السبت , 9 نوفمبر, 2024
إخبــارات
الرئيسية » قـــراءات » الفكر والأدب في الغرب الإسلامي والمفهوم العجائبي

الفكر والأدب في الغرب الإسلامي والمفهوم العجائبي

لؤي علي خليل، عجائبية النثر الحكائي : أدب المعراج والمناقب، دمشق، دار التكوين، 2007.

ajaibiyat_الكتاب لباحث سوري متخصص في الأدب الأندلسي والمغربي بجامعة دمشق، وجاءت مقاربته لمحكيات1 المعراج والمناقب انطلاقا من مفهوم العجائبي، وخاصة مما كتبه تودوروف في هذا الباب2 ، وما كتبه الدارسون من بعده إضافة وإلغاءا أمثال (JACKSON Rosmary، SCHLOBIN Roger C.، MANLOVE C.N، SWINFEN Ann، CORNWELL Neil، RABKIN Eric) وغيرهم (ص13).

لم تكن مقاربة العجائبي غريبة عن الباحث، فقد سبق أن تناولها بالتحليل والبرهنة في كتابه تلقي العجائبي في النقد العربي الحديث (المصطلح والمفهوم)، الصادر عام 2006، عن هيئة الموسوعة العربية بدمشق.

انطلق الباحث في تداوله للإشكال القائم من شبه يقين بحضور مفهوم العجائبي في بنية الفكر العربي الإسلامي، وفي نصوصه السردية، وفي مقدمتها النموذجين المذكورين. وحتى يتجاوز النمذجة المشرقية، ارتأى أن يتم التطبيق على نصوص من الغرب الإسلامي.

إن المتتبع للنصوص التي اشتغل عليها المؤلف، وأخضعها لمقاربته، يلاحظ محدوديتها مقارنة مع ما هو متوفر منها في المجال المذكور وخاصة بالنسبة للمؤلفات المنقبية؛ فلم يتناول في المعراج سوى كتابات ابن عربي. ولم تتعد الكتابات المنقبية، وهيالتشوف إلى رجال التصوف لابن الزيات، والمعزى في مناقب أبي يعزى للتادلي، والبستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم، والروض العطر الأنفاس لابن عيشون.

نحا لؤي في دراسته اتجاهين؛ يبحث الأول في مدى استيفاء محكي المعراج والمناقب لعناصر الأدب العجائبي، ويبحث الثاني في قدرة الجنسين على تطوير الهيكل النظري العام لمفهوم العجائبي، بما يدعو إلى إعادة التفكير في طبيعته، وفي قدرة قوانينه على التعميم لتشمل نصوصا سردية أخرى مهما اختلفت الثقافة التي ينتمي إليها. وعليه، تكون دراسة الباحث، مساهمة في النظرية النقدية الحديثة.

قسم الباحث كتابه إلى فصلين، خص الأول (ص17-108) لمحكي المعراج، متناولا طبيعة هذا الجنس، ومدى تحقق العجائبي فيه، وموضوعات هذا العجائبي ووظائفه. وأفرد الفصل الثاني (ص109- 216) لعناصر تحقق العجائبي في المناقب، وموضوعات هذا العجائبي فيه، ولم يغفل، كشأن المعراج، وظائف هذا العجائبي في علاقته بهذا الجنس.

والملفت للانتباه، أن الباحث اتبع التصميم نفسه بالنسبة لكلا الفصلين، وكأنه سقط في نمطية الجنسين المدروسين من حيث لا يدري. هكذا، تناول في العنصر الأول في كلا الفصلين الخاص بتحقق العجائبي فيهما، الطبيعة الحقيقية لعالم شخصيات النص، وما أسماه بتجاور المألوف واللامألوف، ثم قضية التردد التي استوحاها من مفهوم العجائبي عند تودوروف. وأفرد موضوعات العجائبي لشبكتي الأنا والأنت، ودرس أربعا من وظائفه في الجنسين معا؛ الوظيفة الاجتماعية أو ما أسماه باختراق الممنوع، والوظيفة الأدبية، والوظيفة النوعية، وأخيرا الوظيفة المعرفية. لابد من التنبيه إلى أن الباحث وقف في العديد من محطات دراسته عند المقارنة بين محكي المعراج ومحكي المناقب، والتقاطعات والمفارقات الموجودة بينهما. ويلاحظ هذا الأمر أكثر في الفصل الثاني.

أسفرت مقاربة الباحث لنصوص المعراج والمناقب على العديد من الخلاصات، يمكن تقسيمها إلى قسمين : الأول خاص بالبنية الداخلية للكرامات. والثاني، متعلق بالهيكل النظري العام لمفهوم العجائبي وقدرة النصوص المدروسة على تطويره.

