Jean Leduc, « Période, périodisation », in C. Delacroix, F. Dosse, P. Garcia & N. Offenstadt (dir.), Historiographies: Concepts et débats, Paris, Gallimard, 2010, t. II, pp. 830-838.
اشتُقت كلمة “حقبة” (بيرْيُودْ) حرفياً من اللغة الإغريقية “بِيري” و”أُودُوس”، وتعني “دورة كاملة”. تشير الحقبة في الفلك إلى دورةِ كوكبٍ حول الشمس أو إلى مظاهر القمر المتلاحقة؛ وفي الفيزياء إلى الزمن المنقضي بين مقطعي رقاص الساعة عند النقطة نفسها؛ وفي علم الأمراض، الفاصل بين نازلتي مرضٍ؛ وفي الكيمياء، إلى الحالات المتتالية للجسم نفسه (مثلاً: الثلج، والماء، والبخار). وفي البلاغة، الحقبة هي جملة معقدة ذات وحدة من الدلالة والنفَس. فالحقبة إذًا مصطلح متعدد المعاني وقادر على التعبير، في الوقت نفسه، عن الدائرية مع العودة إلى الحالة الأصلية، والخطية المرفوقة بتعاقب الحالات، وشمولية المعنى. وإذا كانت “الحقبة” تنطبق على مقاطع زمنية طويلة جداً، فإن كلمات “فترة”، و”لحظة”، و”حدث” تنسحب على مُدَد قصيرة. أما بالنسبة إلى “مرحلة”، بالمعنى الزمني للكلمة، فتُستعمل بالخصوص للإشارة إلى خصوصياتٍ مرتبطة بذكريات حسنة (مرحلة جميلة) أو قبيحة (مرحلة غريبة)، وبأحداث قوية شكلت قطيعة (مرحلة ثورية)، وبأسلوب معيَّن (لباس أو أثاث مرحلة ما). لاحظ شارل فيكتور لونغلوا وشارل سينيوبوس في حديثهما عن الحقب في كتابيهما مدخل إلى الدراسات التاريخية الصادر عام 1898، أن “استعمال هذا المصطلح قديم قِدم التاريخ”، وعرَّفاه باعتباره مُدداً متفاوتة تدشنها الأحداث الممتدة، بمعنى الوقائع التي تُدخِل التغيير.
لقد لجأ المؤرخون إلى تحقيبات مألوفة، فوجدوا فيها تسميات جاهزة، أشهرها القرن أو العصر. وقد استجابت هذه الكلمة وقتاً طويلاً لحقبة ذات حدود متذبذبة، غالباً ما تقترن ببطل مُسمَّى (عصر بريكليس، عصر أغسطس قيصر). ويعتبر لويس الرابع عشر آخر من استفاد من هذه التسمية (فولتير، عصر لويس الرابع عشر، 1751). ولم يعد استعمال معنى المدة المحصورة في مائة سنة بين أعوام ذات صفرين، أمراً معتاداً إلا في مطلع القرن التاسع عشر، مما أتاح، بفضل حياد الكلمة الرياضي، اجتناب الإحالة إلى الرجال العظام. لم يعد القرن يغري المؤرخين كثيراً في تكلُّفه وتجريده، إذ صاروا يستعملونه بمرونة، ويتحدثون، على سبيل المثال، بالنسبة إلى الوقائع الاقتصادية، عن “القرن السادس عشر الطويل” (من نهاية القرن الخامس عشر إلى بداية السابع عشر) أو يعتبرون، انطلاقاً من زوايا نظر متعددة، القرن التاسع عشر ممتداً إلى غاية 1914. في الجامعة، من الناحية المؤسساتية، نادراً ما يتدخل القرن في انتداب المؤرخين، في حين يجري به العمل في التخصصات الأدبية، حيث يجري الكلام عن “متخصصين في القرن السابع عشر”، و”متخصصين في القرن الثامن عشر”، وغير ذلك.
