إذا كان الاستعمار قد نجح في فرض سلطته القهرية وآلياته التحكمية على الدولة والمجتمع المغربيين منذ مطلع القرن 20، فإن الأذرع “العلمية” لهذا الاستعمار قد نجحت في تفكيك البنى المعيشية والأنساق الثقافية المتوارثة. ويمكن القول إن الفضل يعود لجهود مؤسسات استعمارية رائدة مثل “البعثة العلمية الفرنسية بالمغرب” و”الشعبة السوسيولوجية للشؤون الأهلية” و”معهد الدراسات العليا المغربية”، إلى جانب منشورات متخصصة مثل الأرشيفات المغربية ومجلة العالم الإسلامي وهسبريس وتامودا ونشرة إفريقيا الفرنسية والاستعلامات الكولونيالية، في طرح الأسئلة الحقيقية المغيبة في جهود تفكيك الواقع المغربي وفهم خباياه وكتابة تاريخه المنسي. فبغض النظر عن كل النزوعات الكولونيالية الطافحة، أمكن القول إن السوسيولوجيا الكولونيالية قد استطاعت إعادة الاعتبار لـ “الهامش” عبر إدخال آليات إجرائية جديدة في البحث والتنقيب، وعبر طرح الأسئلة المؤطرة علمياً بنتائج أرقى العلوم الحديثة للمرحلة، مما لم نكن نجد له أي أثر في متون الإسطوغرافية الكلاسيكية العربية الإسلامية. والأمثلة على ذلك متعددة ومعبرة. بمعنى أن الفضل يعود للسوسيولوجيا الكولونيالية في طرح الأسئلة المغيبة التي لم تكن تثير أدنى اهتمام لدى المؤرخ المغربي الكلاسيكي، بحكم انتظامها في إطار السياقات الاعتيادية الناظمة لعلاقة الدولة بالمجتمع.
فإلى جانب الاهتمام بتفكيك بنية الدولة المخزنية التقليدية، اهتم الفرنسيون بالانفتاح على قضايا المجتمع في مختلف بناه وأنساقه المعيشية والذهنية والرمزية، مما فتح المجال لإحداث “ثورة منهجية” واسعة في منطلقات التشريح العلمي لبنية الدولة المغربية، الواحدة / المتنافرة، السكونية / المتحركة، المركزية / الجهوية. وقبل ذلك، حمل الأمر تجاوزاً لمنطق تبخيس عناصر المبادرة المرتبطة بأداء النخب التحكمية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وكان الهدف هو إعادة الإنصات لنبض مجتمع المغرب العميق الذي كان يعرف مساراً موازياً لمسار اشتغال نظم الدولة المخزنية المركزية، وهو المسار الذي كان يحمل من عناصر الخصب والعطاء والإبداع والحيوية الشيء الكثير. وإذا كانت الكتابات التقليدية قد أغفلت الاهتمام برصد معالم هذه العناصر، فالمؤكد أن درس السوسيولوجيا الكولونيالية، وبغض النظر عن أهدافه ومنطلقاته الوظيفية الاستعمارية المعروفة، استطاع طرح الأسئلة التفكيكية لركائز البنى المجتمعية المغربية التقليدية المتساكنة داخل الدولة الواحدة. ولعل في أعمال رواد مدرسة السوسيولوجيا الكولونيالية بالمغرب، من أمثال ألفريد لوشاتليي وجورج سالمون وميشو بلير وجورج هاردي وهنري دي كاستري وروبير مونطانيي وهنري باسي، خير دليل على ما نقول.
في هذا الإطار حظيت المنطقة الشرقية باهتمام خاص لدى فرق الاستكشاف العلمي الكولونيالي الفرنسي التي استهدفت تمهيد الأرض المغربية لمشاريع الغزو الاستعماري المباشر. وكانت النتيجة، تنظيم “لجنة إفريقيا الفرنسية “و”لجنة المغرب” لسلسلة من الرحلات “العلمية” الاستطلاعية المنطلقة بشكل خاص من الجزائر وطنجة. ومن أشهر هذه الرحلات الاستكشافية، نذكر بعثة فورو بالصحراء سنة 1899(1)، وبعثة إدمون دوتي الأولى لسنة 1901(2)، ثم بعثة دوتي الثانية لسنة 1902(3)، وبعثة بول لوموان لسنة 1904(4)، وبعثة العالم الجيولوجي والجغرافي لوي جنتيل سنة 1907 التي استهدفت أصقاع قبيلة بني يزناسن(5). فقد نشطت هذه البعثات بشكل كبير إلى حدود مطلع العقد الأول من القرن الماضي، عندما تقاطعت منذ سنة 1903 مع مرحلة أخرى من مراحل البحث الكولونيالي حول المغرب.
وإلى جانب ذلك، عرفت المرحلة تنظيم العديد من البعثات المتفرقة التي تمت بتأطير من شخصيات تنتمي للأوساط العلمية أو للإدارة الفرنسية، وذلك بشكل يوازي عمل “لجنة إفريقيا الفرنسية” و”لجنة المغرب”، مثلما هو الحال مع الرحلات التي قام بها ضباط البعثة العسكرية الفرنسية التي كانت قد استقرت إلى جانب السلطان الحسن الأول(6) أمثال إريكمان (Erckman)، ولوفالوا (Le Vallois)، وبركان(Berquin)، وتوماس (Thomas)، أو الرحلات التي نظمها بالريف ما بين سنتي 1901 و1907 وجمع نتائجها في كتاب مستقل(7)، وهي البعثات التي اعتمدت على دعم رواد المفوضية الفرنسية بطنجة الذين كانوا قد أخذوا في الاستقلال عن “مدرسة الجزائر” وفي أخذ زمام مبادرة استكشاف البلاد.
