أوغست كور، دولة بني وطاس (1420-1554)، ترجمة محمد فتحة، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 2010 .
يعود تأليف هذا الكتاب إلى مطلع القرن العشرين، وهو يتكون من تمهيد ومقدمة وثمانية
فصول وخاتمة إضافة إلى تقديم وفهرس من وضع المترجم.
لماذا هذا الاهتمام المتأخر جدا بكتاب نشر في سنة 1920، بعد أن تراكمت منذ ذلك الوقت الكثير من الأبحاث التاريخية المهمة التي تطرقت إلى تاريخ المغرب الأقصى في نهاية العصر الوسيط ومطلع العصر الحديث،
أي خلال مرحلة حاسمة من تاريخنا تميزت بنهاية فترة العصبيات القبلية الكبرى والانتقال إلى صيغ حكم بديلة جعلت الدور العسكري للقبيلة رديفا لقيم اجتماعية ودينية رائدة، وأدت إلى تحول الشرف والتصوف إلى قوة مهيكلة للمجتمع تسعى إلى تعبئة الجمهور والحكام من أجل جهاد المسيحيين، الذين لم يكتفوا باحتلال أغلب المواقع الساحلية المغربية بل صاروا يهددون داخل البلاد أيضا، وتتطلع إلى تعويض كيانات سياسية قبلية وحضرية منخورة القوى، اقتسمت المجال وحافظت على ولاء شكلي وغير ملزم نحو الدولة الوطاسية التي تشكل امتدادا ضعيفا لدول العصر الوسيط.
ليس هناك شك في أن القرن العشرين شهد تطورا مهما على صعيد المعرفة التاريخية المتصلة بهذه الفترة (ق 9- 10هـ / 15- 16م). ففيه تمت العناية بتحقيق كثير من المصادر الإخبارية وخلاله جمعت الوثائق الدفينة لتاريخ المغرب وتم نشر العديد من النصوص المناقبية وكتب التراث الديني عامة، ككتب النوازل والحسبة والبدع، إضافة إلى النصوص والوثائق المتصلة بتاريخ المغرب والبرتغال المشترك، وفيه أيضا ألفت العشرات من الأبحاث الجامعية التي لامست بحظوظ متفاوتة تاريخ الوطاسيين ومرحلة الانتقال من المرينيين إلى السعديين. كل هذه العناصر أغنت معرفتنا، ولا شك، بتاريخ هذه المرحلة وصار الآن بالإمكان تتبع تاريخ المغرب على عهد هذه الأسرة بكثير من الوضوح بفضل أعمال رائدة نسوق منها على سبيل المثال أبحاث محمد حجي ومحمد القبلي وعبد اللطيف الشاذلي وأحمد بوشرب وآخرين. لكن هذه الأعمال عل أهميتها ، لا تقدم إلا معطيات قطاعية تهم مواضيع محددة، قد لا تتصل ببعضها دائما، مما يحول دون حصول إحاطة شاملة بهذا التاريخ بالنسبة لغالبية المهتمين.
وفي انتظار إنجاز تاريخ عام عن العهد الوطاسي مستوف لكل المعطيات الغنية المتوافرة فيما نشر من مصادر وأبحاث حول التاريخ الديني وعلاقة الحكام بالوسط الديني والعلاقة بالآخر والوقائع والأحداث وأحوال المجتمع المنبثة عبر العديد من الأعمال، نعتقد أن تقديم ترجمة عربية لكتاب أوغست كور حول الدولة الوطاسية، من شأنه أن يوفر مادة تاريخية عامة عن هذه الدولة للقارئ المغربي والعربي، لا سيما وأن النسخة الأصلية لم تعد كثيرة الانتشار، وعلى فرض وجودها، فإن فئات واسعة من القراء لا تحسن القراءة بالفرنسية.
إن انجذابنا إلى هذا النص لا يعني أنه مستوف لكل ما يرجوه الدارس حول المرحلة الوطاسية ولا خال من الهنات أو من المؤاخذات ، فلا شك أن كتابا طبع في 1920 ومن قبل باحث غير مستعرب، وفي وقت لم تكن فيه كثير من النصوص العربية رهن إشارة الباحثين، يبقى عرضة للأخطاء والتقديرات الجزافية التي عملنا على تتبعها وتصحيحها في هامش النص، والكتاب بالإضافة إلى هذه العوائق الموضوعية، لا يخلو من مواقف تبين مدى تشبع مؤلفه بأفكار الوقت، أي بدايات التغلغل الاستعماري في المغرب، وهو ما جعل الكتاب يهيكل بعض الأحكام التي عبرنا عن موقفنا منها كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
لم نحاول خلال مراحل تعريب هذا النص أن نغير التعابير والاصطلاحات التي استعملها المؤلف على الرغم مما قد تشي به من خلفيات فكرية أو اختيارات منهجية، لاقتناعنا بأن عمل الترجمة يقتضي الوفاء لروح وشكل النص، واقتصر تدخلنا على وضع هوامش إضافية نسبناها للمترجم، للتعليق على حكم أو لتصويب معطى تاريخي أو لتصحيح معنى، بدا لنا أنه مجانب للصواب، أو لضبط الموافقة بين التاريخ الهجري والميلادي، أو للتنبيه على ما يمكن تسميته بالمفارقة التاريخية كما هو الشأن بالنسبة لاستحضار المؤلف لتاريخ أوروبا في العصر الوسيط وإسقاطه على التاريخ الوطاسي على الرغم من الاختلاف الواضح بين البيئتين والمسارين التاريخيين.
آثرنا من جهة ثانية، في مقام وحيد، وبالرغم مما تقدم، عدم الاحتفاظ بتعابير أصلية للمؤلف تجافي الموضوعية وتعكس تعصبه لديانته أو لبني جلدته، ومن ذلك قوله عن أتباع الطريقة الجزولية بأنهم كانوا “مدربين تدريب الحيوان للقيام بالجهاد” وقمنا بتعريب هذه الجملة بشكل نزع عنها ما تحتمله من معنى غير لائق. وفي المقابل، فإننا احتفظنا باصطلاح “البربر” ولم نعمل على استبداله بتعبير الأمازيغ الذي يستعمل اليوم بدلا منه، لاعتقادنا باختلاف السياقات ولأن كلمة “البربر” وردت هكذا في كل المصادر العربية ومن شأن التصرف فيها خلق بعض التشويش لدى القارئ.
أما بالنسبة للنصوص التي أثبتها المؤلف فقد أرجعناها إلى أصولها العربية كما هو الشأن بالنسبة لاستشهادات المؤلف من كتابنزهة الحادي أو دوحة الناشر أو كتاب الاستقصا وفضلنا تعريب ما استشهد به المؤلف من نصوص أوربية على الرغم من وجود ترجمات عربية لها كما هو الشأن بالنسبة لمؤلفات الحسن الوزان ومارمول ودييغو دي طوريس وغيرها، كما عملنا على إزالة بعض الشروح الموجهة لغير القارئ العربي، واحتفظنا في المقابل بالتعريفات التي وضعها المؤلف للاصطلاحات الشرعية والإدارية التي قد يستعصي فهمها على غير المتخصص، وقمنا كذلك بضبط بعض الأعلام الجغرافية المحرفة في النص كما هو الحال بالنسبة ل”خساسة” و”ستيتب” و”مزوزة” و”فازنكار” وغيرها واستبدلناها بما هو محقق في المصادر العربية.