ولتحديد وضعياتهم وميادين أبحاثهم، تبنّى المؤرخون الفرنسيون تقاليد زمنية أخرى أو ابتكروها. يتعلق الأمر، أولاً وقبل كل شيء، بالحقب الأربع أو ما يعرف بِ “التحقيب الرُّباعي” الذي يُستثنى منه “المتخصصون في حقبة ما قبل التاريخ” (كلمة “ما قبل التاريخ” ظهرت في سنوات 1830)، الذين يشتغلون حول مجتمعات ما قبل الكتابة. ولذلك، وبحكم وضعيتهم، لا يندرجون داخل الجامعة ضمن المؤرخين، وإنما يجاورون الأنثروبولوجيين والإثنولوجيين. وقد بدأ استعمال مصطلحي “العصر القديم” و”الأزمنة الحديثة” في اللغة الفرنسية ابتداءً من القرن السادس عشر. وتشكَّل أيضاً لفظ “العصر الوسيط” من طرف الإنسانويين لنعت الفاصل اللغوي والأدبي بين الحقبتين المذكورتين؛ غير أن استعماله بالمعنى العام في فرنسا لم يحصل إلا بدايةً من متم القرن السابع عشر. وقد صار التاريخ القديم، والتاريخ الوسيط، والتاريخ الحديث تخصصات جامعية في القرن التاسع عشر. وانفصل “التاريخ المعاصر” عن “التاريخ الحديث” في نهاية القرن المذكور للدلالة على مرحلة ما بعد ثورة 1789. وقد ارتبطت مناصب المؤرخين الجامعية، منذ أكثر من مائة سنة، بالإحالة إلى هذه الحقب الأربع، ونادراً ما تخرج الأسئلة المرسومة في مباريات انتداب الأساتذة (التبريز والكفاءة) عن هذه الحدود.
غير أن هذه الحدود التقليدية تثير النقاش، وتفرز تقطيعات أخرى. فكلمة “بداية التاريخ” تُستعمل للإشارة إلى “المرحلة المتأخرة من ما قبل التاريخ”، وتهتم، كما هو الشأن بالنسبة إلى “ما قبل التاريخ السحيق”، بالشعوب التي لم تعرف الكتابة، لكنها تتميز بدراسة الأقوام المنتِجة التي تمارس الزراعة وتعتني بالمعادن وتشيِّد القرى والمدن. وتنتهي حقبة “بداية التاريخ” هذه حوالي 3000 سنة قبل الميلاد في بلاد الرافدين ومصر، وبتواريخ متباينة في الألفية الأولى بالنسبة إلى أوروبا. وفيما يخص العصر القديم، هل علينا أن نعتبر نهايته عام 395 مع وفاة ثيودوسيوس، آخر إمبراطور حكم مجموع الإمبراطورية الرومانية التي انقسمت فيما بعد بين ولديه وأخلافهما؟ أم أنه ينتهي عام 476 عندما خلع أودواكر، زعيم البرابرة الجرمان، رومولوس أوغستولوس، ونقل الأوسمة الإمبراطورية إلى الإمبراطور زينون في بيزنطة؟ وقد سبق لبعض المؤرخين، ومنهم هنري إرينيه مارو، أن اقترحوا نعت الحقبة الممتدة من أواسط القرن الثالث إلى نهاية القرن الخامس بِ “العصر القديم المتأخر”. وهل ينتهي العصر الوسيط عام 1453 مع نهاية الإمبراطورية البيزنطية أو عام 1492 مع نهاية مملكة غرناطة الإسلامية واكتشاف أمريكا من طرف كولومبوس؟ ونميز أيضاً بين العصر الوسيط “الأعلى” والعصر الوسيط “المتأخر”، لكن من دون وضوح حول حدودهما. وهل ينبغي، فضلاً عن ذلك، عزل حقبة “النهضة” عند الحدود الفاصلة بين القرون الوسطى والأزمنة الحديثة؟ وفي قلب المرحلة المعاصرة تظهر مقولة “الزمن الراهن”، هذه الحقبة التي تستفيد من عدد هائل من الفاعلين والشاهدين، والتي صار لها وضع مؤسساتي عام 1978 بإنشاء “معهد تاريخ الزمن الراهن”، كما تظهر مقولة “التاريخ الفوري”، هذا الذيل اللصيق بها، إذا صح التعبير، والتي لم تستطع فرض شرعيتها الجامعية، رغم أنها مدمَجة عموماً في المقررات المدرسية، منذ قرن ونصف.