رحالة ومستكشفون ومغامرون
لا بد من الإشارة إلى أن طبيعة تكوين هؤلاء المستكشفين الذين قصدوا المجال المغربي باحثين في تفاصيله ومنقبين في جزئياته، قد اختلفت باختلاف مراحل تبلور المشروع الاستعماري الفرنسي بالمغرب. وقد انتبه إبراهيم بوطالب إلى هذا الأمر في إحدى دراساته التصنيفية(8)، عندما أشار إلى أنهم كانوا خلال مرحلة ما قبل 1830 عبارة عن قناصل اضطلعوا بمهام تجسسية طبعت جل أعمالهم، أو أسرى أو تجار سجلوا مظاهر الحياة التي عاينوها، ثم كانوا بعد احتلال الجزائر ضباطاً عسكريين متطلعين إلى أحوال المغرب الجغرافية، ثم كانوا بعد سنة 1880 علماء في العلوم الطبيعية أو الاجتماعية قصدوا المغرب بنية الكشف عن أسراره. ونشير إلى أن هذا التمايز في الأدوار الثلاثة قد وازته ظاهرة أساسية، تتمثل في غياب التخصص، وهو ما انعكس على قيمة الأعمال المنجزة. فدوتي مثلاً، أو دي سكونزاك أو جنتيل، أنجزوا دراسات “شاملة” بمفهومها الموسوعي، ذلك أن غالبية البعثات كانت تضع نصب أعينها المسح الشامل للمنطقة فيما يخص المعطيات الجغرافية والطبيعية من بنية جيولوجية وتربة ومناخ وتضاريس، ثم المعطيات البشرية من تاريخ ودين وأصل السكان وأنماط معاشهم وبنيتهم الاقتصادية، لتخلص في النهاية إلى الوضعية السياسية من وصف لعلاقة السكان بالمخزن المركزي، وأشكال الحكم المحلي، وطبيعة العلاقات التي كان بإمكان فرنسا أن تنهجها بالمنطقة.
وإذا كانت هذه هي الحدود العامة التي ميزت أعمال البعثات العلمية الفرنسية إلى حدود سنة 1903، فإن عدداً لا يستهان به من الأعمال اتجهت منذ البداية إلى إنجاز دراسات قطاعية محصورة في المكان أو الموضوع، مثلما هو الحال مع أعمال إدموند دوتي المذكور آنفاً، وهي الأعمال التي استهدفت تجاوز مرحلة مراكمة الأبحاث والاندهاش الاستغرابي من الواقع المغربي “المنحل”(9)، مما أدى إلى طرح مسألة خلق إطارات “علمية” كان هدفها تنسيق جهود الباحثين وربطها بمستلزمات المرحلة الجديدة التي أعقبت “الاتفاق الودي” الفرنسي الإنجليزي الذي أبرم سنة 1904 وأطلق يد فرنسا في المغرب.
في هذا السياق، أخذت المسألة في التحول الجذري مع بداية القرن 20، فبدأت صورة الرحالة أو المستكشف تتوارى خلف صورة الباحث المنقب، و “حل المتخصصون محل الهواة”(10)، وتم تعويض الرحلات الاستكشافية المتحركة حسب خطوط تنقل واضحة ودقيقة، بالمسح الشامل للمنطقة حسب النطاقات الجهوية، مع الاهتمام بجمع المصنفات والمخطوطات العربية(11) بشتى الوسائل. فلم تعد –بذلك- القضية مرتبطة بمبادرات فردية متفرقة هنا وهناك، دافعها الفضول الفكري الذي طبع العصر(12)، بل اتخذت بعداً سياسياً واضح المعالم حددت أهدافه بدقة، وهي تتمثل في البحث عن السبل الملائمة لضمان التوغل السلمي بالداخل، بتأطير من ما سماه دانييل ريفي “بالتغلغل العلمي”(13). هكذا، تعددت التخصصات وتوزعت بين الباحث اللساني مثل روني باسيه ((Basset أو مولييراس، والباحث السوسيولوجي كدوتي، أو الباحث الجيولوجي كجنتيل، أو الكارطوغرافي مثل دي فلوط روكفير (de Flotte Rocquevaire)، أو الهيدروغرافي مثل لاراس، أو المستشار التجاري مثل روني لوكليرك، أو الباحث الجغرافي الذي ينسق بين كل هذه الفروع مثل أوغستان برنارد (Augustin Bernard) الذي كان يشغل كرسي الجغرافية الاستعمارية بالسوربون(14). لقد حصل الوعي بوجوب، بل وبضرورة التنسيق بين كل الباحثين من أجل خلق جهاز قادر على تنظيم عملية “الغزو العلمي” لتجاوز مرحلة المبادرات الفردية و”الاستكشافات المجيدة” التي لم تعد قادرة على الاضطلاع بمهام المرحلة الجديدة.
