الأحد , 13 أكتوبر, 2024
إخبــارات
الرئيسية » نـدوات وملفـات » الجائحة وما أدراك ما الجائحة

الجائحة وما أدراك ما الجائحة

تقديم

تقترح مجلة رباط الكتب على قرائها ملف”الجائحة وما أدراك ما الجائحة”،تفاعلا مع ما يعيشه المغرب والعالم في الوقت الراهن من حجر صحي، على إيقاع وباء فيروس كورونا (كوفيد-19).منذ وباء الإنفلونزا الإسبانية الذي اجتاح العالم عامي 1918-1919، والذي خلَّف من الضحايا أكثر مما خلَّفته الحرب العالمية الأولى، كانت قد ظهرت أهمية ما كتبه المؤرخون والديموغرافيون والأدباء وعلماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة والنفس، إلى جانب المختصين في العلوم البيولوجية والطبية. ومعنى ذلك، أن الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية لها كلمتها في الموضوع، لأنها تمتلك القدرة المعرفية على رصد السياقات التاريخية والاجتماعية، وإعادة بناء الوقائع، ورسم الحالات النفسية، والنبش في الذاكرة الجماعية. هذا، لأن الوباء “ظاهرة اجتماعية كلية” بتعبير مارسيل موس، كونها تمس صحة الأبدان مثلما تؤثر على الديمغرافيا، والاقتصاد، والنظم السياسية، وطبيعة العلاقات بين الناس، والطبائع والنفوس.

         في الأصل، كان علماء الأحياء والأطباء هم أول من كتبوا عن تاريخ الأمراض والأوبئة، أحيانا بنفحة اجتماعية وديمغرافية لا تخلو من أهمية. وينطبق هذا الأمر على المغرب مثل باقي بلدان العالم. في المغرب، كان أول من بحث في تاريخ الأمراض والأوبئة هو الطبيب الفرنسي هنري جوزيف رونو خلال سنوات 1920. ولم يقتحم المؤرخون هذا الموضوع إلا بعد أكثر من خمسين سنة، مع دراسة برنار روزنبرجي وحميد التريكي عن تاريخ المجاعات والأوبئة (1973-1974)، التي فتحت الباب أمام أعمال أخرى همت مرحلتي ما قبل الاستعمار والحماية، وذلك في شكل دراسات (محمد الأمين البزاز، وبوجمعة رويان)، أو تحقيق لمخطوطات (حسن الفرقان).

وفي باقي العالم، حصل نفس الشيء، ذلك أن الأبحاث الأولى كانت بقلم البيولوجيين الذين اهتموا بماضي الأوبئة، خاصة الأمريكيين، وفي طليعتهم وارين تايلور فوغان، وإدوين واكس جوردان. وبالتالي لم تظهر على الساحة العالمية أبحاث بتوقيعٍ من مؤرخين محترفين إلا في وقت متأخر، مع تطور التاريخ الاجتماعي. ومنهم على وجه الخصوص المؤرخ الأمريكي ويليام هاردي ماكْنيل صاحب كتاب الأوبئة والشعوب الصادر عام 1976. وقد أسس هذا المؤلَّف، الذي يعتبر من الأعمال التاريخية الأولى التي انخرطت في أفق الكتابة التاريخية ذات البعد العالمي، لعدد من الأبحاث التي صارت تهتم بتاريخ الأوبئة، من طاعون وكوليرا وإنفلونزا، بمناهج ومقاربات مفتوحة على عطاءات العلوم الاجتماعية والبيولوجية. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تاريخ الفكر الطبي في أوروبا، هذا العمل الضخم (3 مجلدات) الذي أشرف عليه المؤرخ الفرنسي-الكرواتي ميركودرازين جيريميك (1995-1999).

         ومن جهة أخرى، ألهم هذا الموضوع مخيال الأدباء وحفزهم على الإبداع، حيث أنجبوا روايات كثيرة عن الطبيعة النفسية زمن أوبئة واقعية أو تخييلية. وإذا كانت الأعمال الأكاديمية قد تناولت موضوع الأمراض والأوبئة بلغة مباشرة وبمنهج كمي، في معظم الأحيان، بعرض الأرقام والبيانات والمنحنيات، فإن الروايات استطاعت، بفضل أساليبها واستعاراتها، أن تسبح بالقارئ في عوالم الهلع والفزع الممزوجة بالقبح تارة والجمال تارة أخرى. ولعل روايات الموت في البندقية للألماني توماس مانْ (1912)، والطاعون للفرنسي ألبير كامو (1947)، وعيون الظلام للأمريكي دِينْ كونتز (1981)، وحب في زمن الكوليرا للكولومبي غابريال غارسيا ماركيز (1985)، والعمى للبرتغالي جوزيه ساراماغو (1995)، خير مثال على قدرة الكتابة الأدبية في تصوير حالات المرض والحجْر والعزلة والحزن والشؤم والحب والأمل. 

يتعلق الأمر في هذا الملف بقراءاتٍ في كتبٍ من مختلف الآفاق، تاريخية وفقهية وأدبية وطبية، وباللغات العربية والفرنسية والإنجليزية. وكلها تسعى إلى إغناء النقاش الجاري حول الوباء وتوسيع دائرة الفهم. ولا شك أن النقاش سوف يتسع في المستقبل ليشمل تاريخ واجتماعيات الأوبئة في الزمن الراهن، لأن الجائحة الحالية هي امتداد لجوائح الماضي، وهي تعبر في آن واحد عن تحولات نوعية تتصل بسياق العولمة.

 ساهم في هذا الملف كل من: محمد أبرهموش، ومحمد حبيدة، وبوجمعة رويان، ولوبنى زبير، وعبد الأحد السبتي، وخالد طحطح، وعبده الفيلالي الأنصاري، وخاليد مجاد، ومليكة معطاوي.

عبد الأحد السبتي / محمد حبيدة

- عبد الأحد السبتي / محمد حبيدة

عبد الأحد السبتي : جامعة محمد الخامس – كلية الآداب – الرباط / محمد حبيدة : جامعة ابن طفيل – كلية الآداب القنيطرة

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.