والنقاشات الدائرة في فرنسا ليست حاضرة بالضرورة في الأوساط الجامعية للدول الأخرى. فالأنجلوسكسونيون لم يميزوا بين “الحديث” و”المعاصر” إلا مؤخراً، حيث يشمل لديهم هذا الأخير ما يعنيه “الزمن الراهن” لدى الفرنسيين. وبهذا المعنى أيضاً ينبغي فهم العبارة الألمانية “تاريخ معاصر”1. وفي روسيا، منذ وقت ليس بالبعيد، شكلت ثورة أكتوبر 1917 انتقالاً من الحقبة “الحديثة” إلى الحقبة “المعاصرة”. وفي الصين، أيضاً، تبقى حركة 4 مايو 1919 هي فاتحة الحقبة المعاصرة، لأن الحقبة الحديثة تبدأ عام 1840 مع “حرب الأفيون”.
وفيما يتعلق بتقسيم الأزمنة القصيرة، فضل المؤرخون اللجوء، حتى وقت متأخر نسبياً، إلى تحقيب تقليدي إلى حد ما، وإن كان لا يخلو من دلالة. يتعلق الأمر بالتقطيع السياسي الذي تتخلله تغييرات الملوك والسلالات والأنظمة، والحروب الأهلية والصراعات الدولية. هكذا، انتظم “تاريخ فرنسا” الذي أشرف عليه إرنيست لافيس وصدر ما بين 1903 و1922، إذ ابتداءً من الجزء الرابع، الذي ينطلق مع السلالة الكابيسية (987)، تأطرت تقريباً كل الأجزاء بتواريخ دقيقة مرتبطة بتغيير الملوك والأنظمة. والاستثناء الوحيد هو الذي مثلته الأجزاء الثلاثة المحرَّرة من طرف شارل سينيوبوس (1921): “ثورة 1848 وبدايات الإمبراطورية الثانية (1848-1859)”، و”انهيار الإمبراطورية وقيام الجمهورية الثالثة (1859-1875)”، و”تطور الجمهورية الثالثة (1875-1914)”. وتنسحب الملاحظة نفسها، ولزمن طويل، على تدريس التاريخ على النحو الذي يُفهم من تحليل البرامج والمقررات. فحتى عام 1957، كان مقرر السنة الثالثة من التعليم الثانوي يمحوِر دراسة فرنسا تحت سلطة سلالة البوربون انطلاقاً من فترات حكم الملوك، ومقرر السنة الثانية بناءً على دروس متلاحقة حول الجمعية الوطنية التأسيسية، والجمعية الوطنية التشريعية، والمؤتمر الوطني، وحكومة الإدارة (الديرِكْتوار)، وحكومة القنصلية، والإمبراطورية2.
وثمة أشكال تحقيبية أخرى، أقل تقليديةً، جرى تبنّيها من طرف المؤرخين. تلك حالة “الزمن الجميل”، هذه العبارة التي استعملتها الصحافة ابتداءً من عام 1919 للإشارة إلى العشرين سنة التي سبقت حرب 1914-1918. وتلك أيضاً حالة “الثلاثين سنة المجيدة”، وهي عنوان مؤلَّف الاقتصادي جون فوراستيه، الصادر سنة 1979، والمنطبقة على العقود الثلاثة التي عرفت نمواً قوياً عقب الحرب العالمية الثانية. وهناك “الجيل”، هذه الكلمة المقتبسة من علماء السكان والاجتماع، والتي تعد شكلاً تحقيبياً كثير الاستعمال، خاصة من طرف مؤرخي الهجرة، مثل جيرار نواريال (البوتقة الفرنسية، 1988) أو جانين بونتيه (البولنديون المجهولون، 1988)، أو من طرف مؤرخي الثقافة السياسية، مثل رونيه ريموند الذي نعت كتابه أحزاب اليمين في فرنسا (1954) بـ”مسار تعاقب الأجيال”، ومجلة القرن العشرين التي خصصت عام 1989 عدداً لتعميق هذه الإشكالية، مقترحةً نماذج كثيرة لتطبيقها بالنسبة إلى المثقفين والمناضلين المنتمين لليسار الفرنسي خلال القرن العشرين. ألا يمكننا أيضاً التعرف على أجيال المؤرخين الفرنسيين، من “منهجيِّين”، و”حولياتيِّين”، و”مؤرخين جدد”؟
وقبل ذلك بكثير، في وقت كان فيه المؤرخون الفرنسيون يهتمون عن طيب خاطر بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي، عرف مصطلح “الدورات” بعض النجاح. في سياق موسوم بأزمة سنوات 1930، اقتبس المؤرخون إشكالية الدورات هذه من الاقتصاديِّين (دورة العشر سنوات لدى الفرنسي كليمانت جوغلار، والدورة المتعددة العقود أو الطويلة الأمد لدى السوفياتي نيكولاي كوندراتييف)، ومن عالم الاجتماع الفرنسي فرانسوا سيمياند (المرحلة ألِف والمرحلة باء). وكان المؤرخ إرنيست لابروس أول من روَّج لهذه المقولات، متبوعاً بفيرناند بروديل، وجون موفريه، وبيار شونيه، وبيار غوبير، وإيمانويل لورْوا لادوريه، الذين استعملوها أيضاً في أطروحاتهم. وبخصوص بروديل، يمكننا أن نفاجأ هنا بغياب ثلاثيته حول الزمن الطويل المتعلق بالبنيات، والزمن القصير الخاص بالحدث، والزمن الدوري المرتبط بالظرفية. والسبب في ذلك أننا نعتبر، بعد جاك لوغوف، أن الأمر لا يتعلق في ذهن بروديل بمقاطع زمنية، بل بالأحرى بإيقاعاتٍ للتطور: بطء الزمن الطويل، والسرعة المتوسطة للظرفية، ووتيرة الحدث السريعة.
