي وضع حدا للنشاط الطرقي في تلك الربوع (ص129). وقد شاطر عدد من الرحالين المغاربة إلى الحجاز في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين موقف الهواري بشأن الوهابية[11]، باعتبارها حركة مناهضة للبدع وللطرقية بصفة عامة. ومن ثم، فنحن أبعد ما نكون عن مواقف مؤرخي المغرب و رحاليه في القرن التاسع عشر حينما عبروا عن رفضهم للوهابية وصنفوها هي نفسها ضمن البدعة[12]. فهل أضحى الرحالة المغاربة في القرن العشرين سلفيين أكثر من نظرائهم في القرن الذي قبله؟!
زار الهواري الحجاز كما أسلفنا سنة 1934، أي بعد عامين فقط على إعادة تشكيل المملكة السعودية، وفي وقت ما زالت فيه هذه الدولة الفتية تخوض صراعات طاحنة مع جيرانها لاسيما اليمن. وقد قام الهواري، بتغطية بعض تطورات الحرب في شبه الجزيرة العربية بين قوات الملك عبد العزيز آل سعود وقوات الامام يحيى اليمني من جهة، وقوات الإدريسي في عسير من جهة ثانية. ويبدو من هذه التغطية، تعاطف صاحب الرحلة مع ابن سعود متفهما موقفه. ولم يفته إيراد فقرات مطولة من خطاب ملك السعودية حول هذه الحرب(ص148 -152)، وهو ما يفيد بالتأكيد تبني الهواري للموقف السعودي، غير أنه عبر في ختام رحلته عن ارتياحه لانتهاء الحرب بين السعودية واليمن وحصول توافق بين الطرفين.
وارتباطا بتعاطف الهواري مع ملك السعودية، فقد تطرق في خاتمة رحلته إلى حادث تعرض عاهل السعودية لمحاولة اغتيال جديدة، خلال موسم الحج، فهنأه بنجاته منها، ولم يكتف بذلك، بل أورد نص برقية تهنئة بعث بهاالرئيس الفرنسي لوبران (Lebrun) إلى الملك السعودي بالمناسبة والرسالة الجوابية عنها (ص 273-275)!!؟. كما أدرج في الخاتمة كذلك، مقتطفات من قصيدة تهنئة، في الموضوع ذاته، للشاعر والكاتب خير الدين الزركلي (ص275-277). ولا مراء أن الهواري بتثبيته لهذه النصوص (برقيات، رسائل، أشعار)، أراد البرهنة على تضامنه مع العاهل السعودي، وعلى مكانة هذا الملك في العالم الإسلامي!. وفي الإطار ذاته، أشار الهواري إلى استقبال الرئيس الفرنسي ولي عهد السعودية في قصر الإيليزي، بمعية قدور بن غبريط، بما ينهض دليلا على متانة العلاقات بين فرنسا والسعودية أو ما أطلق عليه «صفاء المودة» (ص 277). وعلى العموم، أثنى الهواري على ملك السعودية ونافح عن الوهابية باعتبارها مذهبا سلفيا رافضا للبدع!
ورغم تمجيد الهواري لملك السعودية، لم يفته التطرق، ولو باقتضاب، لبعض السلبيات، أبرزها مظاهر الفقر المدقع في الحجاز. فعلى امتداد الطريق باتجاه المدينة المنورة وفي اتجاهات أخرى عاين كثرة الفقراء وتجليات العَوَز، ولم يجد مناصا من إبداء حسرته إزاء ذلك (ص 210). وبعد أزيد من عشر سنوات لم تتغير هذه الوضعية، إذ وقف الحجوي، سنة 1946، على مظاهر الخلل في السعودية، ومنها استفحال الفقر وسوء تدبير الثروة، متجاوزا بالتفصيل والنقد اللاذع تعليق الهواري المحدود.
ولعل رحلة الهواري، هي الرحلة الحجية المغربية الوحيدة، التي تطرقت إلى قُطر خليجي، تندر إشارات أو إفادات بشأنه في مصادر مغربية، هو سلطنة عمان. فقد أشار صاحب الرحلة إلى الأباضية العمانيين بمناسبة زيارته لمحل إقامة الأباضية الجزائريين من أهل مزاب في الحجاز(ص167)، ثم أشار إلى سلطان مسقط وتنازل السلطان تيمور وهو في زيارة للهند لابنه سعيد عن السلطنة، كما عرف بهذا القطر باقتضاب (ص182-182). ومعلوم أن سلطنة عمان على المذهب الخارجي الإباضي، الذي مازال له أتباع في بعض أقطار شمال افريقيا إلى اليوم، أما مسألة تنازل سلطان عمان عن العرش لنجله، فهي تفتقد الدقة، والواقع أن سعيد قاد انقلابا أبيض ضد والده تيمور بدعم إنجليزي!!
وتعكس رحلة الهواري جانبا من التمايز المذهبي بين أهل السنة وأهل الشيعة، فقد وجد نفسه، وربما لأول مرة في حياته، في خضم نقاش أو سجال شيعي- سني، خلال رحلة العودة من الحجاز باتجاه بيروت. أسهم في هذا النقاش شيعي لم يذكر اسمه، والصحافي عبد الله الصابونجي وطبيب مشرف على الحجر الصحي في بيروت حول “رسالة سيدنا محمد وبعض المسائل الشرعية”. وبحسب الهواري، فإن هذا السجال جرى في «جو الصفاء والانصاف والاستدلال بالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة وإيراد قواعد المنطق المعقول»، وانتهى بتفوق سني (ص215). لم يبرز الهواري جوانب العجز والقصور في موقف الشيعي، إذ كان ميالا بداهة ومن دون تردد إلى أن الصواب أو الحق هو ما نافح عنه أهل السنة. والحالة هاته، فالنقاش بحسب الهواري، لا يمكن أن ينتهي إلا بهذه النتيجة، تفوق السني ودحض آراء الشيعي.
