الجمعة , 29 مارس, 2024
إخبــارات
الرئيسية » قـــراءات » الجمع بين النقيضين في الرواية العربية ما بعد الاستعمار

الجمع بين النقيضين في الرواية العربية ما بعد الاستعمار

Muhsin Jassim Al-Musawi, The Postcolonial Arabic Novel: Debating Ambivalence, Koninklijke Brill NV, Leiden, The Netherlands, 2003.

kiraat_10.1صدر هذا الكتاب باللغة الإنجليزية عن مطبعة ليدن سنة 2003. وينقسم إلى عشرة فصول، وهي على التوالي : “القضايا الما بعد كولونيالية في السرد العربي” (الفصل الأول)، و”كتابة شهرزاد في الوقت الحاضر: تطور الأدب القصصي العربي الحديث” (الفصل الثاني)، و”مناقشة الجمع بين النقيضين: التعهدات السوسيوسياسية” (الفصل الثالث)، و”العرب والغرب: السرود المضادة والمواجهات السردية” (الفصل الرابع)، و”النساء العربيات” (الفصل الخامس)، و”صوت من أجل المعارضة: محتالون ومتمردون وقديسون” (الفصل السادس)، و”الموقع بوصفه سردا” (الفصل السابع)، و”الزمن في السرد” (الفصل الثامن)، و”السجال الثقافي والتعريف الذاتي في الميتاتخييل العربي” (الفصل التاسع)، و”هبات شهرزاد : استراتيجيات محفوظ السردية في ليالي ألف ليلة” (الفصل العاشر).

يبحث هذا الكتاب، في السرود المكتوبة باللغة العربية، التي تظهر وعيا قويا بخصوص الحياة العربية وثقافتها. وهكذا، فهو يعالج قضايا كبرى من قبيل : العدالة الاجتماعية، والحرية السياسية، والاستقلال…إلخ. وباعتبارها دراسة ونقدا للرواية العربية الحديثة، وعلى الخصوص في مرحلتها الما بعد محفوظية، فإن هذه الدراسة تمتح من بعض الدراسات والقراءات المبكرتين. إلا أنها تتخطاهما في تركيزها على القضايا الما بعد كولونيالية، المتصلة اتصالا وثيقاً بتشكل الهوية، والدولة الأمة الحديثة، والفردانية، والقومية، والجنوسة…إلخ.

وفي نفس السياق، يشير محسن جاسم في مقدمة كتابه قائلا: ” تطمح دراستي إلى موقعة السرد العربي داخل الاتجاه الأدبي السائد، عالميا، وتوطيد الرواية العربية الحديثة ضمن العالم النقدي الأدبي المعاصر للدراسات ما بعد الاستعمار” (ص1). ويضيف : “بينما تقدم بحثا سوسيوسياسياً للمشهد الثقافي، فإن تركيزها ينصب على ما بعد الاستعمار ليس كإطار تاريخي فقط، وإنما كوعي بالهوية، وبالفردانية، وبالصراع، وبالالتقاء بين البشر والثقافات، وبالتحدي على المستويات الفردية، والجماعية، والوطنية” (ص1).

تتجاوز قضايا هذا الكتاب التشديد على مسألة الجنس، والعرق، والدين، والطبقة، على مدى الأزمنة ما قبل الاستعمارية، والاستعمارية، وما بعد الاستعمارية، لتصل إلى بزوغ الأبويات الجديدة وإلى تحدي نظام العالم الجديد. ويتطرق جاسم في أحد فصول هذا الكتاب إلى التحديات التي تواجه طلبة الأدب القصصي العربي الحديث ونقاده. ويرجعها، بالأساس، إلى الكم الهائل من الافتراضات، والتفاهات، والتحريفات، والتلفيقات التي تشكل [جميعها] ثقافة مضادة، تتبناها الجماهير الغربية، وبعض الجماهير العربية، كذلك، بسبب غياب الارتباط الجاد مع الواقع. ومن أجل تحدي الميل إلى مثل هذه التعميمات الجارفة، التي تنم عن خضوع للسرود المسيطرة، ذات البصمة الأوروباوية، والإسلاموية…، يقترح ، كاتبنا، دراسة النصوص داخل سياقاتها. وفي ذلك، يقول :”أقصد…إلى تكوين حجة، ونقد مركب من أجل حل ألغاز التعقيد، وسبر أغوار الحقيقة المادية، والتاريخ، والعقيدة كما هي منثورة في السرد” (ص2). ويقتضي الارتباط الوثيق بالحياة العربية وثقافتها قراءة دقيقة للتمظهرات الثقافية، وإدراكاً قوياً لها، وتركيزاً على تفاصيل الحياة اليومية، ما دامت، هذه التفاصيل، تمد السياسات المحلية بأسباب الحياة – كما يستشف من الأطروحة الضمنية لهذا الكتاب.

وبكشف النقاب عن هذه الجزئيات المتحكمة في العملية السردية، فإن الحياة الإنسانية، بأفراحها وأتراحها، كفيلة بأن تعد بعقد مودة جديد يكون بإمكانه مكافأة مؤلفي السرود مرتين : مرة عن خساراتهم وخيبات آمالهم، بسبب الضغط الذي مارسته القوة الكولونيالية أو الديكتاتورية، المحلية، الغاشمة، وأخرى عن وعيهم الشديد بالشرورالسياسية والاجتماعية، من جهة ثانية.

وتظهر أهمية هذا الكتاب في دراساته الواسعة لمجموعة كاملة من السرود العربية، من أجل تقديم نظرة شاملة وحيوية عن الحياة والثقافة في العالم العربي عبر تحليل السرد المكتوب باللغة العربية بغية إعطاء معنى لاهتماماته الحالية، ولتنوعه، ولتقاليده، ولجذوره في تشكلاتها ما بعد الاستعمارية. ويقاوم، بشكل ضمني، التفاهات، والأساطير التي تزين الخاص (particular) والمتميز (distinctive) في التقاليد العربية وثقافاتها، كما يشير إلى ذلك جاسم في مقدمة كتابه.

وبناء عليه، يدرس الكاتب روايات من شمال إفريقيا (المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا)، ومن الشرق الأوسط، ومصر، من أجل منح القارئ نظرة عميقة وإجمالية عن السرد العربي . كما أنه يتناول [آداب] السجون، وسرود مستشفى المجانين، إلى جانب أشكال سردية أخرى، من أجل فهم تشكل الأبوية الجديدة.

وتجدر الإشارة، في نهاية هذه القراءة، إلى أن كل فصل من فصول هذا الكتاب يشير إلى “لحظة أزمة- باستعمال التفسير الباختيني- التي تستولي، في السرود العربية، على البعد الفضائي والبعد الزماني في كثافتهما وتعقيدهما” (ص4).

- رشيد المنور

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.