مع أنماط التحقيب المطروحة هنا، نصل إلى ما سماه أنطوان بروست في دروس التاريخ الاثني عشر، (1996) بـ”التحقيب الحيوي” الذي يقابله بـ”التحقيب الجاهز، البارد […] التحقيب الذي ورثه المؤرخ”. ففي السياق العلمي والفلسفي للقرن العشرين، حيث لم يعد الزمن مطلقاً، وحيث فقدَ هذا الأخير ذلك الإطار الذي تجري فيه الظواهر، ليُفهم باعتباره لصيقاً بها، توجَّه التاريخ، على غرار علوم إنسانية أخرى، للحديث عن “الزمنيات” بدل الزمن بشكل عام، وللتفكير فيما سمّاه كريستوف بوميان (1984) بِـ”تعدد الأزمنة الجوهرية لمسارات معينة”. ويواجه المؤرخون تحدي الفلاسفة حول ملاءمة المعاصرة (تزامنية/سنكروني) والانقطاع (تعاقبية/دياكروني) الناجمة عن تقسيماتهما. لقد أشار لويس ألتوسير (دفاعا عن ماركس، 1968) إلى أن “القطيعة التي تنسحب على مستوى معين… لا تتوافق مع أي شيء من هذا القبيل بالنسبة إلى مستويات أخرى”. وعاتب ميشال فوكو (حفريات المعرفة، 1969) المؤرخين على “التحقيبات الشمولية” و”التزامنات الهائلة”. وتكلم راينهارت كوسليك (المستقبل الماضي، 1979) عن “معاصرة اللامعاصر”. على المؤرخين أن يتنبَّهوا أكثر للتفاوتات الحاصلة بين مختلف لحظات الواقع الماضي التي يدرسونها. كان هنري إرينيه مارو (تاريخ التربية في العصر القديم، 1948) قد سبق له أن شدد على التفاوت الموجود بين الثقافة والتربية في بلاد الإغريق. فمذهب التربية الكلاسيكي يرتبط زمنياً بالمرحلة الهلينيستية، وبالتالي فهو لاحق بالنسبة إلى كلاسيكية الأدب. ولذلك فإن التاريخ الثقافي حساس جداً فيما يتصل بالتعاقبية (دياكروني). وأشار روبير موشيمبلد (ظهور الإنسان الحديث، 1988) إلى المقاومة التي أبدتها الثقافة الشعبية في فرنسا خلال العهد البائد (قبل ثورة 1789)، إزاء ثقافة النخب، حيث تأثرت بها بصورة بطيئة. ووقف ميشال فوفيل (الموت في الغرب من 1300 إلى اليوم، 1983) على نفس التعارض فيما يتعلق بالمواقف تجاه الموت، فلاحظ أيضاً أنه لا وجود لتلازم بالضرورة بين هذه المواقف والوقائع الديموغرافية للموت. ولذلك، لا يمكن إطلاقاً اعتبار الانتقال إلى “الحداثة” ظاهرة شمولية.
