*Pascal Picq (2024) L’IA, le Philosophe et l’Anthropologue : Klara, Raphaël et Pascal, Odile Jacob, 352 pages.
تقديم
باسكال بيك، فيزيائي وعالم أنثروبولوجيا الحفريات paléoanthropologie. بعد أن درس باسكال بيك في البداية الفيزياء في جامعة فيليانوز ثم في جامعة بيير وماري كوري، التقى بكل من برنار فاندرميرش Bernard Vandermeersch وإيف كوبينز Yves Coppens اللذين قاداه إلى دراسة علم الإنسان القديم وحفرياته.
في كتابه الأخير*، L’IA, le Philosophe et l’anthropologue الصادر حديثاً (أكتوبر 2024) يستمتع الباحث باسكال بيك بالحديث إلى ذكاء اصطناعي. كان هدفه من ذلك اختبار قدرة الآلة على التفلسف. هل يجب علينا الآن أن نكون حذرين من هذه الأداة الرقمية أم على العكس من ذلك، يجب أن نقبل استخدامها على نطاق واسع في المجتمع؟ ما هي العواقب التي قد تترتب على هذه التكنولوجيا بالنسبة للتطور البشري؟ يحاول بيك بصفته عالما الإجابة على هذه الأسئلة. لكن الملاحظ من خلال الكتاب ومن خلال هذا الحوار الذي نترجمه لقراء رباط الكتب، أن باسكال بيك ينظر نظرة إيجابية إلى أحدث التطورات التكنولوجية ويقدم وجهة نظر فريدة وجريئة وغير تقليدية.
نص الحوار
- عندما نشرت كتابك” الذكاء الاصطناعي وشمبانزيات في المستقبل“(L’Intelligence artificielle et les Chimpanzés du futur) في عام 2017 (أوديل جاكوب)، شعرنا بأنك كنت قلقًا بشأن الذكاء الاصطناعي. يبدو كتابك الجديد أكثر تفاؤلاً. ما الذي حدث بين الاثنين؟
بدأت باستخدام ChatGPT بشكل منتظم. لقد تمكنت من تجربة قدراته الهائلة، وأنا الآن مقتنع بأن هذه الأداة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح، يمكن أن تصنع المعجزات. كنتُ أتحدث عن هذا الأمر قبل أيام مع فرانسوا تادي، مؤسس مركز الأبحاث متعدد التخصصات (CRI) الملحق بجامعة باريس-سيتي وحامل كرسي اليونسكو في علوم التربية. نتفق معاً على نقطة واحدة: الذكاء الاصطناعي نظام رائع لتطوير التعليم.
- إذن، ألا يوجد أي خطر؟ أتذكر أنك تحدثت قبل بضع سنوات عن الخطر الذي نواجهه إذا اعتمدنا بشكل منهجي أكثر من اللازم على التكنولوجيا. قلت إننا نخاطر بفقدان الكثير من قدراتنا المعرفية.
لا توجد تكنولوجيا غير ضارة تمامًا. عند استخدامها بشكل غير صحيح، يمكن أن تكون أي أداة خطيرة. ولكن لا داعي للذعر. إذا حافظنا على هدوء أعصابنا ونظرنا إلى الأمور بهدوء، علينا أن نعترف، مثل دانيال أندلر، الذي كتب العام الماضي كتابًا رائعًا حول هذا الموضوع (Intelligence artificielle, intelligence humaine: la double énigme, Gallimard))، أنه مثلما توجد أنواع مختلفة من الذكاء، هناك العديد من أنواع الذكاء الاصطناعي. هذا ليس موضوعًا متجانسًا يمكن النظر إليه في كتلة واحدة، بل هو موضوع يجب أن يتم تناوله بدقة.
لننظر إلى الموضوع بهدوء. يمكن أن يكون بداية لمناقشات ميتافيزيقية رائعة. لقد وضع جيري فودور (1935-2017) بعض الأعمال المثيرة للاهتمام التي أوضح فيها أن الذهن البشري يتألف من عدد من الوحدات المتخصصة في تنفيذ وظائف معرفية متميزة. والأمر نفسه ينطبق على الذكاء الاصطناعي.