4- ذكريات شامية وتنويه بالانتداب
ولا تخلو رحلة الهواري إلى الشام، وهو في طريق العودة إلى المغرب، من إفادات متنوعة همت المغرب والشام على حد سواء. ففي بيروت، لقي صديقه القديم الذي اشتغل معه في صحيفة السعادة، الصحافي اللبناني وديع كرم[13]. استضافه في منزله وتبادل معه ذكريات أيام إقامته في المغرب (ص225)، وأحيت زيارة الهواري لبيروت ذكريات أيام دراسته فيها قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، فقد درس الهواري في الكلية العثمانية برفقة نجل الصدر الأعظم المقري. وفي السياق ذاته، أشار صاحب الرحلة إلى وجود طلبة مغاربة في مدرسة النجاح بمدينة نابلس الفلسطينية، وكان يود زيارتهم لكن الظروف حالت دون ذلك، كما أن طالبا مغربيا آخر من تطوان هو الطيب بنونة درس في نابلس قبل انتقاله إلى اسطمبول لمتابعة الدراسة العليا في الهندسة (ص 257).
زار الهواري كذلك مدينة القدس، مقدما بشأنها صورة واضحة المعالم في عقد الثلاثينيات من القرن العشرين قبل اغتصابها من قبل الصهاينة. و تزامن وجوده فيها مع انعقاد المعرض العربي الثاني الذي «فتح أبوابه في محل عظيم وزينة فاخرة». تبرز تقسيمات المعرض ومحتوياته «الوثبات السريعة التي خطاها العرب في ميادين الصناعة والتجارة والفلاحة والزراعة وخصصت فيه محلات رحبة للمسارح والملاهي ومحلات التسلية والطرب والسينما...». وكتب عن بعض المرافق في القدس بنبرة إطرائية واضحة «….أوتيلات [فنادق] جميلة ومطاعم نظيفة كما في مدن الشرق الكبرى مع تعدد النعم ووسائل الراحة والانبساط»(ص231)، إنها صورة مشرقة للقدس: احتضانها معرضا اقتصاديا عربيا، توفرها على مرافق سياحية مع النظافة وحسن التنظيم! كانت القدس وقتذاك بمنأى عن الاستطيان الصهيوني وموجات العنف التي صاحبته في باقي أرجاء فلسطين!!
جاب الهواري مدنا شامية أخرى، الخليل و حمص و حلب وغيرها، متجولا في مرافقها ومعالمها الأثرية. كما زار دمشق، واصفا بتفصيل أبرز ما شاهده فيها، منها سوق الحامدية المعروف (ص238-239). واللافت للانتباه في القسم الخاص بالشام في هذه الرحلة، ثناء الهواري على نظام الانتداب الفرنسي، فقد كانت سوريا ولبنان خاضعتين لهذا النظام. و لم يجد الرحالة المغربي حرجا في التنويه بالحكومات الوطنية هناك «التي أصبحت بها البلاد سعيدة في عهد الانتداب»(ص240). فالهواري لم يجد تعارضا أو تناقضا بين ما سماه “الحكومات الوطنية” ونظام الانتداب (الاستعماري) المؤطر والموجه لهذه الحكومات!!. وفي تعليقه على مشاهداته في بيروت، كتب بصيغة إطرائية مماثلة (ص223). فلا مراء أن بيروت، على غرار عدد من المدن المشرقية، تغيرت ملامحها بفعل السيطرة الاستعمارية وما رافقها من إحداث بنيات تحية وتجهيزات ومرافق، لكن الثناء على الانتداب بهذه الكيفية يثير علامات استفهام حول الدوافع التي جعلت الهواري ينحو هذا المنحى، فهل كان لعلاقته الوطيدة بعدد من المسؤولين الفرنسيين في المغرب وخارجه تأثير في موقفه هذا، لاسيما أنه حصل على رسائل توصية من المقيم العام بونسو ومن سفير فرنسا في القاهرة كايار و من الموظف القنصلي لورجو؟!. هل كان الهواري مقتنعا حقا بثمرات أو مزايا الاستعمار مهما كانت نوعيته: حماية أو انتداب…؟.
5- امتعاض من الاجراءات الكمالية
غادر الهواري الشام باتجاه تركيا على متن قطار الشرق الكبير، وفي اسطمبول تحديدا، لمس مظاهر عظمة هذه المدينة (ص251). و في هذه المدينة المترامية الأطراف، والمليئة بالآثار من مختلف الحضارات والأزمنة، شد انتباهه، كسائر الرحالين والزوار، مسجد آيا صوفيا، الذي كان من قبل كنيسة. انبهر الهواري بهذه التحفة المعمارية. و قد أبدى الهواري أسفه بعد عودته إلى المغرب لما طرق سمعه تحويل هذا المسجد إلى متحف(ص253).
وانبهر الهواري بما عاينه في عدد من متاحف اسطمبول، مبديا إعجابه بسوق الأستانة العظيم. ولاحظ صاحب الرحلة لاسيما في اسطمبول، تقلصا ملحوظا في بعض المظاهر الإسلامية خاصة في نمط التزيي (الهندام)، من ذلك تعويض الطربوش التركي المعروف بالبرنيطة (القبعة)، بفعل الاجراءات التي أقدم عليها زعيم تركيا مصطفى كمال أتاتورك في سياق “عصرنته” لهذا القطر![14]. ولكن الهواري وجد بالمقابل، أن استبدال الطربوش بالبرنيطة لم يؤثر على ممارسة الشعائر الدينية حيث حافظ طلبة العلم و المصلون على برانيطهم (ص 252-253). والحالة هاته، تبددت ظنون الهواري، وهو الذي خشي من أن يؤدي إحداث تغيير في الهندام على أداء الصلاة، ومن ثم زالت صدمة البرنيطة والكبوط! باعتبارهما حائلين مفترضين دون القيام بالشعائر على الوجه الأمثل!