يفسِّر الاهتمامُ بتعسف التقسيمات الزمنية وأيضاً الخوف من الانسياق مع الانطباع بتسلسلٍ صارم، على الأقل في الكتب الجامعية، مثل الأطروحات، الترددَ المتزايد في اختيار هندسة زمنية شاملة. ونجد هذا القلق كذلك لدى لجن مباريات الانتداب (التبريز والكفاءة). نستنتج من خلال قراءة التقارير حول الامتحانات الكتابية في العقود الأخيرة، أن التعليقات والتصحيحات لا تمنح الأفضلية للبناء الزمني، حتى عندما تكون الحقبة التي يدور حولها الموضوع طويلة، وإن كانت تلك التعليقات والتصحيحات تذكِّر بأن البعد الزمني ينبغي أخذه بعين الاعتبار وبأن التأريخ عليه أن يكون دقيقاً. ولما يلاحظ المصححون أن المقاربة الزمنية ملائمة تماماً، فإنهم يحذرون من أي قطيعة مألوفة، ومن أي تحقيب متشدد، ويشيرون إلى ضرورة الاهتمام بعناصر الاستمرارية. وفي كثير من الأحيان، يقترحون “تصاميم مختلطة” تجمع بين التزامنية والتعاقبية. وهذه المقاربة الدقيقة أقل تداولاً بكثير في ممارسة تدريس التاريخ. وعلى الرغم من تطور البرامج، والتوجيهات المضبوطة الأخيرة ذات الصلة بالنصوص المصاحبة، فإن الملاحظات المرتبطة بدروس الأساتذة وتحليل الكتب المدرسية أيضاً، تشهد على استمرارية رسوخ قوالب التحقيب الجاهزة.
وثمة شكل من أشكال التحقيب لم يجد صدى أبدًا في فرنسا، على الأقل لدى المؤرخين. يتعلق الأمر بما سمّاه كريستوف بوميان بـ”الفلسفات التأريخية”3، أي نمذجة متعددة للتاريخ الكوني، حيث يُقسَّم المجرى الزمني إلى مراحل متعاقبة، ويخضع لقوانين معينة. وقد استعاد بعض المؤرخين في المدة الأخيرة هذه الإشكالية التي كانت قد وضّحتها في الماضي فلسفات ونظريات غائية عديدة، ومنها النمذجة التي بلورها برويّة البريطاني أرنولد توينبي (دراسة التاريخ، 1972) الذي حدّد 34 حضارة، فدرس نشأتها ونموها وانحطاطها. وفي فرنسا، فكّك روبير بونو (نسق التاريخ، 1989) “السلسلة التاريخية” إلى ثلاث “مراحل”، تتضمن كل مرحلة منها ثلاث “فترات”، وبداخل كل فترة من هذه الفترات ثلاثة “فصول”، وفي كل فصل ثلاثة “مشاهد”، حيث توجد “حلقتان” في كل مشهد. وتسير هذه التأويلات الشمولية على عكس النظرية النسبية التي تسود حالياً في بناء الزمن التاريخي، على الأقل في الميدان الجامعي، وبصفة خاصة في عملية التحقيب.
“هل بإمكاننا ممارسة التاريخ من دون تحقيب؟ بمعنى، ليس فقط تدريس التاريخ، بل كتابته أيضاً؟”، هكذا تساءل بول ريكور في كتابه الذاكرة والتاريخ والنسيان (2000). من دون الإجابة حقّاً عن هذا السؤال، يضيف هذا الفيلسوف: “لكي ننجح في هذه العملية، ألا يُزيل ذلك من التاريخ كل أفق للانتظار؟”.
هوامش:
1- Zeitgeschichte.
2- La Constituante (1789); La législative (oct. 1791-sept. 1792); La Convention (sept. 1792-oct. 1795); Le Directoire (1795-1799); Le consulat (1799-1804); L’Empire (1804-1815).
3- الفلسفة التأريخية أو “الكرونوزوفيا” (Chronosophie). ويُعتبر كريستوف بوميان أول مؤرخ استعمل هذا المصطلح في كتابه نظام الزمان الصادر عام 1984 عن دار النشر غاليمار بباريس (المترجم).
مراجع:
- Braudel (B.), « Positions de l’histoire en 1950 » et “La longue durée”, Ecrits sur l’histoire, Paris, Flammarion, 1969.
- Leduc (J.), Les historiens et le temps, Paris, Seuil, 1999.
- Milo (D. S.), Trahir le temps, Paris, Les Belles Lettres, 1991.
- Pomian (K.), L’ordre du temps, Paris, Gallimard, 1984.
- Périodes. La construction du temps historique, Paris, EHESS/Histoire du temps présent, 1999.