في القسم الأول، أكد على أن الموقع الخاص الذي تحوزه نصوص المعراج والمناقب ضمن النسق المعرفي للحضارة الإسلامية، بعدِّها كرامات، جعل حقيقتها ذات طبيعة متعدية تتجاوز أسوار النص إلى الواقع، مما مكنها من استيفاء العنصر الأول من عناصر العجائبي، المتمثل في ضرورة اعتبار عالم شخصيات النص عالم أحياء حقيقيين، كما أكسبها التميز، بما لشخوصها من حقيقة داخل النص وخارجه. وهذا مالا يتحقق في غيرها من النصوص الأدبية المحضة.

ولم يحل اعتماد هذه النصوص على الأحلام في سرد وقائعها المفارقة للمألوف دون إمكانية اعتبار هذه الوقائع ضربا من الحقيقة، وذلك بما للرؤية الصالحة والمبشرات من معنى خاص في الإسلام. وهذا ما اعتبر إضافة جديدة إلى مفهوم العجائبي الذي يرفض قبول الأحلام خوفا من ضياع الحقيقة. أما المظاهر التي يمكن أن تقع خارج الحقيقة، فهي ذات طبيعة متحركة تسمح بالانقياد إلى الحقيقة تارة، وإلى اللاحقيقة تارة أخرى، وذلك بحسب المعيار الذي تقاس عليه؛ فإذا كان المعيار هو “القدرة الإلهية”، انضمت هذه المظاهر إلى بوتقة الحقيقة بسبب عدم وقوع الاستحالات على القدرة الإلهية. وإذا كان المعيار هو الواقع الحسي التجريبي، غادرت هذه المظاهر دائرة الحقيقة.

إن تجاور كل من مظاهر الحقيقة واللاحقيقة في النصوص يبطل قدرة المتلقي على البت في اختيار تفسير مناسب لها، بسبب قابليتها لأكثر من احتمال. وهذا ما بدا متوافقا مع الشرط الأساسي للعجائبي، وهو التردد في تفسير الوقائع. غير أن التردد الذي تثيره نصوص الكرامات بدا أكثر حيوية ورسوخا للاعتبارات التالية :

إن التردد الذي يقوم عليه العجائبي، عامة، ذو طبيعة مؤقتة لا بد لها من نهاية تنقل النص إلى جنس الغريب أو العجيب، مما يجعل العجائبي جنسا متلاشيا . أما التردد في نصوص الكرامات فذو طبيعة ثابتة، ما دام العالم قائما، يؤجل البث فيه إلى العالم الآخر.

تقدم نصوص المناقب في مجال التردد آلية سردية جديدة على الأدب العجائبي في قضية تمثيل تردد المتلقي لدى شخصية من داخل النص، وهي آلية الامتحان، حين تتماهى إحدى الشخصيات مع تردد المتلقي، فتسعى إلى اختبار الولي في حقيقة ما نسب إليه من وقائع خارقة، لتستفيد من هذا التماهي فيما بعد، فتقود المتلقي إلى أن يتماهى معها في النهاية، حين يسلم النص بحقيقة ما نسب إلى الولي. وكأن النصوص قبلت تردد المتلقي في البداية ليقبل هو التسليم لها في النهاية. أما على صعيد موضوعات نصوص الكرامات، فتكثر فيها مظاهر العبور من المادة إلى الروح. وكذلك العبور من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، والعكس صحيح لكليهما.

القسم الثاني من الخلاصات، ألح فيه على إمكانية إدراج نصوص المعراج والمناقب ضمن أدب العجائبي. وبحكم موقعها بين الأدبي والمقدس والتاريخي، أثبتت قدرتها على إثراء وتطوير الهيكل النظري العام لمفهوم العجائبي، وهنا تكمن الإضافة النوعية للباحث.

وأخيرا وليس آخرا، يظل الكتاب بحاجة إلى قراءة متأنية للوقوف عند محطاته المتنوعة، والوقوف عند مجموعة من التفاصيل المهمة، خاصة في الفصل المتعلق بالمناقب. ولا بد للمؤرخ وهو يتعامل مع هذه الدراسة، ويستفيد منها، أن يأخذ مسافة تجعله ينأى عن السقوط في التعميم الذي يخل باستنتاجاته وخلاصاته.

1- أطلق الباحث على كتب المعراج والمناقب اسم الحكاية والنثر الحكائي لأن الصفة الأدبية ليست أصيلة فيها، إذ هي أخبار عن الصالحين والأولياء، تناقلها الناس شفويا إلى أن تم تثبيها في المرحلة التدوينية، فأخذت شكلا حكائيا.

2- مدخل إلى الأدب العجائبي، ترجمة، الصديق بوعلام، دار شرقيات، القاهرة، 1994.

- محمد ياسر الهلالي

21

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.