وعلى العموم، لم ينظر الهواري بعين الرضا إلى التدابير التي سنَّها أتاتورك مثل إحلال البرنيطة محل الطربوش أو تحويل مسجد أيا صوفيا إلى متحف، في خضم مسعاه لإضفاء الطابع الغربي على بلاده، ولم يفت الهواري إبداء حسرته على مآل صلات تركيا بباقي مكونات العالم الإسلامي رغم رقيها على النمط الغربي (ص 258)، ولم يقلص من شدة الحسرة، سوى استمرار الأتراك في القيام بشعائرهم الدينية على النحو المعهود رغم مظاهر العصرنة التي طالت كل شيء في تركيا بما في ذلك الزي!
6– دهش إزاء التمدن الأوربي
شغلت أوربا حيزا معتبرا في الرحلة الحجية للهواري، بما أنه عبر عددا من أقطارها أو أقام فيها لبعض الوقت، سواء خلال الذهاب إلى الحجاز أم بعد الإياب منه، فقدم وصفا متفاوتا لأبرز المدن الأوربية، وكانت مرسيليا أول مدينة أوربية توقف بها في طريقه نحو الحج، تجول في جل شوارعها، وأهمها المحج الشهير لاكانيبيارLa Canebiére) )، معددا مرافقه والمؤسسات الموجودة فيه ، وعبر عن انبهاره بتدفق حركة السير في هذه المدينة، لاسيما بواسطة الطراموايات الكهربائية. وقام الهواري بشرح نظام عمل الطرموايات، مثل أرقام الخطوط، وأرقام الطرموايات وتذاكر الأداء وما إلى ذلك ( ص47-48).
ومما زاره في مرسيليا، الكورنيش (La corniche)، الذي يضم محلات للسياحة والاستجمام وشوارع جميلة، وولج حديقة الحيوان، أو ما سماه «بستان الحيوانات»، فوجدها مليئة بالطيور من مختلف أنحاء العالم (ص48)، وذهب لزيارة متحف لونشان Longchamp)) فوجده مغلقا ولكن شده منظر بنايته الخارجية الجذَابة… . وبما أنه قضى إحدى الليالي في مرسيليا، فإنه اهتبل الفرصة لوصف المنظر العام للمدينة ليلا حيث تتلألأ الأضواء الكهربائية، فقد شدَّ انتباهه أكثر علامات الإضاءة في المحلات لأجل الإشهار(ص50) .
و تأسف الهواري لعدم تمكنه من زيارة مرافق ومؤسسات أخرى لاسيما مكتب المغرب الذي كان يقدم إرشادات عن المغرب بشأن التجارة و غيرها، ولكنه زار بالمقابل معمل السكر الشهير بسان لويس (Saint louis)، «الذي يستهلك المغاربة من سكره نصف ما يستهلكون من قوت الحياة» (ص 50). والشيء السلبي الوحيد الذي سجَّله عن مرسيليا، كثرة الأدخنة التي تعلوها (ص45). بيد أن هذه الملحوظة لم تربك رؤيته الإيجابية الشمولية عن هذه المدينة لما احتوته من عجائب ولأنها «باب كبيرة من أبواب أوربا ومن أعظم موانئ البحر المتوسط»( ص 50).
وعند أوبة الهواري من الحجاز، وبعد توقفات في بلاد الشام وتركيا، دخل بعض أقطار أوربا الشرقية والبلقان عبر قطار الشرق السريع، ورغم أن العبور كان سريعا، فإن الهواري حرص على تقديم أوصاف وتقييمات مقتضبة جدا عن عواصم ومدن أوربية. فقد وجد صوفيا عاصمة بلغاريا مدينة صغيرة ولكنها «من ألطف المدن الأوربية، واعتبر بلغراد عاصمة يوغسلافيا، من «أجمل المدن المزينة بالمناظر الطبيعية وبالأخص نهر الدانوب الشهير» (ص 261). غير أن انبهار الهواري كان أشد لما عبر بعض المدن الإيطالية، فهي «بهجة للناظرين لكثرة فلاحتها وأنهارها ومناظرها الطبيعية»» (ص 262). أطرى الهواري كثيرا على فينيزيا [البندقية] التي نعتها ب «جوهرة الأدرياتيك» (ص 261)، مخصصا حيزا مهما لوصف معالمها ومرافقها، مثلما أبهرته مدينة ميلانو. لقد مثلت آخر محطة في خط سير قطار الشرق السريع، قبل أن يسافر الهواري على متن قطار آخر نحو مدينة جنوة الإيطالية، ومنها عبر الحافلة إلى مونتي كارلو (Montecarlo) في إمارة موناكو، ثم انتقل إلى نيس، وبعدها إلى مرسيليا، وأخيرا توجه إلى باريس. وكانت برشلونة الكتالونية آخر المدن الأوربية التي تفاعل معها بإعجاب، فوصفها بأنها «من أعظم المدن الأوربية وأكثرها تدفقا بالمياه وأغزرها خضرا وفواكه» (ص 263).
وعلى العموم، انبهر الهواري بما رآه في المدن الأوربية سواء أقام فيها أم عبرها فقط، ولم تبد منه صيغ السخط أو النفور مما عاينه فيها من مظاهر الرقي والتقدم، ولم يقم بتبخيسها على عكس ما تردد في رحلات مغربية تمت إلى أوربا خلال القرن 19 وما قبله، حيث سادت فيها النقمة على أوربا ومدنيتها[15]. فرحلة الهواري إلى أوربا تمت في سياق مغاير للرحلات المشار إليها. ثم إن الهواري كانت له رغبة ذاتية ملحة في زيارة أوربا «لأجل رؤية العجائب والاستطلاع» (ص 27)، وهو ما لم يتوفر لدى رحالي القرن 19 وما قبله لأنهم زاروا أوربا في إطار مهام رسمية، بناء على طلب السلاطين وبتوجيه منهم!!.
