.Les batailles de l’eau, Casablanca, Tarik Editions 2003
في إطار سلسلة “رهانات الكوكب الأرضي” Enjeux Planète، وهو مشروع مشترك بين اثنتي عشر دار نشر عبر العالم ومدعم من طرف مؤسسة شارل لليوبار مايير، تستمر منشورات طارق بالدارالبيضاء في إصدار كتب تهدف بالأساس، إلى إشاعة ثقافة مغايرة للعولمة ولاحتكارات الشركات العابرة للقارات.
الكتاب السابع الصادر ضمن هذه السلسة معارك حول الماءLes batailles de l’eau من أهم ما أنجز في الموضوع، وذلك لاعتبارات عدة. منها، أولا، أن مؤلفه، التونسي الأصل، محمد العربي بوكرة ألم، على نحو أشمل، بكل جوانب الموضوع نظرا لتعدد مصادر تكوينه العلمي (جغرافي، فيزيائي، أستاذ بكلية الطب…) ولكونه تحمل مسؤوليات في مؤسسات ومنظمات دولية(المنظمة العالمية للصحة، أليسكو، اليونسكو …)يندرج الكتاب في سياق النقاشات الجارية الآن حول المخاطر التي تهدد الإنسانية في العشريات المقبلة من جراء التلوث والأمراض والأوبئة المرتبطة بالماء، وبفعل الكوراث الطبيعية المترتبة عن التغيرات المناخية، وفي ظل النزاعات المحلية الداخلية، والتصادمات العسكرية لاقتسام المياه أو الاستحواذ عليها. كما أن الكتاب يستمد أهميته من كونه صدر في وقت تتنافس فيه المجموعات الاقتصادية العملاقة للفوز بصفقات تدبير الماء وقنوات الصرف في جل بلدان العالم.ومما يضفي على هذا الكتاب الغني بالوقائع والأحداث المتصلة بالماء ومشاكل تدبيره أهمية أخرى، هو مدى تتبع المؤلف لما تنشره المنظمات والمنتديات الدولية من تقارير ودراسات، ولما تورده الصحف من أخبار وقصاصات حول النزاعات والاصطدامات التي تقع، من حين آخر، داخل الدول النامية أو المتخلفة أو على الحدود المشتركة بين بعض هذه الأخيرة.وقبل أن يتطرق إلى كل هذه القضايا والإشكاليات التي يثيرها الماء، عمل المؤلف في الجزء الأول من الكتاب، على إبراز الأبعاد الثقافية والتاريخية لاستعمالات الماء.
للماء ذاكرة وحمولة رمزية ما زالت حاضرة حتى في المجتمعات الحديثة. فالمصريون في عهد الفراعنة ارتبطوا بالنيل مصدر رزقهم وأمجادهم، والبابليون وبعدهم الصينيون شيدوا حضاراتهم وأقاموا إداراتهم البيروقراطية عن طريق التحكم في تقنيات الري وبناء السدود والموانع لتفادي الفيضانات ولتوزيع المياه على مسافات طويلة.
ويحضر الماء بقوة في الكتب السماوية الثلاث، وفي الميتولوجيات الإغريقية والرومانية والهندية، إما في علاقاته بالمعجزات أو في شكل القداسة التي أضفيت عليه. كما أن الماء (بحار، أنهار، واحات وبحيرات…) شكل منبعا لإلهام
الشعراء والفنانين.
كما احتل الماء في الحضارة الإسلامية العربية مكانة متميزة في العبادات والمعاملات، وهو، إضافة على كل هذا، كون عنصرا أساسيا في تطور هندسة المدن العربية الإسلامية.
بعد هذا المدخل الذي رام من خلاله المؤلف التركيز على ما يكتنف الماء من رمزيات في ثقافات الشعوب، يجد القارئ نفسه في قلب الإشكاليات المتصلة براهن الماء.
ومن الحقائق العلمية التي يدفع بها المؤلف إلى واجهة النقاش، هي أن كمية المياه محدودة رغم أنها تضمن تزويد الإنسانية تسع أضعاف مما توفره الآن إن تم الحفاظ عليها وتوزيعها بشكل منصف.
فيما يتصل بتوزيع التساقطات المطرية، فهي غير متوازنة حيث تعرف القمم الباردة والغابات الإستيوائية تساقطات تصل إلى 2400 ميلمتر في حين لا تمطر السماء في شمال الشيلي على امتداد السنة.
الموارد المائية هي موضوع فوارق صارخة بين الشمال والجنوب. فعلى سبيل المثال، يستهلك الفرد بدولة إيسلاندا 600000م3 من الماء في وقت لا يتجاوز فيه استهلاك الفرد الكويتي 75م3.