لقد أضحى الأمر يستلزم الانتقال من الاندهاش أمام “النزعة الغرائبية”، إلى نقد هذه النزعة وتشريحها. فلم يعد بالإمكان الاكتفاء بترديد الأدبيات التي سادت المنتديات الأرستقراطية الهادفة إلى إشباع غليل الجمهور الفرنسي المولع بغرائبية هذه البلاد. وازداد هذا الوضع تطوراً مع تسارع وتيرة الأحداث وبداية التغلغل الفرنسي الفعلي جنوب البلاد وشرقها، إذ ربط الباحثون الأبحاث “العلمية” بالتوسع المجالي الفرنسي بالمنطقة. وبذلك أصبح الوضع يطرح تناقضاً واضحاً بين رواد “النزعة الغرائبية” ودعاة التأطير العلمي الخاضع لمستلزمات المرحلة. غير أن الأمر لم يكن ليستمر طويلاً، إذ لم تنتظر فرنسا وإسبانيا انعقاد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 من أجل الانطلاق في مسلسل “التسرب العلمي” بشكل يوازي التغلغل الاقتصادي(15). في هذا الإطار، تم تأسيس إطارات علمية حظيت بإمكانيات مادية وبشرية كبيرة، تمكنت من رسم ملامح مستقبل السياسة الاستعمارية للدولتين بالمغرب. وعلى رأس هذه الإطارات، نجد البعثة العلمية الفرنسية التي خرجت إلى النور في سنة 1903، بعد أن تجاوزت مخاضاً عسيراً ارتبط بتباين وجهات نظر الفرنسيين أنفسهم، وبحكم ظروف موضوعية سبقت التوقيع على “الاتفاق الودي” لسنة 1904 بين فرنسا وإنجلترا، حيث لم تكن تبدو في الأفق معالم حسم نهائي للمسألة المغربية لفائدة فرنسا.
البعثة العلمية الفرنسية وتأصيل التاريخ المحلي
في سياق الجهد التأطيري الكبير الذي بذله الفرنسيون من أجل تنظيم “الدراسات المغربية”، برز اسم ألفريد لوشاتليي، باعتباره أحد أقطاب الاستخبار العلمي الفرنسي بالمغرب خلال العقود الأولى من القرن 20، والمؤسس الفعلي للبعثة العلمية الفرنسية بالمغرب، وموجه الدراسات المغربية الكولونيالية خلال المرحلة المذكورة(16). فقد استفاد ألفريد لوشاتليي من تجربة تجاوزت الخمسين سنة، كضابط للشؤون الأهلية بالجزائر منذ سنة 1876، وأستاذ بالكوليج دي فرانس، وقطب دعائي لفرنسا، ومواطن غيور ومهووس بمصالح فرنسا الحيوية بالخارج. فقد شغل كل هذه المناصب بدرجة عليا من التفاني جعلت اسمه يقترن بمرحلة من مراحل التوسع الاستعماري الفرنسي بإفريقيا الشمالية بشكل خاص. وقد أبان عن فكر ثاقب، سواء عند مشاركته في أول بعثة اخترقت الصحراء بقيادة فلاتير (Falters) سنة 1880، أو عند تأسيسه لمركز ورغلة، أو عند زيارته لمصر العليا وتركيا، وتوغله داخل السودان والنوبة ما بين سنتي 1886 و1890، أو عند اضطلاعه بمهام رسمية بالمغرب وبإفريقيا الاستوائية قبل استقالته عن طواعية من الجيش(17)، وتفرغه للمسألة المغربية عبر المساهمة في تأطير “الحزب الاستعماري”(18). فتحمل مسؤوليات سياسية أهلته ليصبح “مهندساً لسياسة فرنسا الإسلامية بإفريقيا”(19)، إذ قام بإصدار عدة محاضرات حول هذه القضية، وعممها بين رجال السياسة آنذاك(20). كما أنجز عدة رحلات ثم دراسات حول المغرب خلال فترة ما قبل سنة 1900 اهتمت بأوضاع البلاد وخفاياها السرية وسبل التحرك داخلها(21)، كما اعتبر من مؤسسي “لجنة إفريقيا الفرنسية” وعضواً نشيطاً بها.
ومع التطورات الجديدة التي عرفها المغرب عند بداية القرن 20، وقف لوشاتليي إلى جانب أوجين إتيين، مسانداً له داخل “الحزب الاستعماري” ومؤيدا لأطروحته حول المسألة المغربية، إذ ظل يؤكد على ضرورة تقييم تجربة الجزائر واستخلاص الدروس اللازمة منها، مع أخذ الخصوصيات المغربية بعين الاعتبار. ومعلوم أن الدوائر الاستعمارية الفرنسية قد أبدت إعجاباً كبيراً بمواقف لوشاتليي بخصوص احتلال الواحات الصحراوية عند بداية القرن، مستغلاً في ذلك نوعية العلاقات التي كانت تربطه بعدد من قياد المنطقة الجنوبية المغربية والجزائرية. وهي العلاقات التي جعلت عدداً من أفراد القبائل تقاتل إلى جانب الفرنسيين جنوب غرب الجزائر، ولا أدل على ذلك من وجود عدة مراسلات متعلقة بهذه القضية والتي تمكنا من الوقوف عليها. فمثلاً، هناك رسالة مؤرخة في شهر مارس 1898(22)، أرسلها المسمى علي بن إبراهيم قائد بني ثور والرويسات إلى لوشاتليي تخبره بالتجند وراء شخص كان قد أرسله لوشاتليي واسمه ألفونصيو (كذا) من أجل طرد “الفتانين الترك”، ويتضمن الشق الثاني من الرسالة مجموعة من المعلومات تغطي جوانب متعددة من الحياة بهذه المنطقة بامتداداتها المتشعبة داخل الغرب الجزائري ثم داخل الشرق المغربي.
وفي رسالة أخرى مؤرخة في 10 يونيو 1898، يعلن نفس الشخص للوشاتليي(23)، بعد اطلاعه على مختلف أوضاع قبائل المنطقة الشرقية، عن استعداده لتهيئة الظروف لاستقبال مندوب فرنسي دائم. يشكل كل هذا دليلاً على أهمية المكانة التي أضحى لوشاتليي يحظى بها بين ساكنة هذه المنطقة. ويشير تقرير رفعته المفوضية الفرنسية بطنجة إلى وزارة الخارجية مؤرخ في 31 ماي 1906(24) إلى أن نجاح المشروع يعود بالدرجة الأولى إلى أن لوشاتليي عقد العزم على إعطاء دفعة حاسمة للدراسات السوسيولوجية المغربية وربطها بالمصالح الاستعمارية الفرنسية بالجزائر والمغرب.