7- تبديد أوهام المشارقة عن المغرب
حينما زار الهواري باريس، في طريق العودة إلى المغرب من الحجاز، استغل الفرصة للحديث عن المسجد الموجود في العاصمة الفرنسية ومديره الشهير قدور بن غبريط، مثنيا على السياسة الاسلامية لفرنسا، ومن ضمنها تشييدها لمسجد باريس. و معلوم أن فرنسا وعدت ببناء هذا المسجد في سياق اعترافها بالجميل للمسلمين ولاسيما مسلمي شمال إفريقيا الذين شاركوا في مجهودها الحربي خلال الحرب العالمية الأولى وهو المسجد الذي تم تدشينه رسميا عام 1922، وحضره محمد السايح[16] والقاضي محمد الهواري والد صاحب الرحلة لأجل تحقيق سُمْتِ قِبْلته… .
وارتباطا بالسياسة الفرنسية، وبما أن المغرب كان تحت سيطرة فرنسا، فإن الهواري حرص على إبراز حجم تطور المغرب في ظل نظام الحماية، ففي حديثه عما استفاده من زيارته لعدد من الأقطار الأوربية، إثر رجوعه من الحج، تطرق لبعض تجليات تقدم المغرب بنبرة لا تخلو من غلو ومبالغة لاسيما استحضاره، في إطار مقارنة جزافية، ما عاينه في أوربا. «إن بلاد المغرب قد تقدمت في مضمار الرقي شوطا بعيدا، إذ كل ما وجدناه هناك [أوربا] من تعبيد الطرق ونصب السكك الحديدية وتشييد القناطر وبناء المحطات وغير ذلك وجدنا له في بلادنا نظائر كثيرة» (ص 265). و للبرهنة على ما أورده بشأن تسلق المغرب لمدارج الرقي، قام الهواري بتثبيت ثلاث صور. واحدة عن محطة السكة الحديدية في الدار البيضاء، و صورتان عن القطار الكهربائي بالمغرب (ص 267). وعزز صاحب الرحلة الصور بتعليق لخص فيه موقفه مما كان يتردد حول تخلف المغرب. «ليعلم من ذلك بعض الذين يجهلون حال المغرب ما بلغه في طور الحضارة الحديثة، وقد رأينا ذلك من الضروري لإظهار بلادنا في الخارج بالمظهر اللائق بها» (ص 265-267). هذا الخطاب الدعائي المترع بحمولة وطنية ونزعة اعتزاز قوية بالذات، ما كان رائجا في المشرق عن المغرب، إذ كان المشارقة يرمقون المغرب بالتخلف، فحرص على نقض ما هو متواتر لديهم.
والواقع أن حديث الهواري عن جهل المشارقة بالمغرب وسعيه في تبديد تصوراتهم الخاطئة عنه، أمر تواتر في الرحلات المغربية اللاحقة على رحلته، فبان زيدان، اعتبر هذا الموضوع أحد أبرز مساعيه خلال زيارته للمشرق بضع سنوات فقط بعد رحلة الهواري، بل إن المغاربة مازالوا إلى الآن (2015) يتذمرون من استمرار جهل المشارقة بهم!
8- الهواري ناقدا ومُنتَقَداً
لم يكتف الهواري في “دليل الحج والسياحة” بالوصف وإبداء الاعجاب والانبهار، بل عبر عن مواقف لا يخلو بعضها من حساسية، و قد لا ينظر إليها بعين الرضا مثل إطرائه على حصيلة الانتداب الفرنسي في بلاد الشام أو ثنائه على السياسة الاسلامية لفرنسا. كما أنه لم يخف أحيانا بعض الحقائق الصادمة مثل تفشي الفقر المدقع في الحجاز. ثم إن الهواري عبر عن موقف نقدي إزاء الكمالية، ولا يمكن فصل نقده هذا، عما صدر عن جل مجايليه من الساسة والمؤلفين العرب والمسلمين الذين نقموا بدرجات متفاوتة على المسلك الذي سار فيه كمال أتاتورك، ومنه إلغاء الخلافة وتحويل مسجد ايا صوفيا إلى متحف وتعويض الطربوش بالبرنيطة، وإحداث تغيير على الهندام التقليدي بشكل عام.
استهل الهواري وصفه لمشاهداته بالباخرة العملاقة سطراطنافر، وحينما نتفحص معظم الرحلات الحجية كما الرحلات السفارية، نجدها تنطلق عموما من وصف البواخر التي أقلت مدوني الرحلات سواء باتجاه الشرق أم نحو أوربا، بما أن هذه البواخر مثلت صورة مصغرة لحجم التطور التقني والتنظيمي في أوربا [17]. والحالة هاته، ف «دليل الحج والسياحة» يعتبر امتدادا للرحلات السابقة عليها. و رغم تحسن ظروف الملاحة البحرية في القرن العشرين، يلاحظ أن الهواري، كجل الرحالين إن لم نقل سائر الرحالين الذين ركبوا البحر من ابن جبير إلى عهده، لم يجد بدا من التطرق إلى أهوال البحر، فرغم ضخامة الباخرة سطراطنفير حيث تعدت حمولتها 22.000 طن، فيما كان علوها نحو 12 مترا، فإنها بفعل الرياح القوية وهيجان البحر، أضحت تتمايل على سطح البحر «كقشرة بيض، تتلاعب به الأمواج أو شعرة في مهب الريح» (ص 264)، فلم ينفع ضخامة الباخرة دون حصول الميد ثم القيئ. وعاد الهواري لموضوع هيجان البحر إبان رحلة العودة على متن باخرة انطلقت من الجزيرة الخضراء نحو طنجة، وهو الذي تفادى ركوب الباخرة من بيروت، تجنبا لأهوال البحر.