- ماذا تقصد بـ”متلازمة كوكب القردة“ التي أشرت إليها؟
إنه تلميح إلى مقطع من رواية بيير بول Pierre Boulle لم يُستخدم في أي من الأفلام المقتبسة عن كتابه. عندما تنظر إلى الأفلام المقتبسة عن هذه الرواية الخيالية الملهمة بشكل خاص، يتولد لديك انطباع بأن القردة هي التي استولت على الإنسان، لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق. في كتاب بيير بول، فانحدار البشرية أمام الراحة التي توفرها الآلات هو السبب الرئيسي في تراجع الإنسان مقارنة بالشمبانزي. هذا الكسل الفكري، الذي يجعلنا على سبيل المثال نتخلى عن كل جهود الحفظ والتذكر، بالاعتماد على هواتفنا المحمولة، أمر خطير لأنه يجعل قدراتنا تضمر تدريجيًا.
- أليست كتابة كتاب مع ذكاء اصطناعي أمرًا ينم عن بعض الكسل؟
(يضحك). نعم، لكنني سعيد بذلك. أنا أدرك أن هذا الكتاب حوار مع الآلة. والجميع لا يفعل ذلك.
- تقودنا مسألة الذكاء إلى مسألة أخرى، وهي مسألة وعي الذكاء الاصطناعي…
عندما نبدأ الحديث عن الوعي، يتحتم علينا أن نتفق على ما نعنيه به. فقد كان يُعتقد لفترة طويلة أنه سمة خاصة بالإنسان. لكننا نعلم الآن أن معظم الحيوانات تتمتع بوعي علائقي. ونعلم أيضًا أن الكاميرا الموصولة بخوارزمية جيدة الضبط يمكنها فك رموز عواطفنا. وهذه خطوة أولى نحو شكل من أشكال الذكاء العاطفي.
- لكن الأدوات الرقمية تنطوي على مخاطر أخرى: فهي تغذي غرورنا وتضر بقدرتنا على التركيز المستدام على موضوع معين.
أود حقًا أن أتناول مسألة النرجسية التي تقيدنا في كتابي القادم. إن هذا التواجه مع مرآة شاشاتنا هي بالفعل ضارة جداً. لكن المشكلة الأخطر بلا شك هي أن اقتصاد الانتباه الذي طوره عمالقة الإنترنت قد حولنا إلى متصفحين دائمين لا يتوقفون عن التنقل بين المواضيع.
- هل تعمل كثيراً بالذكاء الاصطناعي؟
أكثر فأكثر. لقد حاورت ChatGPT أثناء إعداد هذا الكتاب، كما أستعين بـ Claude3 من أجل تصميم كتابي القادم الذي سيتناول مسألة النوع في عالم الحيوان. اختبرت هذه الأداة أثناء وضع خطة هذا البحث. قدمت لي الآلة صفحتين كانتا جيدتين للغاية… مع ملاحظة واحدة وهي أن الأدبيات التي تمثل مسألة الهيمنة الذكورية كانت ممثلة بشكل مفرط. لذلك طلبت من الذكاء الاصطناعي تحسين المحتوى. وكان الأمر أفضل بعد ذلك. كل هذا لأقول إن هذه الأداة التوثيقية مذهلة بشرط أن نكون مدركين لتحيزاتها.
- بالعودة إلى الكتاب الذي نشرتموه حاليًا، يبدو واضحاً أن كتابين كانا وراء إلهامكم لكتابته. ما هما؟
النقطة التي انطلق منها هذا الكتاب هي المشاعر التي أثارها في نفسي اكتشاف تحفة أدبية كتبها الحائز على جائزة نوبل في الأدب كازوو إيشيغورو Kazuo Ishiguro. إنها رواية بعنوان كلارا والشمس، وهي تحكي قصة إنسان آلي. جاءت هذه القراءة قبل قراءة أخرى، وهي مقالة لرفائيل إنثوفن Raphaël Enthoven بعنوان الذهن الاصطناعي: الآلة لن تكون أبداً فيلسوفة. في هذا الكتاب، يؤكد المؤلف بشكل قاطع نوعاً من تفوق الذكاء البشري على الذكاء الاصطناعي.