في هذا الإطار، جاء قرار إنشاء “البعثة العلمية بالمغرب” يوم 20 أكتوبر من سنة 1903، وتم اختيار مدينة باريس كمقر دائم لها، وذلك بدعم من وزارتي الخارجية والتربية والمفوضية الفرنسية بطنجة و”لجنة المغرب”، الأمر الذي شكل إيذاناً ببداية مرحلة جديدة في تاريخ البحث الكولونيالي بالمغرب، بشكل تجاوز الأساليب التقليدية في التغلغل الاستعماري. وفي نفس السنة، عين جورج سالمون مديراً مساعداً للبعثة العلمية بالمغرب، بقرار إداري أصدره الحاكم العام للجزائر. وقد اختيرت مدينة طنجة كمقر مركزي لهذه البعثة، ووضعت لها أهدافاً محددة تتمثل في إنجاز دراسات إثنوغرافية وسوسيولوجية حول المغرب، وتنظيم البحث العلمي حول قضاياه المجهرية عبر تأطير فرق الباحثين وعموم الموظفين الفرنسيين بالجزائر والمغرب.
وعموماً، فقد توزعت أهداف “البعثة” بين مجالين متكاملين، أولهما يتمثل في إنجاز دراسات سوسيولوجية حول العادات والتقاليد والساكنة المغربية، وثانيهما يتكامل مع هذا “الدور العلمي”، إذ كان هدفه تمهيد المجال لتغلغل فرنسا في المغرب. يقول دانييل ريفي: “فبهدف اجتناب الأخطاء التي ارتكبت بالجزائر والناجمة عن عدم القيام بدراسات (كافية) حول البلاد، اهتمت فرنسا بالتحضير لتدخلها بالمغرب بشكل منهجي. هكذا، وبارتباط وثيق مع المفوضية الفرنسية، أصبحت “البعثة العلمية” جهازاً (مكلفاً) بالأبحاث والدراسات المخصصة لنشر النفوذ الفرنسي”(25). وباختصار، أصبحت الأهداف مرتبطة بخلق جهاز قادر على رصد تطور الأوضاع داخل البلاد عبر إنجاز تقارير منتظمة ومواكبة للأحداث، إلى جانب تقديم المعطيات اللازمة لرجال السياسة الفرنسيين العاملين بالمغرب، بشكل كان يؤهل “البعثة” للتحول إلى “مركز للاستخبار”(26) خلال الفترات اللاحقة.
ميشو بلير محور عمل البعثة العلمية الفرنسية بالمغرب
في سياق تداعيات موجة “الاستكشاف العلمي” الفرنسي لبلادنا، برز اسم الباحث إدوارد ميشو بلير، واحتل مكانة متميزة بين أعضاء البعثة العلمية الفرنسية العاملين بطنجة، وأصبح في مدة زمنية قصيرة من المتنفذين داخل هذا الجهاز (27).
ولد ميشو بلير سنة 1857 بمدينة روان الفرنسية، واستقر بالمغرب منذ سنة 1884، وتحديداً بمدينة القصر الكبير التي مكث بها إلى حدود سنة 1894، حيث كان يضطلع بمهام الموظف القنصلي لفرنسا. وعند تأسيس البعثة العلمية الفرنسية بطنجة، أصبح عمودها الفقري وركيزتها الأساسية إلى جانب رفيقه جورج سالمون. وقد ظل مستقراً بهذه المدينة إلى غاية سنة 1925، تاريخ تعيينه من طرف الإقامة العامة الفرنسية مستشاراً في الشؤون الأهلية، حيث استقر بمدينة سلا وبقي هناك إلى تاريخ وفاته سنة 1930.
برزت حيوية ميشو بلير من خلال مستويات متداخلة من عمله فوق التراب المغربي. فإلى جانب إشرافه وإسهامه الكبيرين في المنابر التي كان ينشر فيها دراساته وتقاريره، وعلى رأسها دورية الأرشيفات المغربية ومجلة العالم الإسلامي ومجلة فرنسا- المغرب، كان يشرف على تأطير ضباط الشؤون الأهلية وعلى تقديم إسهاماته العلمية داخل “معهد الدراسات العليا المغربية” (I.H.E.M)، كما أنه أشرف على توجيه الكثير من الأعمال والبعثات التنقيبية التي استهدفت كل جهات البلاد. فكان له الفضل في التعريف بالعديد من مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية لمغاربة الأمس، بل ويعود له الفضل في وضع منطلقات البحث المونوغرافي المحلي المجهري من خلال مشروع مدن المغرب وقبائله. لذلك لا غرابة في أنه راكم إسهامات عميقة في وضع العديد من التصورات الاستعمارية للإدارة الفرنسية، وفي توجيه عملها، وقد وضع بصمات واضحة على الكثير من القرارات الحاسمة التي ميزت عملها بالمغرب بين سنتي 1912 و1930، مثلما هو الحال مع قضية “السياسة البربرية” التي أثمرت ظهير 16 ماي 1930 الشهير، أو مع حدث تعيين السلطان محمد بن يوسف سنة 1927، حيث برز اسمه كموجه لقرار الإقامة العامة بهذا الخصوص(28).