عاين الهواري خضوع الحجاج للفحص الطبي في المحجر المشهور في بورسعيد، قبل التوجه إلى الحجاز، دون أن يتخذ موقفا سلبيا من الحجر الصحي، على عكس جل الفقهاء المغاربة الذين خضعوا لهذا الإجراء الاحترازي فنقموا عليه، لأنه حسب اعتقادهم يتعارض مع عقيدة القضاء والقدر ولمرجعيته الأوربية[18]. و لكن الهواري امتعض من عملية التلقيح ضد التيفوس بسبب ما رافقها من نقائص وتجاوزات. وبما أن الهواري استفاد من تصريح خاص بالسياحة، فإنه لم يخضع لهذا الإجراء القاسي، ولكنه أدى واجب الكرنتينة وهو 15 فرنكا. و بالمقابل، أطرى الهواري على محجر بيروت » (ص 220)، حيث لم يسجل معاملة سيئة أو تجاوزات في حق الحجاج. وعلى العموم، فإن ظروف تطبيق الحجر الصحي في القرن العشرين كانت أيسر بكثير مما كانت عليه في القرن التاسع عشر وما قبله.
لم يخف الهواري امتعاضه من سلوك حجاج مغاربة، فإذا كان السايح قد سجل بعد سنوات، عدم احترامهم لضوابط امتطاء البواخر، فإن الهواري عاين عدم تقيدهم بقواعد النظافة، مبديا تفهمه لإقدام شركة بحرية هولندية على منع حجاج مغاربة من السفر على متن بواخرها. والحالة هاته، كان الهواري يعتبر الحجاج بمثابة ممثلين لبلدهم، ومن ثم عليهم التحلي بمكارم الأخلاق والمحافظة على صورته من التلطيخ بممارسات مشينة.
– تضمنت رحلة الهواري كما معتبرا من الصور الفوتوغرافية (حوالي 90 صورة)، عزز المؤلف بها وصفه وتعاليقه على عدد من الأمور شاهدها خلال رحلته الطويلة التي قادته إلى مصر، الحجاز، الشام، تركيا، البلقان وبعض بلدان أوربا الغربية. همت هذه الصور مرافق، تجهيزات، مؤسسات ومعالم أثرية…كما همت شخصيات مغربية، عربية وأوربية، منها صور الملك محمد بن يوسف، المقيم العام الفرنسي بونسو، الصدر الأعظم المقري، الباشا الكلاوي، المؤرخ عبد الرحمان ابن زيدان، المحدث الحافظ عبد الحي الكتاني، الصحافي اللبناني وديع كرم، ملك مصر فاروق، والقائمة طويلة[19]… .
وعلى العموم، مكن التطور التقني ومنه ظهور آلة التصوير الشمسي، الرحالين المغاربة من توثيق مشاهداتهم بالصور الفتوغرافية. فقبل الهواري، على سبيل المثال، أدرج محمد الطيب الكتاني في رحلته “الأنفاس النورانية”، عددا من الصور[20]، لكنها لا ترقى كميا إلى ما توافر في “دليل الحج والسياحة”.
– انفرد الهواري بإيراد أحد تقاريظ رحلته في مستهلها عوض نهايتها، كما درج على ذلك المؤلفون، فقد أورد تقريظ الرافعي في الصفحات الأولى من رحلته» (ص 16-23)باعتبار مكانة هذا العالم وقتذاك. ثم أتى في نهايتها بتقاريظ شخصيات أدبية وعلمية مرموقة» (ص 282-310)، هي محمد فضول غريط، محمد العربي الناصري، محمد البيضاوي الشنقيطي، أحمد الزبدي، عبد الرحمان ابن زيدان، محمد بوعشرين الأنصاري، محمد بن اليمني الناصري، الذي لم يقتصر على تقريظ واحد، بل قرظ “دليل الحج والسياحة” نثرا ونظما. وأثبت الهواري تقريظين خارجيين مصدرهما بلاد الشام وفرنسا، وقع الأول أعضاء الهيئة الإدارية لجمعية الكشاف المسلم، أما الثاني (من باريس)، فكان من إمضاء صالح أبو رزق مراسل صحيفة السعادة في العاصمة الفرنسية. ثم إنالهواري أورد نص تقريظ الشيخ محمد بلعربي العلوي ضمن الملحق» (ص 313) لتعذر نشره ضمن التقاريظ.
وتميز تقريظ عبد الحي الكتاني بأمرين اثنين:
الأول: جرد طويل لعناوين الرحلات الحجية من المغرب أو الغرب الإسلامي إلى الحجاز منذ البدايات الأولى إلى وقته.
الثاني: عدم اكتفائه بالإطراء على رحلة الهواري، بل وجه نقدا لبقا، غير معهود في التقاريظ، أو بعبارة أخرى سجل عليه مأخذا. فبعد تنويهه بمجهودات المؤلف، عاب عليه تركيزه على الجانب الإداري وعدم إيلائه عناية كافية للجانب العلمي، ولكنه التمس له العذر في ذلك «فقام [الهواري] بإحياء هذه الذكرى [تدوين الرحلة] التي ماتت أو كادت، فرحل وتعب وسأل وكتب وجمع وحطب، وإن كانت وجهة قلمه غلبت عليها نشوة الوظيف والاهتبال بالموظفين والإدارات والمديرين، ولكن إذا علم أنه يكتب لأبناء هذا العصر زال العجب وعلم الأمر، فعسى أن يتسع قلمه وبحثه ووقته للكتابة مرة أخرى في حجة ثانية عن العلماء الدينيين وكبار المصنفين والمدرسين والمجيزين»» (ص 297)، وكان الهواري، قد استبق هذا المأخذ، بأن رد عليه في مستهل إيراده للتقاريظ، بأن مضمون الكتاب ينسجم مع عنوانه “الحج والسياحة”، ورغم ذلك، فإنه تطرق إلى عدد من علماء الأزهر ومشايخه، مبررا عدم إتيانه على ذكر أكبر عدد في الاعلام بأن ما قام به «فوق جهد متجول برخصة إدارية معدودة الأيام والسوائع»» (ص 282). ولعل ما يعاب على الهواري، إيراده في الصفحات الأخيرة من رحلته خبر توجه الباشا التهامي الكلاوي للحج مرفوقا بقصيدة في توديعه للفقيه عبد الله القباج مع تثبيت صورة له في إحدى الصفحات. فهل كان الهواري بصدد التملق لهذا الرجل (الباشا) القوي وقتذاك؟!