- هل تعتقدون عكس ذلك؟
إذا نحن اخترعنا الآلة، فإن الهدف هو أن تتفوق علينا يوماً ما في أداء مهمة معينة
- وماذا عن الفلسفة؟
مرة أخرى، كل شيء يعتمد على ما نعنيه بالتفلسف. إذا أخذتُ في الحسبان المحادثات التي أجريتها مع ChatGPT، يجب أن أعترف هنا بأن الآلة منحتني إمكانية واسعة للتفكير. وكما نحتاج إلى أن نكون متواضعين عند الحديث عن الذكاء الحيواني، علينا أن نتعامل مع الذكاء الاصطناعي بقدر أقل من الغطرسة.
- تلاحظون أننا غالباً ما نتعامل مع الآلة مثلما نتعامل مع الحيوان.
هذا أمر بدهي. ففي المجتمعات الأرواحية Animistes، يتم تصور المملكة الحيوانية على نحو مختلف. إن أكبر مدرسة في علم السلوك الحيواني يابانية. واليابانيون لديهم علاقة بالآلات تختلف جذرياً عن علاقتنا بها. أعتقد أن هذا يرتبط بالمسلمة الطبيعية naturaliste الذي تقوم عليه الثقافة الأوروبية الغربية.
- يتولد لدى من يقرؤكم إحساس بأن البشرية تعيش مع الذكاء الاصطناعي ثورة لا تقل أهمية عن اكتشاف النار أو اللغة أو الكتابة. هل تعتقدون حقاً أننا نعيش لحظة بهذه الأهمية؟
أنا مقتنع بذلك. فبنفس الطريقة التي سمح فيها اكتشاف النار بتغيير متخيلنا، إذ جعلنا نتوقف عن الخوف من الظلام، وأيضاً بتغيير علاقتنا بالزمن من خلال جعل الأنشطة الليلية متاحة والجلسات المسائية التي ربما ازدهرت فيها اللغة، يمثل الذكاء الاصطناعي محطة بالغة الأهمية لنوعنا البشري.
يشبه ذلك إلى حد ما اختراع الكتابة، الذي سمح بنقل المعرفة، أو ترويض الخيل، الذي أدخل الإنسان عصر السرعة، أو اختراع السيارة، الذي دفعنا إلى تغيير بيئتنا جذرياً، خصوصاً من خلال تسريع سباقنا نحو استهلاك الهيدروكربونات.
- هل تذهبون إلى حد مقارنة هذه الثورة التكنولوجية بتلك التي ميزت البشرية في نهاية العصر الحجري القديم الأعلى paléolithique، ذلك التحول الذي جعل الإنسان العاقل Sapiens يتفوق على جميع الأنواع الحية الأخرى قبل 70 ألف سنة؟
نعم، مع الذكاء الاصطناعي، تعيش البشرية منعطفاً حاسماً! من الواضح الآن أننا نتطور بشكل مشترك كلما تقدمنا في التحكم بالأدوات التي نخترعها. هنالك الكثير مما يمكن قوله عن أوجه التشابه بين ما نعيشه حالياً واللحظة التي بدأ فيها أسلافنا بصنع الأدوات الحجرية الأولى.
يكفي أن نقول إن الذكاء الاصطناعي يمثل اللحظة الأولى في تاريخ البشرية التي يتم فيها تبني تقنية جديدة بهذه السرعة على نطاق عالمي، مما يترتب عليه تبعات تشمل جميع مظاهر حياتنا الخاصة والاجتماعية والمهنية – وبطبيعة الحال، المظاهر الأخلاقية والفلسفية والسياسية والأنثروبولوجية.
هل يمكن أن تصبح الآلات يوماً ما مزودة بذهن اصطناعي وقادرة على التفلسف؟ إزاء هذا السؤال المستوحى من التقدم الحديث في الذكاء الاصطناعي التوليدي ومن ChatGPT، يقدم باسكال بيك إجابة فريدة: وأي طريقة للإجابة عن هذا السؤال أفضل من طرحه على ذكاء اصطناعي؟
صحيفة Le Point
8 دجنبر 2024