وإذا كنا لا ننوي التركيز هنا على مجمل إصداراته التي رأت النور في المنابر الاستعمارية الفرنسية لمرحلة العقود الثلاثة الأولى من القرن 20(29)، فإن سياق الحديث يقتضي التوقف للكشف عن رصيد الذخيرة الوثائقية الهامة التي استطاع ميشو بلير مراكمتها على امتداد فترة مقامه بالمغرب، باحثاً ومتنقلاً ومنقباً، ثم مشرفاً على فرق العمل وعلى البعثات التي قصدت كل جهات البلاد، إلى جانب الاختصاصات الواسعة التي منحتها إياه السلطات الاستعمارية والهادفة إلى تمكينه من تجميع كل التفاصيل والجزئيات والشواهد والمخلفات المادية والمحكيات والتراث الرمزي، مما ساهم في التأسيس لتاريخ مغربي محلي واضح المعالم.
كان الأمر يتعلق بتاريخ محلي كولونيالي بأبعاد وظيفية فاقعة لا نحتاج لكثير عناء للكشف عن خلفياتها. ومع ذلك، فهو يكتسي قيمة معرفية كبرى على مستويات متداخلة، على رأسها قدرة ميشو بلير على الإشراف على عمل جيل كامل من الموظفين الفرنسيين الذين أصبحت من وظائفهم الأساسية، إلى جانب الإشراف على التسيير الإداري الحصري الضيق، الانكباب العملي على تجميع كل الشواهد والمخلفات والمدونات، بما فيها تلك التي لم تكن تثير أدنى انتباه أو اهتمام لدى المؤرخ المغربي التقليدي. لقد استطاع ميشو بلير أن يوجه أعماله التنقيبية نحو الوقائع المجهرية، والتعبيرات المحلية الرمزية، والأنساق الثقافية العميقة غير المندرجة ضمن انشغالات النخبة العالمة، ونحو تفكيك أنماط التساكن المجتمعي المحلي وأنساق تنظيم المجال الجغرافي. وهي قضايا ظلت غائبة عن رصيد المؤرخ التقليدي المهووس بقضايا المركز والسلطة وتبدل الأزمنة والوجوه. وباختصار، فقد اكتسى هذا التراكم قيمته من قوته الإجرائية عند طرح الأسئلة المغيبة وتوجيه البحث نحو تفاصيل الهامش ومنسيات الأقاصي في الجبال والصحاري والمناطق الحدودية.
في هذا الإطار، كان لمنطقة الشرق نصيبها في مجال عمل ميشو بلير لمرحلة مطلع القرن 20. وإذا كانت إصداراته المنشورة لم تهتم إلا نادراً بقضايا هذه المنطقة وبتحولاتها التاريخية والسوسيولوجية، فإن رصيد وثائقه المحفوظة في مواقع مختلفة داخل المغرب وخارجه تظل من الغزارة والتنوع والغنى بشكل قد لا نجد مثيلا له – في حدود علمنا المتواضع- في تجارب مجايليه، وفي تجارب باقي رواد الاستكشاف العلمي الكولونيالي لبلادنا. لذلك، فإن عمليات تجميع هذه الوثائق وتصنيفها وتحقيقها تقدم للباحث المداخل المؤطرة للعمل المونوغرافي داخل دوائر التاريخ المحلي الوطني الراهن، بعيداً عن الأحكام الجاهزة المستنسخة، والإسقاطات الوظيفية، والنزعات التقليدانية التي تفقد البحث أصالته العلمية وتدفع به في اتجاه مهاوي الإسفاف والابتذال والتوظيف الموجه الذي لا يخدم إلا المصالح الآنية للفرد أو الجماعة، سواء في إطار التدافع الاستعماري أم في إطار معارك كسب الشرعيات التاريخية بالنسبة لفاعلي الزمن المغربي الراهن.
وللاقتراب من سقف هذا المطلب العلمي المؤطر لجهود البحث الأكاديمي المتخصص في ماضي منطقة الشرق المغربي، نقترح تقديم تعريف أولي عام لبعض أرصدة أرشيف ميشو بلير، ومعه البعثة العلمية الفرنسية بالمغرب، والمتعلقة بمرحلة نهاية القرن 19 ومطلع القرن 20. وقبل الاسترسال في الحديث عن هذه المراكز، نود التأكيد على أن الأمر لا يتعلق بتصنيف للمضامين ولا بتحقيق للمعطيات ولا بجرد تفصيلي للمواد، بل يتعلق بتعريف عام نسعى – من خلاله- إلى تقريب المهتمين من القيم العلمية والثقافية لهذه الذخائر ولدورها في التأصيل للمنطلقات البديلة للاشتغال داخل دهاليز التاريخ المحلي، في أفق تنظيم العمل المؤسساتي الهادف إلى استثمارها وتعميم تداول نتائجها في أعمال قطاعية أو مونوغرافية متخصصة. وغني عن التذكير أننا لن نقف إلا عند الذخائر التي أتيحت لنا فرص الوقوف على بعض مضامينها، والأمل معقود على جهود لاحقة لاستكمال حلقات البحث في إطار رؤى نسقية تلتقي فيها الأهداف والمرامي والغايات الكبرى من وراء إضفاء طابع مؤسساتي على عملية تجميع وثائق المنطقة الشرقية وحفظ ذاكرتها وتراثها المادي والرمزي من عوادي الاضمحلال والزوال.