وأخيرا، لابد من الإشارة، إلى تسلل مفردات من العامية المصرية إلى المتن الرحلي للهواري من ذلك كلمات: الكمرك، العفش (الأثاث) وما إلى ذلك، وهو أمر طالما حصل في رحلات مغربية إلى المشرق، كما لا يجب التغاضي في القسم الشامي من هذه الرحلة، عن كثرة المقارنات إذ استحضر صاحبها عند مشاهدته ووصفه لمدن وأسواق وطرق وغيرها في بلاد الشام، ما يماثله أو يوازيه في المغرب [21]. وكثيرا ما تعذر عليه معرفة أو استحضار أسماء بلدات ومدن وقرى عبرها بسرعة، ولكنه مع ذلك أصر على عقد مقارنات مقتضبة، من ذلك إشارته إلى مدينة لبنانية صغيرة كأنها مدينة أزيلة (أصيلا) أو مدينة فلسطينية متصلة بالبحر عبر السور تشبه مدينة أزمور» (ص 229-230 ).
و بصرف النظر عن بعض مواقف الهواري وآرائه المثيرة للجدل، فإن “دليل الحج والسياحة” من أخصب المتون الرحلية في عهد الحماية وأكثرها ثراء سواء في الوصف التفصيلي للمشاهدات أم في التعليق على الكثير من القضايا، مع غناها بالصور مما يندرج ضمن تجديد في عملية التوثيق، حيث لم يقتصر على الوصف وإنما عزَّزه بتوظيف كثيف للصورة الفوتوغرافية على نحو غير معهود بفضل التطور التكنولوجي… .
[1] – يوجد جرد لبعض عناوين الرحلات الحجية في مرحلة الحماية لدى محمد المنوني: المصادر العربية لتاريخ المغرب، منشورات كلية الآداب (الرباط)، 1989، ج2، ص ص 236-238؛ ج3، ط2002، ص ص 62-63.
[2] – من النصوص الرحلية الحجية المنشورة على حلقات في جريدة السعادة الناطقة بلسان سلطات الإقامة الفرنسية في الرباط:
– أحمد الصبيحي: الرحلة المغربية المكية، حج عام 1334هـ/ 1916م، نشرت في صحيفة السعادة من أواخر 1916 إلى أوائل 1917(16 عددا).
– إدريس الجعايدي: رحلة حجية عن حجته عام 1348هـ/1930، نشرت تباعا في السعادة عامي 1348 و1349هـ/ (1930و1931م)
– أبو بكر عواد السلوي: رحلة حجية عن حجته عام 1348هـ كذلك (1930)، نشرها متسلسلة في السعادة اعتبارا من 1350/1951م.
[3] – من الرحلات الحجية المنشورة، في كتب، خلال مرحلة الحماية:
– أحمد المامون البلغيتي: النحلة الموهوبة النجازية في الرحلة الميمونة الحجازية، تمت عام 1345هـ/1927، وهي أرجوزة، المطبعة الجديدة، فاس 1346هـ (1928م)
– أحمد الرهوني: الرحلة المكية 1355هـ/1937م، مطبعة الأحرار تطون، 1941، صدرت عن معهد الجنرال فرانكو.
– محمد ماء العينين بن العتيق الشنقيطي: الرحلة المعينية إلى مكة والمدينة المنورة، عن رحلته الحجية عام 1357هـ/ 1939م، تحقيق محمد الظريف، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1998.
– محمد بن عبد الرحمان المريني: الرحلة إلى الحجاز (تمت عام 1947)، ولم تنشر إلا عام 2014.
[4] – من الرحلات الحجية التي تعود إلى مرحلة الحماية ولم تطبع إلا في فترة لاحقة، أي بعد انصرام عهد الحماية بسنوات بل بعقود، يذكر:
– رحلة محمد التوزاني عام 1929، لم تنشر إلا سنة 1997 بتحقيق وتعليق عبد الله عاصم، دار النشر المغربية، الدار البيضاء.
– محمد الطيب الكتاني: الأنفاس النوارنية في الرحلة الحجازية، تمت عام 1931، ولم تطبع وتنشر إلا سنة 2009، دار الكتب العلمية، بيروت.
– رحلة الحاج بن الطاهر وعزيز، تمت سنة 1933، نشرت في مجلة التاريخ العربي (الرباط)، ع 8 1998، ص ص 251-263؛ ع9، 1999، ص ص 231-256
– مشاهدات رحالة مغربي (أوضاع الشرق العربي عام 1938 (مذكرات الصديق الشدادي عن رحلته)، التاريخ العربي، ع 2، 1997، ص ص 267-279.
[5] – من الرحلات الحجية الضائعة أو مازال يطويها النسيان:
– أحمد سكيرج، الرحلة المكية تمت عام 1916، مخطوطة بالخزانة العامة، الرباط رقم 12.499.
– مجهول: القول المستصفى عن الرحلة لبيت الله الحرام والمسجد الأقصى، حج صاحبها عام 1352هـ/1934، المصادر العربية لتاريخ المغرب، ج2، ص 62.
– محمد بوشعرة السلوي: رحلة حجية (1348هـ/1930م)
– محمد ابن الطيب العلوي: الرحلة العلوية للديار المصطفوية عن حجته عام 1370هـ/1951م.
– عبد القادر الوزاني: رحلة حجية عام 1357، عبد السلام بن سودة: سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1997، ط1، ص 221.
– العابد الفاسي رحلة حجية عام 1351هـ، المصدر نفسه، ص 179.