وهناك 23 دولة تمتلك ثلثي الموارد المائية. فآسيا التي يسكنها 60% من مجموع الإنسانية لا تتوفر إلا على 36% من هذه الموارد. من جهتها، الهند التي يشكل سكانها أكبر مجموعة بشرية بعد الصين لا تتوفر إلا على 4% من المياه. أما الدول العربية التي يمثل سكانها 4,5% من الساكنة العالمية، فحصتها من المياه لا تتعدى 0,43% من هذه الأخيرة، ولا تتجاوز التساقطات المطرية بها نسبة 2% من أمطار الكوكب الأرضي. وفي السعودية مثلا، يتم استخراج المياه الصالحة للشرب بنسبة 70% من مياه البحر، مما يكلفها مصاريف تعتبر من أسرار الدولة.
ولعل ما يزيد من تفاقم أزمات الماء لسوء توزعه وتوزيعه، هو أن هذا المورد تحول إلى أداة سلاح تلجأ إليه الدول خدمة لمصالحها الداخلية أو الخارجية، وأسطع مثال على ذلك، رفض الولايات المتحدة في سنة 1956 تمويل البنك الدولي لبناء سد أسوان بمصر. ومن العناصر الإستراتيجية في سياسة إسرائيل منذ قيامها، التحكم في مياه الأردن واحتلال الجولان وتحويل المياه الجوفية بالأراضي المحتلة.
يذهب بعض المحللين العرب إلى حد الاعتقاد أن الصراع القائم بين المسلمين والمسيحيين بالسودان تغذيه الولايات المتحدة بهدف مراقبة مياه النيل لمصلحة إسرائيل، إسرائيل هذه لا تتردد، عند دخول جيشها للأراضي الفلسطينية، في تحطيم قنوات تزويد الماء ومحطات الضخ كما فعلت بجنين في شهر مارس 2002.
وكمثال آخر على تحويل الماء إلى سلاح، انتخابي هذه المرة، ما تحمله الحملات الانتخابية في بلدان الجنوب من وعود تتركز على تزويد الأحياء والقرى بالماء الصالح للشرب، إلا أنها تتبخر بمجرد ظهور النتائج، الأدلة على ذلك بقراءة برامج ومناشير المترشحين. وبالجزائر، وظفت الجبهة الإسلامية للإنقاذ أزمة الماء بالجزائر العاصمة ابتداء من سنة 1988 لتطوير أساليب عملها كالاحتجاجات والتظاهرات وحتى الآن ما زال مشكل تزويد السكان الجزائريين بالماء الشروب يثير قلاقل واضطرابات، ففي شهر يوليوز 2003، اهتزت منطقتا الغرب والجنوب الجزائريتين على إثر اندلاع احتجاجات على ندرة وقلة الماء. وفي شرق البلاد سجلت حالات من الكوليرا.
حسب وكالات الأنباء. في المغرب، وتحديدا بالأطلس الكبير، اعتصم سكان قبيلة إملشيل في صيف 2003 للمطالبة بالتجهيزات الأساسية وبالدرجة الأولى بمدهم بشبكة التزود بالماء، فاعتقل منهم أفراد قضوا بالسجن 45 يوما.
ولأنه من الموارد التي ستصبح شحيحة مستقبلا، فالماء سيشكل موضوع النزاعات بين الدول، وهنا نستحضر تنبؤ إسماعيل سراج الدين نائب رئيس البنك الدولي سابقا، ورئيس اللجنة العالمية للماء في القرن الواحد والعشرين، والذي أكد فيه أن حروب القرن المقبل -أي القرن 21- ستكون حول الماء. وقد دشنت إسرائيل هذه الحروب قبل نهاية القرن الماضي، حيث قامت بقصف السد الأردني السوري خالد بن الوليد يوم 17 أبريل 1967.
ومن النزاعات حول اقتسام المياه والتي من الممكن أن تتحول إلى مجابهات عسكرية إن لم تفض بالطرق السليمة، يذكر المؤلف النزاعات القائمة بين سوريا وتركيا، ناميبيا ولوسوطو، موريتانيا والسنغال.
وفي إطار حساباتهما الجيو-استراتيجية الجهوية، خاض العراق وإيران حربا طويلة لعل أحد أسبابها الأساسية السيطرة على شط العرب، وتلعب العوامل الاقتصادية، الإثنية، والدينية دورا محركا لهذه النزاعات والمجابهات.