تتوزع أهم الأرصدة الوثائقية، غير المنشورة في الغالب، للباحث الفرنسي ميشو بلير، بين المواد التالية:
1ـ وثائق الفرع القنصلي الفرنسي بالقصر الكبير
تشمل هذه الوثائق مراسلات المسؤول عن الفرع القنصلي الفرنسي بمدينة القصر الكبير عند نهاية القرن 19 وبداية القرن 20. ومعلوم أن مهمة الإشراف على الفرع المذكور، كان يقوم بها مواطن مغربي من أصل جزائري اسمه عبد السلام الشاوش، قبل أن يخلفه بعد وفاته صهره عبد الرحمان بن أحمد اليعقوبي. وكان السوسيولوجي ميشو بلير المسؤول الأول عن مراقبة عمل هذا الجهاز الفرنسي خلال المرحلة الممتدة بين سنتي 1893 و1903، وهي المرحلة التي تغطي فترة مقام ميشو بلير بالمدينة المذكورة في إطار مهامه القنصلية المعروفة.
لقد استطاع المسؤولون عن الفرع القنصلي بالقصر الكبير تجميع كم هائل من الوثائق والشواهد المتعددة في أهدافها والمختلفة في طبيعتها، مثل المراسلات المخزنية والوثائق الإدارية المحلية، ثم الوثائق العائلية مثل عقود الزواج والطلاق والإرث والبيع والشراء. وبالإضافة إلى ذلك، تضم هذه الوثائق موادا خاصة بمؤسسات الزوايا ونظام الوقف الإسلامي وأشكال تدبير المرافق المشتركة مثل المساجد والمارستانات والأسواق والملاح. وننبه إلى أن هذه الوثائق لم تركز على مرافق مدينة القصر الكبير وحدها، بل امتدت إلى أحواز المدينة لتشمل وثائق قبائل المنطقة، مثل طليق والخلوط وأهل سريف. وداخل هذا الكم الغزير من المواد، تستأثر مشاكل المحميين المغاربة المستفيدين من نظام الحماية القنصلية بنصيب الأسد من الناحية الكمية.
والمثير في الأمر، أن وثائق الفرع القنصلي الفرنسي بمدينة القصر الكبير لم تكن تشمل منطقة شمال غرب المغرب فحسب، بل ضمت أيضا وثائق غزيرة وملفات عديدة عبارة عن تقارير ومواد تهم جهات متعددة من المغرب، وعلى رأسها المنطقة الشرقية. ويبدو أن توجيهات ميشو بلير كانت واضحة، مفادها استثمار شبكة العلاقات المتداخلة التي فرضها الاحتلال الفرنسي للجزائر من أجل تمهيد الشرق المغربي أمام عمل فرنسا، ثم –أساساً- من أجل استقطاب ساكنة المناطق الحدودية وجعلها آلية للتدخل وللضغط على المخزن المركزي. ولعل من الأمور الدالة بهذا الخصوص، الحضور القوي لاسم الجنرال ليوطي، والإحالة المستمرة إليه في العديد من المراسلات المتبادلة بين ميشو بلير ووزارة الخارجية الفرنسية. كما أن بلورة سياسة “بقعة الزيت” لم تأت من ردود أفعال عسكرية محضة، ولكن استناداً إلى توجيهات الفرنسيين العاملين فوق الأرض المغربية، تفكيكا للبنى وتنقيباً عن التفاصيل واستلهاماً لتجارب الغزو والاحتلال.
ونشير إلى أن هذه الوثائق لاتزال محفوظة بأربعة مراكز مختلفة بالمغرب وفرنسا، ويتعلق الأمر بمركز الوثائق الديبلوماسية الفرنسية التابع لوزارة الخارجية الفرنسية بالكي دورساي بباريس، ومركز الوثائق الدبلوماسية الفرنسية التابع لنفس الوزارة بمدينة نانط، ومركز الوثائق العسكرية بإيكس أون بروفانس التابعة لوزارة الدفاع، ثم مركز الوثائق الوطنية التي كانت المحفوظة بالخزانة العامة بالرباط ضمن الملف المعنون ب”وثائق ميشو بلير”.
2ـ وثائق البعثة العلمية الفرنسية بالمغرب
توجد هذه الوثائق بنفس المراكز المذكورة أعلاه بمدن باريس ونانط وإيكس أون بروفانس والرباط، وهي مرتبة بطريقة جيدة، وتضم كما هائلاً من التقارير والمراسلات والوثائق التي كان يتوصل بها ميشو بلير من مختلف الموظفين الفرنسيين الذين كانوا منتشرين عبر كل جهات المغرب خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1904 و1929، أي أثناء إشرافه على تسيير شؤون البعثة العلمية الفرنسية بطنجة، ثم الشعبة السوسيولوجية للشؤون الأهلية بسلا. وداخل هذا الكم الهائل من المواد الوثائقية، تبرز سلسلة شواهد تتعلق بواقع مراكز الشرق المغربي خلال المرحلة التاريخية المذكورة، وهي مصنفة بشكل دقيق، وقد تُرجم الكثير منها إلى اللغة الفرنسية، ويغطي مجالات متعددة من الحياة اليومية للسكان، سواء بالحواضر أم بأحوازها. وتضم هذه الوثائق تقارير متنوعة وبيانات إحصائية لا نجد مثيلاً لها داخل المصنفات التاريخية المتوارثة.