[6] – أحمد بن محمد الهواري، نجل القاضي والفلكي محمد بن أحمد الهواري، ولد في مدينة فاس عام 1311هـ (1893م)، درس في المدرسة الابتدائية الفرنسية في طنجة، ثم التحق رفقة مجموعة من الشباب بإحدى مدارس بيروت قبيل الحرب العالمية الأولى. عاد إلى طنجة عام 1914، وأتم دراسته بالكوليج الفرنسي إلى عام 1916. عين كاتبا بدار النيابة في لجنة الأشغال العمومية ومحررا بجريدة الترقي ثم كاتبا مترجما بالقسم العدلي بالكتابة العامة للحكومة الشريفة في الرباط. استقال من الخدمة وفتح مدرسة خصوصية في فاس لتعليم اللغة الفرنسية، ثم ذهب إلى سلا وفتح بها مدرسة للغرض ذاته. تخلى عن الشأن التعليمي، وعاد إلى طنجة حيث أصبح عدلا. ثم عاد إلى سلا مترجما بقسم المندوبية. وفي سنة 1922، اتخذته إدارة جريدة السعادة محررا لها إلى أن صار رئيس تحريرها، وفي سنة 1929 عينه المخزن عضوا بالمحكمة العليا الشريفة. كان الهواري كاتبا لجمعية أحباس الحرمين الشريفين. كما تولى مسؤولية خليفة باشا الرباط ثم الدار البيضاء. توفي سنة 1327هـ/1953م.
من مؤلفاته:- المستدركات السنية في تعلم اللغة الفرنسية. و الدين النصيحة (محاضرة إذاعية وخطاب ألقاه في مسجد باريس بحضور محمد الخامس).
يراجع عن ترجمته:
– خير الدين الزركلي: الاعلام، ط7، دار العلم للملايين، بيروت، 1986، ج1، ص ص 252-253.
– عبد الله الجراري: التأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين من 1900 إلى 1972، مكتبة المعارف، الرباط، ط1، 1985، ص ص 60-61
– محمد المنوني: المصادر العربية لتاريخ المغرب، الرباط، 2002، ج3، ص 62
– صالح شكاك: أحمد الهواري: معلمة المغرب، المجلد 22، مطابع سلا، 2005، ص ص 7532- 7533.
[7] – أحمد الهواري: دليل الحج والسياحة، ط1، المطبعة الرسمية، الرباط، 1935.
[8] – لم يستسغ عبد الله الجراري إيراد الهواري لكم هائل من الإعلانات الاشهارية في آخر الرحلة، فكتب معلقا ومبديا عدم رضاه «وختم الكتاب [دليل الحج والسياحة] بإعلانات كان بدونها كتاب أدب وعلم أولى وأحسن». التأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين، ص 60 . أما بخصوص استفادة مؤلف الهواري من عملية اكتتاب واسعة ودعم فقد كتب عنها صاحب “دليل الحج والسياحة” «…فقد اكتتبت إدراة العلوم والمعارف في الكتاب بمائة (100 نسخة)، وطلبت إدارة الأمور الأصلية والمراقبات مائتي (200 نسخة) لعموم مكاتبها، وفتحت لنا المطبعة الرسمية بأمر خاص من سعادة الكاتب العام أبوابها لطبعه» المصدر نفسه، ص9.
[9] – هنري كايارHenri Gaillard، ترجمان ملحق بالمفوضية الفرنسية في المغرب اعتبارا من سنة 1889، أشرف على القنصلية الفرنسية في الدار البيضاء في السنة الموالية، ثم كلف بمهمة نائب قنصل في مدينة فاس عام 1900، قبل ترقيته إلى مرتبة قنصل في السنة ذاتها وبالمدينة نفسها. وتولى مسؤولية أول كاتب عام للإقامة العامة الفرنسية بالرباط. وكان من ركائز الإدارة الاستعمارية الفرنسية في المغرب. خلف تقارير، وحرر مؤلفات بمعية آخرين، يذكر منها:
– le commerce de Fés en 1902, Renseignements coloniaux (R.C) 1904
– Une ville de l’Islam : Fés, Paris 1905
واشترك مع ميشوبلير Michaux- Bellaire)) في العناوين التالية:
– Le Makhzen, Tanger, 1904
– L’insurrection de Féz, 1911, R. C, 1911
– La réorganisation du gouvernement marocain , R.C, 1916
يراجع عن هنري كايار:
– روجي لوتورنو: فاس قبل الحماية، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1986، ج1، صفحات كثيرة.
– عبد الحميد حساين: كايار، معلمة المغرب، المجلد 20، مطابع سلا، 2004، ص ص 6732-6733.
[10] – كتب عبد الله الجراري بشأن المؤلف نفسه ما يلي «فالفكر السامي [في تاريخ الفقه الاسلامي] يعد فلسفة تاريخية أصولية للفقه وتاريخ أشهر مشاهير فقهاء الاسلام مع عرض لأصول الاجتهاد والتدريب عليه، والحديث عما احتوته مضامينه من فوائد التشريع وفلسفته، وذلك ما حفز كليتي تونس ومصر لتقريره في مناهجها تقديرا له وللمجهود الجبار الذي بذله، وها هو الكتاب اليوم غدا حديث الأوساط العلمية في الشرق والغرب»، التأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين، ص 139
[11] – يراجع عن هذا الموضوع:
عبد الكريم كريم: صورة الملك عبد العزيز آل سعود من خلال بعض الرحلات المغربية إلى شبه الجزيرة العربية في الفترة ما بين 1930و 1938م، مجلة التاريخ العربي، ع 18، 2001، ص ص 7-25.
[12] – من مؤرخي المغرب في القرن 19 المناهضين للوهابية مع نعتها بالبدعة: أبو القاسم الزياني، الضعيف الرباطي وأبو العلاء إدريس، يراجع أحمد المكاوي: التحديث والحضور الأوربي في مصر خلال القرن 19، ضمن كتابات مغربية، أعمال ندوة “المغرب – المشرق: العلاقات والصورة”، منشورات كلية الآداب، بني ملال 1999، ص 89.