ومما لا شك فيه هو أن أزمة الماء ستزداد استفحالا وتعمقا في السنوات المقبلة، فخلال الخمسين سنة الأخيرة، تضاعفت الساكنة العالمية بثلاث مرات وتنامى الطلب على الماء بسبعة أضعاف، واستهلاكه بأربعة أضعاف. والخطر من ذلك، هو أن التلوث يهدد بان يتناقص ما تتوفر عليه الإنسانية من احتياطي الموارد المائية بنسبة الثلث.
وحسب بعض الدراسات، فمن المتوقع، إن لم يتم تدارك الأمر منذ الآن، أن يعرف ثلثا الساكنة العالمية سنة 2025 ندرة في المياه. وفي حالة شمال إفريقيا، من المحتمل جدا أن تتناقص حصة كل فرد من الماء بنسبة 80% في سنة 2025، والسبب في ذلك يكمن أساسا في سوء تدبير هذه المادة الثمينة وفي زحف التصحر وانهيار الأنظمة البيئية.
ومن القضايا التي يوليها المؤلف أهمية، مسألة الخوصصة لهذا المورد الحيوي في بلدان الجنوب. فاعتمادا على المعطيات الاقتصادية المتوفرة لديه، يخلص محمد العربي بوكرة على كون عملية الخوصصة التي يوصي بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كشرط لمنح قروض أو جدولتها لم تستفد منها إلا الشركات المتعددة الجنسية. وفي حالات كثيرة، أدت هذه الخوصصة إلى تفاقم مشاكل الماء وإرهاق كاهل المستهلكين. والدليل فيما يقدمه المؤلف هو أن وضعية سكان جنوب إفريقيا هي أسوأ مما كانت عليه أيام الأبارتيد، كما أن خوصصة الماء والكهرباء بالمغرب التي قادتها شركة فيفاندي بأكبر المدن -الدارالبيضاء- كان لها أثر بليغ على ساكنة الأحياء المحدودة الدخل.
لا يمكن طمس البعد الاجتماعي لأزمة الماء. وفي هذا الشأن، يتعرض المؤلف إلى ما يخلفه التلوث من آثار وخيمة على صحة الإنسان، فالأمراض المرتبطة بالماء لا تحصى وتفتك بصحة مستهلكيه بالبلدان النامية والمتقدمة سواء بسواء. فبعد أن اندثرت الكوليرا في أمريكا اللاتينية منذ 100سنة خلت، ظهر هذا الداء من جديد سنة 2000 ليمس 400.000 فردا بفعل تدني جودة المياه. وتحصد الأمراض المائية ملايين من البشر سنويا، 25مليون من السكان يتوفون بعد تعرضهم لهذه الأمراض. وتتسبب المياه غير الصالحة للشرب لوحدها في وفاة 4ملايين من الأطفال (1,5مليون بالهند فقط) من جراء الإسهال وتجفف الأجساد.
ومن جهة أخرى، تساهم وفرة المياه أو نذرتها في كوارث طبيعية سواء في شكل انجرافات للتربة وفياضانات تغطي المساحات المزروعة والمسكونة أو توالي سنوات الجفاف وتقدم وتيرة الصحر.
والأخطر في هذه الكوارث الطبيعية المحدقة بمستقبل الإنسانية، هو الانحباس الحراري الذي قد يؤدي إلى ذوبان جزء من القطب الشمالي وبالتالي ارتفاع مستوى سطح البحر وإغراق المدن الواقعة على شواطئه. وهنا يذكر المؤلف أن مهما اتخذ من تدابير على المستوى الدولي، فلن يتم تفادي هذه الكارثة العظمى في القرون القليلة المقبلة.
وإن كان من خاصية يمتاز بها الكتاب فهي أنه يدق ناقوس الخطر ويحث السياسيين والقوى الاقتصادية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية على تدبير مسالة الماء بشكل متعقل، وترشيد توزيعه باعتباره من الخيرات المشتركة بين كل البشر، بالعدل والأنصاف.
ويدعو المؤلف إلى نهج أخلاقيات جديدة أساسها تفعيل التضامن والتخلي عن المواقف الأنانية بأفق بناء وإرساء سلم وأمن عالميين، وذلك للاستجابة لحاجيات الفقراء لهذا المورد الحيوي وسد الطريق في وجه تجار الماء الذين يستخلصون ملايير الدولارات من احتكارهم للسوق المائية.
وفي آخر الكتاب، وفي الفصل الثامن منه يعبر المؤلف عن أمله في أن تتجاوز الإنسانية أزمتها المائية إن هي اتخذت تدابير شجاعة من شأنها الحد من التلوث والضياع الناجم عن سوء التدبير.