لا يتعلق الأمر بـ”أوراق ميشو بلير” فحسب، ولكن –كذلك- بتقارير أطر البعثة العلمية الذين كانوا دائمي التردد على المنطقة الشرقية من أجل تجميع المعطيات والتفاصيل “الأخرى”، مثلما هو الحال مع الباحث جورج سالمون والباحث ناعوم سلوش. وبفضل هذه الذخيرة الهائلة، أمكن تقديم جرد دقيق لتفاصيل حياة الهامش أو تفاصيل المهمش أو التاريخ من أسفل، والذي كان يصنعه الناس العاديون بعيداً عن سلط الإكراه المخزنية المتعددة. وإلى جانب الوثائق المخزنية والعائلية والقبلية، يحتوي رصيد وثائق البعثة العلمية الفرنسية على كم هام من المخطوطات والسجلات والكنانيش التي خلفتها النخب المتعلمة بالمنطقة، سواء في إطار مهامها المهنية أو في إطار اهتماماتها العلمية والثقافية الخاصة، مثلما هو الحال مع كنانيش الحسبة والقضاء والجبايات والتعليم التقليدي وأوراد الزوايا والأوقاف.
3ـ وثائق دار النيابة السعيدة بطنجة
توجد هذه الوثائق ضمن ذخائر المكتبة العامة والمحفوظات بمدينة تطوان، وهي تتناول –عموماً- قضايا المحميين المغاربة خلال نهاية القرن 19، والمرتبطين بمختلف الدول الأوربية التي كانت تستفيد من نظام الحماية القنصلية، وخاصة فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإنجلترا. كما تضم الكثير من الوثائق الخاصة بوضعية اليهود المغاربة، على هامش المشاكل الديبلوماسية التي كانت ترتبط بوضعهم كمحميين تابعين لدول أجنبية. ونشير إلى أن الكثير من هذه الوثائق تتخذ شكل مراسلات بين المفوضية الفرنسية بطنجة وممثلي المخزن المغربي بالمنطقة الشرقية، في إطار تداعيات المشاكل المرتبطة بقضية الحماية القنصلية. وتحتفظ وثائق ميشو بلير بنسخ من الكثير من هذه المراسلات، إلى جانب المراسلات الثنائية بين المفوضية الفرنسية بطنجة وبين محميي المنطقة.
تتوزع وثائق ميشو بلير مع عموم محميي بلاد المغرب بين المجموعات الأساسية التالية:
ـ مح. 28/5.
ـ مح. 31/38.
ـ مح. 38/16.
ـ مح. 38/24.
وعلى الرغم مما تقدم المجموعات الوثائقية المذكورة أعلاه من غنى استثنائي وتنوع فريد، فإنها لم تجد صداها داخل الأعمال القطاعية والمونوغرافية المرتبطة برصيد المنجز العلمي لميشو بلير، وهو الأمر الذي يثير أكثر من علامة استفهام حول الموضوع، خاصة وأن هذا الباحث كان معروفاً بالحرص الكبير على تعميم نتائج تنقيباته و”أوراقه” في دراساته الغزيرة المنشورة بشكل خاص بكل من الأرشيفات المغربية ومجلة العالم الإسلامي. نثير هذه الملاحظة، مع تأكيد استثناء دراسة يتيمة نشرها ميشو بلير سنة 1928 حول وضعية منطقة توات، سعى فيها إلى تأكيد انفصالها التاريخي عن كل الدول المتعاقبة على حكم منطقة الشمال الإفريقي باستثناء فترات قصيرة، إلى جانب التأكيد على أهمية المنطقة من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية، مما كان يدفع –في نظره- بسلاطين المغرب إلى نهج “سياسة صحراوية” على حد تعبيره، على غرار “السياسة الأوربية” أو “السياسة الأهلية” للدولة المغربية (30).
وبغض النظر عن ضعف استثمار ميشو بلير لمادته الوثائقية في مجال النشر بنفس الشكل الذي حققه مع جهات أخرى من المغرب، فإن الرصيد الوثائقي يقدم الكثير من الأجوبة على تفاصيل الواقع المحلي في جل تفاصيله، الأمر الذي كان ميشو بلير حريصاً على التأكيد عليه في مراسلاته مع ضباط الشؤون الأهلية والمراقبين المدنيين، ومن خلال التأكيد على هؤلاء الموظفين على تجميع “كل شيء” بحسب تعبيره الأثير. فقد كان هذا الباحث يوجه اهتمام الموظفين الفرنسيين إلى عدم الانشغال بتصنيف هذه المواد أو تقييمها، في مقابل الانكباب على عملية التجميع. فمسألة الاستثمار والاستغلال وربما النشر، كانت لها أجهزتها الموجهة بمراكز صنع قرارات الاستكشاف العلمي الكولونيالي، وخاصة بمدن باريس والجزائر وطنجة.
4- وثائق وزارة الخارجية الفرنسية بباريس (الكي دورساي)
يضم هذا الرصيد مواد مختلفة في نوعيتها وتركيبتها ووظيفتها، بدءاً من المراسلات المخزنية إلى عقود المعاملات، ومروراً بأشكال تنظيم الحياة الجماعية والإبداعات المحلية المميزة، مثل أشكال التعبد والأهازيج والمحكيات والوشم وأشكال الاحتفالات الجماعية.. والكثير من هذه المواد لايزال محفوظاً ضمن المجموعات التالي:
_ Série : Nouvelle série, dossier n.1 : Ecoles, missions scientifiques (1902-1907).
_ Série : Nouvelle série, dossier n.2 : Questions culturelles et religieuses- Ecoles, missions scientifiques (1905-1908).
_ Série : Nouvelle série, dossier n.3 : Ecoles, mission scientifique Gentil 1906- Fév.1911.
_ Série : Nouvelle série, Sous série: Maroc, volume : 402, dossier n.17, mémoires et documents- Maroc.
_ Série : Maroc 1917-1940, volume : 1301.
5- الوثائق الديبلوماسية الفرنسية بنانط
يضم هذا الرصيد نفس المجموعات السابقة المحفوظة بباريس، مع غزارة استثنائية وتنوع واضح، وخاصة بالنسبة للمجموعات التالية:
_ Série B : carton 45.