[13] – وديع كرم، صحافي لبناني ماروني، أسندت له المفوضية الفرنسية في مدينة طنجة، تحرير صحيفة السعادة عام 1906 وأسهم في إصدار جريدة “الصباح”، ثم تولى رئاسة تحرير “السعادة”. وبسبب الميولات الاستعمارية لهذه الصحيفة، انبرت عدد من المطبوعات المغربية للرد عليها وعلى رئيس تحريرها، منها:
– جريدة الطاعون لمحمد بن عبد الكبير الكتاني (1907)
– سنان القلم لتنبيه وديع كرم للعابد بن سودة (1908)
– مفاكهة ذوي النبل والإجادة حضرة مدير جريدة السعادة لعبد الحي الكتاني (1908)
– تنبيه المستبد من حيث على جهله يعتمد ليحيى الصقلي، طبعة حجرية…1908
يراجع عن وديع كرم:
– زين العابدين الكتاني: الصحافة المغربية نشأتها وتطورها 1820-1912، نشر وزارة الأنباء، الرباط، د . ت، صفحات كثيرة.
– عبد السلام بن سودة: دليل مؤرخ المغرب الأقصى، ج2، ط2، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1965، ص 493.
– عبد الهادي بوطالب: ذكريات، شهادات ووجوه، ط 1، 1992، ج1، ص 256.
– جامع بيضا: السعادة، معلمة المغرب، المجلد 15، 2002، ص ص 4982-4983.
عن الطلاب المغاربة في نابلس (فلسطين) يراجع مثلا:
– المهدي بنونة: المغرب…السنوات الحرجة، ط1، جدة 1989، ص ص 11-19
– عبد القادر الادريسي: مواقف مغربية (فصول في التاريخ والثقافة والفكر) ط1، الدار البيضاء 2007، ص ص 304-305.
– عبد الهادي بوطالب: ذكريات ـ شهادات ووجوه، ج1، ط1، 1992، ص 363.
[14] – قام محمد الصقلي، قبل الهواري، ببضع سنوات بزيارة مصر سوريا، فلسطين وتركيا عام 1928، ونشر القسم الخاص بتركيا من رحلته «رغبة منه في تعريف المغاربة بواقع الأتراك المسلمين، بعد قيام الجمهورية التركية بقيادة أتاتورك عام 1923». نشر هذا القسم في جريدة السعادة تباعا من عدد يوم الخميس 1 نوفمبر 1928 إلى عدد السبت 23/2/1929
يراجع عنها: محمد بن يحيى الصقلي: الرحلة المشرقية، دراسة وتخريج مصطفى الغاشي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2015.
عن استهلاك المغاربة للسكر والأتاي، يراجع دراستنا: استهلاك الشاي والسكر في المغرب: المتعة والضرر، مجلة أمل، ع16، 1999، ص ص 119-129.
[15] – يراجع مؤلفنا: الرحالون المغاربة وأوربا، جذور للنشر، الرباط، 2006.
[16] – دون محمد السايح مشاهداته على هامش رحلته إلى باريس لتحقيق سمت المسجد عام 1922، في مؤلفه “أسبوع في باريس” حققها وقدم لها سليمان القرشي، ط1،بيروت، أبو ظبي 2004.
[17] – يراجع مؤلفنا الرحالون المغاربة وأوربا.
[18] – يراجع في هذا الموضوع: أحمد المكاوي: إشكالية العدوى والاحتراز من الأوبئة في مغرب القرن 19، ضمن أعمال ندوة “المجاعات والأوبئة في تاريخ المغرب”، منشورات كلية الآداب بالجديدة، 2004، ص ص 405-425.
[19] – عدد الصور بالضبط 88 صورة، منها على سبيل المثال صورة يد سارق مقطوعة في الحجاز (عملية القصاص)! ومنها صور للأهرام والمعهد الموسيقي وأبو الهول في مصر، وصور للباخرة سطراطنافر، وصور عن مسجد باريس الخ.
[20] – محمد بن الطيب بن محمد المهدي الكتاني: الأنفاس النورانية في الرحلة الحجازية، تمت هذه الرحلة عام 1931، ولم تنشر إلا سنة 2009 عن دار الكتب العلمية بيروت. عدد الصور الفتوغرافية الواردة فيها 11 صورة فقط!!، وتجب الإشارة إلى أن محمد داود حمل معه آلة تصوير أثناء رحلته إلى الحج عام 1935، حسناء محمد داود: على رأس الثمانين، تطوان، 2011، ص 311.
[21] – من هذه المقارنات:
– «سوق الحامدية (دمشق) مسقف على نمط أسواق القيسارية بفاس»، ص 238.
– «مدينة طرابلس [لبنان] وجدنا لها اشتباها كبيرا مع بعض المحلات بفاس حيث الأجنة والمياه المارة بها» ص ص 244-245-
– «ختم القرآن في [حماة] يحتفى به على نهج ما هو عندنا في المغرب» ص 246.
– «أسواق حلب، إذ هي على نمط أسواق فاس ومراكش» ص 241.
ولاشك أن هذه التشابهات مردها الاشتراك في مجمل العناصر الحضارية بالنظر إلى الانتماء إلى المنظومة ذاتها.
السلام عليكم ورحمة الله
انا مغربي مقيم بالحجاز, وأحتاج نسخة من دليل الحج والسياحة للأستاذ الهواري ولم أستطع تحميلها . فهل من معين على ذلك وجزاكم الله خيرا,,,,,,,,
مقال جمالي. والأستاذ الهواري , أبدع في وصف الحجاز خصوصا,,,,,,,,,
الموهيم انا مغربي لي بغا الكتاب ديال “دليل الحج والسياحة” مرحبا