_ Série B : carton 46.
_ Série B : carton 61.
_ Série D : carton 18.
6- وثائق الخزانة العامة بالرباط:
توجد هذه الوثائق ضمن المجموعات التالية:
_ Papiers M-B.
_ Fonds Mission scientifique
7- وثائق إيكس أو بروفانس:
تضم التقارير الاستخباراتية والآراء التوجيهية التي كان يقدمها ميشو بلير للفرق العسكرية الفرنسية العاملة فوق التراب المغربي، وخاصة بالقسم الشرقي منه.
وعلى الرغم من أن مجموع هذه الأرصدة تشمل قضايا عامة ذات صلات بمجمل جهات البلاد، فالمؤكد أن حضور المنطقة الشرقية يظل قوياً لاعتبارات متعددة، يرتبط أولها بدور المنطقة في توجيه السياسة الاستعمارية الفرنسية عبر كل جهات بلاد المغرب، وهو الأمر الذي انتبه له جل من اشتغل على بعض ذخائر هذه الوثائق، مثلما هو الحال مع الباحثين دانييل ريفي وإدموند بورك. ولا شك أن تجميع هذه الأصدة وإخضاعها للقراءات النقدية التفكيكية، سيساهم في توضيح الكثير من منغلقات التاريخ المحلي، عبر رؤى مجددة تكتسب كل الجرأة للانفتاح على الأرصدة الوثائقية الكولونيالية التي لاتزال حبيسة دور الأرشيفات الوطنية والأجنبية إلى يومنا هذا.
الهوامش:
(1) Renseignements coloniaux, n° 1, 1901, pp.1-2.
(2) Renseignements coloniaux, n° 8, 1901, pp.161-2.
(3) Renseignements coloniaux, n° 8, 1902, p.157.
(4) Renseignements coloniaux, n° 3bis, 1905.
(5) Renseignements coloniaux, n° 2, 1909, p.65. (5)(5)
(6) George Hardy, Le Maroc- choix de textes précédés d’une étude, Paris.1930, p.5.
(7) Brives (A), Voyages au Maroc (1901-1907), Alger.1909.
(8) إبراهيم بوطالب، “البحث الكولونيالي حول المجتمع المغاربي في الفترة الاستعمارية“، ضمن أعمال ندوة: البحث في تاريخ المغرب- حصيلة وتقويم، منشورات كلية الآداب- الرباط. 1989، ص 108.
(9) نقف على هذا المصطلح بكثرة عند كتاب المرحلة، خاصة دي سكونزاك ولوشاتليي وميشو بيلير.
(10) Daniel Rivet, Lyautey et l’institution du protectorat français au Maroc (1912-1925), T.1, Paris. 1988, p. 20.
(11) Rivet (D), « Exotisme et « pénétration scientifique. L’effort de découverte du Maroc par les français au début du 20* siècle, dans, Connaissances du Maghreb– Sciences sociales et colonisations, Paris. 1984, p. 96.
(12)عبد النبي ذاكر، الواقعي والمتخيل في الرحلة الأوربية إلى المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الأدب المقارن، كلية الآداب- الرباط. 1989-1990.
(13) Rivet (D), Lyautey, Exotisme …, op.cit., p. 20.
(14) Id, Exotisme …, op.cit., p. 96.
(15) نقلاً عن ألبير عياش، المغرب والاستعمار: حصيلة السيطرة الاستعمارية، ترجمة عبد القادر الشاوي ونور الدين سعودي، مراجعة وتقديم إدريس بنسعيد وعبد الأحد السبتي، ط. 1، 1985، ص 73.
(16) Lt. Colonel Raymond Méssal, La genèse de notre victoire marocaine. Un précurseur, Alfred Le Chatelier, Paris. 1931.
(17) لا تزال شخصية لوشاتليي في حاجة إلى دراسات معمقة تكشف النقاب عن أدواره بالمغرب قبيل سنة 1912، خاصة وأن وزارة الخارجية بباريس، تحتوي على رصيد هام من الوثائق عبارة عن تقارير هذه الشخصية تغطي عدة جوانب من تاريخ المغرب العزيزي والحفيظي بشكل عام.
(18) Edmund Burke, La Mission scientifique au Maroc, B.E.S.M, n°. double 138-139, 1979, p. 43.
(19) نفسه.
(20) انظر اللائحة الكاملة لببليوغرافيا لوشاتليي، ومن ضمنها هذه المحاضرات في: Lt. Colonel Méssal, op.cit., pp. 331 et sq.
(21) نحيل على سبيل المثال لا الحصر على كتابه: Tribus du sud-ouest marocain, Paris. 1895.
(22) وثائق الخزانة العامة بالرباط: Papiers M-B
(23) وثائق الخزانة العامة بالرباط: Papiers M-B
(24) وثائق وزارة الخارجية الفرنسية: -NS, Maroc, vol. 405.
(25) Rivet (D), Exotisme et …, op.cit., p. 96.
(26) Lt. Colonel Méssal, op. cit., p. 234.
(27) مصطفى القادري، مادة: ميشو بلير، معلمة المغرب، ج. 21، 2005، ص 7347.
(28) Joseph Lucciani, L’avénement de sidi Mohamed ben Youssef au trône du Maroc (1927), Revue de l’occident musulman et la méditerranée, trim. 2, 1972.
(29) انظر تفاصيل منشوراته في: Revue Tinga, n. 1, 1953.
(30) Michaux-Bellaire (Ed.), « Le Touat et les chorfas d’Ouazzan », dans, Mémorial Henri Basset, T. 2, Paris. 1928, pp. 139-151.